عشرات العائلات لا تزال تبحث عن مصير أبنائها الذين حاولوا اجتياز "مقبرة المتوسط"، بهدف الوصول إلى أوروبا، تاركين وراءهم مستقبلا مظلما؛ منهم من عادوا جثثا هامدة، ومنهم من اختفوا بشكل نهائي عن الأنظار، مخلفين أمهات مكلومات وعائلات تنتظر بشوق أن يعود أبناؤها أحياء يرزقون أو محمولين داخل نعوش خشبية محكمة الإغلاق. الأرقام الرسمية تشير إلى أن 12 ألف مهاجر سري قضوا غرقا بالبحر الأبيض المتوسط منذ سنة 2014، البحر الذي بات يلقب ب"مقبرة المتوسط"، 5 آلاف و22 منهم فقدوا حياتهم خلال سنة 2016 فقط، حسب معطيات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيما يبقى معظم الغرقى مجهولي الهوية. وفي ظل هذه الأزمة الإنسانية التي تعيشها سواحل أوروبا، قام ائتلاف حقوقي مكون من عدد من الجمعيات بإعداد دليل عملي بأربع لغات، لدعم عائلات الموتى والمفقودين في رحلة البحث عن واقع أفضل، ويتعلق الأمر بالعائلات التي ترجح اختفاء أحد أفرادها في الطريق إلى إيطاليا، وهي الطريق التي لا تكون في الغالب مفروشة بالورود. الائتلاف الحقوقي، المسمى "بوت فور بيبول" (سفينة الشعوب)، يرى أن "هذه المآسي التي لا تحتمل هي انعكاسات للسياسات الأوروبية للهجرة، والتي تمنع الأشخاص من الوصول إلى أوروبا، الشيء الذي يدفعهم إلى اختيار مسارات محفوفة بالمخاطر". الدليل المتوفر باللغات الإيطالية والإنجليزية والعربية والتغرينية موجه إلى عائلات الضحايا على وجه الخصوص، ومن أهم التعليمات التي وردت فيه جمع أكبر قدر من المعلومات حول الشخص المبحوث عنه في أقرب وقت ممكن، بما في ذلك المعطيات المتوفرة حول رحلته، مع ما يقتضي من سرعة، ف"مع مرور الوقت يصير من الصعب الوصول إلى بعض المعلومات والأشخاص الذين يمكنهم المساعدة". الدليل ذاته ينصح عائلات الضحايا ب"ربط الاتصال مع الرفقاء المحتملين خلال سفر أقاربكم كذلك أسرهم"، على اعتبار "أنهم أول الأشخاص الذين يمكنهم مدكم بالمعلومات"، وفي حالة نجاح الأسر في ربط الاتصال مع من تتوفر فيهم هذه الصفات، من الأفضل، حسب الوثيقة نفسها، "الحصول على معلومات حول الأماكن التي نزلوا فيها بعد عبورهم البحر والجمعيات التي كانوا في تواصل معها لدى وصولهم". في هذه المرحلة بالضبط، يقترح الدليل العملي على العائلات المكلومة جمع معطيات كافية عن "المسار البحري المعلن أو المفترض، إضافة إلى المكان المرجح لوصول الشخص المبحوث عنه، والتاريخ والمكان الخاص بالإبحار، والتواريخ والأوقات ومضامين الرسائل التي تلقيتمونها من الشخص المبحوث عنه ورقم الهاتف الذي استعمله للاتصال بكم". بالنسبة إلى المعطيات المادية التي قد تساعد أسر المفقودين على إيجاد ذويهم، يتعلق الأمر ب"الأوصاف الجسدية، بما في ذلك العلامات المميزة من ندوب ووشوم، إضافة إلى الملابس والحلي التي قد يكون الشخص المبحوث عنه قد حملها معه، فضلا عن الصور، التي يفضّل أن يكون فيها الشخص مبتسما حتى يسهل التعرف عليه"، ومن المجدي أيضا توفير وثائق طبية حول عمليات جراحية أو فحوصات بالأشعة ومعلومات عن الأسنان". ومن أهم المعلومات الواردة في الوثيقة كذلك وجوب التحدث مع مختلف المسؤولين بإيطاليا. وفي هذا الصدد، يقترح الدليل اللجوء إلى نائب الجمهورية، بحيث "يجب أن تكون الشكوى لنائب الجمهورية المسؤول عن المدينة، حيث وصل الناجون أو وجد حطام السفينة أو انتشلت جثث الضحايا، كتابية فقط، ومحررة باللغة الإيطالية"، إلى جانب توفرها على كل المعطيات حول اختفاء الشخص المعني بالأمر. وفي حالة الموت غرقا في عرض البحر، ينبه الدليل إلى أن هذه الحالة تقتضي "فتح تحقيق يشرف عليه المدعي العام والشرطة، ولا يكون الهدف هو تحديد هوية الضحايا، بل تحديد ما إذا كان الأمر يتعلق بجريمة أو جنحة"، مبرزا عدم توفر "قاعدة بيانات مشتركة وخاصة، بالرغم من أنها الوسيلة الوحيدة التي تسمح للعائلات بالعثور على أقربائها المتوفين، حتى بعد مرور عدة سنوات، أو الحصول على معلومات عن ظروف اختفائهم".