أجودان في الدرك الملكي ينهي حياته بسلاحه الوظيفي    تنسيقيات التعليم تتمسك بتمكين الأساتذة الموقوفين من إلغاء عقوبات التأديب    السعودية تخلي مكة المكرمة من الزوار    هل استقر حمدالله على وجهته المقبلة بعيدا عن السعودية؟    مستجدات انتقال المغربي عطية الله إلى الأهلي المصري    الصحابي يعود إلى التدريب    كيف أحدثت الصحراء المغربية انقساما داخل الحكومة البريطانية؟    طقس الخميس..تساقطات مطرية وبروز رعد وهبات رياح قوية بهذه المناطق    قضية الصحراء المغربية.. سويسرا تدعم حلا سياسيا "عادلا ودائما ومقبولا" من لدن الأطراف    الملك يبعث برقية إلى خادم الحرمين الشريفين إثر تعرضه لوعكة صحية    المغرب يستكمل ملاءمة منظومته لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب مع المعايير الدولية    بعد ساعات من البحث.. انتشال جثة حارس من تحت أنقاض عمارة منهارة بطنجة (فيديو)    بعد اعتقال نائبين للرئيس.. محامي يطالب الداخلية بإجراء افتحاص دقيق لجماعة تطوان    نادي أتالانتا يتوج بالدوري الأوروبي    الاتحاد الأوروبي يقرر الزيادة في رسوم "تأشيرات شنغن"    حكاية طبيب "الدراوش" بتطوان في الزمن الجميل (الحلقة الثالثة)    ب250 درهما فقط.. جماعة البيضاء تؤجر 19 فيلا فخمة للخواص وأغلبهم لا يؤدي ثمن الكراء    إصدار سندات للخزينة بمبلغ ملياري درهم    المنتدى العالمي للماء: تسليط الضوء ببالي على انجازات المغرب في مجال تدبير الموارد المائية    "معا لنحمي غابتنا" شعار يوم تحسيسي بجماعة باب برد    "حماس" تعلق على الاعتراف الثلاثي بفلسطين    حصيلة القتلى في غزة تصل إلى 35.709    إعادة انتخاب المغرب نائبا لرئيس اللجنة التنفيذية لمركز شمال-جنوب التابع لمجلس أوروبا    بورصة الدار البيضاء تُسجل انخفاضًا طفيفًا في ختام تعاملات الأربعاء    الجواهري: بنوك المغرب حاضرة في 30 بلداً إفريقياً وتحقق 23% من نشاطها في القارة    في اليوم العالمي للشاي.. المغاربة يشربون 4 كؤوس يوميًا لكل فرد    رغم تطمينات الحكومة.. ارتفاع أسعار هذه المنتجات بعد رفع الدعم عن غاز البوتان    باريس سان جيرمان يمنح أشرف حكيمي الضوء الأخضر للمشاركة في أولمبياد باريس 2024    المدير العام للإيسيسكو: المنظمة تسعى إلى النهوض بمعجم اللغة العربية    مزور: الاقتصادات الغربية استغلت أسواقنا لبيع منتوجاتها وأغلقت الأبواب في وجه منتوجاتنا لحماية نفسها    وهبي يدافع عن إعفاء الطعون الانتخابية    تجار بالحسيمة ينضمون إلى حملة مقاطعة بطاقات التعبئة    مطالب للحكومة بالإعلان عن أسماء المستفيدين من دعم استيراد الأضاحي    حموشي يوقع مذكرة تفاهم مع نظيره البرازيلي بشأن تعزيز التعاون الثنائي في المجال الأمني    إضراب كتاب الضبط يؤجل محاكمة "مومو"    منظمة الصحة العالمية: آخر مستشفيين في شمال غزة بالكاد يعملان    غوارديولا يفوز بجائزة أفضل مدرب في البطولة الإتقليزية الممتازة لهذا العام    تشييع حاشد للرئيس الإيراني في تبريز ووصول الجثامين إلى طهران    شادي رياض يتوافق مع كريستال بالاس على شروط الانضمام    الزليج المغربي.. تاريخ وتراث من الموحدين إلى اليوم    "بين مرافئ العمر" مجموعة قصصية جديدة للروائي والقاص المغربي أحمد العكيدي    "القرية المجاورة للجنة" أول فيلم صومالي بمهرجان كان السينمائي الدولي    الزمالك المصري يوجه الشكر لياسين البحيري على تصرفه تجاه "دونغا"    الذهب يتراجع وسط ترقب لمحضر اجتماع المركزي الأمريكي    رواية "كايروس" للألمانية جيني إربنبك تفوز بجائزة "بوكر" الدولية    فقرات فنية متنوعة بمهرجان القفطان المغربي الثالث بكندا    "بشوفك".. سعد لمجرد يستعد لطرح عمل مصري جديد    بملابس عملهم.. أطباء مغاربة يتضامنون مع نظرائهم بفلسطين    إسرائيل تستدعي سفيرَيها في إيرلندا والنروج    تقنيات الإنجاب لزيادة المواليد تثير جدلا سياسيا في فرنسا وأمريكا    دراسة: المبالغة في تناول الملح تزيد خطر الإصابة بسرطان المعدة بنسبة 41%    انتشار متحور "بيرولا" يقلق سكان مليلية    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (13)    الأمثال العامية بتطوان... (604)    أكثر من 267 ألف حاج يصلون إلى السعودية    أكاديميون يخضعون دعاوى الطاعنين في السنة النبوية لميزان النقد العلمي    الأمثال العامية بتطوان... (603)    المغرب يضع رقما هاتفيا رهن إشارة الجالية بالصين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شباب المغرب، أنتم الأمل الأخير
نشر في هسبريس يوم 21 - 05 - 2011

"بعثني الله، فصدقني الشباب وكذبني الشيوخ "، حديث نبوي شريف
(1)
كان عمره صلى الله عليه وسلم 40 سنة عندما نزل عليه الوحي الإلهي واصطفاه نبيا ورسولا للعالمين، لإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وتوحيده سبحانه في الألوهية والربوبية والحاكمية، بعد قرون من الجاهلية والشرك واستعباد الناس من دون الله. لقد رأى مشركو مكة في رسالته، والجزيرة فيما بعد، بل حتى الإمبراطوريتان الرومانية والفارسية، تسفيها لأحلامهم وخروجا عن سلطتهم وتحديا لكبريائهم ودعوة لبناء نظام سياسي واجتماعي جديد على أساس العدل والكرامة والشورى والحق والقوة.
كذبه شيوخ قومه وصدقه شبابهم، صلى الله عليه وسلم، فعذبوه وحاصروه ثم حاربوه، فتحالفوا مع اليهود ضد دعوته ودولته الفتية، ثم فاوضوه مخافة اتساع دعوته وقوته، ثم انتصر عليهم فدخل مكة فاتحا، فأذعنت له جزيرة العرب، فهزمت دعوته الروم والفرس، بقيادة شباب المهاجرين والأنصار، وكانت أعمارهم تتراوح بين ال 17 وال 40 سنة، حتى بلغت ما بلغ الليل والنهار، فأصبح هذا الشباب خير أمة أخرجت للناس.
(2)
كان عمره، عند استشهاده، لا يتجاوز ال 36 ربيعا، وهو العلامة المجاهد الشريف محمد بن عبد الكبير الكتاني، عندما أجبر العلماء على إلحاق شروطه لوثيقة البيعة الحفيظية، فناصبه السلطان العداء وأمر بحبسه، رفقة أهله وأسرته وأتباعه، وتعذيبه حتى الموت، فأحيت روحه الطاهرة أمة كاملة من مواتها، لتواجه مصيرها وتعلن الجهاد ضد الاستعمار الفرنسي والإسباني، وعملائه المحليين، منذ أن وطئا قدميهما هذه الأرض المباركة، فلم ينعما بالراحة حتى غادرا البلاد.
(3)
كان في العقد الثالث من عمره حينما أعلن الجهاد بلا هوادة على الاستعمار الفرنسي والإسباني وسط المغرب وشماله، وخاض حرب عصابات رفقة إخوته الريفيين الخلص وغيرهم من القبائل المجاهدة، وهو العلامة وقاضي القضاة الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي طيب الله ثراه، ثم اشتبك مع أعتى القوى الاستعمارية في ذلك الوقت في معركة أنوال، على مدى خمس سنوات، 1921-1926، وألحق بها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، لولا الخدعة والخيانات التي أوقعته في يد الاستعمار. كان يقول رحمه الله لأتباعه بعد انتصار معركة أنوال على الإسبان: "لا أريد أن أكون أميرا ولا حاكما، وإنما أريد أن أكون حرا في بلد حر، ولا أطيق من سلب حريتي أو كرامتي".
(4)
كان عمره 14 سنة فقط حين وقع على وثيقة المطالب المستعجلة، إلى جنب قادة الحركة الوطنية، التي صدرت بالقاهرة عام 1934 من أجل استقلال المغرب، وهو المناضل الوطني الحر الصادق الوعد مولاي عبد إبراهيم رحمه الله، أول وآخر رئيس حكومة، 1958-1960، فكانت فترة رئاسته هي فترة استقلال حقيقية، استقلال القرار السياسي والدبلوماسي والاقتصادي والاجتماعي والمالي والإداري، مما أزعج وضايق خلايا المعمرين النائمة، فرنسيين ومغاربة، فسلط عليه ولي العهد آنذاك، الراحل الحسن الثاني، رجالاته ولم يهدأ له بال حتى استجاب السلطان الراحل محمد الخامس لضغوطه، فأقال مولاي عبد الله من رئاسة الحكومة. لم يغفر السلطان لنفسه باتخاذه هذا القرار حتى وفاته، لمعرفته الحقة بدماثة خلق رجل الدولة مولاي عبد الله وصدق وطنيته وكفاءته العلمية ومصداقيته الدولية.
(5)
أقول لشباب المغرب وحركة 20 فبراير، لستم ولن تكونوا استثناء في خط الرسالة والإصلاح والتغيير والمقاومة السياسية والاجتماعية، سيتكالب عليكم الناس، سلطة وأحزابا ومواطنين مخدوعين وعواصم غربية، وسيتهمونكم بأقدح النعوت وأخطر الاتهامات، وسيحاول تجار السياسة الالتفاف على مطالبكم وسيزايدون عليكم، ومنهم من سيتحدث باسمكم لدى الملك، نصبا وكذبا، فلا تثقوا بكل ما يعرض عليكم رغم بريق وعوده وبيان خطابه.
واعلموا أن حركتكم السلمية الحضارية قد فاجأت خصومكم، وقد حاولوا، ولازالوا، أن يجروكم إلى أتون العنف وإلباسكم بعض الأحداث هنا وهناك، بل لقد افتعلوا، ولازالوا، معارك هامشية، فكرية وسياسية وحقوقية وفتاوى مأجورة، ويقدمون في سبيل هذه المعركة غير النظيفة ضحايا لتخويفكم وترهيبكم، كما يعملون على تغيير مسار حركتكم أو إلهاء الرأي العام الوطني بقضايا تافهة داخلية وخارجية ليبتعدوا أو يشككوا في دعوتكم الوطنية التصحيحية.
اعلموا أن حركتكم هذه قد أنجزت ما لم ينجزه النظام السياسي والأحزاب الكبرى على مدى قرابة نصف قرن، منذ دستور 1962 الممنوح، إذ أرغمتموهم على تسريع وتيرة إنشاء مؤسسات كانت حبرا على ورق إلى حين ظهوركم على الساحة، وعلى إعادة ترتيب بيتهم الداخلي وتجنيد المزيد من المتطوعين من اليسار ضحايا سنوات الرصاص، وكشفتم عن حقيقة أحزاب انتهازية، ليبرالية وإسلامية ويسارية ويمينية، كانت مواقفها، قبل مجيئكم، من مسالة الإصلاح الدستوري والسياسي، خاصة من الفصل 19 ومؤسسة إمارة المؤمنين، مجرد محاولات للضغط على الملك وفتح قنوات للتسول السياسي والحصول على مناصب. لقد أحدثت حركتكم الاجتماعية زلزالا في بيت السلطة، وكنتم وراء استرجاع قادة حزبي الأمة والبديل الحضاري ومجموعة تامك وأعضاء "السلفية الجهادية"، ضحايا ملف "بلعيرج" و16 ماي، حريتهم وبراءتهم.
كنتم قوة ضاغطة وراء تعيين لجنة المنوني لتعديل الدستور ومبادرات ملكية أخرى، كما نال أسلوب عملكم تأييد ومساندة وإعجاب العديد من عواصم العالم والمنظمات الحقوقية والدولية والمنابر الإعلامية. لقد دفعت هذه القوة الاقتراحية إلى إعلان أضعف وزير أول في التاريخ السياسي المغربي، عباس الفاسي، إلى الحديث عن رغبته في تقديم استقالته وإجراء انتخابات مبكرة بعد الاستفتاء حول الدستور المعدل.
لقد تجاوز تأثير حركتكم المباركة الحدود وحققت ما لم تحققه الجغرافيا والسياسة، حين دعا مجلس التعاون الخليجي المغرب إلى الانضمام لتجمعه الإقليمي. حققت ما لم تحققه الأنظمة نفسها، إذ اضطررتموهم إلى الجمع بين المشرق والمغرب العربي رغم المسافات الجغرافية والثقافية والمجتمعية والسلوكية. لقد كانت حركتكم التصحيحية، وحركة الشباب العربي، سببا في إعادة رسم الوضع الجيوسياسي للنظام العربي وفي حسابات الغرب تجاه العالم العربي والإسلامي، منذ سقوط الخلافة العثمانية عام 1924.
كما حررت حركتكم ألسنة معقودة وحناجر مبحوحة وقلوب مرهوبة لسنوات، فانضمت إلى قافلة وقائمة المطالب المستعجة التي سطرتموها، من الجيش إلى القوات المساعدة ومن الشرطة إلى التعليم إلى القنوات التلفزية والأطباء، ثم بدأت تتسع لتشمل العديد من موظفي القطاع العمومي، بل صرح وزير الداخلية بأن قانونا سيصدر لتنظيم عمل المؤسسات الأمنية. لقد أنطقت حركتكم مؤرخ المملكة السابق حسن أوريد والأمير هشام بن عبد الله ومستشار الملك محمد المعتصم وأيدوا مطالبها، وساندتها شخصيات وزارية سابقة وشخصيات مقربة من القصر. أصبح الكل يخطب ودكم، منهم الصادق ومنهم الماكر والانتهازي ومنهم التابع الإمعة، فحذار من استعجال الانتصار والصراعات الأنانية والاختراقات وسوء التقدير والتدبير وخطأ التسديد.
على ذكر الأمير هشام بن عبد الله، أستغرب محاولته، في حواره الأخير مع مجلة "الإكسبرس" الفرنسية، الجمع بين متناقضين، بين إمارة المؤمنين، بمفهوم الفصل 19 والتكييفات التي عرفها على مدى أزيد من نصف قرن، والملكية البرلمانية على المنوال البريطاني، في مقارنة لاتاريخية ولامفاهيمية بين حماية الإسلام عند أمير المؤمنين ورئاسة الكنيسة المسيحية عند ملكة بريطانيا. كما أستغرب قوله بأن مطلب "إنشاء مجلس تأسيسي لصياغة الدستور"، كما تطالب بذلك حركة 20 فبراير والقوى المؤيدة لها، "غير واقعي لأنه يعني نهاية النظام، فتاريخيا إنشاء المجالس التأسيسية هو مرادف للمراحل النهائية والأخيرة للنظام". إنها محاولة للمصالحة مع الملك على حساب إرادة الشعب المغربي وموقف يتناقض مع رأي آخر له، حيث ذكر "أن إجراء تغيير في إطار إصلاح المؤسسة الملكية يشكل الحل الأمثل والأقل تكلفة للمغرب". فماذا يريد الأمير أن يقول بالضبط؟
كما رأيتم، ويشهد على ذلك التاريخ، فإن نبيكم، عليه الصلاة والسلام، كان شابا متمردا على الظلم والفساد، كما كانت أعمار كل أنبياء الله ورسله ما بين العقد الثاني والثالث وكانوا صرخة مدوية وموقفا ثابتا وحركة مفاصلة ضد الأنظمة السياسية والاجتماعية والقيمية الفاسدة والجائرة، وكان أهل الكهف مثلكم "فتية آمنوا بربهم"، فلا تيأسوا ولا تقنطوا ولا تحزنوا وكونوا على قلب رجل واحد، كما عبرتم عن ذلك في العديد من محطات نضالكم، كان آخرها مسيرتكم الوطنية لإدانة الجريمة النكراء التي تعرضت لها مدينة مراكش والتعبير عن تضامنكم مع أسر الضحايا، مغاربة وضيوف المغرب الأبرياء.
أبعد كل هذا يأتي المشككون والمرجفون لينفثوا اليأس والإحباط في إرادة الشباب المغربي؟ لا والله، أنتم صناع الحياة الجديدة التي دبت في أجسامنا والوعد الذي لن يخلفه القدر بعد أن تراجع جزء معتبر من أبناء جيلنا، كما خذلنا جزء كبير من الجيل الذي سبقنا، أنتم الأمل في هذه اللحظة الحاسمة بين جيل وجيل وبين رجال ورجال.
*دبلوماسي سابق
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.