الدرك الملكي بمولاي عبد الله ينقذ قاصراً تائهاً بعد انتهاء موسم مولاي عبد الله    فاس تواصل جذب السياح وتحقق نموا مستمرا في النشاط الفندقي    "البيجيدي" يدعو الحكومة إلى استحضار الدستور والاختيار الديمقراطي في إعداد برامج التنمية الترابية    الذهب يستقر قُبيل "جاكسون هول"    بتعليمات ملكية .. المغرب يرسل دفعة جديدة من المساعدات الإنسانية إلى غزة    مهرجان "أصوات نسائية" يختتم مرحلته الأولى وسط أجواء احتفالية    ترامب: أمريكا ضالعة في أمن أوكرانيا    الجزائر تتأهل إلى ربع نهائي "الشان"    مقر "المينورسو" بالعيون يتحول إلى وجهة لوفود دبلوماسية بشأن الصحراء                سعد لمجرد يعود لمعانقة الجماهير المغربية عبر منصة مهرجان القنيطرة في سهرة استثنائية    "بي دي اس": وضع أسيدون تحت جهاز التنفس الاصطناعي وحالته الصحية خطيرة رغم استقرارها    اصطدام مروع قرب القصر الصغير: وفاة شخصين وإصابة 20 بجروح متفاوتة    إيقاف لص سيارات بمكناس نفذ 20 عملية سرقة.. آخرها حقيبة بها 14 مليون سنتيم    البكوري ينقذ المغرب التطواني بدعم مالي جديد تبلغ قيمته حوالي مليار سنتيم    الانخفاض ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    مؤسسة المهرجان المتوسطي للثقافة الأمازيغية بطنجة تنعي الروائي الكبير صنع الله إبراهيم    المغرب.. حين تُحلّق الطائرات محمّلة بالحياة نحو غزة    سبتة ومليلية تشهد جدلاً حول حظر النقاب.. وفاطمة هامد تعلق    نجم المنتخب الوطني يلتحق رسميا بالدوري السعودي    تحذير من موجة حر مصحوبة ب"الشركي" وزخات رعدية ورياح قوية من الاثنين إلى الأربعاء بعدد من المناطق    مسؤول بحماس: الحركة أبلغت الوسطاء بموافقتها على أحدث مقترح لوقف إطلاق النار بغزة    مهرجان الشواطئ يواصل جولته ويشعل مرتيل والناظور والسعيدية    إنجاز طبي.. خلايا بنكرياسية تُنتج الأنسولين لمريض السكري    دراسة علمية تكشف وجود علاقة بين المعدة والصحة النفسية    الأزمة تضرب السوق العقار بالمغرب.. ركود كبير في المبيعات والأسعار ظلت مستقرة    بما في ذلك الناظور.. 19 مدينة مغربية تتجاوز 40 درجة وموجة حر استثنائية مستمرة    دراسة: حماية الحاجز الدموي الدماغي قد تحد من التدهور الإدراكي لدى المسنين    لفتيت يوجه الولاة والعمال لإعداد جيل جديد من برامج التنمية الترابية    الهزيمة أمام خورفكان تنهي مسيرة الحسين عموتة مع الجزيرة    الواجهات الزجاجية للمكاتب تفاقم معاناة الموظفين في ظل موجات الحرارة        احتياطي المغرب من العملات الصعبة يسجل رقما قياسيا جديدا    المغرب ‬الواثق ‬المطمئن ‬الصامد ‬والجزائر ‬المذعورة ‬المصدومة ‬            فتيان الدراجة المغربية يعودون بفضية من ليبيا    نبيل فهمي يقترب من خلافة أبو الغيط في منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية        الإفراط في ممارسة ألعاب الفيديو يُعرض المراهقين للتوتر والاكتئاب    "خيرونا" يجهّز عرضًا جديدًا لأوناحي    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    ابتسام لشكر وإشكالية الحرية...    دراسة: العنف يرفع خطر إصابة المرأة بأمراض القلب والأوعية    فيدرالية اليسار الديمقراطي بتيسة تدق ناقوس الخطر بشأن الأوضاع الاجتماعية وتنتقد المنع والتهميش    كأس آسيا لكرة السلة: المنتخب الأسترالي يتوج باللقب على حساب نظيره الصيني    الصحافة من بوابة الثقافة في ذكرى رحيل غلاب    "سينما الشاطئ" تحل بطنجة وتحتفي بالإبداع المغربي في الهواء الطلق    مؤرخان إسرائيليان ‬يقارنان المحرقة.. ‬والإبادة في‬ غزة!‬    دموع الأم ووفاء الوطن.. لحظات استثنائية في حفل كزينة بالرباط    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطاب ملكي صارم وواعد وجالية مستغيثة
نشر في هسبريس يوم 13 - 08 - 2015

أبرز السمات التي تتميز بها الخطب الملكية للعهد للجديد وهي أنها تعتمد مقاربات واضحة الطرح والمعالم، شفافة في مضامينها وسهلة للاستيعاب من طرف الجميع، وتعتمد الخط المباشر في تبليغ الرسائل وواقعية إلى حدود التشريح المبسط. خطب بعيدة كل البعد عن التنظير لكنها عميقة في دلالاتها ومعانيها وينعدم فيها الحشو الزائد.
الرجل يقرن القول بالفعل وبنفس طويل. فخطبه كنشاطه الدؤوب لا يترك مجالا أو قطاعا من القطاعات إلا وتصدى له بالمعالجة الحثيثة من أوله إلى نهاية إنجازه. تحدث عن أوراش ودشنها وكان من ورائها إلى حين أن استكملت ورأت النور. الفريق الحكومي عليه أن يكون في مستوى قوة الدفع لكي يكمل السباق وفي توقيت قياسي. عهد الاستوزار و "الفشوش" قد انتهى وولى. وخطاب العرش الأخير كان بالفعل ترجمة لسياسة واقعية وحصيلة لجملة من الحقائق التي عرف جلالته كيف يقف عليها في جولاته وأثناء اتصالاته مع أبناء شعبه في الداخل والخارج.
من جملة ما حظي به اهتمام جلالته واحد من أضلع الجسم الدبلوماسي وهو الجانب المتعلق بالنشاط القنصلي. وهو في غاية الأهمية ولا يقل شأنا أوقيمة عن بقية الأنشطة الأخرى ذات الصلة بالنشاط الرسمي للدبلوماسية المغربية. فالحديث عن النشاط القنصلي يعني الانكباب على أوضاع الجالية المغربية وهموم وانشغالات لما يزيد عن خمسة ملايين من أبناء هذه الجالية المتواجدين في مختلف أنحاء العالم. وإثارة الانتباه إلى وضعية هذه الشريحة في خطاب ملكي، يعني أن الأمر له دلالة كبيرة وينبغي أن يحظى بالاهتمام اللازم والمعالجة الفورية من الدوائر الحكومية المعنية وعلى رأسها وزارة الشؤون الخارجية والتعاون المعنية مباشرة بهذا الحقل في أبعاده الإدارية والاجتماعية والاقتصادية والحقوقية، وما يشكله أيضا من واجهة خارجية للبلاد يفترض فيها أن تكون في أبهى صورها.
اليوم، مطلوب من وزارة الشؤون الخارجية والتعاون أن تكون في مستوى الحدث وأن تكون في مستوى تطلعات وتوجيهات ملك وفي مستوى انتظارات فئة عريضة من الشعب المغربي. ولا ينبغي على الوزارة المعنية أن تؤخذ على حين غرة وتقع في خطر التهور بعد أن باغثها الخطاب الملكي بإثارة الانتباه وبهذا الطرح القوي والداعي إلى الصرامة. فالمطلوب إذن من هذه الوزارة الاهتداء على الفور بالخطوط العريضة للخطاب الملكي وتنزيله على أرض الواقع بما يتلائم مع الأوامر العليا التي حددت الإرادة الملكية أهدافها النبيلة. في مثل هذه الحالات، كثير من المسؤولين تنتابهم الصدمة ويقعون من حيث لا يدرون في منزلقات خطيرة حتى يقال عنهم أنهم أنجزوا ما هو مطلوب منهم في وقت قياسي، بينما الأشياء تقاس بخواتمها لا بقراراتها الطائشة.
إذن الخطاب الملكي طرح إشكالية وهي موجودة بالفعل على أرض الواقع. والسؤال ماهي هذه الإشكالية وما هي حدود تعميمها، وما العمل لمواجهتها؟؟ جلالة الملك في خطاب العرش كان واضحا في تحديد الاختلالات والانشغالات الحقيقية والمشروعة لرعاياه في الخارج بالتأكيد كما جاء في النص: " كما نعتقد أنهم يواجهون بعض الصعوبات داخل المغرب وخارجه، بل إن عددا منهم يشتكون من مجموعة من المشاكل في تعاملهم مع البعثات القنصلية المغربية بالخارج. فبعض القناصلة وليس الأغلبية ينشغلون بقضاياهم الخاصة وبالسياسة...". ولعل هذه الممارسات المشينة هي التي حملت الملك على إثارة انتباه وزير الخارجية إلى سوء المعاملة التي يتعرض لها أبناء الجالية في بعض المراكز القنصلية. بل ذهب جلالته إلى أبعد من ذلك وهو ضرورة إبداء الحزم لوضع حد لتلك الاختلالات ، مشددا على إنهاء مهام من تأكد أنه كان مقصرا في أداء واجباته أو مستخفا بمصالح رعاياه في ديار المهجر. ودعا جلالته إلى اعتماد معايير الكفاءة والاستحقاق في اختيار القناصلة.
الإطار العام لهذه الاختلالات كما رسمه الخطاب الملكي يشكل خارطة طريق يجب على وزارة الخارجية أن تسترشد بها في كيفية التعاطي مع هذه الإشكالية من خلال تحديد طبيعة هذه الاختلالات ،وماهي أسباب تواجد هذه الظاهرة وكيفية معالجتها بكل هدوء.
1 طبيعة المشاكل المطروحة على العمل القنصلي:
من خلال متابعة حثيثة للمشاكل التي تعترض سير العمل في معظم المراكز القنصلية المغربية بالخارج والتي تؤثر سلبا على مصالح أبناء الجالية المغربية، يمكن إجمال ذلك في ثلاث عوامل أساسية: الأول يكمن في العنصر البشري المرتبط بالطاقم القنصلي، والثاني في القوانين والمساطر المتجاوزة والتي ما زال العمل بها جاريا، والعامل الثالث في الإدارات المركزية التي تتأخر في التجاوب مع مطالب أو استفسارات القنصليات وتترك أحيانا مصالح الجالية معلقة إلى حين.
أ بالنسبة لأطقم المراكز القنصلية، من البداية لا يمكن الجزم بأن عديدها كلهم ملائكة ولا جميعهم من طينة الشياطين. فالتعميم أخطر ما يمكن أن يفسد عنا التشريح الحقيقي والواقعي وقد يقودنا إلى نتائج تتناقض والإصلاح المراد تحقيقه. الواقع يشير إلى أن العديد من القناصلة بدأ يستشعر خطورة سيف المراقبة والملاحقة ومنهم من قام بمراجعة الذات ومنهم من رفع تحدي الإصلاح في وجه الفئات التي اعتادت الاسترزاق سواء من الأطقم العاملة في المراكز القنصلية بدءا من موظفيها الرسميين إلى الأعوان المحليين أو من خارج تلك المراكز وهم أوالئك الذين أنشأوا مصالح ترتبط بطبيعة النشاط القنصلي.
بعض القناصلة استكانوا إلى تلك الضغوطات إما خشية التشهير بهم بالباطل من طرف جماعات ضاغطة ترتقي إلى بارونات المخدرات، وإما أن أولئك القناصلة ارتأوا أنه من الأفضل مجاراة تلك الجماعات لاتقاء شرهم وفي نفس الوقت تحقيق مآربهم الضيقة. وهو ما يعني تشريع أبواب القنصليات في وجه الفساد والرشوة والتلاعب. أما القناصلة الذين يعترضون على ذلك، وهم على قلتهم، فقد يواجهون بحملة مغرضة ظاهرها الدعوة إلى الإصلاح وباطنها الفساد بعينه. وللأسف هناك العديد من أبناء الجالية ينزلقون من حيث لا يدرون في تلك الحملة المغرضة ضد بعض القناصلة الذين أخذوا على عاتقهم الإصلاح ولو كره الكارهون.
ومهما كانت المنطلقات، نسجل بقوة أن هناك تجاوزات وخروقات تشوب سير العمل القنصلي من قبيل سوء معاملة أبناء الجالية، وكذلك تفشي ظاهرة الرشوة والسمسرة يتحمل مسؤوليتها على حد سواء بعض أطقم القنصليات وبعض الوسطاء من أفراد الجالية المغربية. وكان الخطاب الملكي أكثر تدقيقا في تشريح الوضع حينما حرص جلالته على عدم تعميم تفشي هذه الظاهرة في صفوف جميع القناصلة. وفي الوقت الذي أقر فيه جلالته بوجود فئة مخلصة وتتحلى بروح الوطنية في أداء الواجب، دعا إلى الضرب بقوة لكل من ثبت أنه ضالع أو متورط في الاختلالات التي تعتري سير العمل القنصلي.
وعملا بالتوجيهات الملكية، فإن وزارة الخارجية مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى تطهير الإدارة من العناصر التي لا تلتزم بأخلاقيات المهنة ولا تسترشد بالمصلحة العامة للبلاد. ولم يعد المجال يتسع للتهاون أو التمييز في إنزال أشد العقوبات على من تطاله يد الإدارة من جهة، ومن جهة أخرى الإفلات من العقاب لفئة ترى في نفسها فوق المحاسبة والملاحقة. وهذا التمييز له ما يثبته على أرض الواقع، وقد سبق أن ألمحنا إلى بعض الحالات في مقالات سابقة. نفضل ألا نذكر بها كي لا يقال أننا نستقوي ونستأسد بخطاب ملكي مع أن هذا هو الأصل الذي ينبغي أن يكون. والمناسبة أكبر من أن نشمت في عدم الإصغاء إلى ما أوصينا به بنية تقويم الاعوجاج والدعوة إلى الإصلاح، بل همنا في ذلك الوصول إلى النتائج وأن يتحقق الإنجاز كما تريده اليوم الإرادة الملكية.
هذا الإنجاز مرتبط أيضا، كما جاء في الخطاب الملكي، باعتماد آليات موضوعية في تعيين السادة القناصلة تقوم على الكفاءة والاستحقاق والتحلي بالوطنية، على عكس تلك التعيينات التي تدخل فيها اعتبارات المحسوبية والزبونية واعتبارات فئوية وحزبية. فهناك العديد من الأطر المشهود لها بالكفاءة والتفاني في خدمة الوطن يطالها النسيان والتهميش. ومن نتائج ذلك نجد أنفسنا في مواجهة أداء رديء سواء فيما يتعلق بالعمل القنصلي أو فيما يتعلق بالأداء الدبلوماسي على مستوى السفراء، وهو ما نشهده أيضا بالخصوص من انحرافات في سلوكيات بعض رؤساء البعثات الدبلوماسية الذي لا يطالهم قلم الوزارة. وهي دعوة أخرى للإصلاح نتمنى على القائمين في وزارة الخارجية أن يسارعوا إلى الأخذ بها قبل أن يباغثهم سيف الحق كما باغثهم بإعادة النظر في مساطر تعيينات السادة القناصلة.
وفي واقع الحال، لا ينبغي لهذا الرصد أن ينسينا بعض الجهود التي بذلتها الوزارة خلال السنين القليلة الماضية والمتمثلة في بعض التحركات الإيجابية التي تعبر عن وجود إرادة صادقة في الإصلاح وذلك من خلال ما تقوم به الوزارة من تحريات وتحقيقات في بعض التجاوزات التي يقف من ورائها بعض الموظفين المخلين بأخلاقيات المهنة. كما أنها أنصفت بعض القناصلة عن حق بعد أن تبين لها زيف الادعاءات التي كانت تروج ضدهم.
ب إذا كان العنصر البشري يشكل واحدا من المعوقات التي تعترض النشاط القنصلي، فإن القوانين والمساطر المتبعة في كيفية معالجة قضايا أبناء الجالية المغربية تشكل هي الأخرى جزءا من التحديات الكبرى التي تعرقل بدورها سير العمل في المراكز القنصلية. ذلك أن معظم المساطر المتبعة بحاجة إلى مراجعة وتغيير كونها باتت متجاوزة وغير مسايرة لتطور العصر القائم على الفعالية وسرعة الإنجاز. فالصدام الذي يقع بين المراكز القنصلية وأبناء الجالية مرده إلى ذلك التباين الحاصل في معالجة الملفات بين الطريقة التقليدية التي ما زال المغرب يتبعها ويراها أبناء الجالية مظهرا من مظاهر تخلف الإدارة المغربية قياسا بالطريقة المتطورة لإدارات بلدان الإقامة والاستقبال التي تخلو من البيروقراطية والتعقيدات الإدارية وكثرة الوثائق ومضيعة الوقت. على الأقل هذه هي نظرة الجالية للمراكز القنصلية المغربية، وخاصة من أبناء الجيل الذين ولدوا وعاشوا في تلك البلدان.
فالاحتكاك الذي أصبح ظاهرة موحدة في كل المراكز القنصلية سيظل على ما هو عليه طالما أن تلك القوانين وتلك المساطر بقيت هي الأخرى على حالها. فالموظف الملتزم مدعو في جميع الأحوال، وهو محق في ذلك، إلى احترام القوانين والقرارات والدوريات المشتركة. ولا يمكن أن يعرض نفسه إلى المساءلة . كما أن ذلك المواطن من حقه هو الآخر الذي يكلف نفسه في بعض الأقطار الشاسعة عناء السفر وتكلفة الطائرة والمبيت من أجل قضاء حوائجه وإذا به يفاجئ أن هذه الوثيقة أو تلك منتهية الصلاحية أو أن ملفه تنقصه وثائق أخرى كان من المفترض لو صحت القوانين أن توفرها له قنصلية بلاده في عين المكان وفي ذات اللحظة.
إذن ما العمل؟ فمادامت وزارة الخارجية هي التي توجد في الواجهة وتمثل كل الإدارات المغربية في الخارج مطالبة بأي وجه كان أن تتحمل مسؤولياتها في دعوة استعجالية لكل الدوائر الحكومية ذات الصلة بقضايا الجالية لعقد لقاءات فورية من أجل تبسيط المساطر وجعل تكنولوجيا الإعلاميات في خدمة الإدارة المغربية، وبالخصوص تمكين القنصليات المغربية من ولوج بنك معلومات الإدارات المركزية التي يفترض فيها الأخرى تحيينها وإعطاء اليد للقنصليات من أجل الولوج وسرعة إنجاز المعاملات. هذا هو التحدي الرئيسي الذي ينبغي أن تنكب عليه وزارة الخارجية، وإلا ستظل هي ومراكز القنصليات التابعة لها في قفص الشبهات والاتهامات.
ج المعالجة الحقيقية للاختلالات التي تشوب سير العمل القنصلي لا تكتمل بالمعالجة الموضعية التي من شأنها أن تخفض من منسوب الاختلالات لكنها لن تاتي على آخرها. ولذلك، فإن عدم انضباط بعض الموظفين بأخلاقيات المهنة هو جزء من المشكل، كما أن القوانين والمساطر المتجاوزة تزيد من الوضع تعقيدا. ويبقى العنصر الثالث ليس أقل أهمية من سابقيه بل أنه قد يثقل على كاهل المراكز القنصلية. ويكمن هذا العنصر الثالث في عدم تجاوب بعض الإدارات المركزية مع بعض الطلبات أو الاستفسارات التي تحال عليها من المراكز القنصلية عن طريق وزارة الخارجية. السرعة المطلوبة في معالجة بعض ملفات أبناء الجالية تغيب عن أداء تلك الدوائر وفي أحسن الأحوال قد تأخذ تلك المعالجة وقتا طويلا مما قد تضيع معها مصالح الجالية ويتسبب ذلك في نشوب حالة من التوتر تنعكس سلبا على المراكز القنصلية.
ولذلك، فإن وزارة الخارجية مطلوب منها كذلك، في إطار مراجعة شاملة للإصلاح إثارة اجتماعات عاجلة مع الإدارات المركزية المعنية بقضايا الجالية المغربية من أجل إعادة النظر في القوانين وفي المساطر والرفع من مستوى التنسيق بين تلك الإدارات لكي يكون التجاوب في حدود الزمن القياسي المطلوب لخدمة مصالح الجالية.
2 مقترحات حلول نحو الإصلاح المنشود:
لقد سبق أن بينا في مقال نشرته "هسبريس" بتاريخ 4 مارس 2015 تحت عنوان "واقع القنصليات المغربية وموجبات الإصلاح" طبيعة الاختلالات التي تعتري منظومة العمل القنصلي. وأوضحنا بالتفصيل الممل طبيعة المشاكل على أكثر من واجهة وصعيد. واليوم نريد أن ننعش ذاكرة من يعنيهم الأمر بإسهامات متواضعة لدبلوماسي لربما كان أقل من غيره حظا في معاينة تلك الاختلالات. ومن باب محبتنا لهذا القطاع الذي تربينا في أحضانه أن نكرر بعض المقترحات لعلها تساهم في تصور الحلول المطلوبة.
لكن بداية لابد من الإشارة إلى أن إصلاح هذا القطاع لن يكتمل ما لم يكن شاملا. ولا ينبغي أن يقتصر على جانب ويغفل جوانب أخرى. ولذلك، فإن العناوين البارزة للحركة الإصلاحية يمكن تصورها في:
إظهار الحرص والصرامة في تعيين القناصلة وذلك في إطار آلية لا تتحكم فيها اعتبارات شخصية وبموجب معايير موضوعية ومهنية قوامها الكفاءة والتجربة والحس الوطني. ولا ينبغي في هذه المرحلة العصيبة التي تمر بها الوزارة أن تنزلق تحت عامل الضغط إلى اتخاذ قرارات طائشة لكي يقال أن تجاوبها كان فوريا. ولا أعتقد أن معايير الفئة العمرية أو النوع الجنسي كفيلان وحدهما بأن يرقيا إلى مستوى التحديات وتحقيق الإصلاح المطلوب. وأخشى أن تأتي النتائج عكسية. صحيح أن الوزارة مطلوب منها أن تكون في مستوى التحدي وأن تسارع إلى تنزيل الإرادة الملكية،لكن قد لا يصح لها بعد أن نوه جلالته بغالبية القناصلة أن تذهب في اتجاه إجراء تغييرات بنسبة 70 بالمائة. وقد يخشى أن يِؤول ذلك إلى ما هو غير مرغوب فيه وهو الفراغ المميت. ولذلك، ينبغي التزام اليقظة والحذر مع تأكيدنا على ضرورة اتخاذ قرارات في السياق الزمني المعقول.
مراجعة القوانين والمساطر المتبعة في إطار منظومة النشاط القنصلي بالتنسيق مع مختلف الدوائر الحكومية المعنية بهذا القطاع، من قبيل تبسيط المساطر وتعزيز صلاحيات المراكز القنصلية من خلال تقليص الاعتماد على موافقات تلك الدوائر التي عادت ما تتأخر في الرد على الاستشارات.
تصميم مقرات المراكز القنصلية بطرق هندسية تتماشى مع هيكلة إدارات الدول المتقدمة، وذلك لتقليص فرص الاحتكاك بين الموظفين العاملين في القنصليات ومراجعيها من أبناء الجالية. الأمر الذي قد يساعد في نفس الوقت على إمكانية القضاء على أوجه الفساد والرشوة التي تجد لها فرصا في عملية التواصل بين الراشي والمرتشي.
وضع التكنولوجيا المعلوماتية في خدمة المراكز القنصلية في تواصلها مع الإدرات المركزية، وفي خدمة الجالية من الولوج الآلي لمواقع القنصليات وتيسير المعاملات الإدارية عبر ذلك الولوج حتى يتسنى للعاملين في القنصليات استخراج وثائق إدارية في عين المكان كعقود الازدياد والسجلات العدلية ودفاتر الحالة المدنية من دون العودة إلى الإدارات المركزية ربحا للوقت وتفاديا لمشاحنات مع أبناء الجالية التي تتضرر من جراء تلك التأخيرات التي لا ذنب للموظف القنصلي فيها.
إجراء الوزارة وبشكل مستمر زيارات مفاجئة للقنصليات من أجل القيام بتحريات وتحقيقات والوقوف على مواطن الخلل والضعف في سير العمل القنصلي. ويشترط في القائمين على تلك التحريات أن يكونوا هم بدورهم على درجة عالية من المهنية والكفاءة المطلوبة في مسارات التحقيقات اللازمة ومن النزاهة البعيدة عن الأحقاد والمشاعر الكيدية والضغينة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.