ما زالت تداعيات أحكام السجن والتعويض في ملف محسن فكري، بائع السمك الذي قتل طحنا داخل آلية لجمع النفايات في 28 أكتوبر الماضي، مستمرة؛ إذ خرج دفاع المتهمين في القضية بمواقف تعتبر تلك الأحكام "مفاجئة وقاسية جدا بناءً على ما هو قانوني"، فيما تم التشديد على أن تأثيرا طال القضية بسبب الحراك الشعبي المستمر في إقليمالحسيمة. وكانت محكمة الاستئناف بالحسيمة وزعت، الأربعاء الماضي، أحكامها، التي من المرتقب أن تُستأنَف في جلسة قادمة، في حق المتهمين في قضية مقتل محسن فكري، بما مجموعه 47 شهرا من الحبس النافذ في حق سبعة متهمين، مع البراءة في حق أربعة آخرين. وتراوحت العقوبات الحبسية ما بين خمسة وثمانية أشهر. صابر الركراكي، محام بهيئة الرباط دفاع مندوب الصيد البحري الذي حكم عليه بالحبس النافذ لمدة 8 أشهر بتهمة "صناعة شهادة إدارية تتضمن وقائع غير صحيحة"، قال تعليقا على تلك الأحكام: "نبدي عدم الرضا عن المحاكمة برُمّتها، ولا نقول إنها غير عادلة، لكننا نؤكد بوقوع تجاوزات قانونية مثل عدم احترام سرية البحث وانتفاء قرينة البراءة"، مشددا على شق آخر، هو "الشق السياسي في الملف"، وأوضح قائلا: "الحراك الشعبي في الريف أثر كثيرا على مجريات المحاكمة ومارس ضغطا كبيرا". وتابع: "كدفاع المتابعين لسنا ضد المطالب المشروعة للحراك، لكن نرفض أن يتم ذلك على حساب واقعة مقتل الراحل محسن فكري ويكون هناك أكباش فداء؛ حيث كانت مجريات المحاكمة تذهب إلى إصدار أحكام بالمؤبد لأنها تأثرت بضغط الحراك"، مضيفا أنه "كان من المفترض أن تجري أطوار المحاكمة خارج مدينة الحسيمة، في مدينة محايدة، حتى تتم في أجواء عادية بعيدا عن أي ضغط، وتناقش القضية في إطارها القانوني الصرف". "الأحكام كانت مفاجئة لنا كدفاع وقاسية جدا بناءً على ما هو قانوني، فنحن غير راضين عنها بتاتا ولنا شوط آخر من المحاكمة في مرحلة الاستئناف"، يقول الركراكي، الذي سجل ما وصفه ب"محاولة تضخيم الملف وتوجيهه لتكون له أبعاد أخرى"، مشيرا إلى أن دفاع المتابعين تقدم أيضا، إلى جانب دفاع ذوي حقوق عائلة محسن فكري، بملتمسات استدعاء وزير الداخلية والفلاحة والصيد البحري، "بغرض إظهار الحقائق والإفادة في الملف، لكن طلبنا قوبل برفض المحكمة، رغم أن حضور المعنيين لن يقدم شيئا للملف؛ لأن الواقعة محلية وليس لها بعد وطني". وتوقف الركراكي عند اللجنة التي توبعت في الملف بجنحة "صناعة شهادة إدارية تتضمن وقائع غير صحيحة" بعد تكييف جناية "تزوير محرر رسمي" في حقها، وتضم كلا من مندوب الصيد البحري بالحسيمة والطبيب البيطري ورئيس مصلحة الصيد البحري بمندوبية الصيد البحري بالحسيمة وقائد وخليفة بباشوية المدينة، وقال إنهم حضروا بشكل قانوني إلى مقر الأمن الإقليميبالحسيمة، بطلب من الشرطة القضائية بناء على تعليمات تلقتها الأخيرة من النيابة العامة، "إثر ضبط مخالفة والعمل بالمتعين قانونا؛ حيث وقعوا على قرار إتلاف السمك بناءً على القانون؛ لأن السمك المحجوز تم إخراجه في فترة ممنوعة بناءً على قرار وزاري صادر عن وزارة الفلاحة والصيد البحري.. فالعملية برمتها قانونية". ويرى الركراكي أن دفاع المتهمين كان يتوقع البراءة، "من الناحية القانونية الخالصة، حتى إن ملتمساتنا في المرافعات لم تطالب بالاستفادة من ظروف التخفيف أو إعادة التكييف؛ لأن المتابعين لم يخرقوا أي فصل قانوني أثناء أداء مهامهم"، مضيفا أن هؤلاء "لم يثبت عليهم تزوير أي وثيقة أو غش بسوء نية، بل فقط طبقوا القانون، بمعنى أنهم لم يطلبوا رشوة أو تلقوا تعليمات من أي جهة لمضايقة الراحل ولم تكن لهم أية مصلحة شخصية سوى تنفيذ وتطبيق القانون". وخلص المحامي بهيئة الرباط إلى أن "الإشكال الحقيقي يبقى في العقلية التقليدية التي تسير بها الإدارة المغربية"، راصدا ما وصفه ب"فراغ قانوني وغياب تشريع يُنظم عملية الإتلاف والعمليات المصاحبة لها والعمل وفق إجراءات مضبوطة بالشكل السليم"، وفق تعبير صابر الركراكي. جدير بالذكر أن الأحكام همّت بالتفصيل الحبس النافذ لمُدّة 8 أشهر مع تحميل المحكوم عليهم الصائر، في حق كل من رشيد الركراكي، مندوب الصيد البحري بالحسيمة، وعبد المجيد أحمراوي، الطبيب البيطري، ومحمد شراف، رئيس مصلحة الصيد البحري بمندوبية الصيد البحري بالحسيمة، وجمال هادن، خليفة قائد بباشوية المدينة، بعد تكييف المتابعة التي سطرتها النيابة العامة من جناية "تزوير محرر رسمي" إلى جنحة "صناعة شهادة إدارية تتضمن وقائع غير صحيحة"، فيما تم إصدار حكم يقضي بتعويض تؤديه شركة التأمين وشركة النظافة، قدره حوالي 166 ألف درهم، لفائدة ورثة الراحل محسن فكري. كما قضت محكمة الاستئناف بالحسيمة بالحبس النافذ لمدة 5 أشهر بجنحة "القتل الخطأ" في حق كل من عبد الحق جبيلو، سائق شاحنة الأزبال التي قضى فيها الراحل محسن فكري، مع أداء غرامة 500 دهم لفائدة الخزينة، ومحمد بوشرافات، حارس قوارب الصيد، مع أداء تعويض قدره 33 ألف درهم لفائدة ورثة الضحية، وفريد بوداودي، المستخدم بشركة النظافة العامل على متن الشاحنة نفسها، فيما تمت تبرئة أحمد بنعبو، وهو قائد، وبوشعيب بدر الزمان، المستخدم بشركة "بيزورنو" الفرنسية المفوض لها تدبير قطاع جمع النفايات، وبوزيان المساتي، بائع سمك، وأيضا عبد الكريم السالمي، وهو مراقب بشركة النظافة.