في الأمم المتحدة.. المغرب يدعو لتحرك جماعي لحماية المدنيين من الفظائع    عواصف عنيفة تضرب فرنسا وتخلف قتلى ودمارا واسعا    وفاة رجل أضرم النار في جسده وسط الشارع العام بطنجة إثر خلاف تجاري    ارتفاع القروض الموجهة للقطاع غير المالي ب3,9%    مونديال الأندية.. إنتر يتفوق على ريفر بليت ويعتلي الصدارة ومونتيري يعبر برباعية    طاقم تحكيم كندي لمباراة العين الإماراتي والوداد الرياضي    بسبب جماهيره.. "فيفا" يغرم الوداد 40 مليون سنتيم في كأس العالم للأندية 2025    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الأخضر    جمعيات تحذر الوزارة الوصية من "تفويت" 54 مركزا للشباب    القضية ‬الفلسطينية ‬في ‬ضوء ‬بيان ‬اسطنبول    الذكاء الاصطناعي و"كابسولات الميوعة"..حين تتحوّل التقنية إلى سلاح لتفكيك الهوية المغربية    أسعار الذهب ترتفع وسط تراجع الدولار الأمريكي    الدين العام الفرنسي يتجاوز 3.3 تريليون يورو متجاوزا 114% من الناتج المحلي    قرار أوروبي يلزم شركات الطيران بإلغاء الرسوم الإضافية على الأمتعة اليدوية    ندوة بلا نساء... وعدالة انتقالية بلا ذاكرة؟    عبد الكبير الخطيبي: منسي المثقفين    قضيتنا الوطنية.. حين يشيخ الخطاب وتتمرد المرحلة    الاتحاد الاشتراكي يساند الفلسطينيين    المجر تحذر سفراء أوروبيين من المشاركة في مسيرة محظورة للمثليين    إسرائيل تعتقل طالبا بتهمة التجسس    تباين الموقف النقابي يربك "الجبهة الاجتماعية" في قطاع التعليم العالي    الجرف الأصفر : شركة 'كوبكو' تدشن أول وحدة صناعية لمواد بطاريات الليثيوم–أيون بطاقة إنتاجية تبلغ 40.000 طن    إدانة رابطة مغربية لتأخير رحلة Ryanair بمطار الرباط    مغاربة العالم يعقدون ندوة حوارية بباريس حول الورش الملكي الخاص بالجالية    "الحسنية" تأذن بسفر المدرب الجديد    الرباط تحتضن دوري الراحل بوهلال    الابتزاز وراء عقوبتين بالكرة النسوية    الاحتيال يهدد زبائن تأجير السيارات    أمينة بنخضرة: المغرب يؤكد التزامه بدور ريادي في تنمية إفريقيا    توقعات طقس اليوم الخميس بالمغرب    حريق غابوي يندلع بغابة "ثندا إفران" بإقليم الحسيمة واستنفار للسيطرة عليه    كيوسك الخميس | المغرب يدخل عصر البطاريات الخضراء باستثمار 20 مليار درهم    تقرير: "تشظي المؤسسات" يعرقل تدبير الأزمات المائية في المغرب    معرض يستحضر الأندلس في مرتيل    أكاديمية المملكة المغربية تكرم 25 سنة من الأدب الإفريقي في "غاليمار"    طفل في كل فصل دراسي مولود بالتلقيح الصناعي ببريطانيا    احذر الجفاف في الصيف .. هذه علاماته وطرق الوقاية منه    سوق الكوكايين العالمية تحطم أرقاما قياسية    كأس العالم للأندية لكرة القدم.. فلومينينسي يعبر إلى ثمن النهائي عقب تعادل سلبي أمام صنداونز    تثبيت كسوة الكعبة الجديدة على الجهات الأربع مع مطلع العام الهجري    ما علاقة الإعلام بتجويد النقاش العمومي؟    تعيين عالمة الأحياء المغربية جنان الزواقي عضوا في الأكاديمية الإيبيرو-أمريكية للصيدلة    وفاة شاب إثر سقوط من سطح منزل بطنجة    حريق يُخلّف إصابتين في حي بوحوت بطنجة    الداخلية تشرع في إعداد لوائح المجندين الجدد تنفيذا للتعليمات الملكية    موازين.. الفناير تراهن على التراث والتجديد لمواجهة ضغوط السوشيال ميديا    نزاع حول حقوق هولوغرام عبد الحليم حافظ يشعل مواجهة قانونية بين XtendVision ومهرجان موازين    بعد وفاة مؤسسه بنعيسى... موسم أصيلة الثقافي الدولي يواصل مسيرته بصيغة صيفية حافلة بالفنون    دراسة تحذر: انتكاسات كبيرة في برامج التلقيح تعرض الأطفال لخطر الأمراض القاتلة        عودة الدواجن البرازيلية إلى الأسواق المغربية بعد زوال المخاطر الصحية    مؤسسة أحمد الوكيلي تطمح إلى إخراج "الآلة" من النخبوية الموسيقية    بعد غياب طويل.. عودة الإعلامية لمياء بحرالدين للساحة الإعلامية بشكل جديد    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخصائص الست لمحمد خاتم الأنبياء والمرسلين
نشر في هسبريس يوم 12 - 12 - 2016

إن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق من أجل أن يعبدوه ويتبعوا سننه في كونه علما وعملا، محققين بذلك لنظام الاستخلاف في الأرض على أتم وجه، ومبلغين عن الله ولو آية من وحيه، فاقتضى الأمر إرسال الرسل صادعين بالحق، ومنيرين درب الناس إلى طريق الصدق، تحقيقا لمقاصد خلقه.
وخص الله سبحانه كل نبي في ذلك بميزات وخصائص كل منهم حسب وقته وزمانه،﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾ [البقرة، 253]، وجعل محمدا صلى الله عليه وسلم آخرهم وخاتمهم،﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [الأحزاب، 40] فاقتضى المقام أن يتميز بخصائص لم تعط لغيره سلفا، إتماما للرسالات السماوية، وتحقيقا للتنبآت السابقة.
وفُضِّل النبي محمد صلى الله عليه وسلم بما فضل به على الأنبياء قبله بست خصال كبرى حيث ورد في صحيح البخاري: حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِي الغَنَائِمُ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ "1.
فذكر في هذا الحديث خمس خصال، وأضاف الإمام مسلم في حديث رواه في صحيحه خصلة سادسة، وهذا نص الحديث: «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ: أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً، وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ "2.
تلك الخصلة مرتبطة بكونه صلى الله عليه وسلم أعطي جوامع الكلم.
هذا على سبيل الإجمال، أما التفصيل والبيان فهو ما سيكون على المنوال التالي:
أولا: أعطي جوامع الكلم:
لقد بعث النبي في جزيرة كان أناسها يتكلمون الفصاحة والبيان في أرقى صورهما ومستوياتهما، وكان القوم آنئذ لا يحتاجون إلى قواعد النحو والبلاغة والأصول، فكان من الضروري بإزاء كله هذا أن يكون هذا النبي التي يجيء برسالته الخاتمة إليهم أقوى منهم بيانا وأفصح منهم لسانا.
ولا يعني هذا أن يتكلم بلغة غير لغتهم، وإنما يتكلم بما يتكلمون به من حيث المفردات والاستعمالات، لكنه يفوقهم اختصارا وتركيبا وبيانا في جمل قصيرة وحروف محصورة مع تضمينها قوة دلالية تتسع أنظار العلماء في فهمها وتفكيكها وتسيل فيها أقلامهم في تحليلها.
ذلك أنه كان صلى الله عليه وسلم يقصد في اللفظ مع إيفائه بحق المعنى، يقول الهروي وهو يتحدث عن دلالات القرآن والسنة« جمع الله تعالى في الألفاظ اليسيرة منه المعاني الكثيرة، وكلامه صلى الله عليه وسلم كان بالجوامع قليل اللفظ كثير المعاني»3.
ذلك أننا نحن البشر العاديين لم نعط هذه الخَصِيصَة، فإذا جئنا للتعبير عن أمر استعملنا المفردات الكثيرة في التعبير عن المراد، وربما أحيانا نعبر كثيرا وعندما نعصر القضية نجدها تتحمل فائدة أو اثنين على الأكثر.
وما يزيد هذه القضية بيانا ما نجده في كتب شراح أحاديثه صلى الله عليه وسلم فهم يؤلفون صفحات كثيرة في التعبير عن مراد النبي صلى الله عليه وسلم من الحديث وهذا طبيعي في كل من لم يؤته الله تلك القوة في البيان والجمع للمعاني في في الكلمات القلائل.
وهذا هو أسلوب القرآن الكريم في تناوله لجميع القضايا؛ يقول عبد الله دراز« فأبلغ البلغاء إذا حفل باللفظ أضر بالمعنى، وإذا حفل بالمعنى أضر باللفظ. نهايتان مَن حاول أن يجمع بينهما وقف منهما موقف الزوج بين ضرتين، لا يستطيع أن يعدل بينهما دون ميل إلى إحداهما.»
ويقول أيضا:« فى النفس قوتان، قوة تفكير وقوة وجدان. وحاجة كل واحدة منهما غير حاجة الأخرى. ولا تجد بليغاً يفى لك بحاجة القوتين في عبارة واحدة. ولكنك تجد ذلك في القرآن الحكيم. في أجمل صورة وأوضح بيان»4.
فالجمع بين هاتين الخَصِيصَتين لا يتأتى إلا لرجل مؤيد بالوحي الذي حط القرآن في قلبه وتربع عليه ليستفيد منه تركيبا وبناء.
ثانيا: نصر بالرعب مسيرة شهر:
هذا النبي العربي العظيم في أخلاقه وقوته وسلوكه؛ كانت العرب تهابه مسيرة شهر، وهذا أمر طبيعي في من أيده الذي خلق السماوات والأرض وما بينها، وهو سبحانه كان المعين له في كل أموره التي مر بها في الدعوة إلى الله سرا وجهارا، والأنبياء من طبائعهم أن يهابوا، حتى لا يتسلط عليهم رجل ولا يعتدي عليهم عدو.
ورعب العدو مسيرة شهر أمر لا يجعله الله لكل مخلوق عادي إلا لرجل أراد الله أن يظهر على يديه الدين الحق،«والنكتة فِي جعل الْغَايَة شهرا لِأَنَّهُ لم يكن بَين الْمَدِينَة وَبَين أحد من أعدائه أَكثر من شهر»5.
حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يلتقي بالعدو في المعارف فيزرع الله في قلب العدو رعبا وخوفا شديدين، رغم قلة المسلمين وكثرة العدو إلا أنه يصبح مع هذا حذرا وخائفا، وهذا صفات إظهار الحق سبحانه الحق على يد أنبيائه ورسله، فالله غالب على الناس، وأمره هو العلي القوي إذا أراد شيئا أن يقول له كم فيكون؛ لأنه سبحانه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
وهذه الخصوصية «التي يقتضيها لفظ الحديث: مقيدة بهذا القدر من الزمان، ويفهم منه أمران:
أحدهما: أنه لا ينفي وجود الرعب من غيره في أقل من هذه المسافة. والثاني: أنه لم يوجد لغيره في أكثر منها، فإنه مذكور في سياق الفضائل والخصائص، ويناسبه: أن تذكر الغاية فيه، وأيضا، فإنه لو وجد لغيره في أكثر من هذه المسافة لحصل الاشتراك في الرعب في هذه المسافة، وذلك ينفي الخصوصية بها.»6.
هذا لا يعني أن النبي يرتعب منه الفقراء والمساكين، بل كانوا يحدثونه ويقتربون منه بل يجدونه الملجأ الوحيد لرد حقهم لهم، فكيف لا يتحقق هذا المبدأ وهو أحسن الناس خَلقا وخُلقا، يقول الحق سبحانه: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ [آل عمران، 159]، لكنه كان صلى الله عليه وسلم شديدا على الأعداء رحيما ورءوفا بالمومنين، حيث كانت ملوك كسرى تهابه لقوته المعنوية إلى جانب القوة المادية، فكيف لا يحدث هذا والملائكة نزلت في بعض العزوات نصرة للحق وإعلاء لكلمة الله كمثل الذي حدث في بدر، كما يحكي ذلك الحق في سورة آلأ عمران.
ثالثا: جعلت له الأرض مسجدا وطهورا
هذه الخصيصة مرتبط بشساعة الأرض وامتدادها من حيث كونها مستقرا لهذا المخلوق الإنساني، فأصله منها ويستفيد من خيراتها وثرواتها، هذا مع أنها تحمله وتهيأت له نقاوة وجمالا ليؤدي عليها عبادته، وهذا لا ينفي أن لا تكون جميع الأماكن صالحة لأداء الصلاة.
فالأرض كلها طاهرة نقية؛ فحيثما أدركت الإنسان الصلاة فليصل، إلا بعض الأماكن المستثناة من القاعدة كأمكنة الأزبال، أو معاطن الحيوانات وجميع الأماكن غير الطاهرة بشكل عام.
وأحسن ما يمكن ذكره في هذا المقام هو ما قاله ابن حجر رحمه الله وهو يتحدث عن طهارة الأرض: «وقد تبين بهذا أن معنى اختصاصه عن الأنبياء بان الأرض كلها جعلت مسجدا له ولأمته أن صلاتهم لا تختص بمساجدهم المعدة لصلاتهم كما كان من قبلهم، بل يصلون حيث أدركتهم الصلاة من الأرض وهذا لا ينافي أن ينهي عن الصلاة في مواضع مخصوصة من الأرض لمعنى يختص بها، كما نهى عن الصلاة في أعطان الإبل، وفي المقبرة والحمام»7.
وهذه الخصيصة تشير إلى أمر آخر في غاية الدقة، ذلك أن القبلة التي يتوجه إليها المسلمون واحدة، فجميع الأرض طهارة للتوجه نحوها، وهذا يستدعي بالضرورة أن الأرض بعد محمد طهارة للناس كلهم لمن يريد أن يتوجه نحو باب الله والإعراض عن الشرك وتبعاته المجحفة الظالمة، هذا من جهة؛
ومن جهة ثانية أن خصوصية طهارة الأرض كلها لهذا النبي العظيم ترتبط أيضا بكونه خاتم الأنبياء والمرسلين، وهذه الأرض بعدها لن يبعث إليها نبي بعده.
رابعا: أحلت له الغنائم:
لم يعط الله لنبي قبل محمد صلى الله عليه وسلم أخذ حقه من الغنائم في الحروب وفي غيرها، لكن هذا النبي المبارك حباه الله بهذه الخصلة الكريمة؛
يقول الحق سبحانه: «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ » [الأنفال، 41]
«والغنائم: جمع غنيمة، وَهِي مَال حصل من الْكفَّار بِإِيجَاف خيل وركاب»8.
ولعل هذه الخصيصة اليوم قليلة الحدوث أو منعدمة نظرا لتغير الأحوال وقلة وقوعها.
خامسا: بعث إلى الناس كافة:
لقد بعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى خلق الله كلهم عربا وعجما، إنسا وجنا ... إذ رسالته عمت كل الخلائق منذ بعثته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، والآيات كثيرة تؤكد هذا المعنى، يقول الحق سبحانه:﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾[الأنبياء، 107]، وقوله سبحانه:﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾[سبأ،28]،
ولا يفهم من هذا أن الرسالة المحمدية للإنس فقط بل طالت حتى الجن: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [الأحقاف، 29-32].
وقوله سبحانه:﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾[الجن، 1-2].
فرسالة محمد رسالة شاملة للعالمَيْن معا عالم الإنس وعالم الجن، وكونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيئين يستلزم عن طريق دلالة اللزوم أن تكون رسالته عامة وشاملة لجميع الخليقة، لأنه لا يمكن أن تختم الرسالات السماوية بعيدة عن الشمولية والاستيعاب لجميع حوادث الناس التي تظهر مع مرور الناس.
ذلك أنه وبكل بساطة؛ لن يعذب الله قوما إلا إذا أرسل إليهم الرسل مبشرين ومنذرين ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾[الإسراء، 15]
سادسا: أعطيت له الشفاعة العظمى:
هذه الميزة امتاز بها محمد صلى الله عليه وسلم وخص بها باعتباره خاتم الرسل ورسالته خاتمة الرسالات، إذ الشفاعة الكبرى لا تعطى إلا له غدا يوم القيامة.
والمقصود بالشفاعة في سياق الحديث الشفاعة العظمى: «لفصل القضاء، وإراحة الناس من شدة ذلك الموقف الرهيب»9.
يقول الإمام النووي: «الشفاعة هي الشفاعة العامة التي تكون في المحشر بفزع الخلائق إليه صلى الله عليه وسلم لأن الشفاعة في الخاصة جعلت لغيره أيضا»10.
من خلال هذا نستفيد أن الشفاعة تكون في موطنين: أحدهما عام وهو الذي يختص به النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومفهوم العمومية يكتسي من توجه جميع الخلائق إليه الراغبين في طلب شفاعته، أو كل من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله ومات على ذلك.
والثاني موطن خاص ويكون لغيره أيضا كمن يحفظ القرآن مثلا ويعمل به يشفع غدا يوم القيامة لأهله، ...
وابن حجر رحمه الله بين أنواع الشفاعة ويحصرها في أربعة مجالات حيث قال:« وأما الشفاعة التي اختص بها النبي – صلى الله عليه وسلم- من بين الأنبياء، فليست هي الشفاعة في خروج العصاة من النار؛ فإن هذه الشفاعة يشارك فيها الأنبياء والمؤمنون - أيضا -، كما تواترت بذلك النصوص، وإنما الشفاعة التي يختص بها من دون الأنبياء أربعة أنواع:
أحدها: شفاعته للخلق في فصل القضاء بينهم.
والثاني: شفاعته لأهل الجنة في دخول الجنة.
والثالث: شفاعته في أهل الكبائر من أهل النار، فقد قيل: أن هذه يختص هو بها.
والرابع: كثرة من يشفع له من أمته؛ فإنه وفر شفاعته وادخرها إلى يوم القيامة»11.
هذا وأصلي وأسلم على النبي المبعوث رحمة للعالمين والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
1 -صحيح الإمام البخاري، كتاب:الصلاة، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، حديث رقم:438، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة، الطبعة الأولى، 1422ه.
2- صحيح الإمام مسلم، كتاب:المساجد ومواضع الصلاة، باب: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، حديث رقم: 523، ج:1، 371.
3- المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج للإمام النووي، دار إحياء التراث العربي – بيروت، الطبعة: الثانية، 1392م، ج:5، ص:5.
4 -للإطلاع على هذه الخصائص إقرأ كتاب: النبأ العظيم نظرات جديدة في القرآن الكريم للدكتور محمد عبد الله دراز، ص:143إلى: 152
5- عمدة القاري شرح صحيح البخاري، لبدر الدين العيني، دار إحياء التراث العربي – بيروت، ص:4، ج:9.
6- إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، لابن دقيق العيد دار السنة المحمدية، ج:1، 150.
7- فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني، تحقيق: محمود بن شعبان بن عبد المقصود، ومجدي بن عبد الخالق الشافعي، وإبراهيم بن إسماعيل القاضي وآخرون. دار مكتبة الغرباء الأثرية - المدينة النبوية. الطبعة: الأولى، 1417 ه - 1996 م، ج:
8 -عمدة القاري شرح صحيح البخاري، ص:4 ، ج:9
9- منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري لحمزة محمد قاسم، : مكتبة دار البيان، دمشق ، 1410 ه - 1990 م، ج:1، ص:350
10 -المنهاج للنووي، ج:5، ص:4.
11- فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر، ج:2، ص:214.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.