الجزائر على صفيح ساخن... مؤشرات انهيار داخل النظام العسكري وتزايد الحديث عن انقلاب محتمل    نصف قرن على المسيرة الخضراء... العيون تجدد العهد مع الملك والوطن    الولايات المتحدة والصين يعملان على "التفاصيل النهائية" لاتفاق تجاري (مسؤول أمريكي)    أوناحي يقود خيرونا للتعادل أمام أوفييدو    طقس الأحد: برودة بالأطلس والريف وحرارة مرتفعة بجنوب المملكة    زلزال بقوة 5,5 درجة يضرب شمال شرق الصين    فيلم "البحر البعيد" لسعيد حميش بن العربي يتوج بالجائزة الكبرى للدورة ال25 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة    تفكيك شبكة لترويج المخدرات وحجز أزيد من ألفي قرص مهلوس    توقيف فرنسي من أصول جزائرية مبحوث عنه دولياً بتهمة الانتماء لعصابة إجرامية وحيازة متفجرات    ممارسون وباحثون يُبلورون رؤية متجددة للتراث التاريخي للمدينة العتيقة    روبيو يستبعد تقسيما دائما لقطاع غزة    إرسموكن :لقاء يحتفي بالذكرى ال50 ل"ملحمة 1975″ و محاكاة رمزية لها بحضور شاحنة "berliet" ( صور + فيديو )    طنجة: المغاربة يتصدرون منصة التتويج في النسخة الثالثة من بطولة "كوبا ديل إستريتشو"    الحزب الاشتراكي الموحد يستنكرإقصاء مدينة العرائش من الشطر الأول للبرنامج الوطني للنقل الحضري العمومي بواسطة الحافلات    إصابة تبعد الجمجامي عن الكوكب    الرقمنة أنشودة المستقبل الذكي    المغرب يصطدم بكوريا الشمالية في ثمن نهائي مونديال السيدات لأقل من 17 سنة    دوري أبطال إفريقيا: الجيش الملكي يتأهل إلى دور المجموعات بانتصاره على حوريا كوناكري الغيني    المنتخب الوطني المغربي لأقل من 17 سنة يتعادل وديا مع نظيره الفنزويلي ( 3-3)    الملك يهنئ رئيس جمهورية كازاخستان    الأمين العام للأمم المتحدة يثمن التعاون النموذجي للمغرب مع "المينورسو"    "حماة المستهلك" يطالبون بتشديد الخناق على زيت الزيتون المغشوشة    مشجعون من 135 دولة يشترون تذاكر نهائيات كأس إفريقيا في المغرب    البرنامج الجديد للنقل الحضري العمومي للفترة 2025-2029.. استلام 70 حافلة جديدة بميناء أكادير    ترامب منفتح على لقاء كيم ويصف كوريا الشمالية بأنها "قوة نووية نوعاً ما"    الأزمي: التراجع عن التغطية الصحية الشاملة في مالية 2026 دليل على إخفاق حكومة أخنوش    شركة فرنسية تطلق خطا بحريا جديدا يربط طنجة المتوسط بفالنسيا وصفاقس    فيتنام: المغرب يوقع على المعاهدة الدولية للأمم المتحدة لمكافحة الجرائم السيبرانية    قبل أسابيع من انطلاق كأس إفريقيا للأمم.. فشل ذريع للمكتب الوطني للسكك الحديدية في التواصل مع المسافرين بعد عطل "البراق"    وفاة الملكة الأم في تايلاند عن 93 عاما    أمطار مرتقبة بالشمال وانخفاض في درجات الحرارة الأسبوع المقبل    الأمين العام للأمم المتحدة يبرز التنمية متعددة الأبعاد لفائدة ساكنة الأقاليم الجنوبية للمملكة    عجز سيولة البنوك يتراجع بنسبة 2.87 في المائة خلال الفترة من 16 إلى 22 أكتوبر    السوق الأوربية للفيلم... المركز السينمائي يدعو المهنيين لتقديم مشاريعهم حتى 24 نونبر المقبل    زينة الداودية عن صفقة زياش التاريخية: إنها الوداد يا سادة    نور عيادي تفتتح الدورة ال15 لمسابقة البيانو للأميرة للا مريم بأداء مبهر    افتتاح متميز لمعرض الفنان المنصوري الادريسي برواق باب الرواح    مساعد مدرب برشلونة: الانتقادات ستحفز لامين جمال في الكلاسيكو    إسبانيا.. العثور على لوحة لبيكاسو اختفت أثناء نقلها إلى معرض    قمة صينية أمريكية بماليزيا لخفض التوتر التجاري بين البلدين وضمان لقاء ترامب ونظيره شي    المهرجان الوطني للفيلم بطنجة يعالج الاغتراب والحب والبحث عن الخلاص    وزارة المالية تخصص مبلغا ضخما لدعم "البوطة" والسكر والدقيق    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    حدود "الخط الأصفر" تمنع نازحين في قطاع غزة من العودة إلى الديار    التوقعات المبشرة بهطول الأمطار تطلق دينامية لافتة في القطاع الفلاحي    الأمم المتحدة: ارتفاع الشيخوخة في المغرب يتزامن مع تصاعد الضغوط المناخية    تقرير يقارن قانوني مالية 2025 و2026 ويبرز مكاسب التحول وتحديات التنفيذ    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    عبد الإله بنكيران والولاء العابر للوطن    من وادي السيليكون إلى وادي أبي رقراق    المجلس العلمي الأعلى يضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    وزارة الأوقاف تعمم على أئمة المساجد خطبة تحث على تربية الأولاد على المشاركة في الشأن العام    طب العيون ينبه إلى "تشخيص الحول"    أمير المؤمنين يطلع على نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة ويأذن بوضعها رهن إشارة العموم    علماء يصلون إلى حمض أميني مسبب للاكتئاب    أونسا: استعمال "مضافات الجبن" سليم    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أهمية التواصل العاطفي مع الأطفال
نشر في هسبريس يوم 05 - 02 - 2016


تمهيد
1- أهمية التواصل العاطفي على مستوى الشخصية
2-أهمية التواصل العاطفي على مستوى الذكاء
3- أهمية التواصل العاطفي على المستوى الاجتماعي
4- أهمية التواصل العاطفي على المستوى اللغوي
تمهيد:
إن التواصل كما جاء في القاموس المحيط يعني: "وصل والوصلة بالضم الاتصال، وكل ما اتصل بشيء فما بينهما وصلة" 1، أي أنه العلاقة التي لا تهدف إلى الفصل بقدر ما تسعى إلى تحقيق العلاقات فيما بين العناصر مهما كانت تلك العناصر، وجاء في لسان العرب: "الوصل ضد الهجران، والتواصل ضد التصارم، وفي الحديث: من أراد أن يطول عمره فليصل رحمه" 2، أي أن التواصل إيصال ووصل لما ينقطع ، إذ وصل بمعنى" اتصل...ووصله توصيلا، إذا أكثر من الوصل" وهو المعنى ذاته بالتعبير عينه الذي يورده الرازي في مختار الصحاح 3 .
وقد قال تمام حسان عن التواصل: "وقد يزداد الثلاثي بواسطة لواصق وزوائد تدل على معان صرفية معينة منها التاء قبل الفاء مع الألف بعدها مثل "تباعد" ومعناها الغالب المطاوعة والمشاركة ..إلخ، فتواصل إذن تدل على المطاوعة والمشاركة لأن كل ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب، ومعلوم أن هذا الفعل ينشق منه مصدره لصيغة تواصل، حيث يشارك المرسل المستقبل في هذه العملية" 4، إذن فالتواصل هو العملية التي يتفاعل بها المرسلون والمستقبلون للرسائل في سياقات اجتماعية معينة5.
والتواصل في علم النفس التربوي وهو ما يهمنا في هذا البحث، فهو الحال التي يظهر فيها رفع الحواجز و التي تفصل بين الضمائر إذ على المتكّلم أن يخلق إيصالا بينه وبين المستمعين فكلامه إذا إيصالي، لأن التواصل بهذا المفهوم مشاركة، و ما المشاركة إلا وجه من وجوه الطبيعة الاجتماعية التي تخضع لها العلامات اللّغوية وغير اللّغوية في عملية التواصل، و التي تعكس بدورها قيمة ما يصل الآخر من أخبار جديدة على اختلاف وسائل الإيصال.
إن التواصل ببساطة هو اشتراك مع الآخرين في عملية التبادل للرسائل والرموز، ولهذا لا يخفى على الممارس التربوي أهمية التواصل مع الطفل نظرا لما تشكله هذه العملية من دور في بناء شخصية الطفل وشحذ ذكائه وتلبية رغباته، وفي تواصله الاجتماعي بما يحقق ما يمكن تسميته بالاندماج الاجتماعي، بالإضافة إلى الأهمية الكبرى لهذه العملية على المستوى البيداغوجي في قضايا التربية والتعليم، كما سنلاحظ الأهمية الكبرى التي يلعبها التواصل العاطفي، من خلال سياق عاطفي في بلورة ذكاء وتقدير قدرات الطفل اللغوية عبر الاكتساب (التعلم) والتقليد، ومن خلال اكتساب تجارب اجتماعية سلوكية عبر تفاعل تواصلي بالعناصر الاجتماعية سواء أكانت أسرية أو مؤسسات تعليمية ...
1- أهمية التواصل العاطفي على مستوى الشخصية:
إن أهمية التواصل السليم والعلمي المبني على أساس الذكاء العاطفي تظهر جلية، إذا ما علمنا أن شخصية الإنسان تتكون خلال مرحلة الطفولة بنسبة كبيرة، بل أخطر من ذلك فقد أصبح "من المعروف أن السنوات الثلاث أو الأربع الأولى هي الفترة التي يتكون فيها حوالي ثلثي حجم مخ الطفل، ويتطور خلالها في عملية تتسم بالتعقيد بمعدلات لا تحدث في السنوات التالية، وخلال هذه الفترة الأولى يغرس التعلم الأساسي باستعداد يفوق استعداد الفترات التالية في حياة الطفل، ويأتي التعلم العاطفي في مقدمة كل أنواع التعلم الأخرى، وخلال هذا الوقت قد يفسد الضبط الشديد مراكز التعلم في المخ ومن تم يدمر الذهن" 6.
وطرح مسألة أهمية التواصل لا يعني ذلك بالضرورة أنها مقابل اللاتواصل، وإنما المقصود طبيعة التواصل ومنهجيته، هنا تكمن الأهمية وتتضح الضرورة، فالتواصل المبني على الأساس العاطفي ليس هو التواصل الجاف المبني على أساس القهر والفوقية والسلطوية والأوامر والنواهي، فلا مجال هناك للمقارنة سواء من حيث الأهداف أو من حيث النتائج أو من حيث أسس الوعي بالمسألة التواصلية على المستوى التربوي، ولعل التأمل في مآل ونتائج كل من المنهجين سيتضح المقصود أكثر، يقول دانييل جولمان: "إن الطفل الذي لا يستطيع تركيز انتباهه، ويتسم بالتشكيك أكثر مما يتسم بالثقة، وبالحزن أكثر مما يتسم بالتفاؤل، والذي يشعر بأنه مدمر أكثر مما هو محترم... الطفل المقهور بالقلق، المشغول بالخيالات المفزعة الذي يشعر عموما بالتعاسة... عن مثل هذا الطفل ليس لديه فرصة على الإطلاق في أن يكون له نصيب أو يتطلع أن يكون له حظ في فرص الحياة المتعددة" 7. إذن فأهمية التواصل تبرز على مستوى بناء شخصية الطفل، فهي أهمية ذات مستوى عال من الحساسية لأنها ترتبط بشيء مصيري يبقى مع الطفل طيلة حياته، "فالتواصل بالنسبة للطفل ضرورة ملحة" 8، لأنه يمكن الطفل من التعبير عن حالاته العاطفية، ومن حل مشاكله الذاتية، يتضح هذا من خلال التأمل في إشكالية التعبير وتطورها لذا الطفل، والدور الوظيفي الذي تلعبه تلك الأشكال التعبيرية، فمثلا "الرضيع لا يتوفر في الأصل إلا على الإيماء والهيئة والصوت والصراخ للتعبير عن حالاته العاطفية الوجدانية عند إحساسه بالألم أو الجوع أو الانبساط مثلا، وهذا كاف لإقامة التواصل اللازم في حالة ربط علاقة ثنائية مفضلة كالتي تنشأ بين أمه، وما إن يشرع الطفل في الكلام حتى يغير نمط تصرفاته، بحيث يصبح قادرا على حل مشاكله بنفسه، وهكذا فإن استعمال التعبير الشفوي يسهل عليه المهمة كثيرا، إن الطفل مجبر على تعلم الكلام بما هو شكل من أشكال التواصل بخلاف الحيوان الذي يتميز تعبيره بطابع غريزي" 9.
2- أهمية التواصل العاطفي على مستوى الذكاء :
إن عملية التواصل العاطفي تلعب دورا مهما في إبراز ذكاء الطفل، وذلك لأن الذكاء- كما يقول الأستاذ أحمد أوزي: "لا نستطيع أن نقويه وإنما أقصى ما يمكن عمله في إطار تحسينه أن نزيل العراقيل التي يمكن أن تعوق بلوغه أكمل قدراته، وإذا كان من المعروف أن وجود خلل في الجهاز العصبي خلال الولادة، أو الحرمان المبكر من التغذية الكافية والملائمة يشكلان عراقيل حقيقية أمام وظيفة العقل، فإن مسألة التواصل العاطفي فيما يعني الغذاء العاطفي ليشكل في حالة انعدامه من أكبر العراقيل أمام نمو ذكاء الطفل، وذلك أن الغذاء العاطفي خاصة في كنف الأبوين يشكل سيكولوجيا مهما وحاسما في حياته المستقبلية، وخير دليل على ذلك الأطفال الذين تم عزلهم وحرمانهم من التفاعل الإنساني مع الغير، كأولئك الأطفال الذين عاشوا عدة سنوات في ملاجئ، أو الذين عاشوا مع راشدين غير أسوياء على المستوى العقلي ... الخ، إن مثل هؤلاء الأطفال الذين عاشوا في هذه الوضعيات يمكن أن تتحسن حالاتهم بكيفية معينة، غير انه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يبلغوا المستوى العادي، وقد بينت أبحاث كلارك (1976) أن الأطفال الذين نشأوا في ملاجئ فقيرة ويتمتعون بنسبة لا بأس بها من الذكاء عندما ينقلون إلى ملاجئ أخرى تتميز بالحركية والحيوية تتحسن حالاتهم العقلية" 10.
وفي هذا الإطار فقد أنجزت الكثير من الدراسات العلمية التي حاولت استقصاء تلك العلاقة الوطيدة بين معامل الذكاء وبين التغذية العاطفية المتمثلة في ذلك العاطفي المبني على أساس الحنان والحب والتفاعل الإيجابي مع استجابة الطفل على المستوى النفسي والانفعالي، فإن "الدراسات التي قام بها طبيب الأطفال سيبز لمقارنة الأطفال الذين شبوا في دور الحضانة والأطفال الذين قضوا سنواتهم المبكرة في تفاعل مستمر مع أمهاتهم، بينت وجود فرق واضح في معاملهم العقلي أي في مستوى ذكائهم، ففي دور الحضانة تخصص مربية واحدة لكل اثنا عشر طفل، في حين أن الأم تكون على اتصال مباشر ومكثف مع طفلها، لقد لاحظ هذا الطبيب أن أطفال دور الحضانة عندما يبلغون الشهر العاشر يتجاوز معاملهم العقلي 70 مقابل 110 لدى الأطفال الذين تباشر الأمهات أنفسهن احتياجات الأطفال، وإلى نفس النتيجة وصل العالم السيكولوجي يارو حيث أكد أهمية التفاعل الإنساني مع الطفل خاصة فيما بين الشهر الثالث والشهر الثاني عشر، إلا أن غياب العلاقات معهم أو حضورها يؤثر على نموه العقلي في المستقبل، فخلال تلك المدة تتكون الارتباطات العقلية التي تساعد فيما بعد على بنيته وتركيبه بشكل منظم، ومن بين تلك العمليات الذهنية الأساسية التي تتم في تلك الفترة، التعرف على ذاته وعلى الآخرين عبر علاقاته مع أبويه واحتكاكه المستمر معهما، وعلى نوع هذا الحضور وقيمته تستند علاقاته مع الآخرين في فترة الرشد، بل إن الأسابيع الفاصلة بين الشهر السادس والشهر الثامن هي التي تحدد في نظر يارو مستقبل علاقاته الاجتماعية" 11.
وهكذا يمكن القول " إن الذكاء أو القوى العقلية بشكل عام وثيقة الصلة بما هو اجتماعي وثقافي، وينتقل إلى الطفل عبر تفاعله مع أفراد محيطه البشري، فإذا كان يأخذ الاستعداد العقلي من الإرث البيولوجي، فإن ذلك الإرث يظل كامنا ما لم نعمل على إيقاظه بالاهتمام به وإشباع حاجاته وتحسيسه بأهميته ومكانته في المجتمع الأسري الصغير أولا، وإذا كان ديكارت يقول: بأن العقل أعدل الأشياء قسمة بين الناس، فإنه كان يقصد الاستعداد الفطري الذي تقدمه الطبيعة، ولكن ما هو طبيعي يبدأ في التأثر بما هو ثقافي واجتماعي وبيئي منذ لحظة الإخصاب ناهيك عن فترة الحمل وكيف يقضيها الجنين وما نوع الحياة التي يحياها خلال الحمل، فهي فترة حاسمة تؤثر على الاستعدادات الجينية التي ورثها، فالإنجاب مسألة تخطيطية اليوم وليست عملا متروكا للصدفة" 12.
3- أهمية التواصل العاطفي على المستوى الاجتماعي:
انطلاقا من النتائج الطبية التي يفرزها التواصل العاطفي على مستوى بناء شخصية الطفل وتطوير ذكائه، تبرز في إطار هذه التفاعلات المسألة الاجتماعية، والملاحظ أن التواصل المبني على إذكائه العاطفي يوفر مساحات شاسعة وفرصا عديدة لتنمية علاقات اجتماعية من خلالها يستطيع الطفل تحقيق ما يلي:
- بناء شخصية قوية ومتوازنة واجتماعية بطبعها، ومشبعة بالمشاعر الإيجابية من طرف الكل،
- اكتساب خبرة وتجارب تمكن الطفل من تحقيق رغباته وتلبية حاجاته، فهو يكتسب تقنيات عديدة في استمالة الكبار في إخضاعهم لكي يلبوا حاجاته أو يتجاوزوا عن هفواته، وذلك من خلال آلية الضحك أو البكاء، ويظهر ذلك جليا في شرح هدى ناصر: وابتداء من الشهر العاشر يدرك الطفل ما يضحك أهله فيقوم هو بالمبادرة، إنه يفهم أكثر طريقة انفعال الأهل، فعندما تقولين له " لا" - تقصد الأم- لطفلها يتم بفعل ما منعته عن القيام به وهو يضحك إنقاذا لنفسه، ويعلم بأن الأهل ينصاعون لإرادته عندما يبكي فيتمادى في بكائه كي يحملوه، وتكون سعادته كبيرة إذا عض أحدهم فصرخ الآخر أو إذا شد شعر أحدهم وصدر عن الآخر صوت التأثر، يبقى الضحك علاجا عجيبا للأطفال وجواز مرور كل الحدود المستعصية" 13.
- توفير علاقات اجتماعية حميمية للطفل تمهد لما يمكن تسميته بالاندماج الاجتماعي، فيدخل في إطار الحركية الاجتماعية، ويتفاعل مع السياق العام بما يمكنه من اكتساب خبرات ومعارف، خاصة على المستوى اللغوي، بل أكثر من ذلك فإن اعتبار التواصل كعنصر أساسي في الاندماج الاجتماعي لا يتم فقط عن طريق التبادل اللغوي الذي يسمع به، بل ويتم كذلك عن طريق المفاهيم التي يعبر عنها والمضامين التي يروجها، ويمكن تفصيل ذلك بالقول أنه: " بمساعدة التعبير تتكون الدرجات الموضوعية تدريجيا فتصبح المفاهيم أكثر تداولا وأكثر دقة، وذلك على إثر تجارب لا حد لها، سواء منها ما يتم عن طريق الخطاب أو عن طريق الممارسة، هذه التجارب التي يدفع إلى القيام بها فضول الطفل، وحبه للاستطلاع، وحاجته الكبيرة إلى الاتصال والتواصل" 14.
4- أهمية التواصل العاطفي على المستوى اللغوي:
تعتبر اللغة:" أداة تعبير وتفاهم بين أفراد الجماعة اللغوية الواحدة، أي المجموعة التي تغلب الظن أن جميع أفرادها يستعملون لسانا واحدا مشتركا، واللغة أحسن ما أوتي الإنسان من وسائل التفاهم... ويستعمل الإنسان وسائل مختلفة في التواصل مع بني جنسه وحتى مع مخلوقات أخرى، ويستطيع أن يعبر عن سروره بالابتسام، وعن غضبه بالعبوس، وعن انفعاله بالصفير مثلا... وعن أغراض أخرى باستعمال الإشارات، لكن تظل اللغة وسيلة أبلغ في إيصال المقصود" 15.
انطلاقا من هذا التعريف يمكن إبراز أهمية التواصل على المستوى اللغوي، وذلك من خلال أن التواصل على أساس التعبير، الذي يعرف نموا مطرد من الإشارة والرمز والإيماء إلى التعبير الصريح ومحاولات التكلم، يساهم وبشكل كبير في بلورة رصيد لغوي مهم للطفل، يتنامى باطراد مع حجم التفاعلات التعبيرية في إطار السياق الاجتماعي المحيط، ويمكن تنمية هذه العملية بالتعلم ولهذا صح القول بأن " التواصل يستوجب التعلم" وذلك باعتبار أن: " التواصل يتطلب تعلما يخضع له كل كائن بشري، إذ أن اللغة لا تولد مع الوليد، وإذا كانت الأصوات الأولى التي ينطق بها الطفل فطرية، فإن تعلم اللغة وقواعدها ليس كذلك، الطفل بدون تبادل لغوي مع كائنات بشرية أخرى، لا يستطيع أن يعبر أو يفكر، وقد ثبت أن الأطفال الذين لا ينتمون إلى وسط يروج فيه الكلام- سواء كان هذا الوسط عائليا، أو مدرسيا، أو مجموعة بشرية أخرى- يظلون في المرحلة البدائية ولا يتمكنون من الوصول إلى التواصل المنطقي، لذلك فالطفل الذي يعيش بعيدا عن الحياة الاجتماعية مع الحيوانات مثلا، يمكنه أن يصمد بيولوجيا، ولكنه يعجز بسرعة عن التواصل مع المجتمع البشري، والأطفال الذئاب أو الأطفال الغزلان أمثلة واضحة في هذا الشأن، ومبدئيا يتلقى الطفل اللغة، فهو لا ينشئ الأصوات والكلمات والعبارات ولكنه يتعلمها" 16، وهذا ما أكده أحمد أوزي في كتابه سيكولوجية الطفل نظريات النمو النفسي حين قال: "تلعب علاقة الطفل بأمه دورا هاما في نموه اللغوي ، فبقدر ما تتآصر علاقة الطفل بأمه ويكتسب نحوها اتجاها عاطفيا إيجابيا، بقدر ما يختزن أصواتها فيقلدها حتى ولو لم يرددها بسرعة وكل نقص عاطفي في تعامل الأم مع رضيعها يؤدي إلى التأخر في ظهور اللغة، وهذا ما يجعل أطفال الملاجئ يشكون من النقص والفقر اللغوي، بسبب الحرمان العاطفي وقلة الاحتكاك والتفاعل الانساني معهم، إن اللغة إذن وسيلة للاتصال والتعبير ، ولذلك فإن نموها يتطلب الاتصال والتبادل العاطفي بين الطفل وأمه أولا ثم بينه وبين أفراد محيطه الاجتماعي بعد ذلك، إن النمو اللغوي للطفل وثيق الصلة بجوانب النمو الأخرى التي يحققها، وخاصة النمو الحركي، ونمو الذكاء ، وطبيعة نموه الانفعالي، كما أن مستوى غنى أو فقر الوسط اللغوي الذي يعيش فيه الطفل له صلة برصيده منه، فالطفل الوحيد في الأسرة يستمد مكتسباته اللغوية من الراشدين، والطفل المتواجد ضمن عدة إخوة أكبر منه ويحتكون به، كثيرا ما يكون نموه اللغوي اسرع، ومن الملاحظ أن الطفل الذي يدخل في علاقات وتفاعل واسع ودائم مع أمه يكتسب اللغة بشكل أسرع إذا ما قورن بالطفل الذي ترعاه الخادمة التي يتركز اهتمامها على متاع البيت ونظافته أكثر مما ينصب على التفاعل اللغوي مع الطفل ، لذلك فإن الفقر اللغوي ظاهرة واضحة لدى أطفال المستشفيات والملاجئ، وقد أبرزت بعض الدراسات في مجال اللغة مدى ارتباط هذه الأخيرة بالمستوى السوسيو- ثقافي والاقتصادي للأسرة، وخير مثال على ذلك مقارنة الرصيد اللغوي لطفلين في سن الخامسة ينتميان إلى مستويين اجتماعيين واقتصاديين وثقافيين مختلفين" 17، إذن فالطفل في تواصله الاجتماعي يتعلم اللغة، هذا ما تخلص إليه المقاربة السوسيوتربوية.
فالوضع الاجتماعي بدينامكيته يخلق وضعيات يستطيع الطفل من خلالها بلورة إمكانياته التعبيرية ورصيده اللغوي من خلال الحاجة التي تمثل الدافع أو الحافز لإنتاج التعبير اللغوي، ومن خلال كذلك التقليد والمحاكاة، فالطفل يقلد التعابير والمصطلحات، خاصة تعابير ومصطلحات ذلك الشخص الذي يتواصل معه على أساس عاطفي متين مثل الأبوين، ويتم ذلك عبر آليات عدة من الحوار والنشاط ، وبعبارة مفصلة يمكن القول " إن حديث الأطفال، وكذا المحاورات التي يجرونها مع أفراد الأسرة ومع الراشدين، بالإضافة إلى الاستعمالات اللغوية التي تتم خلال النشاط الموجه في المؤسسة الأولية، أو خلال الكلام الذي يسمعونه خاصة عند التواصل مع الراشدين، تمكنهم وبطريقة ضمنية من الحصول على القواعد اللغوية التي تنظم اللغة، وهذا الامتلاك للقواعد يتم بشكل لا شعوري ليدل على ان الطفل قد تجاوز مرحلة التعبير الذاتي التي تتصف بالتكرار، وفي مقابل ذلك يتم التواصل اللغوي الاجتماعي بالمبادلات الكلامية أثناء التواصل اللغوي الحقيقي المبني على الفهم والاستيعاب" 18.
*رئيس المنتدى الأوربي للوسطية /عضو مؤسس لتنسيقية مدارس اللغة العربية ببلجيكا
لائحة المراجع:
• القاموس المحيط، دار الجيل بيروت، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر مايونسة، 1952.
• لسان العرب، ابن منظور جمال الدين، دار صادر، بيروت 1990.
• مختار الصحاح، الرازي محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر، المكتبة العصرية ط1 1995.
• نظرية التواصل واللسانيات الحديثة، مطبعة: سايس فاس المغرب، ط 2007.
• المنجد في اللغة والأعلام، منشورات دار المشرق، الطبعة السابعة والثلاثون، بيروت 1998.
• الذكاء العاطفي، لدانييل دولمان، ترجمة: ليل الجبالي، سلسلة عالم المعرفة، عدد 262 المجلس الوطني للثقافة والفنون الكويت، أكتوبر 2000.
• روض الأطفال، الدليل المنهجي، الدباغ المختار والفلالي عز الدين، المجموعة التربوية (أتعلم)، الدار العالمية للكتاب، ط 1 .
• روض الأطفال/ الدليل السيكوبيداغوجي، الدباغ المختار، والفلالي عز الدين، المجموعة التربوية (أتعلم)، الدار العالمية للكتاب، ط1، 1997.
• الذكاء والغذاء العاطفي للطفل، أحمد أوزي، مجلة علوم التربية، عدد 11، أكتوبر 1996.
• طفلك قادم، العناية والرعاية والتربية النموذجية، ناصر هدى، دار الراتب الجامعية، بيروت 1997.
• مدارس علم اللغات المعتمد، ابن رشد، وخريص محمد، المكتبة الثقافية، الدار البيضاء، 1993.
• سيكولوجية الطفل نظريات النمو النفسي، أحمد أوزي، منشورات مجلة علوم التربية، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الثالثة، 2013، الدار البيضاء.
• التعبير بمرحلة ما قبل التمدرس، فرقان أحمد، مجلة مربي التعليم الأوَّلي، عدد 2، السنة 2000/ 2001.
الهوامش:
1 - القاموس المحيط، دار الجيل بيروت، شركة مكتبة و مطبعة مصطفى البابي الحلبي و أولاده، مصر مايونسة، 1952، ج 4، ص 66
2 - لسان العرب، ابن منظور جمال الدين، دار صادر، بيروت 1990،ج 11 . ص: 870
3 - مختار الصحاح، الرازي محمد بن أبي بكر بن عبد القادر، المكتبة العصرية ط1 1995، ص: 316
4 - نظرية التواصل و اللسانيات الحديثة، مطبعة: سايس فاس المغرب، ط 2007 ص: 21 ،20
5 - المنجد في اللغة والأعلام، منشورات دار المشرق، الطبعة السابعة والثلاثون، بيروت 1998. ص 903
6 - الذكاء العاطفي ، لدانييل دولمان ، ترجمة: ليل الجبالي، سلسلة عالم المعرفة، عدد 262 المجلس الوطني للثقافة والفنون الكويت أكتوبر 2000،ص 274
7 - نفسه ص 274
8 - روض الأطفال، الدليل المنهجي، الدباغ المختار والفلالي عز الدين، المجموعة التربوية أتعلم الدار العالمية للكتاب ، ط 1 ص 3.
9 - روض الأطفال/ الدليل السيكوبيداغوجي، الدباغ المختار، والفلالي عز الدين، المجموعة التربوية أتعلم، الدار العالمية للكتاب، ط1، 1997، ص 8.
10 - الذكاء والغذاء العاطفي للطفل، أحمد أوزي مجلة علوم التربية ،عدد 11 ،أكتوبر 1996 ص 36
11 - الذكاء والغذاء العاطفي للطفل، المرجع السابق، ص 36.
12 - نفسه ص 45 .
13 - طفلك قادم، العناية والرعاية والتربية النموذ جية ، ناصر هدى ، دار الراتب الجامعية ،بيروت 1997 ، ص75
14 - الدليل السيكو بيداغوجي، مرجع سابق، ص 82
15 - مدارس علم اللغات المعتمد ،ابن رشد وخريص محمد، المكتبة الثقافية الدار البيضاء 1993، ص 15
16 - الدليل المنهجي، مرجع سابق، ص 30/31
17 - سيكولوجية الطفل نظريات النمو النفسي، أحمد أوزي، منشورات مجلة علوم التربية، مطبعة النجاح الجديدة الطبعة الثالثة 2013، الدار البيضاء ، ص 107
18 - التعبير بمرحلة ما قبل التمدرس، فرقان أحمد، مجلة مربي التعليم الأولي، عدد 2 السنة 2000/2001ص 63.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.