في المغرب لا يتعدّى عدد الأشخاص الذين يتبرّعون بالأعضاء البشرية 0.4 متبرع، منْ بين كلّ مليون مواطن، حسب أرقام وزارة الصحّة، وتركّز أغلبُ الأعضاء المتبرّع بها، على قلّتها، في الكلى والنخاع العظمي ثم القرنية؛ هذا الرّقم يعبّر عن ضُعْفٍ كبير في إقبال المواطنين المغاربة على التبرّع بأعضائهم، رُغمَ أنّ لا موانع، شرعيّة كانت، أمْ قانونية، تحُول بينهم والتبرّع بأعضائهم. ففيما يتعلّق برأي الشرع، فقد أجاز المجلس العلمي الأعلى، في جواب له على سؤال للجمعية المغربية لجراحة قرنية العين والمياه البيضاء وزرع العدسات، حول حُكم الشرع في التبرع بقرنية العين بعد الوفاة، بجواز أخذ قرنية العين من شخص متوفّى، بعْد أن يكون قد تبرّع بها قيْد حياته، لينتفع بها غيره، شرط أن يكون ذلك وفق المقتضيات الشرعية، ومنها أن يكون التبرّع بدون مقابل، وأن تتحقق المصلحة من إجراء العملية الجراحية، والتثبت من نجاحها. أما رئيس المجلس العلمي المحلّي لمدينة وجدة، مصطفى بنحمزة، فلمْ يُجزْ فقط عملية التبرع بالأعضاء للمسلمين بعضهم لبعض، بل أجازَ، في لقاء بمدينة أوتريخت الهولندية، سنة 2006، تبرّع المسلمين بأعضائهم لغير المسلمين، قائلا "دخول المسلمين مع غيرهم في تبادل التبرع بالأعضاء البشرية أمر جائز يقتضيه منطق العدل الذي يلزم الآخذ بأن يكون معطيا، ويلزم المستفيد بأن يكون مفيدا"؛ وجاء كلامه في سياق حديثه عن قبول بعض المسلمين في الغرب بالاستفادة من أعضاء الآخرين عند الحاجة لكنهم يرفضون التبرع بأعضائهم لغير المسلمين. وحسب الأرقام المتوفرة حول زراعة الأعضاء البشرية والأنسجة، يظلّ المغربُ متخلّفا، إلى حدّ كبير، ليس مقارنة مع الدول المتقدّمة، بل حتى مقارنة مع بعض دول المنطقة، فعلى الرغم من أنّ المغرب كان سباقا إلى إجراء أول عملية لزرع الكلي في البلدان المغاربية، سنة 1985، إلا أنه لم يشهد سوى 250 عملية إلى حدود سنة 2011، فيما بلغ عدد عمليات زرع الكلى في تونس، التي أجريتْ بها أوّل عملية لزرع الكلية سنة 1986، إلى غاية سنة 2005، ما مجموعه 590 عملية. فلماذا لا يتبرّع المغاربة كثيرا بأعضائهم؟ السبب، حسب الأستاذ ناصر الصمكاوي، رئيس لجنة زرع الأعضاء بالمركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بمراكش، الذي أجرى مؤخّرا ثاني عملية لزرع الكبد، هي الثانية من نوعها في المغرب، بعد أوّل عملية أجريت في المستشفى ذاته خلال شهر فبراير الماضي، راجع إلى غياب التوعية والتحسيس بأهمّية التبرّع بالأعضاء البشرية والأنسجة، وهو ما يجعلُ إقبالَ المواطنين على عمليّة التبرّع بأعضائهم قليلة جدّا، ولا تتعدّى 0،4 في كلّ مليون شخص. "من الطبيعي أن تكون نسبة المتبرعين قليلة، لأننا في البداية، وما زال التحسيس لم يتطور في المغرب"، يقول الصمكاوي في حديث لهسبريس، مضيفا "عندما نسأل الناس عمّا إن كانوا يرغبون في التبرع بأعضائهم، يطرحون عددا من الأسئلة حول هذا الموضوع، من قبيل معرفة ما إنْ كان هناك أشخاص آخرون سبق لهم أن تبرّعوا بأعضائهم أم لا، وعندما يعرفون أن آخرين غيرهم تبرعوا، يسهل عليهم القبول". ودعا رئيس لجنة زرع الأعضاء بالمركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بمراكش، الذي نظم ندوة صحافية، اليوم الجمعة، لتسليط الضوء على عملية زرع الكبد الثانية من نوعها التي تُجرى في المستشفى، وفي المغرب بصفة عامّة، (دعا) إلى إيلاء اهتمام أكبرَ للتبرّع بالأعضاء البشرية والأنسجة، من خلال القيام بحملات تحسيسية، على الصعيد الوطني، وعلى مستوى الإعلام السمعي البصري، من أجل تحسيس المواطنين بأهمّية التبرع بالأعضاء. وبخصوص عملية زرع الكبد الثانية من نوعها التي عرفها المركز الاستشفائي الجامعي بمراكش، أوضح الصمكاوي أنّ العملية التي أشرف عليها فريق طبّي "مُراكشي" بالكامل، تحت تأطير جرّاحيْن جاءا من فرنسا، نجحت بنسبة مائة في المائة؛ وجوابا على سؤال عن سبب استقدام جراحين من فرنسا، أكّد المتحدّث على أنّ عملية زرع الكبد معقّدة جدّا، وتتطلب تنسيقا بين عدد كبير من الفرق الطبّية، وخبرة كبيرة، وهو ما جعل المستشفى يستعين بخبرة الطبيبين القادمين من فرنسا، اللذيْن أجريا العملية، رفقة فريق متكامل من جرّاحي المستشفى الجامعي لمراكش.