(الصورة من الأرشيف) واقع الإعلام في المغرب لا يسر ولا يضر، هكذا لخص جمال الدين الناجي، المدير العام للهيئة العليا للسمعي والبصري، حال الصحافة في البلد والواقع المهني والأخلاقي لرجال الإعلام، حيث انتقد بشدة تمركز مصادر الأخبار في محور الرباط والدار البيضاء، مطالبا بضرورة فسخ الصحافي لعلاقة زواج المتعة مع السياسي، من أجل مزيد من المصداقية والمهنية. الناجي، الذي كان يتحدث اليوم في الدرس الافتتاحي لمسلك الإجازة في "الصحافة والإعلام" بكلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، خلص، في محاولة منه لربط واقع الإعلام المغربي بين الحاضر والماضي، إلى أن واقع الصحافة هنا لا يلبي طموح المواطن، على أن الأخير وكل لرجل الإعلام مهمة مواكبة الأحداث وممارسة الرقابة على المؤسسات العمومية والمسؤولين. ويبقى المغرب، وفق الخبير في الإعلام والاتصال، بعيدا كل البعد عن ركب الحصول على المعلومة باستخدام التكنولوجيات الحديثة، "المعلومة باتت اليوم هي المحرك والقلب النووي لكل قرار وعملية.. وللأسف البلد متأخر في هذا المجال"، مشيرا إلى أن التوفر اليوم على المعلومة ومن ثم معالجتها سيتيح توظيفها للحاضر والمستقبل. كما حذر الناجي من استيلاء القوى الغربية على المعلومة، وتجاوزها للمنطق المعرفي والإخباري إلى المنطق التجاري، "يمكن مثلا لشركة غوغل أن توجه 2.7 مليار شخصا في العالم من المتصلين بالأنترنت العالم بمعلومات تتحكم في مصداقيتها.. ناهيك عن انتقال الشركة حاليا من توفير المعرفة إلى صناعة السيارات والنظارات". وفي مقابل ارتفاع استخدام المغاربة للأنترنت، يضيف الناجي، إلا أن مستوى مواكبة مسار التقدم التكنولوحي في علاقته بالحصول عل المعلومة لا يفي بالغرض "حتى نتحدث عن الصحافة والإعلام"، خاصة مع توجه مستهلكي الأنترنت إلى اعتماد الهواتف النقالة الخلوية، "إذا، ماذا نقدم لهؤلاء المغاربة مقارنة مع دول أخرى". واستند المتحدث على إحصائية عالمية، مصدرها موقع "لايف ستايت" المعروف، تقول بأن عدد المشتركين المغاربة في المحمول، حتى أكتوبر المنصرم، بلغ 44,26 مليون مشترك، بمعدل نفاذ فاق 133%، على أن استعمالهم للشبكة العنكبوتية ارتفع ليصل اليوم 8.5 ملايين شخص، متسائلا بحسرة "حرام أن نسجل هذا الاستخدام الكثيف للأنترنت دون أن نقدم للمستهلك المغربي منتوجا معرفيا حديثا"، مشددا على أن هذا التقدم يجب أن تواكبه بيئة تسمح بتفاعل إيجابي للعقل المغربي مع التطور التكنولوجي. مقاربة الناجي، الذي شغل منسقا للحوار الوطني حول "الإعلام والمجتمع" إبان حكومة عباس الفاسي، لواقع الإعلام بالمغرب استندت على الرجوع إلى الأمس حتى حدود عام 2000، "البلد كان يعيش زمن الطباعة والورقي وعلى السينما والأثير والتلفاز.."، قبل أن يعيب على هذه الوسائل كونها قادمة من دول غربية كفرنسا وألمانيا وإيطاليا، متسائلا عن دور المغرب والمغاربة في ذلك الانتاج، مشيرا في ذلك إلى أن الجرائد الورقية دخلت المغرب في حقيبة الاستعمار، حيث كانت كل قنصلية استعمارية تتوفر على جريدتها ويشتغل ضمنها مغاربة. النظرة السلبية، التي بثها الناجي حول اكتفاء المغاربة باستيراد واستهلاك كل ما هو غربي، شملت أيضا ما أسماه "زواج المتعة بين الصحافي والسياسي"، موضحا أن هذه العلاقة ورثها رجال الإعلام في المغرب من المدرسة الفرنسية، قبل أن يقف عند استيلاء الدولة، في زمن ما قبل تسعينيات القرن الماضي، على الرأي العام الوطني عبر إحكام قبضتها على محطات الإذاعة والتلفزيون، أو ما يطلق عليه "إتم". كما انتقد جمال الدين الناجي بشدة تمركز مصادر الإخبار في محور الرباط والدار البيضاء، على حساب باقي المناطق والجهات، ما رأى فيها هيمنة غير صحية لوسائل الإعلام على تلك المصادر بنسبة كبيرة، قبل أن يستدرك قائلا إن الرهان الاقتصادي وهاجس الإشهارات، المتركزة في القطب الاقتصادي للمملكة وفي عاصمتها الإدارية، دفع عددا من المؤسسات الإعلامية إلى اختيار مصير التمركز، "الذي وضعنا في واقع من التنافر والتعارض". ودعا الخبير المغربي إلى إعمال مقاربة ومنهجية تمكن الإعلام المغربي من لعب دوره في تشكيل وتغيير الرأي العام، إلى جانب الرقابة المستندة على المصداقية والمهنية والأخلاقيات، مشددا على ضرورة التمييز وعدم الخلط بين لغات الإعلام ولغات المواطن، وتوضيح العلاقة بين رجل الإعلام والسياسة، التي رأى فيها ضرورة أن ينتقل فيها الاعلامي من الحميمية مع السياسي إلى الرقابة ونقل الحقائق إلى الرأي العام.