صفقة تاريخية.. حكيم زياش يعزز صفوف الوداد الرياضي    أكاديمية المملكة تحتفي بالمسار العلمي الحافل للباحث جان فرانسوا تروان    الصحراء المغربية.. التقرير الأخير للأمين العام الأممي يجدد تأكيد الدعوة إلى التحلي بالواقعية وروح التوافق    هذه تفاصيل الدعم المباشر الذي ستشرع الحكومة في توزيعه على "الكسابة"    بعد 10 ساعات من المحاكمة... الحبس النافذ ل 16 شخصا في ملف "حراك جيل Z" ببني ملال    مرسوم جديد يحدد شروط إنجاز واستغلال منشآت الإنتاج الذاتي للكهرباء    الخطوط المغربية تطلق 63 رحلة أسبوعياً نحو الأقاليم الجنوبية بأسعار تبدأ من 750 درهماً    ترامب: سأتخذ قرارا بشأن الإفراج عن القيادي الفلسطيني مروان البرغوثي    المؤرخ بوعزيز يخاطب "جيل زد": المستقبل بين أيديكم.. لا تُعيدوا إنتاج الاستبداد    الأمين العام للأمم المتحدة يجدد دعوته إلى الحوار بين المغرب والجزائر    النيابة العامة تصدر دليلا لوحدة معايير التكفل بالأطفال المهاجرين وحماية حقوقهم    تمثل 22% من مجموع الإنفاق العام.. ميزانية 2026 ترصد زهاء 167.5 مليار درهم لفائدة نحو 51 "صندوقا خاصا"    الصحراء المغربية.. الأمين العام الأممي يجدد دعوته إلى الحوار بين المغرب والجزائر    بوريطة يدعو ببروكسيل الفاعلين الاقتصاديين البلجيكيين إلى الاستثمار في الأقاليم الجنوبية    الدوري الأمريكي لكرة القدم.. ميسي يمدد عقده مع إنتر ميامي الى غاية 2028    بايتاس: 165 ألف طفل سيشملهم دعم التعويضات العائلية الإضافية    كوتوكو الغاني: سنقاتل أمام الوداد    ايت قمرة.. سيارة اجرة ترسل سائق دراجة نارية الى المستشفى    تداولات بورصة البيضاء تنتهي حمراء    الرباط ضمن أفضل خمس وجهات عالمية في 2026    وزير الفلاحة: نتوقع إنتاج مليوني طن من الزيتون.. وسعر الكيلوغرام لا يتجاوز حاليا 5 دراهم (فيديو)    طقس الخميس.. سحب كثيفة وكتل ضبابية بعدد من المناطق    القنصلية الأمريكية بالدار البيضاء توضح ل"اليوم 24" أسباب تأخر مواعيد مقابلات الفائزين في قرعة أمريكا    جامعة الكرة تقيم حفلا تكريميا على شرف المنتخب الوطني المغربي للشباب    وفاة الفنان محمد الرزين إثر معاناته مع المرض    وزارة الأوقاف تعمم على أئمة المساجد خطبة تحث على تربية الأولاد على المشاركة في الشأن العام    الفنان محمد الرزين في ذمة الله    "ميتا" تقرر إلغاء 600 وظيفة في قسم الذكاء الاصطناعي    الرباط تخصص لهم استقبالا شعبيا كبيرا .. أبطال العالم فخورون باستقبالهم في القصر الملكي ويعبرونه حافزا للفوز بألقاب أخرى    كرة القدم ..المغرب يستضيف بطولة " فيفا يُوحِّد: سلسلة السيدات" لعام 2025 يوم 26 أكتوبر الجاري (فيفا)    جلالة الملك يبعث ببرقية تهنئة للأخ الكاتب الأول إدريس لشكر    تحت الرعاية الملكية السامية.. التزام مغربي متجدد لبناء فلاحة إفريقية صامدة ومبتكرة    فقدان آخر للفن..رحيل الفنان محمد الرزين عن 79 عاماً    جدد المغرب وبلجيكا، اليوم الخميس، التأكيد على إرادتهما المشتركة في تعميق شراكة استراتيجية ومهيكلة قائمة على الثقة والاحترام المتبادل وتقارب وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية الكبرى    عاجل.. سكتة قلبية تنهي حياة أشهر "بارون المخدرات بدكالة" حمدون داخل سجن سيدي موسى بالجديدة...    الاتحاد الأوروبي يقر حزمة من العقوبات على روسيا تشمل حظرا على واردات الغاز    مذكرة توقيف دولية ثالثة يصدرها القضاء الفرنسي ضد بشار الأسد المنفي في روسيا    بيلينغهام يمنح ريال مدريد فوزا صعبا على يوفنتوس في دوري الأبطال    الجمعية المغربية لحماية المال العام تتهم الحكومة بحماية "المفسدين" وتعلن تضامنها مع رئيسها الغلوسي    سائق "إسكوبار الصحراء": "مشغلي كان يملك سيارتين تحملان شارات البرلمان حصل عليهما من عند بعيوي والناصيري"    في مديح الإنسانية التقدمية، أو الخطاب ما بعد الاستعماري وفق مقاربة فلسفية ايتيقية    وجدة: حين يصبح الحبر مغاربياً    تنوع بصري وإنساني في اليوم السادس من المهرجان الوطني للفيلم بطنجة    توأم تونسي يحصد لقب الدورة التاسعة من مبادرة "تحدي القراءة العربي"    هنري يرشح المغرب للتتويج بالمونديال    التجويع يفرز عواقب وخيمة بقطاع غزة    مصادر أممية تتوقع تقليص ولاية بعثة "المينورسو" في الصحراء المغربية    سكان أكفاي يطالبون بمنتزه ترفيهي    طب العيون ينبه إلى "تشخيص الحول"    نجاحات كرة القدم المغربية، ثمرة رؤية ملكية متبصرة (وسائل اعلام صينية)    أمير المؤمنين يطلع على نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة ويأذن بوضعها رهن إشارة العموم    الملك محمد السادس يأذن بنشر فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة    ندوة تبرز الاحتفاء القرآني بالرسول    علماء يصلون إلى حمض أميني مسبب للاكتئاب    أونسا: استعمال "مضافات الجبن" سليم    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    العِبرة من مِحن خير أمة..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدليل الإحصائي أن الناطقين بالدارجة هم أمازيغيون
نشر في هسبريس يوم 27 - 10 - 2015

أثارت النتائج المعلن عنها للإحصاء العام للسكان والسكني ل2014، ردود فعل "أمازيغية" مشكّكة في تلك النتائج ورافضة لها.
لكن بغض النظر عن العيوب المرتبطة أصلا بالبحوث الإحصائية، وذلك حتى في الدول الأكثر تقدما وديموقراطية، باعتبار هذه البحوث، كما يصفها معارضوها، نوعا من "الكذب العلمي"، وبغض النظر عن العيوب الكثيرة التي شابت الإحصاء العام ل 2014، في ما يتعلق بالأمازيغية، سواء على مستوى منهجية صياغة أسئلة الاستمارة الخاصة باللغات، أو على مستوى جمع الأجوبة عن هذه الأسئلة، أو على مستوى تفريغ وتحليل هذه الأجوبة، أو على مستوى الأحكام المسبقة حول الأمازيغية، والتي كان لها تأثير لا ينكر على كل ما يتصل باللغات في عملية الإحصاء...
بغض النظر عن كل ذلك، فإن تراجع استعمال الأمازيغية، الذي كشفت عنه نتائج الإحصاء، أمر حقيقي ومؤكد، حتى لو كانت أرقام الإحصاء، الخاصة بهذا التراجع، كاذبة وغير صحيحة. ولهذا فنحن سنعتمد على هذه الأرقام نفسها، بغض النظر عن صحتها أو زيفها، لتحليل دلالة هذا التراجع، لاستعمال الأمازيغية بالمغرب، في علاقته بالهوية الحقيقية للمغاربة.
حُددت نسبة مستعملي الأمازيغية في إحصاء 2004 في 28.3%، وفي 27% فقط في إحصاء 2014. هناك إذن تراجع للأمازيغية يقابله تقدم للدارجة، التي كانت نسبة مستعمليها في إحصاء 2004 هي 71.7%، ثم انتقلت، بفضل تراجع الأمازيغية، إلى نسبة 73%. هذا دون الكلام عن العدد الإجمالي للقادرين على استعمال الدارجة، والذي يبلغ نسبة 89.8%، كما جاء في إحصاء 2014.
اللافت أن بعض التعريبيين المتحولين جنسيا وهوياتيا، المناوئين للحقوق الأمازيغية، كما في الكثير من التعاليق مثل تلك المنشورة بجريدة "هسبريس" الإلكترونية، يُشهرون هذه الأرقام ويستعرضونها كما لو كانت غنيمة حرب. وهذا ليس بغريب إذا عرفنا أن هؤلاء، في مناوأتهم للأمازيغية، يتصرفون كمحاربين يواجهون عدوا. مع أن الوطنية الحقة، والتشبع بمبادئ العدالة، والانحياز إلى جانب الإنصاف والحق، كان يقتضي من هؤلاء "المحاربين" أن يُشهروا هذه الأرقام، ليس للتبجح والتعبير عن "الانتصار"، بل لدق ناقوس الخطر، والاحتجاج بها ضد المسؤولين الذين لم يعملوا على حماية الأمازيغية من التراجع الذي يهددها باستمرار، ومطالبتهم بنهج سياسة التمييز الإيجابي لصالحها قصد إنصافها ورفع الحيف عنها.
هذه الأرقام، المتعلقة بنسبة الناطقين بالأمازيغية والناطقين بالدارجة، لا تطرح أي مشكل لو كانت دلالتها تنحصر في موضوعها الذي هو اللغة واللسان، ولا تخصّ الهوية والانتماء. ذلك أن النقاش الفكري والثقافي، المتصل باللغة والهوية في المغرب، كرّس الفكرة العامّية أن المتحدثين بالدارجة هم عرب في هويتهم، وأن المتحدثين بالأمازيغية هم أمازيغيون في هويتهم. فتكون النتيجة، حسب نتائج الإحصاء، أن المنتمين إلى الهوية الأمازيغية أقلية لا تتجاوز نسبتها 27%، وأن المنتمين إلى الهوية العربية يشكلون الأغلبية بنسبة 73%. هذا هو التصوّر الشائع حول اللغة والهوية بالمغرب، ويتبنّاه غالبية المثقفين رغم أنه يقوم على مسلمات عامّية وأحكام جاهزة خاطئة.
هكذا تكون الدارجة معيارا للانتماء العربي ودليلا على هذا الانتماء في نفس الوقت. فهي، حسب التعريبيين المتحولين جنسيا وهوياتيا، لغة عربية حملها معهم "الفاتحون" والمهاجرون العرب إلى المغرب منذ قرون. وإذا كان المتحدثون بها يشكّلون الأغلبية، فذلك دائما حسب منطق التعريبيين المتحولين جنسيا وهوياتيا لأن العرب جاؤوا بأعداد تفوق عدد السكان الأمازيغيين، كما تشهد على ذلك نسبة المتحدثين بالدارجة والمتحدثين بالأمازيغية، حسب ما بيّنه الإحصاء. إذن الانتشار الواسع لاستعمال الدارجة، هو نتيجة "للانتشار" الواسع للعرب بالمغرب. ونسبة المتحدثين بها تعكس نسبة المغاربة العرب. واضح إذن دائما حسب منطق التعريبيين المتحولين أن المغرب عربي بأكثر من ثلثي سكانه.
لكن لنتأمل أرقام نتائج الإحصاء.
ففي إحصاء 2004 كانت نسبة مستعملي الأمازيغية 28.3%. ثم انخفضت هذه النسبة في 2014 إلى 27% فقط. مما يعني، مقارنة بعدد السكان الذي هو 33848242 نسمة في إحصاء 2014، أن عدد المتحدثين بالأمازيغية انخفض، ما بين 2004 و2014، بمقدار 440027 من المغاربة، الذين كان من المفترض أن يكونوا في عداد مستعملي الأمازيغية في 2014، لو بقيت نسبة المتحدثين بهذه اللغة قارة كما كانت في 2004، أي 28.3%. طبعا هذا العدد (440027) الذي خسرته الأمازيغية ربحته الدارجة، التي ازداد عدد الناطقين بها ب440027 مستعملا جديدا لها.
لقد قلنا إن التعريبيين، أي المتحولين جنسيا وهوياتيا، يعتقدون أن المتحدثين بالدارجة هم عرب في هويتهم، لأنهم يتحدثون لغة أجدادهم العرب، "الفاتحين" والمهاجرين. طيب. إلى الآن كل شيء يبدو سليما ومنطقيا.
لكن من أين جاء عدد المستعملين الجدد للدارجة، والمقدّر ب440027 مستعملا جديدا انضاف في 2014، حسب نتائج الإحصاء؟ لا يمكن الدفع بأن هذا العدد هو نتيجة للنمو الديموغرافي للكتلة "العربية". ففي هذه الحالة، علينا أن نجد تفسيرا لاختفاء 440027 من الناطقين بالأمازيغية ما بين 2004 و2014. التفسير الوحيد هو أن هؤلاء الأمازيغيين تحولوا إلى متحدثين بالدارجة، سواء هم أنفسهم أو أبناؤهم الذين كان من المفترض أن يستمروا في استعمال لغة أسرهم، التي كانت تستعمل نفس اللغة الأمازيغية. إذن حسب التصور الشائع للعلاقة بين اللغة والهوية في المغرب، فإن هؤلاء ال 440027، الذين كانوا قبل 2014 يستعملون الأمازيغية، أصبحوا، بعد هذا التاريخ، "عربا" في هويتهم لأنهم يتحدثون الدارجة، التي هي لغة أجداد العرب الحاليين بالمغرب، حسب منطق التعريبيين المتحولين. وهنا يضع هؤلاء التعريبيون كما هو الشأن دائما في مرافعاتهم عن العروبة العرقية أنفسهم في مأزق: كيف أصبح 440027 من المغاربة "عربا" ما بين 2004 و2014، مع أنه لم يستوطن المغربَ، في هذه الفترة، وبشهادة التعريبيين أنفسهم، لا عرب "فاتحون" جدد، ولا عرب آخرون فارون من بطش إخوانهم العرب فلجأوا إلى المغرب واستقروا به، ولا عرب هلاليون معاصرون هاجروا إليه وأقاموا به... إذن كيف يستطيع التعريبيون أن يقتنعوا ويُقنعوا أن هؤلاء ال 440027 من المغاربة، الذين لم يصبحوا ناطقين بالدارجة إلا منذ 2014، هم "عرب" في هويتهم وانتمائهم، قياسا على "العرب" الذين كانوا "عربا"، أي كانوا ناطقين بالدارجة، قبل هذا التاريخ؟
فبكل المقاييس، وبكل المناطق (جمع منطق)، وبكل أساليب التحليل والتفكير والاستدلال، لا يستطيع التعريبيون أن ينفوا أن هؤلاء ال440027 من الناطقين الجدد بالدارجة، هم أمازيغيون في هويتهم، لأنهم كانوا كذلك في 2004، وبالتالي فلا زالت هويتهم مطابقة لما كانت عليه قبل عشر سنوات.
ولأن هؤلاء ال 440027 من الناطقين الجدد بالدارجة، هم أمازيغيون في هويتهم رغم أنهم لم يعودوا يستعملون الأمازيغية، وبما أن هذا التحول للأمازيغيين من استعمال الأمازيغية إلى استعمال الدارجة يتزايد كل عشر سنوات، حسب ما كشف عنه إحصاءا 2004 و2014، فيمكن أن نتوقع، ما لم تتخذ إجراءات تغيّر السير في هذا الاتجاه "التدريجي" (من الدارجة) للناطقين بالأمازيغية، وانطلاقا من عدد مستعملي الأمازيغية الذي هو 9139025 في 2014، وبناء على افتراض أن نسبة تزايد عدد الناطقين بالأمازيغية، الذين يتحولون إلى ناطقين بالدارجة، ستستمر في الارتفاع أو على الأقل تبقى ثابتة في حدود 440027 كل عشر سنوات، وأخذا بعين الاعتبار لمتغير النمو الديموغرافي، (يمكن أن نتوقع)، أنه بحلول سنة 2400، لن يكون هناك، كما تبيّن العمليات الحسابية، أي مغربي يستعمل الأمازيغية، التي ستكون نسبة الناطقين بها 0%. وهنا سيؤكد التعريبيون أن كل سكان المغرب هم عرب في هويتهم. وهو ما يتناقض مع تفسيرهم لعروبة المغرب ب"الفتح" والهجرة، لأن ما بين 2004 و 2400، لن يكون هناك "فتح" عربي ولا هجرة لقبائل عربية إلى المغرب. فكيف يصحّ إذن منطقيا القول بأن كل سكان المغرب هم عرب في هويتهم في 2400، فقط لأنهم يستعملون جميعا الدارجة، مع أن أزيد من تسعة ملايين من هؤلاء السكان كانوا أمازيغيين في 2014؟ هذا أحد المآزق الكثيرة التي يؤدي إليها الخلط، عند التعريبيين، بين اللغة والعرق والهوية من جهة، وبين العربية والدارجة من جهة ثانية. مع أن هذا الذي افترضنا، كمجرد مثال فقط للتوضيح، أنه سيحدث في 2400 بالمغرب، هو نفسه ما حدث بالبرازيل، مثلا، حيث إن عشرات الملايين من السكان الأصليين فقدوا لغتهم الأصلية وأصبحوا يستعملون البرتغالية، وهي لغة لم يخلقها السكان الأصليون مثل الدارجة، ومع ذلك فلا يعتبرون في هويتهم برتغاليين، وإنما هويتهم هي هوية بلدهم الذي هو البرازيل. بل لا أحد من البرازيليين ممن هم من أصول برتغالية ثابتة ومؤكدة، وليست وهمية مثل الأصول العربية للتعريبيين المغاربة، يدعي أنه برتغالي الهوية والانتماء، بل هو فخور بهوية الموطن الذي ينتمي إليه وهو أرض البرازيل.
لقد انطلقنا من 2004 وتتبعنا الانخفاض المتواصل لنسبة المتحدثين بالأمازيغية كل عشر سنوات. فوجدنا أن الأمازيغية يمكن أن تختفي من المغرب حوالي 2400، كنتيجة للعلاقة التعارضية بين نسبة الناطقين بالدارجة، التي ترتفع كل عشر سنوات، ونسبة الناطقين بالأمازيغية، التي تنخفض كل عشر سنوات. فكلما قلّ عدد الناطقين بالأمازيغية، انعكس ذلك بارتفاع عدد الناطقين بالدارجة. هذا ما يتعلق بمستقبل الدارجة والأمازيغية، استنادا إلى نسبتي الناطقين بهما، التي أوردهما إحصاءا 2004 و2014.
لنسر الآن في الاتجاه المعاكس، عائدين القهقرى، متجهين نحو الماضي انطلاقا من 2014. وواضح أن العلاقة التعارضية بين نسبتي الناطقين بالأمازيغية والدارجة، الملاحظة بصدد المستقبل، هي ثابتة كذلك في اتجاه الماضي، لكن بشكل عكسي، إذ كلما ارتفعت نسبة الناطقين بالأمازيغية، انخفضت نسبة الناطقين بالدارجة، كما يبيّن إحصاءا 2004 و2014: ففي 2014، كانت نسبة الناطقين بالأمازيغية 27%، وهو ما يرفع نسبة الناطقين بالدارجة إلى 73%. أما في 2004، فقد ارتفعت نسبة الناطقين بالأمازيغية إلى 28.3%، وهو ما جعل نسبة الناطقين بالدارجة تنخفض إلى 71.7%. فالنتيجة إذن أنه كلما عدنا عشر سنوات إلى الخلف، ترتفع نسبة الناطقين بالأمازيغية وتنزل نسبة الناطقين بالدارجة حتى نصل، بالعودة عدة قرون إلى الوراء، إلى نسبة 99% من الناطقين بالأمازيغية من مجموع سكان المغرب، وفقط نسبة 1% من الناطقين بالعربية (وليس الدارجة بعدُ)، والتي (النسبة) تمثّلها تلك القلة من العرب الحقيقيين الذين استقروا بالمغرب، وأصبحوا يتحدثون العربية التي ورثوها عن آبائهم. هذه العملية الارتدادية، التي قادتنا إلى نسبة 1% من المتحدثين بالعربية في الماضي من مجموع سكان المغرب، هي نفسها العملية "الأمامية" التي قادتنا إلى نسبة 0% من المتحدثين بالأمازيغية في 2400.
وكما سبق أن شرحنا أن عدد الذين تحوّلوا من الأمازيغية إلى الدارجة ما بين 2004 و2014، هم أمازيغيون لأنهم كانوا كذلك في 2004، ثم لأنهم ليسوا "فاتحين" ولا قادمين من المشرق العربي، فبنفس المنطق ولنفس الأسباب، فإن الذين تحوّلوا، منذ قرون، من الأمازيغية إلى الدارجة، بدءا من اليوم الذي كانت فيه نسبتهم هي 99% إلى 2014 حيث نزلت هذه النسبة إلى 27%، هم أمازيغيون 100%، يسري عليهم ما يسري على العدد الجديد من الأمازيغيين الذين أصبحوا يستعملون الدارجة ابتداء فقط من 2014، كما توضّح المقارنة بين إحصائي 2004 و2014.
هذا ما سبق أن شرحته، وبطريقة "الخشيبات" حتى يفهم من فهمه بطيء وثقيل، في مقال بعنوان "من هم الناطقون بالدارجة في المغرب؟" (انظر الرابط على موقع "هسبريس": http://www.hespress.com/writers/141391.html)، عندما برهنت أن الناطقين بهذه الدارجة هم أمازيغيون 100%، لا يختلفون في هويتهم وانتمائهم، وحتى عرقهم، عن الناطقين بالأمازيغية، وأن الدارجة هي لغة أمازيغية من حيث أصلها البشري إذ خلقها الأمازيغيون ولم يأت بها العرب، ومن حيث أصلها الجغرافي إذ ظهرت بشمال إفريقيا وليس بالجزيرة العربية، ومن حيث بناؤها التركيبي إذ هي ترجمة حرفية للتعبير الأمازيغي إلى العربية. وها هو إحصاء السيد الحليمي يبرهن على نفس الحقيقة، لكن بأدلة إحصائية ورقمية، وليس فقط لسانية كما فعلت أنا، إذ قدّم لنا الدليل الإحصائي والعلمي أن عدد الأمازيغيين، الذين تحوّلوا إلى ناطقين بالدارجة ابتداء من 2004، هم دائما أمازيغيون في هويتهم، لأنهم ليسوا لا "فاتحين" ولا مهاجرين من الجزيرة العربية، بل هم أنفسهم الذين كانوا قبل 2004 يتكلمون الأمازيغية، واليوم يتكلمون الدارجة.
أما "لماذا تخلى الأمازيغيون عن لغتهم الأمازيغية وبدأوا يستعملون الدارجة بشكل تدريجي ومتنامٍ؟"، فالجواب، بكل بساطة وصراحة، هو أنهم أرادوا أن يكونوا عربا، بسبب الخلط بين العروبة والإسلام، وما كان يدرّه هذا الخلط من امتيازات سياسية واجتماعية ودينية، وحتى اقتصادية، للمعروفين بانتمائهم للعروبة. ولأن المعيار الذي كان يميّز العربي عن الأمازيغي هو اللغة العربية التي يستعملها الأول، فلم يكن هناك إذن من وسيلة ولا من دليل ليثبت بهما الأمازيغي أنه عربي، إلا استعماله لنفس اللغة التي يستعملها العربي. ولأن هذا الأمازيغي لا يعرف العربية، باستثناء مجموعة من الكلمات التي يسمعها هنا وهناك، أو تلك التي تتضمنها الآيات القرآنية التي تعلّمها وحفظها لتلاوتها في الصلاة، فقد خلق "عربية" خاصة به، وهي ما نسميه بالدارجة. والدليل أن خالق هذه "العربية" لم يكن عربيا ولا يتقن العربية، بل هو أمازيغي، بشكل كامل ومؤكد، هو أن هذه "العربية"، التي خلقها حتى يظهر أنه "عربي"، هي ترجمة حرفية لأمازيغيته التي كان يتقنها، حتى أن معاني وتراكيب هذه "العربية" لا تستقيم مع العربية الحقيقية، ولا تفهم إلا بردها إلى أصلها الأمازيغي، مثل:
ضربو البرد،
زاد عليه المرض،
حلف فيه،
الماء طايب،
خلى مع لمرا لولى جوج بنات،
لحم خضر،
قتلو جّوع،
...
فهذه "العربية"، التي خلقها الأمازيغيون، هي أمازيغية في معناها ومبناها، وعربية فقط في الجزء الأهم من معجمها.
والمفارقة أن هذه الدارجة، التي خلقها الأمازيغيون حتى تكون دليلا على أنهم عرب وليسوا أمازيغيين، هي نفسها الدليل القاطع والساطع على أن الناطقين بها أمازيغيون في هويتهم، حصل لهم، بالتمام والكمال، ما حصل لِأولئك الأمازيغيين الذين فقدوا لغتهم الأمازيغية فقط ابتداء من 2004، إذ كانوا قبل ذلك معترفا بهم كأمازيغيين، وأُحصوا في عداد الناطقين بالأمازيغية، كما يخبرنا بذلك إحصاءا 2004 و2014. النتيجة إذن أن العريبيين، المناوئين للأمازيغية، هم أنفسهم أبناء الأمازيغيين، المتحولين السابقين من ناطقين بالأمازيغية إلى ناطقين بالدارجة، على غرار الأمازيغيين المتحولين الجدد من ناطقين بالأمازيغية إلى ناطقين بالدارجة فقط ما بين 2004 و2014، كما تبرز ذلك المقارنة بين إحصائي 2004 و2014. ولا شك أن الكثير من أبناء وحفدة هؤلاء المتحولين الجدد، سينضافون إلى عداد التعريبيين المعادين للأمازيغية، مع أن أصولهم وهويتهم أمازيغية 100%، مثلهم مثل الذين لا زالوا ناطقين بالأمازيغية.
والدليل الآخر أن التعريبيين المغاربة، الرافضين للحقوق الأمازيغية، هم أمازيغيون في هويتهم وليسوا عربا كما يدعون وينتحلون، هو أنهم لو كانوا عربا حقيقيين لكان موقفهم من الأمازيغية مثل موقف العرب الحقيقيين المشارقة، الذين لا يكنّون مثل ذلك العداء الذي يبديه التعريبيون تجاه الأمازيغية. فرفض هؤلاء للأمازيغية يعبّر عن تحولهم الجنسي والهوياتي واللغوي، الذي يجعلهم يكرهون هويتهم الحقيقية، مثلما يكره المتحوّل من ذكر إلى أنثى هويته الذكورية الأصلية.
أن يستعمل المغاربة دارجتهم، ليس مشكلا في حد ذاته على الإطلاق. لكن يصبح مشكلا عندما يتخذ ذلك الاستعمال لنفي الهوية الأمازيغية عن هؤلاء الناطقين بالدارجة، وإدراجهم ضمن المنتمين إلى الهوية العربية. وهنا يجب الاعتراف أن هذا الاستعمال الهوياتي للدارجة لصالح العروبة العرقية، وعلى حساب الهوية الأمازيغية للمغرب وللمغاربة، يتحمّل المسؤوليةَ فيه، قبل 1912، الأمازيغيون وحدهم، إذ هم الذين اختاروا، منذ قرون، وللأسباب التي أشرنا إليها، خلق "عربية" خاصة بهم، هي الدارجة، حتى يعترف بهم أنهم عرب وليسوا أمازيغيين، مدشنين بذلك مسلسل الشذوذ الهوياتي والتحول الجنسي والقومي، الذي لا زال شريطه الطويل متواصلا ومستمرا. لكن ابتداء من 1912، سترسّم دولة الحماية هذا الشذوذ الهوياتي وهذا التحول الجنسي، لتنتقل بهما من المستوى الفردي إلى المستوى الجماعي للدولة. ثم ستتابع دولة الاستقلال حمايتهما ورعايتهما وتنميتهما، وفرضهما عن طريق المدرسة والإعلام ومؤسسات الدولة.
المشكلة إذن ليست في الدارجة، وإنما في استعمالها كأداة لنشر وتبرير الشذوذ الهوياتي والتحول الجنسي. وإذا عرفنا أن الإحصاءات الخاصة باللغات يُعتمد عليها للتخطيط اللغوي، سنعرف أن نتائج إحصاء السيد الحليمي، سواء كانت مطابقة أو مخالفة للحقيقة، فهي تزكّي هذا الشذوذ وهذا التحول، وتشجع عليهما، وتنتقص في نفس الوقت، ولو بشكل غير مباشر، من قيمة الوضع الهوياتي السوي، لأنها تبرز الناطقين بالأمازيغية، الممثلين لهذا الوضع السوي، كأقلية لا تستحق لغتُهم وهويتهم من الاهتمام والمجهود، إلا أقل من ثلث (27%) الاهتمام والمجهود اللذيْن سيستأثر بهما الوضع الهوياتي الشاذ للمتحولين جنسيا وقوميا.
لهذا فالمشكل الهوياتي، المرتبط بالدارجة والعربية بالمغرب، يجد مصدره، ليس في هاتين اللغتين كلغتين، وإنما في استعمالهما كأداتين لنشر وتعميم الشذوذ الهوياتي والتحول الجنسي، الذي بدأهما يجب الاعتراف بذلك الأمازيغيون قديما. وإذا كان هؤلاء قد اختاروا، كأفراد، هذا الشذوذ وهذا التحول لأسباب سياسية واجتماعية ودينية، فقد كان على الدولة، حفاظا على الثابت الهوياتي للأمة المغربية، أن تحارب هذا الشذوذ وهذا التحول، وتعمل على زرع قيم الاعتزاز لدى المغاربة بهويتهم الأمازيغية الجماعية، وعلى نشر الوعي بأن الدارجة لغة أبدعها وأنتجها الأمازيغيون. فتتحقق مصالحة الأمازيغيين مع لغتهم الدارجة، ويدركون أنها من إنتاجهم وابتكارهم. وفي هذه الحالة لن يكون لنسبة الناطقين بهذه الدارجة، مهما كانت كبيرة، أي تأثير على الهوية الأمازيغية للمغرب وللمغاربة.
إلا أن دولة الاستقلال، بسبب نشأتها الفرنسية في 1912، فبدل أن تحارب الشذوذ الهوياتي والتحول الجنسي، فقد رعتهما وحمتهما كما سبقت الإشارة ، وتبنتهما كسياسية عمومية تنفق عليها من المال العام. فأصبحت مشكلةُ الهوية في علاقتها بالدارجة، ليست مشكلة الأمازيغيين الذين خلقوا الدارجة ليعطوا الدليل على شذوذهم الهوياتي الفردي، بل أصبحت مشكلةَ الهوية الجماعية للدولة، التي أضحت دولة شاذة في هويتها، ومتحولة في انتمائها الجنسي والقومي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.