منذ تكريم مدرسة فهد العليا للتّرجمة التي يوجد مقرّها بمدينة طنجة العالية الفيحاء مؤخرا لصديقتنا الغالية الأديبة الرقيقة ،والمترجمة الحاذقة الأستاذة مليكة مبارك..كان هذا التكريم تكريما مستحقّا بكلّ المقاييس، وبكلّ المعايير .. هذا الخبر السارّ وضعني آنذاك على ثبج صهوةٍ مسوّمة من الفرح العارم ، والجَذل الغامر ،وحوّطني بهالاتٍ مخمليّة وضّاءةٍ متلألئة من مشاعر السّرور، والحبور ،وَسَمَا بي إلى الأعالي السّامقات إذ يتعلق الأمر بالإحتفاء بصديقةٍ عزيزةٍ، غاليةٍ، وإنسانةٍ عفيفةٍ ، شفيفةٍ ، وأديبةٍ مُبدعة، وباحثةٍ مثابرةٍ لامعةٍ، ومترجمةٍ مقتدرة مشهود لها بطول باعها فى هذا المضمار..ألاَ وهي الكريمة حقّا ، وخلقاً ، وأدباً ، وفكراً، وتكويناً فى مجال تخصّصها فى عوالم وفضاءات لغتيْ سيرفانتيس وفلوبير..الدكتورة مليكة مبارك لوبيث .. إن نسيتُ فلن يطولَ النسيانُ أبدا الأعوامَ والشهورَ والأيامَ الجميلة التي تقاسمناها وعشناها جنباً إلى جنب عندما كنت أتقلّد منصبَ المُستشار الثقافي لسفارة المغرب بمدريد فى حقبة الثمانينيّات من القرن الفارط .. حيث شرّفتنا والتحقت للعمل مشكورةً وممنونةًً ،كانت البسمة الصافية النقية المداويّة لا تبرح شفتيْها تلك الإبتسامة البريئة كانت جوازاً مباشراً بدون استئذان إلى أعطاف وشغاف قلبها الطيّب الطهور المُفعم ،والمُترع بفيض غامر من المحبّة والصّفاء والنقاء والبهاء والوفاء.. كنّا إخوة وأخوات متحاّبين فى الله تعالى .. كانت لا تتأخّر ولا تتوانى قيد أنملة فى الإستجابة للقيام بأيّ عمل يسند اليها أو تقديم أيّ مساعدة أو إستشارة بتفانٍ واستماتة وترحاب وكرم وسخاء.. كانت حريصة كلّ الحرص على مرافقتنا مشكورةً إلى العديد من التظاهرات، والمُلتقيات، الثقافية،والعلمية، والأدبية، والشعرية، والفنية التي كان ينظّمها القسم الثقافي بالسفارة بين الفينة والأخرى سواء فى عاصمة أبي القاسم المجريطي مدريد العامرة أو فى مختلف المدن الإسبانية الأخرى .. ولن أنسى حضورَها الزّاهر عندما ألقيتُ محاضرة باللغة الاسبانية فى ملتقىً دولي نُظّم بجامعة مدريد المُستقلة حول الاديب المغربي المعروف الصديق العزيز المرحوم محمّد الصبّاغ تحت إشراف شيخ المستشرقين المعاصرين الاسبان المرحوم الدكتور بيدرو مارتينيث مونطافيث، و الصديقين الرائعين الاسبانيين كارمن رويث برافو، وبرنابي لوبث غارسيا وآخرين .. ولن أنسى مراجعتها معي لترجمات لي إلى اللغة الإسبانية لكتابات رائعة أنجزتها للصبّاغ إبّانئذ عن الشاعر الإسباني الكبير فيسينتي ألكسندري الحاصل على جائزة نوبل فى الآداب .. كما لن أنسى لقاءاتٍ، ومسامراتٍ، وضحكاتٍ ، وقفشاتٍ، ولحظاتٍ ، وهنيهاتٍ سعيدة ورغيدة تملأها المَحبّة الصّافية الغامرة والودّ الجميل عشناها خلال العمل بالسفارة او خارجها . وكان الكاتب الاسباني الكبير الذائع الصّيت المرحوم خوان غويتيسولو الذي كان يقيم فى مدينة مراكش والذي كانت تربطه صداقة خاصّة بمليكة مبارك ( إذ كانت قد ترجمت العديد من أعماله الروائية ) كان يزورنا بين الفينة والأخرى حيث كنتُ قدّمتُ له الدّعم لتسهيل وتيسير إقامته الأولى فى مدينة مراكش الفيحاء وكان لا يدّخر وسعا فى المشاركة معنا فى العديد من الندوات، والملتقيات، الثقافية ،والفكرية التي كانت تنظمها السفارة فى مختلف المدن والأقاليم الاسبانية .كما كان يساعدنا فى استقدام الفرق الموسيقية من مختلف المدن المغربية لمدريد ولمدن اسبانية اخرى للمشاركة بها فى مختلف التظاهرات الثقافية، والفنية التي كانت تقام بهذه الحاضرة المترامية الأطراف من قبيل فرقة الموسيقية للمرحوم الفنان الشهير المبدع "عبد الصادق شقارة" من تطوان العامرة، وفرقة "ملوك الهْوىَ" من مراكش الحمراء وسواها من الفرق الفلكلورية الاخرى .. رحم الله زمناً جميلاً لم ينقضِ بالهَمِّ والحَزَنِ…! وتحيّةً حارّة من القلب لسائر المُشرفين على هذا الملتقىَ التكريمي المُستحقّ فى طنجة العالية من أصدقائنا الأصفياء،وصديقاتنا الكريمات،وعلى وجه الخصوص للعزيزة الغالية المُكرّمة الاستاذة "مليكة" التي هي بحقّ مَالِكةٌ ومليكةٌ لقلوبنا، وألبابنا، وعقولنا، ووجداننا. كاتب، وباحث، ومترجم من المغرب، عضو الاكاديمية الاسبانية الآمريكية للآداب والعلوم بوغوتا كولومبيا..