لماذا بادر الملك محمد السادس إلى إعادة "اليد الممدودة" نحو الجزائر؟    توقيف سيدة بمركز باب سبتة متلبسة بمحاولة تهريب أزيد من 4,7 كيلوغرامات من الكوكايين    الصحراء المغربية: جلالة الملك يعرب عن اعتزازه بالدعم الدولي المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي    جلالة الملك يشيد بالدعم الدولي لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية    جلالة الملك يجدد التزام المغرب بمد اليد للجزائر وتجاوز الخلافات    من باريس إلى لندن .. غزة تغيّر مواقف العواصم الكبرى    خطاب الأمل والمسؤولية .. جلالة الملك يرسم ملامح مغرب أكثر إنصافاً    "حزب الأحرار" يشيد بالأوراش الملكية    6 سنوات سجنا للبدراوي و7 لكريمين    الكوكايين يوقف سيدة في باب سبتة    معرض فوتوغرافي يفحص تغيير "الصحون" أذواق ورؤى وذهنيات المغاربة    ارتفاع المداخيل الجبائية ب 16,6 في المائة مع متم يونيو    والي بنك المغرب يرفع إلى الملك التقرير السنوي للبنك المركزي حول الوضعية الاقتصادية والنقدية والمالية برسم سنة 2024    الملك محمد السادس يصدر عفوه السامي على 19.673 شخصا    برنامج الأنشطة الملكية بمناسبة تخليد الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش    عملية جراحية ناجحة لتير شتيغن أسفل الظهر    تورينو الإيطالي يتعاقد مع المغربي زكريا أبو خلال    وكالة الطاقة تطلق طلب استشارة لتقييم حلول التخزين بواسطة البطاريات في محطة "نور ورزازات"    المكتب الوطني للمطارات يعين مديرين جديدين للملاحة الجوية والاستغلال المطاري    الصيادلة يلجأون لأخنوش بخصوص مشروع تحديد أثمنة الأدوية    ستارمر: بريطانيا ستعترف بدولة فلسطين في شتنبر المقبل    موجة حر خانقة تضرب المغرب وتستمر حتى 10 غشت    النصر السعودي يقدم جواو فيليكس    حقيقة إصابات "حلوى الزجاج" بزايو    حفل تخرج يُسقط رئيس جامعة ابن طفيل من منصبه    قطعة نقدية تذكارية تخلد عيد العرش    الصويرة : محمد ملال ، الكاتب الإقليمي للحزب ، والنائب البرلماني وعضو المكتب السياسي ، يتوج مساره الأكاديمي بشهادة الدكتوراه        تقرير أممي: كافة فلسطينيي غزة يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد    رئيس "الفيفا" يتجول في شمال المغرب ويقصد شفشاون    بعد ترحيله.. البقالي: الالتفاف حول سفينة "حنظلة" هو دعم للقضية الفلسطينية وكسر لحاجز الصمت    نهائي "كان" السيدات: احتجاج الجامعة المغربية يعجل بتغييرات تحكيمية من قبل 'الكاف"    سعد الله و نوس:وحده الأمل    الاستصهان: تفكيك السردية الصهيونية من موقع الفهم لا التبعية    عضة كلب ضال تودي بحياة طفل نواحي الناظور    خيتافي يعلن عن تعاقده مع اللاعب المغربي عبد الكبير عبقار حتى 2028    الدورة الرابعة لصيف طنجة الكبرى .. كرنفال استثنائي وسهرات فنية تضيء ليالي المدينة    توظيف مبلغ مالي مهم من فائض الخزينة    المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية: المغرب بلدٌ مانح للخبرة والتضامن العلمي    سجن تولال 1 ينفي منع زيارة نزيل ويؤكد احترام الإجراءات المعتمدة    في ذكرى عيد العرش: الصحراء المغربية وثلاثة ملوك    أكديطال تستحوذ على مستشفى سعودي    بورصة الدار البيضاء .. أداء إيجابي في تداولات الافتتاح    مسلح يقتحم برجا بنيويورك ويخلف 4 قتلى بينهم شرطي    "قاتل الشياطين" يحطم الأرقام القياسية في اليابان    مات مرتين .. في وداع زياد الرحباني صمتت فيروز    هند زيادي تُشعل منصة كلميم وتواصل نجاحها ب"انسى"    لاعب سابق للمنتخب الفرنسي يحاكم في البرازيل    بسبب مبابي.. ريال مدريد يخطط لبيع فينيسيوس    متى ينبغي إجراء الفحوص الدورية على العينين؟    استخدام الهاتف في سن مبكرة يهدد الصحة العقلية    مصرع 30 شخصاً وإجلاء عشرات الآلاف في بكين بسبب أمطار غزيرة    تطوان تحتفي بحافظات للقرآن الكريم    ما علاقة السكري من النوع الثاني بالكبد الدهني؟        على ‬بعد ‬أمتار ‬من ‬المسجد ‬النبوي‮…‬ خيال ‬يشتغل ‬على ‬المدينة ‬الأولى‮!‬    الوصول إلى مطار المدينة المنورة‮:‬‮ على متن طائر عملاق مثل منام ابن بطوطة!    اكتشافات أثرية غير مسبوقة بسجلماسة تكشف عن 10 قرون من تاريخ المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حقوق الإنسان والحوار (العَلما إسلامي)
نشر في هسبريس يوم 02 - 12 - 2014

(على هامش اختتام أشغال المنتدى العالمي لحقوق الإنسان)
تتأسس منظومة حقوق الإنسان في التشريع الإسلامي على قاعدة جوهرية؛ ألا وهي: مراعاة حق الخالق جل وعلا ..
وهي قاعدة شرعية تكتسب منطقيتها وجوهريتها من حقيقة بدهية؛ وهي أن الخالق سبحانه هو صاحب المنة على الإنسان: إيجادا من عدم وإمدادا بالنعم:
قال الله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4]
وقال سبحانه: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34]
وما الحياة ولا الحرية ولا الكرامة ولا البيئة ولا الثروات ..، وغيرها من مناطات الحقوق الإنسانية؛ إلا منحا ربانية وهبها الخالق للإنسان من غير حول منه ولا قوة.
وبناء عليه؛ فلا يصح منطقا أن تتجه البشرية في منحى بلورة منظومة حقوقية كونية تمجد حق الإنسان (المخلوق المنعَم عليه) وتسقط حق الله (الخالق المنِعم) ..
وقد عمل رسل الله وأنبياؤه عليهم الصلاة والسلام طيلة تاريخ البشرية على إقامة توازن متكامل بين حقوق الله وحقوق عباده ..
واجتمعت تلك المنظومة الحقوقية المتكاملة في خاتم الرسالات؛ الرسالة المحمدية التي أعلَتْ منارة حقوق الخالق: توحيدا وطاعة وإسلاما ..
وضمنت من خلال تشريع محكم: حقوق الإنسان؛ حرية وكرامة وعدلا ومساواة وأمنا وعيشا كريما: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70]
وهذا التكريم الإلهي للإنسان؛ يشمل: الخَلْقَ والتشريع، وللضعفاء والفئات الهشة -كالنساء والأطفال-؛ منه نصيب وافر يستوجب رعاية حقوقهم بشكل أكثر عناية.
وكل مفردات حقوق الإنسان المعتبرة؛ مكفولة في إطار هذا التشريع الرباني: الحق في الحياة والاحترام والتعبير والعدل والثروة والسلطة والتعليم والصحة والعمل والعيش الكريم والبيئة السليمة والتمييز الإيجابي (كالتمييز بمراعاة وضعية ذوي الإعاقة والضعفاء) .. إلخ.
كل ذلك مكفول في إطار تشريعي وتربوي قائم على الأساس المتقدم: مراعاة حقوق الله تعالى وعدم تجاوزها ..
وهذا الأساس هو الفرق الجوهري بين منظومة حقوق الإنسان في الإسلام، والمنظومة الحقوقية الغربية التي تجتهد القوى العلمانية في السعي لعولمتها وتعميمها على البشرية باسم: الكونية ..
وتعتبر كل اعتراض أو تحفظ على شيء من تلك المنظومة؛ موقفا معاديا لحقوق الإنسان، رافضا لحريته، كما تعتبر المنظومة الحقوقية الإسلامية رجعية وظلامية!
وهذا الموقف يمثل تمردا على الخالق ورفضا لحقه على عباده؛ ألا وهو عبادته وإسلام الوجه له سبحانه: توحيدا وامتثالا.
كما يمثل خرقا للمبادئ الحقوقية التي يمجدها العلمانيون؛ والتي تكفل حرية الشعوب في تدبير شؤونها؛ لكن على مستوى العمل نلاحظ أن القوى السياسية العلمانية؛ تعمل على إقصاء التوجهات الإسلامية ومصادرة حق المسلمين في التحاكم إلى منظومتهم التشريعية، وحق الإسلاميين في اقتراح ووضع سياسات وبلورة قوانين تنبع من تلك المنظومة ..
إن هذه المواقف الإقصائية؛ تؤكد أننا أمام حركة عولمة (راديكالية) تصادر حق الدول في تدبير شؤونها بحرية واستقلالية، ولسنا أمام نشاط عالمي مشترك قائم على التنوع ومراعاة الحق في الاختلاف.
إنها حركة قائمة على أحادية الرأي ونمطية التفكير وادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة، وهو عين ما ينكره العلمانيون على الإسلاميين!
وفي هذا السياق؛ أسجل استنكاري للطريقة التي يتعامل بها كثير من العلمانيين العرب مع القناعات الإسلامية؛ باعتبارها آراء متخلفة تحتاج إلى مراجعة، وأن مبادئ المسلمين القائمة على اعتبار حق الله طاعة وامتثالا؛ ما هي إلا عادات قديمة ينبغي تجاوزها من خلال تطوير العقلية (العالم ثالثية) من أجل تأهيلها للدخول في المنظومة العالمية المتقدمة لحقوق الإنسان ..
وأن الفكر التقدمي التنويري؛ يستلزم تطبيق المنظومة الحقوقية الغربية العلمانية في كل الدول بشكل مطلق وغير قابل للمراجعة والتمحيص والتحفظ.
وقد كان هذا التوجه حاضرا بقوة في برنامج: "مباشرة معكم" الذي بثته القناة الثانية يوم الأربعاء الماضي من مراكش، بمناسبة انطلاق أشغال النسخة الثانية من المنتدى العالمي لحقوق الإنسان.
إن استمرار النخب العلمانية في تهميش قناعات المسلمين وتجاهل حقهم في سياسة دنياهم بأحكام ومبادئ دينهم؛ سلوك استبدادي استعلائي يتناقض مع أبجديات ثقافة حقوق الإنسان؛ وسيؤدي في نهاية المطاف إلى الاصطدام المباشر مع الشعوب الإسلامية التي عبرت عن رفضها القاطع لاستمرار الهيمنة الإمبريالية ..
وتفادي هذا الاصطدام هو ما يجعل كثيرا من الحقوقيين العلمانيين لا يجاهرون ولا يصرحون برفض ومصادرة ذلك الحق، وإن عرف ذلك التوجه الاستعلائي في لحن قولهم، وجلي مواقفهم التي تتسم بالتنكر الكامل لشيء اسمه: التشريع الإسلامي، ونظرة الإسلام لحقوق الإنسان ..
هذا الواقع يدفعني إلى تقديم المقترحات التالية:
1 اجتهاد القوى الإسلامية في تطوير المشروع الحقوقي الإسلامي العالمي وتسويقه بآليات متقدمة ورؤية عالمية شمولية ..
وقد تحققت في هذا الصدد إنجازات مهمة؛ تمخض عنها: "إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام"؛ وهو إعلان تم إجازته من قبل مجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي في القاهرة، يوم 5 أغسطس 1990.
2 فتح حوار عالمي (إسلامي / علماني) لإبراز المشترك الإنساني المتفق عليه بين الجميع، والتوصل من خلال ذلك إلى وضع أرضية تعايش أممي قائم على السلم والاحترام المتبادل وحفظ حقوق جميع الشعوب على قدم المساواة.
3 تكاثف جهود الدول الإسلامية لوضع ميثاق يضمن حق شعوبها في المحافظة على قيمها ومبادئها؛ وعلى رأسها: ما يفرضه الإسلام من بناء المنظومة الحقوقية؛ على أساس التشريع الإسلامي، والوقوف صفا واحدا في وجه أخطبوط العولمة الذي يسعى لابتلاع الخصوصيات ومقومات الشخصية الحرة والمستقلة.
وهذا المطلب يؤكد الحاجة إلى عمل مشترك توافقي بين المعتدلين من الإسلاميين والعلمانيين؛ من أجل تجاوز الواقع الحقوقي القائم على الرؤية الأحادية في موضوع حقوق الإنسان.
والملاحظ؛ أنه في الوقت الذي أبان فيه الإسلاميون السياسيون عن قدر كبير من النضج والانفتاح على الحوار، والحرص على التعايش المجتمعي؛ نلاحظ أن القوى العلمانية تسلك مسالك: الاستبداد ومصادرة الحقوق الإنسانية والسياسية وبث الكراهية التي تصل في كثير من الأحيان إلى درجة تبني خيار العنف ..
ولا أظن متابعا يناقش في أن ما يسمى اليوم بالثورات المضادة؛ إنما تباشرها قوى سياسية وإعلامية علمانية، وأن ما حصل ويحصل من انقلاب على الشرعية يتم تحت إشراف غربي متستر لا يكشف عن دوره في إيجاد تلك الانقلابات ودعمها وضمان نجاحها ..
وما كان للسيسي ولا لحفتر ولا للحوثيين ..؛ أن يقوموا بما قاموا به من انقلاب على نتائج العملية الديمقراطية والحوار الوطني؛ لولا الدعم القوي من أمريكا والاتحاد الأوروبي والمتواطئين معهم من أبناء جلدتنا ..
ولولا ما قدمته حركة النهضة التونسية من تنازلات في عملية صياغة الدستور، وفي حقها المشروع في الحكم؛ لولا تلك التنازلات لكان واقع تونس شبيها -إلى حد كبير-؛ بالواقع الليبي أو اليمني ..
فمع كون الحق في الحكم وممارسة السياسة؛ حقا مكفولا في المنظومة الحقوقية الغربية (التي يحلو للبعض أن يسميها: منظومة كونية)؛ مع ذلك لا يسمح للإسلاميين بهذا الحق إلا في حدود ضيقة جداً ..
ونحمد الله تعالى على الاستثناء المغربي، الذي لعبت فيه حكمة جلالة الملك دورا كبيرا؛ تمثل في احتواء ذلك التوجه العلماني الديكتاتوري المتطرف، وتصريف شحنته العدوانية المدمرة؛ عبر قنوات سياسية توافقية، هذبت عنفوانها وأضعفت قوتها التخريبية ..
وإلا فقد أثبت الواقع؛ أن التوجهات العلمانية تكفر بكل مبادئ الحوار وقبول التنوع؛ حين يكون الرأي المخالف إسلاميا، وهو ما شاهدنا صورة مصغرة منه في المنتدى العالمي لحقوق الإنسان؛ حيث شهدت قاعة "فاطمة آيت تاجر" ورشة في موضوع الحريات الشخصية، وعرفت قضية حرية المعتقد وحرية المثلية الجنسية نقاشا حادا بين أعضاء من حركة التوحيد والإصلاح في مقدمتهم الأستاذ محمد الهلالي النائب الثاني لرئيس الحركة، ومنتمين للتوجه العلماني الذين كان حضورهم مكثفا؛ ولم يُخفِ العلمانيون ضجرهم من تدخلات ومواقف شباب الحركة إلى درجة أنهم صرخوا في وجه الهلالي وحاولوا منعه من الكلام!
من المفارقات أن أحد الشباب غير المتدينين تولى الدفاع عن الإسلاميين وهاجم العلمانيين بقوة كاشفا ازدواجية المعايير عند النخبة التقدمية الديمقراطية، وأنها تمارس ما تتهم به النخب المحافظة من تبني سلوك الإقصاء وادعاء الحقيقة المطلقة ..
كما هاجم إسلاميون مُسَيّرة الجلسة، وكشفوا تحيزها وغياب الحيادية التي تفترض فيها بصفتها مسيرة؛ مما أجبرها على الإقرار والاعتذار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.