الشرطة تحبط محاولة تهريب طنين من الشيرا بالعرائش وتفكك شبكة إجرامية متورطة في التهريب الدولي عبر البحر    مكناس تبدأ في بناء محطة قطار حديثة بتكلفة 177 مليون درهم    الطيران الباكستاني يؤكد تفوقه ويسقط مقاتلات هندية متقدمة داخل مجالها الجوي    ارتفاع أسهم شركة "تشنغدو" الصينية بعد تفوق مقاتلاتها في اشتباك جوي بين باكستان والهند    منتدى التعاون الصيني الإفريقي: كيف أرسى أسس شراكة استراتيجية؟    الأمن يحبط تهريب طنين من "الشيرا"    مولاي الحسن.. 22 سنة من الأمل والاستمرارية    تفكيك شبكة دولية للمخدرات بين العرائش وتطوان    اجتماع مغربي إسباني في قادس لتعزيز التنسيق لرؤية مشتركة لحسن تدبير عبور الجالية    حكيمي يقود سان جيرمان لتجديد الفوز على أرسنال وبلوغ نهائي الأبطال    أشرف حكيمي يقود سان جرمان للنهائي ويتوج بأفضل لاعب في مواجهته ارسنال    اتفاقية رقمنة تصدير منتجات الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي بالمغرب    بلقشور يكشف عن موعد إجراء مباراتي السد ويؤكد تواجد تقنية "الڤار"    التجسس على "واتساب": القضاء الأمريكي يغرم "إنزو" الإسرائيلية بمبلغ 168 مليون دولار لصالح "ميتا"    عبد اللطيف حموشي في زيارة عمل إلى فيينا ويلتقي مسؤولي أجهزة استخبارات من قطر وتركيا والسعودية والإمارات وباكستان    غزة تُباد.. استشهاد 102 فلسطينيا في سلسلة مجازر إسرائيلية وإصابة 193 خلال 24 ساعة    وهبي: "أشبال الأطلس" مستعدون لمواجهة أي منتخب في الدور القادم    متابعة ناشطين من حراك فجيج بينهما "موفو" في حالة اعتقال وأولى جلسات محاكمتهما يوم الخميس    استهلك المخدرات داخل سيارتك ولن تُعاقبك الشرطة.. قرار رسمي يشعل الجدل في إسبانيا    رئيس جامعة عبد المالك السعدي يوقع اتفاقيتين مع جامعتين مجريتين لتعزيز الشراكات الدولية    باكو.. الأميرة للا حسناء تزور المؤسسة التعليمية "المجمع التربوي 132–134"    تصعيد خطير في جنوب آسيا: سلاح الجو الهندي يتكبد خسائر بمئات الملايين بعد هجوم باكستاني دقيق    لمواجهة الكوارث.. الملك يعطي انطلاقة إحداث منصة للمخزون والاحتياطات الأولية    المصطفى الرميد: لا تعارض بين الانحياز لقضايا المغرب ونصرة غزة    الأخضر ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    رئيس الحكومة الإسبانية يثني على مساهمة المغرب في تجاوز أزمة انقطاع التيار الكهربائي    مجلس أوربا: قانون العقوبات البديلة "منعطف تاريخي" في المنظومة القضائية المغربية    العصبة تكشف برنامج الجولة الأخيرة من البطولة الاحترافية    الجزائر تواصل مطاردة المثقفين.. فرنسا تتلقى مذكرتي توقيف دوليتين ضد كمال داود    صحيفة أجنبية: المغرب يعد الوجهة السياحية الأولى في إفريقيا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ملاحظة نقدية من طرف ألفونس ويلهانز حول جان بول سارتر والعقل الجدلي    ذاكرة النص الأول بعيون متجددة    أبو الأسود الدؤلي    توقيف مواطنين فرنسيين من أصول مغربية يشتبه تورطهما في قضية تتعلق بالسكر العلني وارتكاب حادثة سير بدنية مع جنحة الفرار    دراسة علمية تكشف قدرة التين المغربي على الوقاية من السرطان وأمراض القلب    ديزي دروس يكتسح "الطوندونس" المغربي بآخر أعماله الفنية    من إنتاج شركة "Monafrique": المخرجة فاطمة بوبكدي تحصد جائزة وطنية عن مسلسل "إيليس ن ووشن"    إسبانيا تمول محطة تحلية عملاقة بالمغرب ب340 مليون يورو    الخطوط الملكية المغربية و"المبنى رقم 1 الجديد" في مطار JFK بنيويورك يبرمان شراكة استراتيجية لتعزيز تجربة المسافرين    لأول مرة في مليلية.. فيلم ناطق بالريفية يُعرض في مهرجان سينمائي رسمي    من هي النقابة التي اتهمها وزير العدل بالكذب وقرر عدم استقبالها؟    بركة: نعيش سنة الحسم النهائي للوحدة الترابية للمملكة    من المليار إلى المليون .. لمجرد يتراجع    الزمالك المصري يقيل المدرب بيسيرو    "التقدم والاشتراكية": الحكومة فشلت على كافة المستويات.. وخطابها "مستفز" ومخالف للواقع    تشتت الانتباه لدى الأطفال…يستوجب وعيا وتشخيصا مبكرا    "كوكا كولا" تغيّر ملصقات عبواتها بعد اتهامها بتضليل المستهلكين    فليك يتهم الحكم بإقصاء برشلونة ويُخاطب لاعبيه قبل الكلاسيكو    دافيد فراتيزي: اقتربت من فقدان الوعي بعد هدفي في شباك برشلونة    المغرب يستقبل 5.7 ملايين سائح خلال 4 أشهر    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    تحذير من تناول الحليب الخام .. بكتيريات خطيرة تهدد الصحة!    استقبال أعضاء البعثة الصحية لموسم الحج    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من الدين إلى الهوية .. إسلام واحد أم متعدد في الولايات المتحدة؟
نشر في هسبريس يوم 12 - 04 - 2017

هل الإسلام واحد أم متعدد؟
تذكرنا هذه العبارة بمشروع هام أشرف عليه الباحث الأكاديمي عبد المجيد الشرفي، وضمنه صدرت مجموعة من الدراسات الهامة حول قضايا الإسلام، والتي جلت التنوع والتفاوت في فهم وممارسة العقيدة الإسلامية التي تميزت بالتفاعل مع ثقافة وعادات المجتمع الذي دخله الإسلام.
لذلك وجدنا اختلافات بين ”الإسلام الشعبي، والإسلام العربي، والإسلام السني، وإسلام الفلاسفة وإسلام عصور الانحطاط والاسلام الآسيوي والإسلام الأسود وغيرها، وهي اختلافات لم تكن ظاهرة وسطحية ومرتبطة بالعبادات وممارسة الشعائر، وإنما هي اختلافات تكشف عن اختلاف في فهم وتأويل الإسلام، وهو ما ينعكس سلبا أو إيجابا علي وعي الفرد والجماعة في التمثلات التي يتم تمثلها فيما يخص القيم التي تدور حولها باقي الممارسات الاجتماعية والثقافية والسلوكية.
وبالنظر إلى هذه التنويعات يكون من الواضح أن نلاحظ مدى هيمنة الإسلام السني، ومدى ترسيخ فهمه في العالم الإسلامي، إذا ما تركنا جانبا الإسلام الشيعي.
لقد ترسخ في الخيال الإسلامي من خلال مفهوم ”الإجماع“ مقولة الإسلام الواحد، وهو الإسلام السني الذي صنع مفهوم ”السنة النبوية“ وأسقط عليها كل خياله من انشغالات وهموم وجعلت من الشخصية النبوية صورة مركزية لتجميع كل تلك الرموز المثالية، وهو ما جعل مفهوم الإسلام المتعدد أمرا غير مقبول. لهذا نجح الإسلام السني، خاصة، في خلق خطاب لاتاريخي مؤسس علي التقديس الذي يتأسس على التسليم بكل ما أنتجته مؤسسة الفقهاء من حقائق.
لذلك غابت الحقائق التاريخية وراء طبقات من النصوص والتأويلات التي كانت مجرد محاولات فهم وقراءة في وقتها، وتحولت إلى مثل عليا تستوجب الإيمان والتسليم بها.
وهكذا اختزلت الهوية كلها في ”الدين“ باعتباره الملجأ النهائي لحماية الذات والهوية من الضياع والإتلاف. وهذا ما يكرسه الواقع المهجري لدى الأفراد والجماعات العربية الإسلامية، خصوصا بعد الانهيارات السياسية والنهضوية وفشل الدول الوطنية في البلدان الأم.
وقد انعكس ذلك كله على الاهتمام بالرموز الإسلامية من حيث هي طقوس وعبادات ومسكوكات لغوية مكرورة، ساهمت إلي حد خطير في إعادة إنتاج العقل الإيماني المنعزل المشحون بالقداسة وامتلاك الحقيقة. لكن هذا الانعزال جعل الهوية والمحافظة عليها هي محور اهتمام المسلم في أمريكا.
لذلك لم يستطع المنفى أن يبلور أفكارا كبرى بمقدورها أن تخلق ثورة كوبرنيكية في الوعي الاعتقادي المهجري، بل من المفارقات الكبيرة أن الإسلام المهجري ساهم إلى حد كبير في تعميق الوعي السلفي المتشدد، مستفيدا من الحريات والديمقراطية الأمريكية وحرية المعتقد وعلمانية الدولة.
نجح العقل الإيماني في جعل الطقوس منظومة رمزية مقدسة لا يمكن مجادلتها، بل صارت هي الدين نفسه في أحاييين كثيرة. والمقدس أوسع من الدين، ومن ثم فإن المقدس صناعة اجتماعية وهو يشمل مختلف مجالات الحياة الاجتماعية ولأن حاجة الإنسان إلى المقدس مسألة ثابتة لذلك لا تتوقف المجتمعات عن ولادة مقدساتها باعتبارها بعدا من الأبعاد المهمة في حياة الفرد (آنظر الإسلام الشعبي؛ ص.97).
أقصى ما تصله العقلانية الإسلامية هي العقلانية الإيمانية، التي تتأسس علي إيجاد مبررات ”تستعمل“ العلوم بكل فروعها للبرهنة على صحة العقيدة، وهو ما تبلور مع ما عرف بالإعجاز العلمي للقرآن. والمهاجرون من العلماء أو أصحاب الشهادات العليا قد نصبوا أنفسهم أعلاما لإنجاح مشروع الإعجاز.
وهذا ما يكشف عجز الأصوليات الإسلامية عن تقديم أي مشروع ثقافي أو فكري منسجم وواقعي وتاريخي، إذ تقتصر على المعرفة الفقهية باعتبارها العلم الأوحد الذي يمكنه أن يجيب عن كل الأسئلة الاجتماعية، والفردية، وذلك وفق ضوابط وأحكام فقهية تخضع لمنطق واحد هو الثنائية التقليدية الصواب والخطأ. الحلال والحرام. إذ يرى الناس فيه ”علم الأمان“، نظرا لقدرته الكبرى على التجدد لأنه مرتبط باليومي وبعلاقات الأفراد والجماعة وهموم الناس في مجال المعاملات وهو الذي ينتج عنه فقه النوازل التي تصنعها الظروف التاريخية.
هل يمكننا الحديث عن إسلام أمريكي؟
ثمة فارق بين الحديث عن الإسلام في أمريكا الذي يكاد يجمع الدارسون والأكاديميون، الأمريكيون، المنشتغلون بالموضوع، بأن وجوده في أمريكا يعود إلى مرحلة ما قبل اكتشافات كولومبوس، وإن كانت المرحلة غامضة، غير أنه من الثابت أن وجوده كان مع مجيء مسلمين مغربيين، أحدهما هو المعروف بستيبانيكو، والآخر هو الذي يحمل اسم فان سالي (نسبة رلى مدينة سلا المغربية التي نشأ فيها) حوالي سنة 1630 حين جاء إلي نيويورك قادما من هولندا بعد أن شب وتعرع في أحضان سيدة مغربية، وما يكشف إسلامه هو تلك النسخة من القرآن، والتي تنسب إليه، وقد بيعت قبل سنوات في المزاد العلني. غير أن هذا الجانب لا يعنينا هنا بقدر ما يعنينا الإسلام الأمريكي، أي ما هي خصائصه، وهل ثمة من اختلاف يمكنه أن يجعل منه ”إسلاما أمريكيا“؟
إذا ما عدنا إلى هجرة العرب والمسلمين إلي أمريكا في بداية القرن العشرين، سوف نلاحظ أن المهاجرين كانوا أكثر انفتاحا على الواقع الجديد، بل وكانت هناك استعدادات لتحسين الظروف الاقتصادية والثقافية في آن، ولم تكن قضية الهوية كما ستطرح لاحقا موجودة برغم ”العزلة“ التي واجهها المهاجرون حينها.
لذلك رأوا في الصالونات والأندية فضاء يسع انشغالاتهم الثقافية وتجيب على الأسئلة التي طرحها وجودهم حينها. لقد وعوا حينها أنهم جيل مؤسس، خاصة الهجرة الشامية. فلم يكن المسجد الأول في أمريكا قد بني في العشرينات من القرن الماضي في بلدة روس Ross بولاية داكوطا الشمالية، والذي تهدم أواخر السبعينيات، إلا محاولة لضمان استمرارية المستوى العقدي لدى المهاجر، بل كرمز ثقافي.
وهو ما تكشفه لنا بعض الصور التي التقطت لأسر وهم يؤدون الصلاة مع زوجاتهم ورفقة بناتهم من غير أن يكون هناك أي وجود لتقليعة من قبيل الحجاب. بل كان المسجد رمزا للانفتاح والتعدد والاختلاف الإيجابي كما أن مؤسسي هذا المسجد، وكانوا حوالي الثلاثين أسرة قادمة من كندا، قد أبانوا عن نجاح اقتصادي كبير واندماج في المجتمع الذي تواجدوا فيه.
والأمر نفسه ينسحب على تلك الجمعية التي تأسست في كونسي بولاية ماستشوسيت والتي نشأت كتجربة جمعوية في الثلاثينات كي تنتهي بتأسيس مسجدين، بل وتحول الصراعات بين الهيآت المسيرة وإحدى الأئمة إلى تبادل التهم بالتطرف، (وقد عرفت القضية اهتماما في الصحافة المحلية) يكشف لنا أن هناك تحولات غاية في الأهمية طرأت على وعي الجماعة الإسلامية المهاجرة في أمريكا والتي سارت أكثر فأكثر نحو الانطواء والانعزال، ما أدى إلي اتساع الهوة بين الواقع الذي يحيون فيه، أي الراهن التاريخي، وبين الأوهام التي صنعوها، وهو ما جعلهم يفوتون عنهم فرصة التشبع بالقيم الإنسانية والانخراط في الدينامية التاريخية التي تفرضها الحداثة.
هذا الانطواء عزز حضور المسجد ودوره داخل الجماعة الإسلامية، باعتبارها أقلية، وجعل منه ”مؤسسة“ وملجأ لكل باحث عن أجوبة روحية وهوياتية داخل السياق الأمريكي، بل جعل من ”المسجد“ مركزيا في صياغة النسيج ”الجماعي“ للمهجرين المسلمين. وبقدر ما تعزز دور المسجد لجمع الشمل وصناعة الوحدة، بقدر ما ساهم في التشرذم والشيع، وذلك بحكم التعدد والاختلاف اللذين يشكلان قاعدة المسلمين في أمريكا.
إسلام أم إسلامات: من الدين إلى الهوية
إن التنوع الذي يشكل النسيج الاجتماعي الأمريكي يجعلنا أمام مهاجرين من كل بقاع العالم! ومادام الإسلام عرف انتشارا في كل أنحاء العالم، فإنه كان لابد من التمييز بين خصوصيات متعددة يكتسبها الإسلام عند اعتناق أصحاب تلك الثقافات والإثنيات له. فالإسلام الآسيوي، وخاصة الأفغاني والهندي والتركي، يختلف عن الإسلام العربي، وإسلام الأفارقة السود جنوب الصحراء، والزنوج الأمريكيين من أصول إفريقية الذين جاء أجدادهم ضمن ما عرف بالمثلث التجاري.
ولا يعني هذا أن الأمر يتعلق باختلاف في مضمون المعتقد، وإنما في التمثلات التي تصاحب عملية إدماج الدين الإسلامي في سياق اجتماعي وحضاري وثقافي ترسخ في الممارسة اليومية للجماعات، بل تلك الممارسات اللاواعية التي تشكل اللاوعي الجمعي. إذ لا يمكن، البتة، التخلص من عدد هام من الممارسات الثقافية الاجتماعية التي كانت سائدة قبل اعتناق الدين الجديد.
بالعودة إلي تاريخ الهجرة العربية الإسلامية في أمريكا، نلاحظ أن أحداث الحادي عشر من شتنبر من العام 2001 شكلت نقطة تحول خطير في صورة الإسلام، في الغرب عامة، وأمريكا تحديدا. بحيث ظهر سياق عام مختلف جعل من ”الإسلام“ و“المسلم“ و ”العربي“ مثلثا تسلط عليه الأضواء، وقد لعبت وسائل الإعلام دورا خطيرا في عملية الخلط التي جعلت هذا ”الثلاثي“ دالا لمدلول واحد هو ”الإرهاب“ والعنف.
فصار كل مسلم متهم، وصار المسلم ليس هو ذلك الرجل أو تلك المرأة التي لها مظهر يكشف انتماءها الديني، وإنما تم تنميط الملامح وصارت ملامح معينة تكفي كي تجعل من الشخص ”مسلما“ رغما عن أنفه. وهكذا تولد الإحساس لدى هذه الفئة بأنه غير مرغوب فيها، وإن إقامتها عابرة، وهي تشكل ”آخر“ المجتمع والثقافة والدولة الأمريكية.
صار المسلم، في مخيال الفرد الأمريكي العادي، ينتمي جغرافيا إلي الشرق الأوسط. أي إن جغرافية الإسلام هي الشرق. والشرق ”شرق“ الغرب الذي صنعته السرديات الاستعمارية. وهو خلط مقصود يؤدي وظيفته الإيديولوجية بصورة ناجعة.
إسلام مهاجر
يمكن القول أن الإسلام الأمريكي هو دين مهاجر بامتياز. وهذا يعني أنه يتميز باللاستقرار والقلق ومحاولة البحث عن امتدادات للتواصل مع ”الثقافة المهيمنة“ لأنه يرى نفسه (من خلال معتنقيه) أنه محكوم عليه، عقديا وثقافيا وتاريخيا وسياسيا، أن لا ينصهر في السياق المهيمن، بل هو إسلام حذر، يتعامل مع الواقع بخطوات محسوبة، ودور ممثليه هو أن يقنعوا الجهات الرسمية بأنه دين المحبة والتآخي والصدق والأمانة، وهو ما لم يتمكن أحد من البرهنة على ذلك لا تاريخيا ولا عمليا.
إن الإسلام الأمريكي إسلام خوف، وكل همه إثبات براءته من العنف وهو يسعى إلى أن يرهن حضوره بالابتعاد عن السياسة وعدم ممارستها. فهو من خلال الجامع يدعو إلى الابتعاد عن السياسة، لكنه من جانب آخر يحارب العلمانية، ويحلم بتطبيق الشريعة (كما أكدت دراسات واستطلاعات الرأي بين المسلمين) وانتشار الإسلام حتى يحكم العالم. وهو بذلك يمارس السياسة، وهذا ما تعيه الجهات الرسمية، التي تتعامل بحذر مع الخطاب الذي ينتجه قادة، أي أئمة، ودهاة الإسلام.
إنه إسلام تقلداني في عمقه وظاهره معا، يتلون بمؤثثات ”التحديث“، لكنه عاجز عن مسايرة الحداثة بالتخلص من النزعة التقديسية الطاغية على فهم أصحابه للدين. أي هناك التشديد على البعد السطحي للشعائر من غير أن يكون هناك أي اهتمام ببلورة أسئلة أو قضايا تطور ”القيم“ الإنسانية التي توجد في الخطاب الديني.
إنه إسلام التبرير، ويتسم بالزئبقية حتى يضمن لنفسه الحضور والاستمرار. وكل هدفه هو الانتشار. ولعل الاحتفاء الذي تقوم به الجالية الإسلامية حين يعتنق أحد الأمريكان الإسلام، وما يصحبه من ”تهليل“ وفرحة عارمة، يجلي بوضوح أن ”الكم“ هو الذي يهمهم، ويهمهم العدد، مهما كانت مستويات المعتنقين الجدد.
ولا يهتمون بالأفكار وما يجري من نقاش حول الدين، كفكر، وكنظرة، وكتراث، وتاريخ. والتأكيد على المتحولين دينيا، هو برهمنة واضحة -في اعتقادهم- على أنه حامل الحقيقة المطلقة وإنه دين ”التسامح“ والإقناع، والحجة الدامغة، بل إن اعتناق ”أمريكي -خاصة إذا كان من البيض“ هو -في نظرهم- انتصار لألوهية الدعوة الإسلامية، ناسين أن الهجرة المعاكسة تتزايد أعدادها بصورة ملفتة -سواء داخل الأقطار الإسلامية أو في المهاجر-.
ونظرا لوعي الإسلام الأمريكي العميق بالتنافي مع مجموع السياق العام الذي يحيا فيه، فإن العقل الإيماني لم يستطع تطوير ممارسته الطقوسية إلى قواعد الفضيلة والتقوى -على حد تعبير روسو- الذي يرى أن الدين الحق لم يتأسس من أجل ممارسة الطقوس، ولا من أجل ممارسة القهر، وإنما من أجل تنظيم حياة البشر استنادا إلى قواعد الفضيلة.
إنه إسلام يجتهد كي يجعل من نفسه خطاب أقلية مهمشة وأنه ”ضحية“ سياسة الإمبريالية، أي ضحية الغرب الحاقد، وضحية الهجمة الصليبية التي يعرف أصحابها أنه الدين الحق. ولأن الإسلام هو أعظم دين، وأكمله، والأصلح لكل زمان ومكان، فإنهم يسخرون طاقاتهم من أجل القضاء عليه.
وعليه فإن المسلمين، مثل باقي العرب، لم يتمكنوا من تطوير ”قضيتهم“ باعتبارها قضية إنسانية، وقضية حق، وعدالة اجتماعية، وقضية تعبير، وهوية ثقافية، بل عملوا بفعل قصور في الوعي على إفراغها من قيمتها الإنسانية والهوياتية السامية. وصارت مسيجة في إطار العنف والدفاع، والتشكي، والهزيمة.
تولد عن هذا الشعور أن الإسلام لا يشكل جزءا من الهوية الثقافية، وإنه ثقافة دخيلة وغير مرغوب فيها. لأن الاهتمام بالجانب الطقوسي يجعل منه ”خارج“ الفعل الثقافي العام، ويجعله لا يرقى إلى مستوى ”القيم“ الإنسانية المنفتحة على كل الثقافات، وهذا ما يتبدى من خلال اهتمام المسلم بالسياسة الخارجية الأمريكية ودورها في الصراعات، خاصة مايتعلق بتدخلها في القضايا التي ترتبط بالمجتمعات الإسلامية.
شعور بالذنب تجاه مجتمعاتهم التي ينتمون إليها. إذ من المستحيل أن تجد مسلما يتحدث عن أمريكيته. بل هو يفتخر بانتمائه لقطره وأممية الإسلامية. وهو شعور يخلق نزعة المساهمة في تقديم يد العون لبلدانهم، أو بالأحري لدينهم. وما دام أنه يتعذر عليهم التدخل سياسيا فإنهم يسلكون سبلا من الاحتيال، وهو احتيال يتخذ وجه سلوكات اجتماعية محكومة بالانتهازية والاستفادة بكل السبل من مساعدات الدولة وإمكانياتها المادية.
تقوية الشعور الديني واللغوي، ورفض الآخرين، وعدم الرغبة في التثاقف. وليس مفهوم ”التسامح“ سوى ترجمة واضحة لهذا الوعي. ذلك أن التسامح لا يعني المساواة. وهذا يعني أن أقصى ما يطمح إليه الخطاب الديني هو التسامح والحوار.
لهذا روج بصورة كبيرة لمفهوم ”حوار الأديان“ و ”التسامح“. في حين أن الخطاب الإسلامي مدعو لتجاوز هذه ”الإيديولوجية“ التبريرية، وأن يتحاور مع ذاته وخطاباته التراثية والتاريخية والثقافية. وإنه مدعو لتفكيك مفاهيمه والبحث في حفريات التخلف والتراجع ، والإنصات إلى نقد الآخرين.
فما يهم هو أن يجعل من وضعه القلق فرصة لتجاوز تلك ”الإشكالات“ المصطنعة التي لا تشكل مركز القضية، أي أن يبتعد عن ”السياسي“ وينخرط في ”الثقافي“ والفكري والتاريخ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.