الكعبي يتألق في أولمبياكوس اليوناني    رسميا.. اكتمال مجموعة المنتخب المغربي في أولمبياد باريس 2024    الجيش الملكي يُخرج بركان من كأس العرش    الخطوط الملكية تستعد للمونديال برفع أسطولها إلى 130 طائرة بحلول 2030    بوريطة يتباحث ببانجول مع نظيره المالي    تطورات جديدة ومثيرة في أزمة مباراة إتحاد الجزائر ونهضة بركان    كأس العرش لكرة القدم.. الجيش الملكي يبلغ ثمن النهائي بفوزه على نهضة بركان بالضربات الترجيحية 8-7    مجلس جماعة بني بوعياش يعقد دورته العادية لشهر ماي    عمور.. مونديال 2030: وزارة السياحة معبأة من أجل استضافة الفرق والجمهور في أحسن الظروف    تفكيك مخيّم يثير حسرة طلبة أمريكيين    الملك يعزي بن زايد في وفاة طحنون آل نهيان    وفاة المحامي والحقوقي عبد العزيز النويضي اثر سكتة قلبية    حجز زورق ومحركات.. الديستي وأمن الحسيمة يوقفان 5 أشخاص تاجروا بالمهاجرين    العقائد النصرانية    تنفيذ قانون المالية يظهر فائضا في الميزانية بلغ 16,8 مليار درهم    الأمثال العامية بتطوان... (588)    قرار بعدم اختصاص محكمة جرائم الأموال في قضية اليملاحي وإرجاع المسطرة لمحكمة تطوان    مركز دراسات.. لهذا ترغب واشنطن في انتصار مغربي سريع في حال وقوع حرب مع الجزائر    تركيا تعلق المعاملات التجارية مع إسرائيل    أوروبا تصدم المغرب مرة أخرى بسبب خضر غير صالحة للاستهلاك    أنور الخليل: "الناظور تستحق مركبا ثقافيا كبيرا.. وهذه مشاريعي المستقبلية    أمطار طوفانية تغرق الإمارات وتتسبب في إغلاق مدارس ومقار عمل    أول تعليق من حكيمي بعد السقوط أمام بوروسيا دورتموند    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة    ارتفاع حصيلة القتلى في غزة.. واعتقالات في الضفة الغربية    "الأمم المتحدة" تقدر كلفة إعادة إعمار غزة بما بين 30 إلى 40 مليار دولار    أزمة طلبة الطب وصلت ل4 شهور من الاحتقان..لجنة الطلبة فتهديد جديد للحكومة بسنة بيضاء: مضطرين نديرو مقاطعة شاملة    المخزون المائي بسدود الشمال يناهز مليار و100 مليون متر مكعب    فوضى «الفراشة» بالفنيدق تتحول إلى محاولة قتل    مصرع سائق دراجة نارية في حادثة سير مروعة بطنجة    مجلس النواب يعقد الأربعاء المقبل جلسة عمومية لمناقشة الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة    ندوة بطنجة تناقش مكافحة غسل الأموال    ها التعيينات الجديدة فمناصب عليا لي دازت اليوم فمجلس الحكومة    بايتاس رد على لشكر والبي جي دي: الاتفاق مع النقابات ماشي مقايضة وحنا أسسنا لمنطق جديد فالحوار الاجتماعي    باحثون يكتشفون آليات تحسّن فهم تشكّل الجنين البشري في أولى مراحله    المكتب الوطني للمطارات كيوجد لتصميم بناء مقر اجتماعي.. وها شنو لونصات لقلالش    بذور مقاومة للجفاف تزرع الأمل في المغرب رغم انتشارها المحدود    النفط يتراجع لليوم الرابع عالمياً    طاهرة تودع مسلسل "المختفي" بكلمات مؤثرة        رسميا.. جامعة الكرة تتوصل بقرار "الكاف" النهائي بشأن تأهل نهضة بركان    مؤسسة المبادرة الخاصة تحتفي بمهرجانها الثقافي السادس عشر    البرلمان يستعرض تدبير غنى الحضارة المغربية بالمنتدى العالمي لحوار الثقافات    إلقاء القبض على إعلامية مشهورة وإيداعها السجن    آبل تعتزم إجراء تكامل بين تطبيقي التقويم و التذكيرات    تسرب الوقود من سفينة بميناء سبتة كاد يتسبب في كارثة بيئية    الطيب حمضي ل"رسالة24″: ليست هناك أي علاقة سببية بين لقاح أسترازينيكا والأعراض الجانبية    مسؤولة في يونيسكو تشيد بزليج المغرب    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" يعلن عن أسماء الفائزات والفائزين بجائزة "الشاعر محمد الجيدي" الإقليمية في الشعر    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الرئيس الكولومبي يعلن قطع العلاقات مع إسرائيل    "دراسة": زيادة لياقة القلب تقلل خطر الوفاة بنحو 20 في المائة    عبد الجبّار السحيمي في كل الأيام!    العربية للطيران ترفع عدد رحلاتها بين أكادير والرباط    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    دراسة: مجموع السجائر المستهلكة "يلتزم بالثبات" في إنجلترا    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الأمثال العامية بتطوان... (586)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مستقبل الجزائر في ظل المتغيرات الإقليمية الراهنة .. التحديات والحلول
نشر في هسبريس يوم 08 - 12 - 2015

إن الأهمية الجيو سياسية والجيو إستراتيجية التي تحظى بها الجزائر إقليميا ودوليا جعلتها محط أنظار العديد من صناع القرار والسياسات والمستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال والشركات العابرة للقارات من مختلف أنحاء العالم، سواء بفعل موقعها الجغرافي المتميز من الناحيتين السابقتين والذي يشكل عامل استقطاب مهما للقوى الدولية، أو لامتلاكها أهم موارد الطاقة في العصر الحديث، فباتت هذه المنطقة محورا أساسيا من محاور الصراع والتنافس الدولي بين استراتيجيات القوى العظمى، ومجالا حيويا لتطبيقاتها الجيو سياسية .
وبما أن هذه المقال سيناقش أبرز التحديات السياسية و الأمنية والعقبات القائمة والقادمة داخليا، والتي ستكون حلقة الوصل والفصل بين الشعب ومستقبل النظام الذي يحكمه، ولأننا نؤمن بأن المناعة الداخلية والوطنية وترابط الكيان الداخلي بين الشعب الجزائري وحكومته ومدى مقدرة هذه الأخيرة على توطيد ثقة شعبه بها من خلال العديد من العوامل والمبادئ والقيم الإنسانية والتنموية، سيشكل الجدار المانع والقوة الوطنية الداخلية القادرة على احتواء الكثير من التحديات والمخاطر السياسية والأمنية والمؤامرات الخارجية التي تهدد الجزائر كنظام وشعب .
وقد أثبتت الظروف الاستثنائية التي مرت بها الجزائر في الفترة الأخيرة بشكل متفاوت، فيما أطلق عليه في العديد من الأدبيات العربية بثورات الربيع العربي، بأن الجزائر برغم ثرواتها الهائلة مقارنة بالعديد من دول المنطقة العربية وتوفر الاستقرار الأمني والسياسي، إلا أنها ورغم ذلك كله ليست بمعزل أبدا عن التهديدات والتحديات التي يمكن أن تزعزع استقرارها وأمنها .
ونحن بهذا الحديث لا نسعى لرفع سقف المخاوف من باب التهويل وتضخيم الأمور أو إعطاءها قدر اكبر من حجمها الطبيعي، بقدر ما هو تنبيه استشرافي تم بناءه على جملة من المعطيات والمحددات التي لا مفر من الإقرار بها والاعتراف بوجودها من باب الحكمة والحنكة والمنطق والعقل السياسي الواعي والمدرك لعبر التاريخ ومجرياته وعواقبه وتقلباته، ويجب أن لا يستهين بها النظام الحاكم في الجزائر ولا بتبعاتها على استقرار الدولة ومستقبل الشعب .
وهو ما يدفعنا من باب المسؤولية التاريخية توجيه رسالة إلى الجماعة الحاكمة في الجزائر مفادها : إن بعض التنازلات التي قد تعد قاسية وقد فرضتها سياسة الأمر الواقع من قبل شعوب المنطقة على الأنظمة الحاكمة في ظل المتغيرات التي عصفت بمعظم دولنا العربية في الفترة الماضية ولا زالت مستمرة حتى اللحظة الراهنة، والخضوع لمتطلبات الشعوب رغم عدم منطقيتها في كثير من الأحيان من وجهة النظر الرسمية والاتجاه لتغيير العديد من الخطط والتوجهات والقيادات لا يجب أن ينظر إليه على انه تحد أو تمرد سلبي من قبل تلك الشعوب على أنظمتها وحكامها، غايته إسقاط الأنظمة أو تحجيم دورها القيادي والسيادي .
على العموم فانه من جهة لا يعني ذلك الاستسلام بطريقة ما لتلك المخاوف والتحديات والخضوع لسياسة الأمر الواقع التي نعيشها اليوم، والتي فرضتها انعكاسات العولمة العابرة للقارات ومرحلة تناقل الثورات وسنوات من تراكم أخطاء الماضي وجمود وظائف الدولة، وشيخوخة الأنظمة السياسية، ولا يمكن بحال من الأحوال من جهة أخرى كذلك تجاهل الكثير من المعالجات والأفكار والأطروحات الصائبة والطيبة التي وجهت لاحتواء وتقليل مخاطر تلك العوائق خلال الفترات الماضية في الجزائر، بالرغم من أن كل ذلك لم يكن كافيا حتى اللحظة الراهنة من وجهة نظري، وبطريقة نستطيع من خلالها القول أن تلك المعالجات حققت معركة الاستقرار المنشودة، ولكننا يمكن أن نؤكد أن بعضها دفع بشكل مؤقت نحو مزيد من الوقت لكسب تلك المعركة الحاسمة والمصيرية في تاريخ الجزائر .
إذا هناك سؤالين يمكن طرحهما في هذا السياق وسنجيب عنهما في الشق الثاني من هذا المقال، وهما : ما هي أهم التحديات الأمنية و السياسية الداخلية التي تواجه وبمعنى آخر تشكل التهديد والتحدي الأبرز للنظام في الجزائر بوجه خاص وجغرافيا دول المغرب العربي وشعوبها بوجه عام في الوقت القائم والقادم؟، وما هي المعالجات والحلول الممكنة أو حتى المتوفرة والتي يمكن أن توجه لاحتواء أو على اقل تقدير التقليل من الآثار السلبية والمخاطر المحتملة لمعارك لابد لنا من خوضها في المستقبل، وعلى رأسها بل وأهمها على الإطلاق هي معركة الاستقرار السياسي والأمني في ظل وجود تلك التحديات والعقبات الداخلية في عالم متغير وغير ثابت وسريع التقلبات ؟
بداية نؤكد على أن الاستقرار السياسي للنظام في الجزائر ما هو إلا محصلة لأدائه في ( مجالات الشرعية السياسية والعدالة الاجتماعية، والتنمية الاقتصادية، وقدرة مؤسسات النظام السياسي على الاستجابة للمتغيرات المحيطة بالبيئة المحلية، والبيئة الخارجية، من خلال التغيير التدريجي، والمنظم الذي يساهم في حفظ النظام من اهتزاز شرعيته ، وتدني فعاليته و يتميز بالمرونة النسبية ، وتشير إلى قدرة النظام على توظيف مؤسساته الرسمية، واحتواء الصراعات التي قد تحدث دون استخدام العنف السياسي إلا في أضيق نطاق .
ولو نظرنا إلى صيغة الأسئلة السابقة لوجدنا بكل تأكيد طيفا واسعا من التحديات والعقبات وكذلك الحلول والمعالجات والإجابات الخاصة بها , منها ما هو تكتيكي وآخر استراتيجي، ولكننا قمنا باختصار كل ذلك في نقاط وجدتها من وجهة نظري أنها أكثر شمولية وأوسع رؤية في هذا السياق، " واقصد " من جهة الحلول المتوفرة والممكن تحقيقها بهدف التقليل من الآثار السلبية والانعكاسات الخطيرة لمعركة الأمن والاستقرار السياسي على رقعة الشطرنج الجزائرية خلال السنوات المقبلة، والتي بدورها تهدد استقرار وبقاء النظام السياسي الحاكم بمأمن عن تلك المتغيرات والتقلبات, وكذلك من خلال محاولة تضييق دائرة التحديات والعقبات والتهديدات الداخلية التي لا زالت ترزح تحت وطأتها الجزائر بحسب العديد من الباحثين والمهتمين المتخصصين بالشأن الجزائري، ومن أبرز تلك التحديات والعقبات التي تهدد استقرار النظام الجزائري التالي:
أولا : النظرة الشعبية لشرعية النظام في الجزائر:
فكما هو معروف بان جميع الأنظمة السياسية الحاكمة باختلاف مسمياتها وبناءها السياسي هي أنظمة ديمقراطية, وتكمن المشكلة والتحدي الأكبر لها ولوجودها من هذه الناحية في مدى قدرتها على استمرار كسب شرعية ورضا وقبول وولاء الشعوب لها مع التقادم التاريخي،خصوصا مع تبدل وتغير الأجيال من الطرفين , وكذلك مع تقادم وعي ونماذج تفكير الجيل الراهن من الشباب الجزائري الذي تحكمه تلك الأنظمة، ونظرتهم إلى أحقية وجدارة وشرعية السلطة السياسية التي تحكمهم، ومدى قبولهم لسياسات تلك الأنظمة .
حيث تعتبر شرعية النظام السياسي من الدعائم الأساسية للاستقرار السياسي، وهذا الأخير يعد بدوره من دلائل الشرعية السياسية، وهناك عدة اتجاهات في تعريف الشرعية السياسية : ( تبرير السلطة الحاكمة من منطق الإرادة الجماعية. بمعنى أن النظام السياسي يكتسب شرعيته من خلال تحقيق مصالح الشعب وصيانة استقلال البلاد وحماية الحقوق.... وتظهر هذه الشرعية من خلال تقبل أفراد الشعب للنظام وخضوعهم له طواعية .
حيث انه من المعروف أن النظام الجزائري قد بنى شرعيته ومشروعيته منذ قيامه وتأسيسه على ( ثقافة سياسية قائمة على قيم الطاعة والولاء ) بسبب الشرعية الثورية.
ثانيا : التحديات الاقتصادية :
حيث تعد التحديات الاقتصادية واحدة من أبرز وأهم الأسباب التي تقض مضاجع الطرفين، الأنظمة السياسية الحاكمة من جهة والشعوب المحكومة من جهة أخرى، في ظل تذبذب أسعار النفط بين تراجع كبير وآخر خطير، وتحكم هذا الأخير بدخل الفرد ومستوى معيشته ومصدر حياة مؤسسات الدولة في منطقة تعتمد بشكل كبير في حياتها ومصدر وجودها السياسي على ريع الموارد النفطية والثروات الطبيعية في بناء الاقتصاد والتنمية البشرية والعمرانية، ما يجعل نفادها الحتمي كارثة عظمى على المنطقة وأنظمتها السياسية في حال لم تتمكن هذه الأخيرة من البحث عن بدائل لذلك، إذ ينظر إلى الاستقرار الاقتصادي على أنه مؤشر عام من مؤشرات الاستقرار السياسي في كل المجتمعات، فعندما يكون النظام السياسي مستقراً، فإنه يوجه سياساته الاقتصادية نحو أهداف التنمية، وهذه السياسات التنموية التي ترفع مستوى المعيشة والرفاهية للأفراد، تخلق نوعاً من الطمأنينة والرضا الشعبي تجاه النظام السياسي .
فالاقتصاد القوي يجعل الناس يحسون بأن الأمل موجود أمامهم، وأتصور أن الأمل هو شرط حيوي ومحفز قوي يدفع الناس لاحترام القانون، أما حين يفقد الأمل فان الشك يبدأ بالتغلغل إلى النفوس والأفكار، وحيث يتواجد الشك ينتشر الخوف، وبكل تأكيد فان الخوف والشعور بالقلق من الناحية الاقتصادية من أهم أسباب التحايل على القوانين والسعي لاختراقها، فالفرد منا حين يشعر بأنه مهدد من الناحية المادية والمعيشية يبدأ بالبحث عن وسائل أخرى للوصول إلى هدفه الذي حالت الظروف الاقتصادية أو بعض القوانين دون الوصول إليه .
وهو ما يؤكده هارولد لاسكي في كتابه – الحرية في الدول الحديثة – في قوله : أنه حين يبدأ اقتصاد المجتمع بالانكماش، حينئذ تكون الحرية في خطر، فالتقلصات الاقتصادية دائما تعني الخوف، والخوف يولد الشك باستمرار وهو ما يجعل أفراد المجتمع أكثر استعدادا للسماع إلى أصوات جديدة، وأنهم في الغالب يطالبون بتغييرات جديدة، وفي هذه الحالة لا تستطيع الدولة الاحتفاظ بسلطتها ... هكذا نفهم أن هناك علاقة تناسب عكسية بين التنمية الاقتصادية والعنف، " أي " كلما تزايدت مظاهر الإصلاح الاقتصادي، انحسرت مظاهر العنف السياسي ومعدلاته، " بمعنى " أن العنف ينخفض في النظم السياسية التي تعتمد الحداثة والإصلاح نظرا لوجود مؤسسات سياسية واجتماعية واقتصادية وسيطة تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وتضبط ظاهرة الحراك الاجتماعي .
ثالثا : ضعف المشاركة السياسية وتراجع الثقة الشعبية :
وتعد المشاركة السياسية وفتح منافذ تبادل الآراء والأفكار ووجهات النظر بين مؤسسة الرئاسة الحاكمة والشعوب من ابرز الأسباب التي تعزز من الثقة السياسية بمختلف جوانبها وتوجهاتها سواء كانت الثقة بالحاكم أو بالنظام السياسي ككل بدا بالدستور والقوانين، ومرورا بالمؤسسات والمسؤولين وليس انتهاء بكل ما يتعلق بالمواطن في دولته, لذا ستبقى الثقة السياسية ومن قبلها المشاركة السياسية من أبرز عوامل إستمرار الأمن والاستقرار والطمأنينة في أي وطن، وأهم ركائز التنمية والديمقراطية والوفاق بين أطراف الإنتاج والعمل الوطني .
أما تراجعها أو ضعفها فسيؤدي مع الوقت إلى ( حالة من العداء تجاه القادة السياسيين والاجتماعيين ومؤسسات الحكم والنظام الحاكم، والتي تعبر عن حالة من سخط الرأي العام تجاه النظام بسبب فشل الحكومة في " تلبية احتياجات أو توقعات " المواطنين الأمر الذي يؤدي إلي تآكل الشرعية السياسية، كما أوضحت بعض الأدبيات أن غياب الثقة السياسية بين أعضاء العمل السياسي مؤشر علي تشبع النخبة الحاكمة بثقافة الاصطفاء السياسي، ونفي الآخر واستبعاده، وهي التقييم السلبي للسياسات العامة من قبل المواطنين الذين يرون تناقضاً بين المأمول والواقع، حيث يثق المواطنون في الحكومة عندما يشعرون بأنها تعالج القضايا بكفاءة، ويفقدون الثقة فيها عندما يشعرون بأنها مسؤولة عن الاتجاهات غير المرغوب فيها .
رابعا : التطرف الفكري والإيديولوجي :
انعكس الواقع السياسي سلبا وبشكل مباشر على التكوين النفسي والثقافي لفئة الشباب في الجزائر، حيث تشير العديد من الإحصائيات والدراسات الموثقة، أن نسبة تتجاوز ال 60% من الشباب الجزائري محبط من إمكانية تغيير الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في ظل النظام السياسي الراهن، وأن أكثرهم يعيشون حالة من الانفصام عن الواقع وعدم الاكتراث واللامبالاة بذلك الواقع وقضاياه، وهو ما يدل على أعلى درجات الاغتراب السياسي والثقافي للشباب الجزائري في وطنه .
حيث أن العديد من الشباب الجزائري اليوم يعيش ما يمكن أن نطلق عليه بالإحساس بالغربة الوطنية وفقدان الدفء الوطني، يعيش فترة صعبة من تراجع منسوب الهوية الوطنية، وبالتالي تراجع قيم الولاء والانتماء للوطن، لدرجة أننا نستطيع أن نؤكد بان هناك العديد من الشباب الجزائري سينقلب إن طال به الأمد دون معالجة لأوضاعه ومتطلباته الاجتماعية والثقافية والاقتصادية على وطنه، وسيندفع وراء تيارات وثقافات هجينة مستوردة تهدم الثوابت الوطنية و القيم والمعتقدات والأخلاق .
ولقد انتهج الشباب الجزائري عدد من المناهج والطرق المؤلمة للخروج من تلك الحالة من الاغتراب الوطني، كان من أبرزها تحول الشباب إلى المواجهة المباشرة، والمواجهة هنا أتت متخذة شكلين, أولها : الانضمام إلى التنظيمات السياسية والاجتماعية والثقافية الشبابية الداخلية، وغيرها من التنظيمات التي يراد من وراءها تخريب الممتلكات وثروات الوطن وإسقاط النظام السياسي الحاكم, كردة فعل عكسية على نظرتهم للوطن من خلال النظام السياسي الذي لا تشاهد فيه غير الظلم والقسوة, وهو ما دفعها إلى التمرد في نهاية المطاف، أما الشكل الثاني فقد اتخذ حالة من العنف السياسي المنظم، مدعوما من الخارج بالمال والأفكار المستوردة والخارجة عن تعاليم الدين الإسلامي، وباختصار فان حالة الإحباط التي يعيشها الشباب الجزائري على الصعيد السياسي والاقتصادي نشطت حالة العنف لديهم, فتبلورت في العقل الجماعي بصفة عامة وفي عقل الشباب الجزائري على وجه الخصوص و باعتبارها أفضل السبل لنيل الحقوق وأفضل الطرق لحل الكثير من القضايا وتلبية العديد من المتطلبات المعيشية .
ختاما فإننا سنطرح أبرز الحلول المتوفرة والممكن الاستناد إليها لتقليص مخاطر تلك التهديدات والتحديات التي تواجه استقرار وأمن النظام الجزائري خلال الفترة القائمة والمستقبلية، مع التأكيد كذلك بأنها ليست سوى حلول نجد من وجهة نظرنا بأنها حلول رئيسية، وعليه فان هناك حلول أخرى يمكن الاستناد إليها وعليها في إحتواء تلك التحديات والمخاطر , ومن أبرز ما نعتبره من الحلول في هذا السياق التالي:
أولا : ارتفاع إدراك ووعي وإيمان النظام السياسي في الجزائر إلى فكرة : أن صمام الأمان الأهم لاستقرار الجزائر من التهديدات الخارجية العابرة للقارات وحتى تلك الداخلية هي شعوب المنطقة نفسها والمناعة الداخلية والوطنية، وبالتالي استقرارها يكمن في استقرار شعوبها من مختلف النواحي المادية والمعنوية، وأن أية أفكار أخرى تسير أو توجه في عكس هذه الاتجاه أو التيار لن تؤدي سوى إلى استمرار الخلافات الداخلية والانقسامات الوطنية، وهو ما سيؤدي بدوره إلى تفاقم حالة الفوضى الهدامة وعدم الاستقرار، والذي بدوره كذلك سيؤدي إلى إفساح المجال للتدخلات الخارجية والاختراقات الاستعمارية .
ثانيا : التشاركية في اتخاذ القرارات المصيرية وخصوصا تلك التي تلامس الحياة اليومية للشعب، فالتفاعل والتشارك بين ( الحاكم والمحكوم اجتماعيا وضمن حدود الفضيلة الأخلاقية التي تركز على فضيلة الوسط، يخدم هدف بلورة ارتباط ووحدة اجتماعية أقوى، أو كما يسميه أرسطو ب " وحدة المشاعر "، وهذه الوحدة تعني تحقيق انسجام قائم على فضيلة الوسط بين المجتمع والذات من جهة والمجتمع والدولة من جهة أخرى... وبناءا عليه فإن العدالة لا تكمن في عالم مثالي فحسب، وإنما تستقي أيضا من معطيات الواقع وطبيعة العلاقات السياسية والاجتماعية السائدة .
ثالثا : تدعيم أسباب ومفاهيم الثقة المتبادلة والرضا المتبادل بين السلطة والمجتمع. فالنظام الذي لا يثق بشعبه أو الشعب الذي لا يثق بنظامه السياسي وبحكومته، يكون دائما مهدد بشكل حقيقي في أمنه واستقراره... لأن الأمن الحقيقي والاستقرار العميق هو الذي يستند إلى حقيقة راسخة وهي توفر الثقة العميقة والمتبادلة بين السلطة والمجتمع . هذه الثقة هي التي تمنح القوة لكلا الطرفين. فقوة المجتمع في انسجامه السياسي مع نظامه السياسي، وقوة النظام السياسي في ثقة المجتمع به وبخياراته السياسية والإستراتيجية... لذلك فإن الاستقرار السياسي يتطلب وبشكل دائم العمل على غرس بذور الثقة بين السلطة والمجتمع... ولا ريب أن خلق الثقة المتبادلة بين الطرفين، يحتاج إلى مبادرات حقيقية وانفتاح متواصل ومستديم بين مختلف القوى، حتى يتوفر المناخ المواتي للثقة والرضا المتبادل بين السلطة والمجتمع .
رابعا: توفر الحريات السياسية والثقافية... فلو تأملنا في العديد من التجارب السياسية على هذا الصعيد، لاكتشفنا وبشكل لا لبس فيه أن الدولة التي تتوفر فيها حريات وتمنح شعبها بعض الحقوق، هي الدولة المستقرة والتي تتمكن من مواجهة التحديات والمخاطر... أما الدولة التي تمارس السياسة بعقلية الاستئصال والتوحش وتمنع شعبها من بعض حقوقه ومكتسباته السياسية فإنها دولة مهددة في استقرارها وأمنها.. لأنه لا يمكن لأي شعب أن يدافع عن دولة هو أول ضحاياها، فكل التحديات والمخاطر لا يمكن مواجهتها، إلا باستقرار سياسي عميق، ولا استقرار حقيقي إلا بديمقراطية وتنمية مستدامة... لذلك فإن الخطوة الأولى والإستراتيجية في مشروع مواجهة تحديات المرحلة ومخاطرها المتعددة هو بناء أمننا واستقرارنا على أسس ومبادئ حقيقية تزيدنا مناعة وصلابة وقدرة على المواجهة .
خامسا : ضرورة سعي النظام السياسي إلى الانتقال بوسائل ديمقراطية من شرعية تقليدية وتاريخية إلى سياسية تبرير السلطة الحاكمة من منطق الإرادة الجماعية والشرعية والشعبية، من خلال السعي لرضا قلوب وعقول الشعب بقيم العدل والعدالة الاجتماعية والمساواة وغير ذلك، وخصوصا فئة وشريحة الشباب الجزائري، فهم الركيزة الكبرى وعماد التقدم ومنبع الاستقرار، والعكس كذلك في حال تم تجاهلهم وتهميشهم وعدم الاهتمام بحاجاتهم ومتطلباتهم .
سادسا : البحث السريع والجاد عن بدائل أخرى لمصدر الثروة النفطية، والذي سبق وقلنا انه يعد اليوم المصدر الأكبر لمداخيل الجزائر، ومن خلاله تتم عمليات التنمية البشرية والعمرانية بكل اتجاهاتها الأفقية والعمودية، وأن نضوبه الحتمي سيؤثر سلبا على استقرار الجزائر بوجه عام والنظام الحاكم خصوصا .
سابعا :تدعيم المساواة بين جميع الأفراد والمجموعات وشرائح المجتمع الجزائري على قاعدة المواطنة واحترام حقوق الإنسان .
وقبل أن نختم هذا المقال فإنني أود التنبيه على نقطة أخيرة، غاية في الأهمية، وهي : أن الشعب الجزائري وثقافته وأفكاره وطموحاته بشكل عام وجيل الشباب على وجه الخصوص ليس هو ذلك النموذج الذي عهده النظام السياسي قبل 20 سنة تقريبا، وبالتالي يجب أن ينتبه النظام السياسي بالإضافة إلى ما سبق ذكره إلى أهمية المواكبة والتكيف مع التغيرات السسيولوجية والسيكولوجية التي يعايشها الشعب اليوم بوجه عام وخصوصا شريحة الشباب منهم .
*أستاذ جامعي
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.