بلكوش: المنتدى العربي الإفريقي للمقاولة وحقوق الإنسان تعزيز لمواصلة الشراكة والتعاون بين المنطقة العربية وعمقها الإفريقي    مشروع ضخم لطاقة الرياح يرى النور في العيون بشراكة مغربية إماراتية    المغرب وتركيا يتفقان على تعزيز التبادل التجاري وتوسيع التعاون الاقتصادي في ختام اجتماعات رفيعة المستوى بأنقرة    قطر توجه رسالة إلى الأمم المتحدة بشأن الهجوم الإيراني ضد قاعدة العُديد    إسرائيل تعلن رصد إطلاق صواريخ إيرانية بعد إعلان وقف إطلاق النار وطهران تنفي    العراق يعيد فتح مجاله الجوي بعد هدنة إيران وإسرائيل    مصر تعلن استئناف حركة الطيران بشكل تدريجي بينها والكويت وقطر والسعودية والإمارات    خورخي فيلدا يكشف عن قائمة المنتخب النسوي المشاركة في كأس إفريقيا    مونديال الأندية.. حكيمي يتوج بجائزة أفضل لاعب في مباراة باريس سان جيرمان وسياتل ساوندرز    الوداد يطمئن أنصاره عن الحالة الصحية لبنهاشم وهيفتي    قهوة بالأعشاب الطبية تثير فضول زوار معرض الصين – جنوب آسيا في كونمينغ    بورصة الدار البيضاء تفتتح تداولاتها على وقع الأخضر    كأس العالم للأندية .. الأهلي خارج المنافسة وإنتر ميامي يصطدم بباريس    بعد تداول أنباء إعفائها.. مديرة "أنابيك" توقع اتفاقية شراكة مع وزارة الشباب والثقافة    ترامب يعلن التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار شامل بين إسرائيل وإيران    وفد من مؤسسة دار الصانع في مهمة استكشافية إلى أستراليا لتعزيز صادرات الصناعة التقليدية المغربية على الصعيد الدولي    ميزانية الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها    كيوسك الثلاثاء | المغرب يستعد للتألق عالميا بخطة سياحية شاملة لمونديال 2030    رغم الخسائر الثقيلة.. إيران استسلمت والتزمت بوقف إطلاق النار أولًا قبل إسرائيل    "بي واي دي" الصينية تسرّع خطواتها نحو الريادة العالمية في تصدير المركبات الكهربائية    توقعات حالة الطقس اليوم الثلاثاء بالمغرب    النسخة السادسة والثلاثون من عرض الموضة Révélations صُنع في المغرب: تكريم للتميز في الإبداع المغربي    رمسيس بولعيون يكتب... البرلماني أبرشان... عاد إليكم من جديد.. تشاطاراا، برويطة، اسعادات الوزاااار    ميناء الحسيمة يستقبل أول رحلة في إطار عملية مرحبا 2025    بركة: 300 كيلومتر من الطرق السريعة قيد الإنجاز وبرمجة 900 كيلومتر إضافية    بين الآلي والإنساني .. "إيسيسكو" تناقش الجامعة في زمن الذكاء الاصطناعي    بركة: انقطاعات مياه الشرب محدودة .. وعملية التحلية غير مضرة بالصحة    الملك محمد السادس يؤكد للأمير تميم تضامن المغرب مع قطر    بنعلي: الحكومة تشتغل على تطوير البنيات التحتية للسيادة الطاقية المغربية    إيران ترد بقوة على اغتيال عالمها النووي    الدرك يقتحم "فيلا الماحيا" في الجديدة    الهلال السعودي يتواصل مع النصيري    جمعية تطالب بمنع دخول السيارات والدراجات إلى الشواطئ بعد حادث الطفلة غيثة    الحسيمة تترقب زيارة ملكية خلال الأيام المقبلة    فرنسا تجدد التأكيد على أن حاضر ومستقبل الصحراء "يندرجان بشكل كامل في إطار السيادة المغربية"    27% من القضاة نساء.. لكن تمثيلهن في المناصب القيادية بالمحاكم لا يتجاوز 10%    الذهب يرتفع وسط الإقبال على أصول الملاذ الآمن مع ترقب رد إيران    بوريطة يستقبل وزير الشؤون الخارجية القمري حاملا رسالة من الرئيس أزالي أسوماني إلى الملك محمد السادس    ياسين بونو يتوج بجائزة رجل المباراة أمام سالزبورج    إشكالية التراث عند محمد عابد الجابري بين الثقافي والابستيمي    بسمة بوسيل تُطلق ألبوم "الحلم": بداية جديدة بعد 12 سنة من الغياب    كأس العالم للأندية.. "الفيفا" يحتفل بمشجعة مغربية باعتبارها المتفرج رقم مليون    مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج تنظم المعرض الفوتوغرافي "أتيت من نظرة تَعْبُرُ" للفنان المصور مصطفى البصري    رأي اللّغة الصّامتة – إدوارد هارت    وسط ارتباك تنظيمي.. نانسي عجرم تتجاهل العلم الوطني في سهرة موازين    "تالويكاند" في دورته الرابعة.. تظاهرة فنيّة تحتفي بتراث أكادير وذاكرتها    هذه تدابير مفيدة لتبريد المنزل بفعالية في الصيف    موازين 2025.. الفنانة اللبنانية نانسي عجرم تمتع جمهورها بسهرة متميزة على منصة النهضة    موازين 2025 .. الجمهور يستمتع بموسيقى السول في حفل المغني مايكل كيوانواكا    كأس العالم للأندية 2025.. ريال مدريد يتغلب على باتشوكا المكسيكي (3-1)    موجة الحر في المغرب تثير تحذيرات طبية من التعرض لمضاعفات خطيرة    دراسة تكشف وجود علاقة بين التعرض للضوء الاصطناعي ليلا والاكتئاب    ضمنها الرياضة.. هذه أسرار الحصول على نوم جيد ليلا    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نقاش هادئ مع مناصري إعلان حالة الاستثناء
نشر في هسبريس يوم 22 - 08 - 2017

راجت على مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا، وخاصة بعد الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش، مجموعة من النقاشات التي تدافع أو تهاجم إمكانية إعلان "حالة الاستثناء" بمبررات مختلفة؛ وعلى رأسها العجز المؤسساتي الملحوظ في التفاعل مع أحداث الحسيمة، وأن حالة الاستثناء التي يمكن تفعيلها بتطبيق الفصل 59 من الدستور قد تكون جوابا مرحليا لإعادة التوازن المؤسساتي المطلوب لمباشرة الإشكالات الكبرى داخليا وخارجيا؛ كما ذهبت إلى ذلك الباحثة في القانون الدستوري شريفة لموير، التي نشرت مقالا مفصلا معنونا ب"أجوبة للمتسائلين حول ماهية "حالة الاستثناء" بالمغرب"، وهو مرافعة عن وجهة نظر محترمة –رغم اختلافي معها- تدافع عن إمكانية إعلان حالة الاستثناء لإعادة الأمور إلى مسارها الطبيعي.
وسنحاول في هذه المقالة مناقشة الأسس التي بنت عليها الباحثة وجهة نظرها، ومن خلالها المدافعين عن إمكانية إعلان حالة الاستثناء، بما يستوجبه النقاش الهادئ دون تنقيص أو تبخيس لوجهة النظر هذه التي نتحفظ عليها، وذلك من خلال تفكيك العناصر التي بني عليها الرأي المراد مناقشته قانونيا وسياسيا.
أولا: إعلان حالة الاستثناء ورفعها بقيا بالصيغة القانونية نفسها دون تغيير منذ دستور 1962
أكدت الباحثة في مقالتها المشار إليها أعلاه أن "التعاقد الدستوري الأخير غير في المبنى والمعنى، ويقتضي التسلح بزاد نظري ومعرفي بعيدا عن الفهم الكلاسيكي الذي بات لا يتلاءم مع الواقع". والحال أن الدستور الأخير في فصله 59 الذي ينص على أنه "إذا كانت حوزة التراب الوطني مهددة، أو وقع من الأحداث ما يعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية، يمكن للملك أن يُعلن حالة الاستثناء بظهير، بعد استشارة كل من رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، ورئيس المحكمة الدستورية، وتوجيه خطاب إلى الأمة.
ويُخول الملك بذلك صلاحية اتخاذ الإجراءات، التي يفرضها الدفاع عن الوحدة الترابية، ويقتضيها الرجوع، في أقرب الآجال، إلى السير العادي للمؤسسات الدستورية.
لا يحل البرلمان أثناء ممارسة السلطات الاستثنائية.
تبقى الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور مضمونة.
تُرفع حالة الاستثناء بمجرد انتفاء الأسباب التي دعت إليها، وباتخاذ الإجراءات الشكلية المقررة لإعلانها".
حافظ على الصيغة نفسها – في ما يخص حالة الاستثناء- التي كتبت بها كل الدساتير لسنوات 1962-1970-1972-1992-1996 التي تنص في الفصل 35 منها على أنه "إذا كانت حوزة التراب الوطني مهددة أو إذا وقع من الأحداث ما من شأنه أن يمس بسير المؤسسات الدستورية فيمكن للملك أن يعلن حالة الاستثناء بمرسوم ملكي بعد استشارة رئيسي المجلسين وتوجيه خطاب للأمة؛ وبسبب ذلك فإن له الصلاحية رغم جميع النصوص المخالفة في اتخاذ التدابير التي يفرضها الدفاع عن حوزة التراب ورجوع المؤسسات الدستورية إلى سيرها العادي.
تنتهي حالة الاستثناء باتخاذ نفس الإجراءات المتبعة لإعلانها"؛ وهو ما نبين بصدده ما يلي:
1- حالة الاستثناء مرتبطة بتحقق أحد الأمرين: إما أن يكون تهديد خارجي محدق بالبلد يستلزم تجميع السلطات وتوحيد الجهة المقررة للجواب على الظرف الطارئ، أو أن تقع أحداث داخلية تعرقل بشكل جلي السير الطبيعي للمؤسسات الدستورية بشكل يستلزم تدخل رئيس الدولة لتصحيح الوضع، أو أن يقع الأمران معا كما هو مشروط في الحالة الفرنسية التي تستلزم وجود تهديد خارجي حقيقي، وأن يمس هذا التهديد بالسير العادي للمؤسسات الدستورية.
2- النص الدستوري حدد شكليات إعلان حالة الاستثناء وكذلك شكليات رفعها التي هي نفس شكليات إعلانها، والمتمثلة في استشارة "رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، ورئيس المحكمة الدستورية، وتوجيه خطاب إلى الأمة"؛ وهو ما يبين أنه تم توسيع دائرة المؤسسات المستشارة فقط، التي كانت في الدساتير السابقة لسنوات 1962-1970 و1972 مقتصرة على البرلمان، لتشمل ابتداء من دستور 1992 رئيس المجلس الدستوري أيضا.
وهنا يمكن أن نطرح السؤال عن القيمة القانونية للاستشارة؟ هل هي ملزمة أم أنها مجرد إجراء شكلي ومسطري دون أن يكون لمضمونها أي أثر في قرار إعلان أو عدم إعلان حالة الاستثناء؟.
3- إعلان حالة الاستثناء منذ دستور 1962 لا يمكن معها حل البرلمان:
أكدت الباحثة المذكورة أن "المشرع الدستوري عمل على الإلزام بإبقاء البرلمان وعدم حله "أثناء ممارسة السلطات الاستثنائية"، وفق ما تتضمنه الفقرة الثانية من الفصل 59، وطرح السؤال حول سبب بقائه الناجم عن الخلط الذي يعترض البعض بين حالة الاستثناء في الدساتير السابقة ودستور 2011"، فهل حقيقة في الدساتير السابقة إعلان حالة الاستثناء يمكن معها حل البرلمان؟
إن الجواب هو النفي طبعا، لأن كل الدساتير منذ 1962 تنص على التالي: "تنتهي حالة الاستثناء باتخاذ نفس الإجراءات المتبعة لإعلانها". ومن الإجراءات المنصوص عليها في الإعلان استشارة رئيسي مجلسي البرلمان، فكيف يمكن استشارتهما لرفع حالة الاستثناء كإجراء شكلي دستوري مطلوب والبرلمان غير موجود؟ والحال أن ما وقع بعد 1965 هو إعلان حالة الاستثناء ورفعها بشكل غير دستوري، وليس بسبب أن الدستور يتيح إمكانية حل البرلمان أثناء سريان حالة الاستثناء؛ وهو ما تم تداركه منذ دستور 1992 الذي نص بشكل واضح لا يدع مجالا للشك والتأويل على أنه "لا يترتب على حالة الاستثناء حل مجلس النواب".
هذا يبين أن عدم حل البرلمان أثناء سريان حالة الاستثناء ليس مستجدا دستوريا، وأن الفصل المتعلق بحالة الاستثناء لم يطله أي تغيير باستثناء توسيع دائرة الفئات المستشارة لإعلان ولرفع حالة الاستثناء فقط.
4- ضمانات الحريات والحقوق أثناء سريان حالة الاستثناء:
سارعت الباحثة إلى طمأنة المتخوفين من إعلان حالة الاستثناء، واعتبرت أنها لا تمس بالحقوق والحريات المحمية بموجب الدستور الذي نص في الفقرة الثالثة من الفصل 59 على أن "تبقى الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور مضمونة". وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الدستور وليد سياق حركة 20 فبراير التي طالبت بتوسيع مجال الحرية والحقوق وعدم المس بها، لذا يمكن اعتبار النص تصريحا بالنوايا قد لا يجد طريقه إلى التفعيل، وهو ما أكد عليه الملك نفسه في خطاب العرش حين أكد أن النموذج الدستوري متقدم لكنه لا يطبق. كما تؤكده الأحداث اليومية المتعلقة بطرق فض التجمعات العمومية التي لم يسلم منها حتى رجال ونساء الإعلام في الحالة العادية، فما بالك أثناء حالة الاستثناء.
ثانيا: مناقشة الأسباب والمبررات المستند إليها لتبرير إعلان حالة الاستثناء
طرحت الباحثة ثلاثة أسباب شكلت في نظرها مبررات موضوعية لتفعيل المقتضى الدستوري المتعلق بحالة الاستثناء، وهي "حراك الحسيمة، والتزامات المغرب تجاه إفريقيا، ثم تعطيل آليات الرقابة لإثارة المسؤولية السياسية للحكومة".
1- هل يشكل حراك الحسيمة تهديدا حقيقيا بتعطيل المؤسسات الدستورية يستوجب إعلان حالة الاستثناء؟
الجواب في نظرنا هو لا، لأن المغرب عرف بعد آخر حالة استثناء التي رفعت بدستور 1972 اضطرابات اجتماعية أخطر من حراك الحسيمة، خاصة سنوات 1984 و1990 التي عرفت استعمال الرصاص وسقوط قتلى؛ بل إن حوزة التراب الوطني كانت مهددة بسبب الحرب مع جبهة البوليساريو التي لم يتم الاتفاق معها على وقف إطلاق النار إلا سنة 1990.
كما عرف المغرب بعدها عدة مخاطر داخلية، أهمها الأحداث الإرهابية لسنة 2003 بالدار البيضاء، ومخيم اكديم ايزيك سنة 2010 بالعيون، والذي سقط فيه قتلى من الجنود المغاربة، وآخرها حركة 20 فبراير التي اجتاحت كل مدن المغرب...ورغم ذلك لم يتم إعلان حالة الاستثناء ولم تتم المطالبة بها. بل إن تحدي استرجاع الصحراء هو الذي خلق الإجماع وأعاد المسلسل الديمقراطي والانتخابي من جديد سنتي 1976 -الانتخابات المحلية- و1977 -الانتخابات التشريعية-. بمعنى آخر لقد شكل الخطر فرصة لإعادة وإحياء وتوسيع فضاء الديمقراطية وليس خنقها.
2- الوفاء بالتزامات المغرب تجاه أفريقيا في حاجة إلى مؤسسات قوية أم إلى حالة استثناء؟.
هنا يمكن طرح السؤال: هل الحكومة فاعل مستقل على مستوى العلاقات الخارجية أم أنها تابعة للسياسة التي يرسمها الملك أساسا؟ إن المتتبع يلاحظ أن السياسة الخارجية مجال محفوظ للملك، بل حتى وزير الخارجية هو شخص تقنوقراطي تدرج في الإدارة وليس في الأحزاب السياسية، والعلاقات الخارجية تكاد تكون المجال الأكثر احتكارا من لدن الملك، على اعتبار أن عودة المغرب إلى إفريقيا زكته مختلف الأطراف السياسية، وبالتالي فالوفاء بالتزامات المغرب تجاه القارة السمراء لا يمكن أن يكون مبررا لإعلان حالة الاستثناء، بل إنه يحتاج إلى تحريك وتعبئة كل أدوات الدبلوماسية الرسمية والموازية، وهو ما لا يمكن أن يتم إلا في ظل بنية ديمقراطية حقيقية وليس ضمن حالة الاستثناء.
3- ما مدى صحة تعطيل آليات الرقابة لإثارة المسؤولية السياسية للحكومة؟.
ذكرت الباحثة في هذه النقطة أن "الطبقة السياسية عموما طبقة هشة، وهشاشتها تفسر أن واقع الانشطار بين الفرقاء السياسيين وداخل القواعد الحزبية حال دون لعبها دورها الأساسي كواسطة بين الدولة والمجتمع... وتسييس القضية عطل الآليات الطبيعية لتحريك المسؤولية السياسية، فعجز البرلمان بغرفتيه عن تشكيل لجان تقصي بسبب الصراعات داخل الأغلبية والمعارضة، ما حال دون تحريك المسؤولية، سواء منها الفردية بالنسبة لأعضاء الحكومة، أو الجماعية بالنسبة للحكومة ككل."
صحيح أن حراك الريف ساهم في تعميقه غياب الحكومة، وليس الصراعات بين حزبين، لأن المجال السياسي بطبعه هو مجال خلافي/صراعي وليس بالضرورة توافقي؛ لكن القول إن هذا الواقع عطل تحريك المسؤولية وتشكيل لجان تقصي الحقائق فيه نوع من التسرع.. لماذا؟
أولا: إن القانون التنظيمي رقم 085.13 المتعلق بطريقة تسيير اللجان النيابية لتقصي الحقائق لم يحصر تشكيل لجان تقصي الحقائق على مجلسي البرلمان فقط، بل يمكن أيضا للملك اتخاذ مبادرة تشكيلها، إذ تنص المادة الثانية على أنه "يمكن أن تشكل بمبادرة من الملك أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب أو ثلث أعضاء مجلس المستشارين، لجان نيابية لتقصي الحقائق..." وهو ما ينفي أن هناك تعطيلا للآليات الطبيعية لتحريك المسؤولية السياسية عن طريق تشكيل لجنة نيابية لتقصي الحقائق بسبب الصراع الموجود بين حزبين.
ثانيا: إن المانع من تشكيل لجنة نيابية لتقصي الحقائق هو قانوني وليس سياسي؛ ذلك أن الوقائع التي يمكن تشكيل لجنة نيابية بشأنها هي محل بحث قضائي لازال ساريا، والقانون التنظيمي يمنع تشكيل لجنة نيابية بشأن وقائع هي محل متابعات قضائية، إذ تنص الفقرتان الثالثة والرابعة من المادة الرابعة من القانون التنظيمي رقم 085.13 المتعلق بطريقة تسيير اللجان النيابية لتقصي الحقائق على أنه "لا يمكن أن يكون طلب تشكيل لجنة تقصي الحقائق موضوع مناقشة إذا أفاد رئيس الحكومة بأن المتابعات القضائية فتحت في شأن الوقائع التي أسس عليها الطلب. وتوقف المناقشة فورا إذا كان قد شرع فيها.
لا يجوز للمجلسين تشكيل لجنة لتقصي الحقائق بخصوص نفس الوقائع، كما لا يجوز لهما ذلك عندما تكون هذه الوقائع موضوع متابعات قضائية، طالما أن هذه المتابعات جارية. وتنتهي مهمة كل لجنة، سبق تشكيلها، فور فتح تحقيق قضائي في وقائع معينة أو في تدبير مصلحة أو مؤسسة أو مقاولة عمومية كلفت بالتقصي في شأنها".. انتهت المادة. فهل يجوز إذن من الناحية القانونية تشكيل لجنة لتقصي الحقائق والحال أن الملف بين يدي القضاء؟.
ختاما، إن التخوف من إعلان حالة الاستثناء تخوف مشروع، مرتبط أساسا بالصورة السلبية التي تكونت على حالة الاستثناء في السابق، بسبب الممارسات التي وقعت أثناءها رغم الضمانات القانونية المتوفرة. كما أن الأسس القانونية والوقائع المادية التي بنى عليها المدافعون عن حالة الاستثناء رأيهم تبقى غير مقنعة –من وجهة نظري- وبالتالي فإن الحل لا يمكن أن يتأتى بإعلان حالة الاستثناء، بل يكمن في ضرورة توسيع فضاء الديمقراطية وتقوية دور الأحزاب السياسية والمؤسسات المنتخبة، وتطبيق الفصول الدستورية المتعلقة بربط المسؤولية بالمحاسبة، وضخ دماء جديدة في المشهد السياسي ورفع اليد عنه وجعله يخلق مجاله وديناميته الخاصة. أما حالة الاستثناء فهي رسالة سلبية للخارج وخاصة إفريقيا، وتضع الاستثناء المغربي على محك أسئلة حقيقية ومحرجة للبلد ولمساره.
* باحث في القانون العام والعلوم السياسية الرباط/أكدال


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.