بوعياش ضمن قائمة نساء إفريقيات ملهمات لسنة 2025    تدشين فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بالعرائش    كتاب طبطبة الأحزاب /3من5    لفتيت يجتمع بقادة الأحزاب السياسية قصد التحضير للانتخابات التشريعية    شهادات جامعية مزورة تهز المشهد السياسي في إسبانيا    ارتفاع الرواج الإجمالي على صعيد الموانئ المغربية في الفصل الأول من 2025    بنك المغرب يدق ناقوس الخطر بشأن أنظمة التقاعد ويطالب بإصلاح عاجل لتفادي الانهيار    اختتام معرض الصناعة التقليدية بالعرائش    أنفوغرافيك | جهة سوس ماسة.. تتصدر حالات إفلاس الشركات    "واشنطن بوست" تنشر صورا جوية نادرة تكشف حجم الدمار الهائل الذي لحق بقطاع غزة    دراسة تحذر: هل يكون عام 2027 بداية نهاية البشرية بسبب الذكاء الاصطناعي؟    النيابة تتهم والرسائل تبرئ.. ملف حكيمي يأخذ منحى جديدا    السكيتيوي: نطمح لتجاوز الدور الأول والمنافسة على لقب "الشان" رغم الظروف الصعبة    طقس الأحد.. جو حار مع تشكل سحب منخفضة وكتل ضبابية    "نشرة إنذارية".. موجة حر وزخات رعدية مصحوبة بتساقط البرد وبهبات رياح من الأحد إلى الجمعة بعدد من مناطق المملكة    ترحيل مهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء إلى تيزنيت يثير قلقًا حقوقيًا    سيتضاعف استهلاك البلاستيك في العالم ثلاث مرات بحلول عام 2060    إعدام ثمانية أشخاص بينهم سبعة مدانين بتهريب المخدرات في السعودية    "عرش المحبة حين يغني المغرب في قلب تونس"    النجمة أصالة تغني شارة "القيصر" دراما جريئة من قلب المعتقلات    المركز السوسيوثقافي أبي القناديل يحتظن حفلا مميزا تخايدا لذكرى 26 لعيد العرش المجيد    السياسة وصناعتُها البئيسة !        ثوران بركان في روسيا للمرة الأولى منذ أكثر من 450 عاما        شخصيات مقدسية تشيد بمبادرة جلالة الملك إرسال مساعدة إنسانية وطبية عاجلة لسكان قطاع غزة    حملة دولية للمطالبة بالإفراج الإنساني عن ناصر الزفزافي    تسمم أسرة مغربية مقيمة بالخارج يؤدي إلى إغلاق محل للوجبات السريعة بالناظور    انطلاق النسخة الثامنة من كأس أمم إفريقيا للاعبين المحليين بدار السلام    دراسة: الانضباط المالي اليومي مفتاح لتعزيز الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية    مطالبًا بالحقيقة والعدالة.. شقيق مروان المقدم يشرع في إضراب مفتوح بالحسيمة    قلق داخل الجيش الإسرائيلي من ارتفاع معدلات انتحار الجنود بسبب المشاهد الصعبة في غزة    قافلة طبية تخفف معاناة مرضى القلب بجرسيف    تهديدات جهادية تستنفر درك السنغال    تقرير: أكثر من 12 ألف رأس نووي في العالم .. 87 بالمائة منها بيد دولتين فقط    جباري يعزز هجوم سينسيناتي الأمريكي        ولاء يتجاوز المال .. باحث يرفض عرضًا ب1.5 مليار دولار من مارك زوكربيرغ    بنكيران يدعو شبيبة حزبه إلى الإكثار من "الذكر والدعاء" خلال عامين استعدادا للاستحقاقات المقبلة    وزارة الداخلية تطلب من الأحزاب تقديم اقتراحاتها حول التحضير للانتخابات القبلة قبل نهاية شهر غشت    السكتيوي: الفوز على أنغولا مفتاح البداية القوية وهدفنا هو اللقب    حبس وغرامات ثقيلة تنتظر من يطعم الحيوانات الضالة أو يقتلها.. حكومة أخنوش تُحيل قانونًا مثيرًا على البرلمان    رسالة من ترامب إلى الملك: "الولايات المتحدة الأمريكية تعترف بسيادة المغرب على الصحراء"    نادي المحامين بالمغرب ينتقد "انتهاكات قانونية جسيمة" في متابعة حكيمي    بورصة الدار البيضاء تغلق الأسبوع على ارتفاع ب0,85% في مؤشر "مازي"    خريبكة تحتفي بمونية لمكيمل في الدورة العاشرة لمهرجان الرواد    مهدي فاضيلي يزيل الستار عن "ساريني"        "العدل والإحسان" تناشد "علماء المغرب" لمغادرة مقاعد الصمت وتوضيح موقفهم مما يجري في غزة ومن التطبيع مع الصهاينة    مجلة أجنبية تشيد بجمال وتنوع المغرب السياحي    الدار البيضاء .. نجوم العيطة يلهبون حماس عشاق الفن الشعبي    في رحيل زياد الرّحْباني (1956-2025) سيرةُ الابْن الذي كَسَّر النَّاي .. ومَشَى    دراسة: مشروب غازي "دايت" واحد يوميا يرفع خطر الإصابة بالسكري بنسبة 38%    دراسة تُظهِر أن البطاطا متحدرة من الطماطم    التوفيق: كلفة الحج مرتبطة بالخدمات    بعد فصيلة "الريف" اكتشاف فصيلة دم جديدة تُسجّل لأول مرة في العالم    في ذكرى عيد العرش: الصحراء المغربية وثلاثة ملوك    تطوان تحتفي بحافظات للقرآن الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خلفيات سياسية واقتصادية وراء استقبال مصر لوفد البوليساريو
نشر في هسبريس يوم 22 - 10 - 2016

أثارت مشاركة وفد يمثل جبهة البوليساريو في المؤتمر البرلماني العربي الإفريقي الذي استضافته مصر خلال الأسبوع الماضي عدة تساؤلات وعلامات استفهام كبرى حول الدوافع والخلفيات المرتبطة بهذا العمل الاستفزازي غير المسبوق على مستوى العلاقات الثنائية المغربية-المصرية، خاصة أن البلدين تربطهما علاقات قوية على جميع المستويات، ولم يسبق أن قامت مصر بهذا الموقف الرسمي الغريب الذي يمكن اعتباره انخراطا ضمنيا في الصف الآخر المعادي للوحدة الترابية للمغرب.
والمثير كذلك في هذا السلوك الغامض الصادر عن مصر في عهد الرئيس السيسي هو أنه جاء بدون مقدمات، أي في ظل علاقات جيدة تربط البلدين. ومن جهة أخرى، لم يسبق لمصر في عهد الرؤساء السابقين أن أتت بمثل هاته الممارسات الاستفزازية تجاه قضية المغرب المصيرية حتى في وقت الأزمات أو المحطات التي شهدت فيها العلاقات بين الطرفين سوء فهم أو توترا.
وفي إطار محاولة فهم وتحليل هذا التحول المصري المتسم بالمزاجية والعدوانية تجاه بلد يعدّ من بين الحلفاء التقليديين، تجب الإشارة بداية إلى أن نظام السيسي منذ انقلابه على الرئيس الشرعي يعيش حالة من التخبط والتذبذب والعشوائية على مستوى السياسات الخارجية، بالإضافة إلى الاحتقان الداخلي نتيجة تردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية؛ وهو ما أدى إلى تكريس عزلة مصر عن محيطها العربي والإفريقي والإقليمي، وبالتالي اهتزاز صورتها وضعف مواقفها.
وارتباطا بهذا المتغير الجديد، يمكن التساؤل حول الدوافع التي جعلت النظام المصري يستقبل فوق ترابه بتلك الطريقة المريبة وفدا انفصاليا معاديا للوحدة الترابية للمغرب، خاصة أن هذا الوفد حضر بصفته ممثلا "لجمهورية وهمية"، لا تعترف بها مصر نفسها، كما أن النظام المصري لم يكن مضطرا للقبول باستضافة البوليساريو خلال هذا الاجتماع. وبمعنى أدق، ما هي الرسائل التي يريد النظام العسكري المصري توجيهها من خلال هذا الاستقبال في هذا التوقيت بالضبط؟ وما هي الأطراف المعنية بهذه الرسائل؟ وما هي محددات هذا التحول؟
وفي إطار محاولة الإجابة عن هذه التساؤلات، وبالاعتماد على السياقات الدولية والقارية والإقليمية وبعض التجاذبات والأزمات المرتبطة بالتحولات التي يشهدها العالم في المرحلة الراهنة، يمكن استحضار ثلاث خلفيات رئيسية لتفسير الموقف المصري الأخير:
أولا، توجس وانزعاج النظام المصري من التحالف أو المحور المغربي-الخليجي الذي يعدّ ورقة إستراتيجية وحيوية بالنسبة إلى المغرب على الصعيد المغاربي واإافريقي، بحكم أن هذا التقارب سيؤدي إلى اختلال التوازن في المنطقة المغاربية لصالح المغرب. كما أن هذا التحالف يسهل كذلك عملية وإستراتيجية التمدد المغربي في إفريقيا من خلال إستراتيجيته الرامية إلى تفعيل التعاون جنوب-جنوب، التي ترجمتها ميدانيا وبشكل ملموس الزيارات الملكية المتكررة لعدد من الدول الإفريقية.
وفي إطار "لعبة المحاور"، ففي الوقت الذي انخرط فيه المغرب في المحور الخليجي العربي انسجاما مع قناعاته ومصالحه الإستراتيجية، فإن مصر انخرطت في هذا المحور سابقا بدون أية إستراتيجية أو مشروع، حيث كان الهدف الأساسي بالنسبة إلى الرئيس السيسي هو البحث عن حلفاء يملكون النفوذ والمال لشرعنة انقلابه العسكري على الرئيس المنتخب. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، وجد السيسي في المظلة الخليجية ضالته، حيث بقي طوال السنوات السابقة خاضعا بشكل مباشر لإملاءات وسياسات كل من السعودية والإمارات مقابل ضمان تدفق الأموال لامتصاص الغضب الشعبي وبهدف الحصول على اعتراف المنتظم الدولي.
وبعد مرور ثلاث سنوات على الانقلاب الداخلي الذي مكنه من قيادة مصر، عاد نظام السيسي العسكري لينقلب هذه المرة خارجيا على حلفاء الأمس خاصة السعودية، حيث تسببت الأزمة السورية في توتر العلاقة بين البلدين، بعدما صوتت مصر لصالح مشروع القرار الروسي في مجلس الأمن الدولي بشأن الأزمة المذكورة. وقبل ذلك، سادت حالة من الغضب في المجتمع السعودي تجاه مصر؛ بسبب حضور شيخ الأزهر لمؤتمر في العاصمة الشيشانية "غروزني" برعاية رئيس الشيشان، تحت عنوان "من هم أهل السنة والجماعة؟". وجاء الغضب السعودي بسبب استثناء المؤتمر السلفية الوهابية من أهل السنة والجماعة في حضور الوفد المصري برئاسة شيخ الأزهر الذي لم يذكر السلفيين أثناء حديثه عن "أهل السنة والجماعة"، واكتفى بقوله إن أهل السنة والجماعة هم "أهل الحديث والأشاعرة والماتريدية". الغضب السعودي تسبب في مطالبة عددٍ من الكتاب السعوديين "السيسي" بإقالة شيخ الأزهر، بسبب قرار المشاركة في المؤتمر، معتبرين أن ما حدث مؤامرة روسية عليهم.
ويمكن تفسير الانقلاب المصري على الحلفاء السابقين بمحاولة السيسي التحرر من التبعية للدول الخليجية، بعدما أحس بأن نظامه لم يعد بحاجة إلى الشرعية بعد مرور كل هذه السنوات، ولكون هذه العلاقة أثرت بشكل كبير على شعبيته داخل مصر خاصة بعد عجزه وعدم قدرته على الالتزام باتفاقية ترسيم الحدود التي وقعها مع العاهل السعودي والتي يتم بموجبها تسليم الجزيرتين؛ بسبب الغضب الشعبي المعارض لتلك الاتفاقية إلى حد الخروج بعدة مظاهرات لرفضها.
إذن، فالتحول في الموقف المصري واستضافة جبهة البوليساريو يأتي في سياق الأزمات الدبلوماسية التي تعيش على إيقاعها مصر خلال الفترة الراهنة، وغياب بوصلة وتوجه قارين في السياسة الخارجية منذ مجيء السيسي، حيث يحاول نظام السيسي أن يوجه عدة رسائل من خلال استضافة ممثلي البوليساريو سواء إلى التحالف المغربي –الخليجي للتعبير عن عدم الرضا عن هذا التحالف، ومحاولة كذلك توجيه إشارات إلى الجزائر ومن يدور في فلكها مفادها أن مصر غير معنية بهذا التحالف المغربي-الخليجي وعن استعدادها للانضمام أو التحالف مع المحور الجزائري لعدة اعتبارات اقتصادية وإستراتيجية.
ثانيا، خلال الأزمة السعودية-المصرية بسبب الملف السوري، أعلنت شركة "أرامكو" السعودية وقف إمداد مصر بالمواد البترولية المتفق عليها بين البلدين منذ مايو الماضي، وأعلنت وزارة البترول أن الشركة السعودية أبلغت هيئة البترول بوقف الإمدادات، خلال أكتوبر الجاري دون إبداء أسباب للقرار.
وبفضل خطة طوارئ، استطاعت مصر أن تستورد شحنات بديلة للشحنات التي كان من المقرر أن ترسلها شركة "أرامكو" السعودية؛ غير أن تأمين احتياجاتها من الوقود التي تتخطى 750 مليون دولار شهريا يتطلب البحث عن شركاء جدد أكثر سخاء للحصول على أسعار تفضيلية ومنخفضة.
لذلك، فاستضافة ممثلي البوليساريو بعد أسبوع من الأزمة السعودية-المصرية وما نتج عنها من تداعيات سلبية على الاقتصاد المصري يؤكد فرضية وجود مفاوضات مع النظام الجزائري الذي أثبتت التجربة أنه على استعداد لمقايضة الموارد الطاقية التي يملكها هذا البلد من أجل شراء اعترافات بعض الدول "بالجمهورية الوهمية" وخدمة للمشروع الانفصالي.
ثالثا، تعتبر طبيعة الأنظمة السياسية وبينيتها من بين المحددات الأساسية في بناء التحالفات بالإضافة إلى المصالح الكبرى. لذلك، فالنظام العسكري المصري يميل أكثر في نسج تحالفاته الإقليمية والدولية إلى الأنظمة الشبيهة مثل النظام العسكري الجزائري، هذا بالإضافة إلى المعطى السابق والذي يشكل كذلك نقطة التقاء بين هذين النظامين العسكرين؛ وهو التوجس من التحالف المغربي-الخليجي وانعكاساته على الرقعة العربية والإفريقية.
عامل آخر يعتبر أكثر أهمية برز على السطح خلال الآونة الأخيرة ويؤثر بشكل كبير على سياسة وتوجهات السيسي في القارة الإفريقية ويرتبط بالأمن المائي المصري، حيث وضع خبراء مصريون في مجال المياه والشؤون الإفريقية والعسكرية ثلاثة سيناريوهات في قراءة مستقبل المفاوضات الدائرة حول "سد النهضة" الإثيوبي: ما بين سحب اعتراف القاهرة بالسد وتدويل القضية، أو الاستمرار في المفاوضات عبر خارطة طريق جديدة، أو اللجوء إلى عمل عسكري كحل أخير.
وبالرغم من فشل المفاوضات الأخيرة حول أزمة سد النهضة ورفض أثيوبيا الوصول إلى حل توافقي يرضي جميع الأطراف، فقد شهدت العلاقات بين مصر وإثيوبيا مزيدا من التعقيد خلال الأسبوع الماضي بعد اتهام أديس أبابا رسميا القاهرة بالدعم المالي لجماعات مسلحة وتدريب عناصر إرهابية على خلفية الأحداث التي يشهدها إقليم أوروميا.
وبالتفاعل مع هذا الاتهام، أصدرت الخارجية المصرية بيانا تؤكد فيه استدعاء وزير الشؤون الإثيوبية السفير المصري بأديس أبابا، للاستفسار عما تردد بشأن دعم القاهرة جبهة "الأورومو" المعارضة.
وارتباطا بهذا الجانب، تعتبر أثيوبيا حليفا إستراتيجيا للجزائر وجنوب إفريقيا، لذلك يحتاج نظام السيسي إلى الوساطة الجزائرية من أجل تفادي وقوع أزمة خطيرة قد تهدد مستقبل واستقرار مصر بسبب الاعتماد الكلي على مياه النيل المتدفقة من إفريقيا.
يتضح جليا، من خلال القراءات التفسيرية السابقة، أن نظام السيسي من خلال استضافته للبوليساريو يحاول أن يؤسس لعلاقات وتحالفات جديدة داخل القارة الإفريقية تميل أكثر إلى المحور المعادي للمغرب بهدف تحقيق ثلاثة أهداف أساسية؛ الأول هو الحصول على الوقود بأثمان منخفضة من الجزائر والتحرر من التبعية للسعودية في نسج التحالفات والسياسات، الهدف الثاني يكمن في تفادي وقوع الكارثة العظمى المرتبطة بسد النهضة الاثيوبي، والهدف الثالث يتوخى منافسة التمدد المغربي في إفريقيا الذي يرتكز على الشراكات المتنوعة سواء الخليجية أو الفرنسية أو الصينية والروسية.
*باحث العلوم السياسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.