خصوم الوحدة الترابية للمملكة باتوا على درجة كبيرة من الارتباك بعد هذا الذي أحدثه فيهم طلب المغرب بالانضمام إلى المنتظم الإفريقي. زوما وأخواتها في تدبير المكائد فقدن جادة صوابهن ولم يعد لهن عقل ولا تركيز وكذلك هو الحال بالنسبة للنظام الجزائري. ولأن الصاعقة ألمت بهم جميعا وكان وقعها عليهم أشد، فتعطلت عندئذ بهم السبل وباتوا يفتون في أمرهم بفتاوى أظهرت أن بيتهم أهون من بيت العنكبوت. وبدؤوا يضربون أخماسا بأسداس راجمين الغيب بحثا عن منقذ من الجن أو الإنس فارتدت عليهم أمواج تسونامي حاملة في أحشائها خرابا ودمارا لم يعهدوه. على الأقل هذا هو حال السيدة زوما التي رحلت وهي تتحسر عما آل إليه الابن العاق من مصير مجهول بسبب زلة كانت بمثابة أول مسمار يدق في نعش الكيان الوهمي. السيدة زوما وقع لها ما وقع للقلاق الذي أراد أن يقبل صغيره فأعماه. وبعد أن جن جنونها وانتابتها مشاعر من الهذيان بسبب طلب انضمام المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، سارعت إلى محاولة يائسة في توجيه مذكرة بصفتها رئيسة المفوضية الإفريقية وباسم أقلية من الدول إلى المستشار القانوني للاتحاد الإفريقي ضمن سؤال عريض أريد به محاصرة المغرب فإذا بها تحاصر نفسها ومعها تلك الدول لينقلب السحر على الساحر، والسؤال هو "كيف يمكن قبول دولة تحتل دولة عضوا؟". وكان جواب المستشار القانوني، كما كان متوقعا، غير معاكس لطروحات المناوئين حيث دفع في اتجاه رفض طلب تلك الدولة التي قيل عنها إنها تحتل دولة، والمقصود في رجمهم للغيب هو وضع المغرب في دائرة الاستهداف لتعطيل انضمامه إلى الاتحاد الإفريقي. بهذا الموقف الذي انبثق عن جهة تعتبر المرجعية القانونية لهذا الاتحاد، وعن دول ترى في نفسها حجر الزاوية في هذا المنتظم الإفريقي، وعلى فرض أن ما يدعونه من وجود دولة ومن وجود حالة احتلال واعتبرنا تجاوزا أن ذلك صحيحا، فإن في الأمر تناقضا فضا وقع فيه الخصوم من حيث لا يدرون بعد أن اعترفوا بصريح الكلام أن دولتهم المزعومة خاضعة لما أسموه بالاحتلال؛ أي إنها دولة غير مستقلة، وبالرغم من ذلك أقحموا عضويتها في المحفل الإفريقي وهي غير مؤهلة. وإذ الأمر كذلك، فإنه أصبح من مسؤوليات الدبلوماسية المغربية استغلال هذا الانزلاق الذي بات موثقا بشكل رسمي ومسجلا في أرشيف الدائرة القانونية للاتحاد؛ وذلك من أجل الانطلاق في الخطة الاستراتيجية لبلادنا والكشف عن عمق المؤامرة وضرب الخصوم بسلاحهم. والمحاصرة تقتضي اليوم مساءلتهم عبر الباب العريض وهو أنه مادمتم تقرون بأن هذا الكيان غير مستقل فكيف سمحتم له أن يكون عضوا بمنظمة الوحدة الإفريقية سابقا ثم عدتم إلى إثقال كاهل الاتحاد الإفريقي مرة أخرى بهذا الكيان المزعوم، مع العلم أن العضوية الكاملة لا تكون إلا للدول غير منقوصة السيادة؟ ومن وجهة نظر القانون الدولي، الدولة لا تكون قائمة الذات ومستقلة بنفسها إلا بتوافر ثلاثة أركان: أرض وشعب وسلطة شرعية. وفي هذه الأركان الثلاثة هناك ناظم مشترك بينهم يتمثل في عنصر الاستقلالية. فالأرض لا وجود لها إلا في التراب الجزائري، وكذلك الشعب محتجز في أراضي دولة أخرى وسلطة سياسية محجور عليها من سلطة وصاية جنرالات الجزائر. العناصر الثلاثة منتفية في حالة الكيان الوهمي، فكيف بالبارحة اعتمدتموه كدولة عضو كامل العضوية، واليوم يأتي خصوم المغرب ويعتبرونه دولة ترزح تحت الاحتلال؟ إنه الإسفاف بالمبادئ والتلاعب بها بعقلية لا تجدها إلا عند أنظمة من طينة جنوب إفريقيا والجزائر، التي ألفت التحايل والدسائس وأن تلعب خارج دائرة القانون. كما أن الممارسة الدولية في جميع المنظمات الدولية والإقليمية المنضوية تحت لواء الأممالمتحدة تشير لنا بأنه لم تسجل أية سابقة لأي كيان غير مستقل أن حظي بالعضوية الكاملة في أي منتظم دولي؛ لأن المعايير القانونية المعتمدة لا تسمح بغير ذلك. ونسوق في هذا الصدد أن المغرب حينما كان محتلا من طرف فرنسا لم تكن لديه تلك الشخصية القانونية لكي يكون ممثلا في المحافل الدولية. وفي هذه الحالة كانت فرنسا هي التي تنوب عن مصالح المغرب في تلك المحافل. وكذلك الشأن بالنسبة لفلسطين، فرغم أنها تتوفر على أرض وشعب وسلطة، وهو ما لا يتوفر عليه الكيان الوهمي، فهي لا تتمتع بالعضوية الكاملة في منظمة الأممالمتحدة، وتقتصر حاليا مشاركتها كعضو ملاحظ والسبب في ذلك أنه إلى غاية الآن لا تتمتع بالشخصية القانونية الموجبة كدولة مستقلة غير منقوصة. ثم إن هذا الكيان الذي يزعمون أنه دولة في رقعة جغرافية عربية وإسلامية مشكوك حتى في أمرها على أنها من صحراء الجزائر، لم يجد له مقعدا في الجامعة العربية أو في منظمة المؤتمر الإسلامي ولو في أدنى وأبسط تمثيل. تلاعباتهم توقفت عند حدود منظمة الوحدة الإفريقية في لحظة استقطاب أيديولوجي وحرب باردة، وعن طريق شراء الذمم إبان طفرة بترولية حرم الشعب الجزائري من عائداتها. ولذلك، نعتقد أن هذه الهفوة التي سقط فيها خصوم وحدتنا الترابية تعد نقطة ارتكاز ومدخلا للسياسة التي ينبغي أن ينهجها المغرب سعيا إلى الهدف الرئيسي وهو شفط الجنين غير الشرعي من الرحم الإفريقي. ولدينا من الفرص والامكانيات المتاحة التي تطاوعنا على إعادة الشرعية ولو بعد حين. وفي هذا الصدد، فإن الدبلوماسية المغربية لها أرضية جاهزة وخصبة تتمثل في أن غالبية الدول الإفريقية لا تعترف بالكيان الوهمي، وأن أكثر من نصف الدول الأعضاء لا تستسيغ وجود مثل هذا الكيان بجوارها في المحفل الإفريقي. ولأن الأرضية كما هي حبلى بما هو في صالح المغرب، فإنه بلا شك ينبغي الآن الضرب بقوة على الطاولة وأن نلوي لسان الخصوم عند النطق بما اعترفوا به من كيان لا تتوفر فيه شروط الدولة المستقلة. رسالة ينبغي تمريرها في لحظة ما زال فيها صدى الخطاب الملكي يتردد في قاعة "نيلسون مانديلا" ويطرب مسامع الأفارقة الأحرار ويخرس أذان المتواطئين الأشرار. وبموازاة هذه المقاربة ودعما لها، يجب على المغرب أن يطرح كذلك، وفي سياق متزامن، على المحفل الإفريقي مبادرة الحكم الذاتي كحل سياسي متفاوض بشأنه، وهي المبادرة التي لقيت استحسانا من قبل المنتظم الدولي، بما فيه هيئة الأممالمتحدة والقوى العظمى. المبادرة في حد ذاتها تندرج في السياق العام الذي يجب الاهتداء به في حل الأزمات الإفريقية التي تعود جذورها إلى مخلفات الحقبة الاستعمارية. وجلالة الملك كان بليغا وعارفا بالهواجس الإفريقية حينما أشار في خطابه إلى قدرة القارة الإفريقية على ابتكار الحلول المناسبة للقارة ونبذ كل ما من شأنه أن يفرض علينا وصاية من الخارج. كما أن مبادرة الحكم الذاتي تليق بما عليه العديد من الدول الإفريقية من تركيبة اثنية متنوعة في مجال جغرافي واحد حاضن موحد في إطار التعدد. ولنا في ذلك نماذج حية على الشطرنج الإفريقي كحكومة زنجبار التي تتمتع بحكم ذاتي تحت السيادة التنزانية، وكذلك في نجيريا حيث تتمتع كل من أبوجا ولاغوس باستقلالية لا تخرج عن السيادة النيجيرية. ومن هنا ينبغي التأكيد للشركاء الأفارقة الذين يتوسمون في عودة المغرب الشيء الكثير بأن ما يقترحه المغرب عليهم من مبادرة هو الحل المناسب والأمثل والمخرج الوحيد للتخلص من معضلات أمنية وعرقية قد تكون من ورائها حركات متطرفة في كل من ساحل العاج وبوركينا فاسو والصومال ومالي والنيجر، وأخطر ما في الأمر أن تلك الحركات أو الفصائل قد تفضي إلى المطالبة بالانفصال عن الوطن الأم في التماهي مع ما يمكن أن نؤسس له خطأ أو سهوا من سوابق بفعل التساهل مع تلك التنظيمات الإرهابية التي تنشط على أكثر من موقع في الساحة الإفريقية. تبقى الإشارة إلى أن الظرفية أصبحت مواتية أكثر من ذي قبل بعد أن بات النظام الجزائري مصدوما تحت هول الضربة فاقدا للقدرة على التمييز والتركيز وعلى درجة كبيرة من الإحراج أمام شعبه الذي أدى ضريبة العيش في قوته وكرامته من أجل قضية لا تخصه، وأمام الإعلام الجزائري الذي أبان في العلن عن سخطه العارم من الوهم الذي كان يبيعه النظام للناس، والذي نوهت في الوقت نفسه بعض أقلامه بحكمة دبلوماسية ملك. التصدع في الصفوف وفي العقيدة المغشوشة قد يكون الظاهرة المميزة في المشهد السياسي الجزائري في قادم الأيام أو الأسابيع، بعد أن انصب الغضب على القائمين على الدبلوماسية الجزائرية، وفي مقدمتهم رمطان لعمامرة، لأنه أخرج اللعبة عن نطاقها المتحكم فيه، بينما النظام الجزائري كان يريد إبقاءها لا حية ولا ميتة كي يكون هناك مبرر لوجوده واستمراره، وجعل قضية مفتعلة قابلة للترويج وكأنها واحدة من التحديات المفروضة على ما يسمى بالنضال الجزائري. وغدا إذا سقطت ورقة البوليساريو سيتورط النظام الجزائري مع شرذمة ضالة ولا يدري في أي بحر سيكبها. ويبقى المغرب فوق جميع حساباتهم ذلك الوطن الغفور الرحيم. وتلك آية نتليها على مسامعهم وعلى مسامع إخواننا المحتجزين وأن ساعة الفرج آتية لا ريب فيها. [email protected]