مبدئياً لا أريد التعليق على اجترارات سياسة التبطين والارغاء في المغرب، فهي منذورة دائما لإعادة تأويل كل ممكنات الإطالة والتحجيم والإبدال المغيض. لكني أحاول هنا وضع علامات فارقة في مواجهة حالات الاستغباء التي تكرس خللا سيكولوجيا بين الحاكمين والمحكومين. أنا غاضب فقط، ولست يائسا من ضائقة التشرذم والاستقطاب التي نعيشها في مغرب اليوم. والغريب أن الحاكمين يتدافعون بالمناكب ليثبتوا عكس ما نذهب إليه تماما، من أن وحدة العقل الوطني تعيش في أبهى ما نطمح إليه، سعادة في رصيد العطاء التنموي وصرامة في القابلية لتطوير الحياة وطفرات تسارع الخطو لاعتلاء القمم ! المشكلات لا توجد في القاعدة المحكومة، ولا ينبغي إفراغها من مؤسساتها الحقيقية. فكثيرا ما يعلق الساسة البراغماتيون الفشلة على مسوغات هذا التأطير ، بلفت النظر لمستوى إغراق هذه المشكلات في المفاهيم الخاطئة، في السلوك الإداري والمالي والاقتصادي والتعليمي والصحي، وهلم جرا. بيد أن النظام الإنساني يفترض الوقوف عند قيم وأسباب هذه المشكلات، إذ إنها في الجوهر سيكولوجية أخلاقية أكثر منها اجتماعية أو غيرها. ولا نقيم أية روابط بين هذه النظريات، في ظل التعتيم المرصود والموجه، وتحت إيقاع جنوح حاقد للبروبغندا الرسمية، التي تزيح أسرار التقصير وبواطنه عن مآلات إخفاء الحقيقة وردمها. وخلافا لما يمكن التأسيس عليه، ينطلي علينا الاستغباء ومقرعة الباب بالباب، ولا نفطن للعودة المهدورة تحت وابل الشك والارتياب واتهام الأقدار وشل العقل عن تفكيك سؤال الأين والمتى والكيف؟!! صحيح أن الدولة تحاذر السقوط في مواجهة فظاعاتها واستلذاذها صون الاستبداد والانفراد بالقرار وتوسيع مدارات النفوذ. ولكنها في الآن ذاته تداهن بعنجهية وغلو وعناد استمرار سيطرتها على فكرة القناع، التي وصفها عالم الاجتماع البريطاني هانس كوغيرن صاحب كتاب" الدولة واللادولة : في حضن السيطرة الكبرى "، وصفها باليائس من التبرير، يعيد صياغة السيطرة لتكون أكثر ارتقاء في تلبسها بالقناع. لا أفهم استعلاء هذا الانموذج الفكري لحالة دولتنا العميقة، وهي تعيد الصراع على السلطة إلى بداية التأسيس. ولا أفهم كيف تواري سوءاتها وتعبث بتاريخ العقل المغربي. الأصل في الاعتقاد بين صدق الدولة من كذبها، أن المشاع في الاستبداد لا يكون من الفاعلين السياسيين، مهما كانت مسؤولياتهم مضاعفة. فهم مأمولون في الأغلب الأعم تنظيم الحياة المدنية والسياسية وتأطير الشباب وتطوير المهارات وتحفيز الحلقات الفكرية والسياسية على الإبداع والابتكار وتمكين العقل الجمعي من التغيير وبلوغ الحداثة والديمقراطية. الأخطاء الشائعة لدولة المخزن تكاد تغطي حقولا شاسعة من الرداءة السياسية، ومن القفز على بنية التأسيس الديمقراطي، أو الانتقال الديمقراطي على الأقل. من يخفي هزيمة وفشل تدبير ملفات الفساد المستشري في أتون ودهاليز الإدارات والمرافق الخدمية ومؤسسات الدولة المدنية المنتخبة والإدارية؟ من يعيق إصلاح العدالة والقضاء ويراهن على تنصيبه وتعليبه وتوجيهه بالريموت كونترول؟ من يصنع الدمى وقراقوشات الأحزاب الإدارية ويدعمها بالمال والعتاد البشري الانتهازي ويفسح لها الكراسي لاحتلالها بالنصب والاحتيال ويحولها لوحوش كاسرة ؟ الأسئلة التي لا يستسيغها الضمير الوطني، ولا تحجبها شمس الحقيقة، هي الفاعلة في صوتنا الجمعي، المتربصة بانحدارنا للهاوية، الكاشفة عوراتنا المنذورة للشؤم والعدمية. ما أقسى الكذب، وما أعتى الكذابين، يستطيعون الكذب مرات، لكننا حتما لا نصدقهم. إنما عندما يبالغون في استغبائنا ويصرون على تمجيد أكاذيبهم وتعليقها على مسوغات عاطفية بدرء الشبهات وتوسيم الحدود والقطائع، نباغثهم بالتاريخ وذاكرة الشعب ومضاء الحقيقة. فليس تمة ما يجعل الأخطاء متساوية في القابلية والضحايا، وكما يقول المثل عندما يوجد هناك العديد من الثمرات الفاسدة ، فهناك بالتأكيد أشياء خاطئة في البستان! [email protected] https://www.facebook.com/ghalmane.mustapha