يتقدم "العلاّم" بدر الجوميلي الصف، بلباسه المغاير عن باقي الفرسان. بنظراته يوجه باقي "الخيالة" للاصطفاف جنبا إلى جنب. الخيول متأهبة، تتحرك رويدا رويدا، والعلام يواصل توجيه تعليماته إلى فريقه. ثم ترفع الخيول من سرعتها بعد سماع "وا الخيل، وا الحافظ الله، وا البارود" والغبار يتطاير من تحت حوافرها، قبل الضغط على زناد البندقية على مشارف الخيمة الرئيسية بالمهرجان، وسط تصفيقات مئات الحاضرين. هكذا كان المشهد بالمهرجان الربيعي ببلدية سيدي بوعثمان بإقليم الرحامنة، الذي انطلقت فعالياته يوم الأربعاء الماضي واختتمت مساء أول أمس السبت. التبوريدة.. عشق الرحمانيين قبل انطلاق الخيَّال، يقوم أحد الشباب بملء البندقية بالبارود، يشحنها ويهيئها، ثم يسلمها له وهو على صهوة الفرس. وهكذا دواليك، يشتغل مع باقي أعضاء الفريق، قبل دخولهم إلى مكان "المجبد". رغم "الغبرة والعجاج يطير"، كما تغنت بذلك "العيطة"، إلا أن سكان الدواوير المجاورة وزوار البلدية، وفي عز الحرارة التي تشهدها المنطقة هذه الأيام، وجدوا متنفسهم على مدى ثلاثة أيام، متحَدّين بذلك هذه الظروف لإثبات عشقهم لرائحة "البارود"، والتعبير عن تشبثهم بالتراب الذي يتطاير من تحت حوافر الخيل. كان دويّ البارود الذي يسمع من بندقيات الخيالة يستهوي الحاضرين، ويحرِّض آخرين، خاصة النساء، على الخروج من منازلهن والانتقال إلى مكان "الموسم" بسيدي بوعثمان. نساء كثر تركن أشغال البيت وخرجن رفقة أطفالهن إلى الساحة؛ لأن "العيد"، بحسبهن، لا يجب التأخر في الاحتفال به. يقول طارق العضيمي، أحد أعضاء اللجنة المنظمة ل"الموسم"، في تصريح لهسبريس، إن "حوالي 35 سربة، من مختلف جماعات الرحامنة، حلت بسيدي بوعثمان، لتؤثث فضاء المجبد، كتعبير منا عن عشقنا لفنتازيا الفروسية"، مضيفا أنه "واخا كاينة الحرارة، السكان باغين التبوريدة لّي خلاوها ناس زمان في البلاد". انتعاش الاقتصاد المحلي عروض التبوريدة التي تسكن دواخل الرحمانيين حولت ثاني بلدية بإقليم الرحامنة، تزامنا مع العطلة الدراسية، إلى وجهة للصغار والكبار، نساء ورجالا، ومن مختلف المداشر والقرى. وقربها من مدينة مراكش وتواجد "المجبد" بالمحاذاة الطريق الوطنية، عوامل ساهمت في قفزة نوعية للاقتصاد المحلي للبلدية. يقول بائع للخبز في تصريح لهسبريس: "هذه المناسبة مهمة جدا بالنسبة إلينا. الموسم ساهم بشكل كبير في مبيعاتنا؛ إذ صرنا مطالبين بتوفير كميات أكبر لمواجهة طلبات المستهلكين"، وهو الأمر نفسه الذي زكاه أحد بائعي الخضر بقوله: "كلشي خدم مع الموسم، الخضارة والجزارة وغيرهم، ما كرهناش كون بقا مزال". أما نادل بإحدى المقاهي وسط بلدية سيدي بوعثمان، فأكد للجريدة أن "الموسم ضاعف مداخيل المقاهي، وجعلنا نشتغل لساعات طوال، ناهيك عن كون الطواجن التي نعدها في الأيام العادية لم تعد تكفي خلال أيام الموسم"، مضيفا أن "الكل يشتغل في الموسم بشكل مضاعف، والجزارون الذين نتعامل معهم بدورهم ارتفعت مبيعاتهم من اللحوم". وبالنظر إلى موقع البلدية القريب من مراكش والمتواجدة بالطريق الوطنية رقم 9، ساهم الموسم في تزايد عدد حراس السيارات خلال هذه الفترة، عكس الأيام سائر الأيام. إحياء التراث الرحماني بالرغم من كون المسؤولين المحليين والإقليميين لا يعيرون مثل هذه الأنشطة الثقافية قيمة كبرى، ويظهر ذلك من خلال المنحة التي تقدم للجمعيات، فإن خروج الساكنة بهذا العدد الكبير يبرز الحاجة الماسة إلى مثل هذه التظاهرات، لاسيما وأن المنطقة تعرف غيابا تاما لأماكن الترويح عن النفس والمنتزهات، وغيرها. ويقول بوجمعة المركة، رئيس جمعية المهرجان الثقافي الربيعي، في تصريح لهسبريس، إن "التبوريدة التي تعد موروثا ثقافيا وتاريخيا للمنطقة، دفعنا إلى تنظيم هذا الموسم الذي من شأنه المساهمة في تعريف الأجيال الحالية بهذا التراث". وأضاف: "بالرغم من الإمكانيات المحدودة، فقد استطعنا تنظيم هذه النسخة من الموسم"، مشيرا إلى أنه "سنعمل على جعل النسخة المقبلة أفضل، وسنعمل على الرقي بالموسم وجعله من أفضل التظاهرات في ما يخص التبوريدة". وتشتهر الرحامنة تاريخيا بفن التبوريدة، وتربية الخيول واستعمال البندقية، وهو الأمر الذي جعلها تشتهر بتنظيم عدد كبير من المهرجانات والمواسم التي تنشطها مجموعة من "السربات" القادمة من مناطق عدة مجاورة للإقليم.