في الوقت الذي اتجهت فيه بعض التحليلات إلى أن الانتخابات المحلية والجهوية، للرابع من شتنبر الماضي، هي مقدمة لقطبية حزبية بين حزب العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة، ذهبت أستاذة العلوم السياسية بجامعة لوزان بسويسرا، مونيا بناني الشرايبي، إلى أن الانتخابات الحالية قد قسمت المشهد السياسي الحزبي إلى فسطاطين؛ الأول يضم أحزاب الأعيان والثاني يضم أحزب المناضلين. وقالت الباحثة المغربية، التي تدخلت في ندوة مدرسة "HEM" حول "قراءة المشهد السياسي ما بعد 4 شتنبر"، إن قسم أحزاب المناضلين يضم حزبي العدالة والتنمية وفدرالية اليسار، بينما وضعت بقية الأحزاب تحت خيمة أحزاب الأعيان، خصوصا حزبا الأصالة والمعاصرة والحركة الشعبية، مضيفة أن القسم الأول يعتمد على العالم الحضري وعلى الطبقة المتوسطة، أما الثاني فيعتمد على العالم القروي ويتوفر على موارد مالية مهمة. مناضلو الPJD وأعيان الPAM وواصلت المتحدثة نفسها أن حزب الاتحاد الاشتراكي، الذي كان يعتمد إلى وقت قريب على مناضليه، "فقد جاذبيته ولم يجد بدا من اللجوء إلى الأعيان"، مشددة على أن الانتخابات الحالية، وعلى الرغم من نسبة المشاركة التي أعلنت عنها وزارة الداخلية، "فهي تبقى ضعيفة"، وأن الذين صوتوا في الانتخابات هم المقتنعون بأن لأصواتهم معنى، "لأن التصويت في السابق كان يتم تحت تهديد رجال السلطة"، وفق تحليل الأكاديمية. وعبرت بناني الشرايبي عن تأييدها لفكرة كون نتائج الانتخابات المحلية والجهوية الماضية تعطي صورة عما ستؤول إليه الانتخابات البرلمانية للعام المقبل، مواصلة أن الأمور المحلية والشؤون التي تهم المواطن عن قرب هي المتحكمة في الانتخابات كيفما كانت رهاناتها، سواء محلية أو جهوية أو وطنية، وبالتالي فنتائج انتخابات العام المقبل لن تحيد، بشكل كبير، عما أسفرت عنه نتائج انتخابات الرابع من شتنبر. ونبهت الباحثة المغربية إلى أن العمل الجمعوي تحول في المغرب إلى مصدر للزبونية في الانتخابات، ذلك أن الأحزاب باتت تقدم وعودا للمواطنين بأنها ستوفر دعما ماديا لجمعياتهم بالنظر لعلاقاتها ببعض الجهات في الدولة، "وهو ما يمكن وصفه بتوفير وظائف مقنعة للمواطنين". وأكدت الأستاذة الجامعية أن الذين يذهبون للتصويت عن قناعة، على قلتهم، "يصوتون لصالح حزب العدالة والتنمية"، موضحة أن ما يمثله حزب "المصباح" حاليا هو الدور نفسه الذي كان يمثله حزب الاتحاد الاشتراكي خلال فترة التسعينيات، وهو ما يفسر أن جزء من الكتلة التي كانت تصوت لصالح حزب "الوردة"، بداية الألفية، أصبحت تصوت ل"المصباح"، ويتعلق الأمر بالطبقة المتوسطة التي تصوت لمن يخدمها. الصدق وحده لا يكفي من جهته تحدث المندوب العام لمؤسسة عبد الرحيم بوعبيد، علي بوعبيد، عن تغير مفهوم الأعيان، إذ لم يعد حكرا على "مول الشكارة" فقط، وإنما أصبح يشمل عددا من الأشخاص الذين يضمنون مصالح لفائدة فئة معينة، موضحا أن مفهوم المصلحة العامة بات حاضرا حتى لدى الأعيان، إذ لم يعد يخدم مصلحتهم الشخصية فقط، وإنما بات يقدم مصلحة لفائدة المواطنين. القيادي السابق في حزب الاتحاد الاشتراكي اعتبر أن الإيديولوجيات انتفت في التحالفات الانتخابية الماضية، "وهو أمر سلبي ويحبط الشباب الذين صوتوا لتوجه حزبي معين وليست لديهم أية مصلحة شخصية". وتطرق نجل القيادي الاتحادي الشهير إلى الحضور القوي للسؤال الأخلاقي، ذلك أن الأحزاب السياسية اجتهدت في تبادل التهم بالفساد والرشوة والظهور بمظهر الطاهر، مؤكدا أن حضور الخطاب الأخلاقي في الانتخابات لم يكن في صالح المواطنين "لأنه قلص الحديث عن المشاريع السياسية والقضايا المهمة". بوعبيد شدد على أن الصدق الذي يتمترس خلفه حزب العدالة والتنمية "لا يكفي لوحده لأننا لا نريد أشخاصا صادقين فقط، وإنما نريد أشخاصا أكفاء أيضا"، وزاد أن الخطاب الأخلاقي أصبح وقود الصراع السياسي بين حزب الأصالة والمعاصرة وحزب العدالة والتنمية ويغذي التنافس بينهما. ولفت المتحدث نفسه إلى أن حزب العدالة والتنمية "أصبح مرتاحا" لدرجة أنه لم يعد يحتاج إلى استعمال الخطاب الديني وتذكير الناس بمرجعيته الإسلامية، مستدلا على ذلك بخطاب بنكيران الذي وجهه لمستشاريه داعيا إياهم إلى خدمة المواطنين بعيدا عن التدخل في أمور حياتهم الشخصية. وقدم بوعبيد تفسيره ل"اكتساح حزب المصباح للمدن" ب"تصويت جميع مناضليه على عكس الأحزاب الأخرى التي يعزف حتى مناضلوها عن التصويت"، بالإضافة إلى قدرة بنكيران على التواصل وحشد المواطنين، "كما أن هناك تصورا أصبح سائدا في المجتمع وهو أن الذي يصوت على العدالة والتنمية هو شخص جيد".