الذهب يتجاوز 3900 دولار للأوقية لأول مرة بفضل زيادة الطلب على الملاذ الآمن    رئيس الوزراء الفرنسي يستقيل بعد ساعات من إعلان تشكيلة حكومته        ضحايا زلزال الحوز يعلنون استئناف الاحتجاجات بعد تجاهل الحكومة لمطالبهم    البنك الدولي يقترب من الاستحواذ على قطعة أرضية بالرباط مخصصة لتشييد دار للشباب    أمريكيان وياباني يفوزون بجائزة نوبل للطب لعام 2025    حين تنحسر حرية التعبير... يسهل قلب المفاهيم    12 عرضا مسرحيا من 10 دول في الدورة الثالثة لمهرجان "جسد" بالرباط    حصيلة قتلى انهيار مدرسة في إندونيسيا ترتفع إلى 54 شخصا    "أشبال الأطلس" يصطدمون بكوريا الجنوبية في ثمن نهائي المونديال    منظمة "تجمعية" تشيد بإصلاح الصحة    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    انطلاق أسبوع جوائز نوبل بإعلان الطب    معاً ‬و ‬سوياً ‬وفوراً ‬لمعالجة ‬أعطاب ‬الحكامة ‬الترابية ‬في ‬دلالاتها ‬الواسعة    من أصول مغربية.. نعيمة موتشو تتولى وزارة التحول والوظيفة العمومية في فرنسا    مناورات شرقي 2025.. تعاون عسكري مغربي فرنسي لتعزيز الأمن الإقليمي ومواجهة التهديدات العابرة للحدود    الصين تفعل استجابة طارئة بعد اجتياح الإعصار "ماتمو" لمقاطعتين جنوبيتين    استقالة الحكومة الفرنسية بعد يوم واحد من تشكيلها    ‮«‬التعاقد ‬الاجتماعي ‬مع ‬الشباب‮»‬ ‬في ‬صلب ‬لقاء ‬شبابي ‬هام ‬ترأسه ‬الأستاذ ‬نزار ‬بركة ‬الأمين ‬العام ‬لحزب ‬الاستقلال    الزلزولي يقود بيتيس للفوز على إسبانيول (2-1)    مدرب آيندهوفن: "أنس صلاح الدين لاعب ممتاز ويقدم أداءً رائعا"    القنصلية المغربية بباستيا تشارك في احتفالية الذكرى 82 لتحرير كورسيكا    حزب التقدم والاشتراكية.. أطول إقامة في وزارة الصحة وأقصر مسافة نحو الإصلاح    جيل "Z212" المغربي يرفع صوته: حب للملك ورفض للفساد في رسالة وطنية تهزّ مواقع التواصل    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين بالمغرب    نقلة ‬نوعية ‬حقيقية ‬في ‬الترسانة ‬القانونية ‬المغربية ‬لمكافحة ‬الاتجار ‬بالبشر    كيوسك الإثنين | الحكومة تشهر "سيف" الاقتطاع من المنبع لمكافحة التهرب الضريبي        المغرب ‬ينتصر ‬في ‬بروكسيل ‬ويكرس ‬الاعتراف ‬الأوروبي ‬بمغربية ‬الصحراء    التصعيد ‬يشتد ‬بين ‬الصيادلة.. ‬ الكونفدرالية ‬تهدد ‬الفيدرالية ‬باللجوء ‬للقضاء ‬        محمد أوجار: احتجاجات الشباب تمرين ديمقراطي يؤكد نضج الأجيال الجديدة بالمغرب        عملية إطلاق نار في سيدني تسفر عن سقوط 20 جريحاً                        منصة "إنستغرام" تمنح المستخدمين تحكما أكبر في المحتوى المقترح    مباراتان وديتان للمنتخب المغربي لأقل من 17 سنة أمام نظيره السينغالي يومي 9 و 12 أكتوبر في دكار    البطولة: الجيش الملكي يلتحق بركب المقدمة بانتصاره على أولمبيك آسفي    الدورة ال16 لمعرض الفرس بالجديدة استقطبت حوالي 150 ألف زائر    وهبي: الهزيمة أمام المكسيك "درس"        محمد الريفي يعود بديو مع "أورتيجا"    القضاء الأمريكي يحكم بحبس نجم الهيب هوب ديدي    العلماء يدرسون "التطبيب الذاتي" عند الحيوانات    فقدان حاسة الشم بعد التعافي من كورونا قد يستمر مدى الحياة (دراسة أمريكية)    علماء يجددون توصيتهم بالتقليل من اللحوم في النظام الغذائي    حمية الفواكه والخضراوات والمكسرات "قد تمنع" ملايين الوفيات عالميا    وزارة الأوقاف تخصص خطبة الجمعة المقبلة: عدم القيام بالمسؤوليات على وجهها الصحيح يٌلقي بالنفس والغير في التهلكة    عندما يتحول القانون رقم 272 إلى سيفٍ مُسلَّط على رقاب المرضى المزمنين        بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معنى الفلسفة في العصر الراهن
نشر في هسبريس يوم 18 - 09 - 2017

الفلسفةُ قبل كل شيء ليست هدفا، بل هي قدرٌ محتُوم، كما أن الفلسفة ليست لها أنياب ولا أظافر، غير أن الفلسفة تَعْرِفُ من أين تؤكَلُ الكتِف.
إِنَّ ما يَقَعُ الآنَ في حَلَبٍ وتَفْجيرُ العِراقِ، وإِتْلافُ البَشَرِ والحَجَرِ والشَّجَرِ في هيروشيما، وأماكن أخرى، تَجْعَلُنا أمامَ كائِنٍ مُخْجِلٍ بِنَذالَتِهِ وحَقارَتِهِ وخَساستهc'est la honte d'être un homme . الخَجَلُ مِنْ وَحْشِيَّةِ الإِنْسانِ هُوَ المُبَرِّرُ الأَساسِيُّ لِضَرورَة الفلسَفَةِ والأَدَبِ والفنونِ. وَلَقَدْ عَبَّرَ عَنْ ذلكَ الكَاتِبُ الإيطالِيّ "بْريمو ليفي" فَوْرَ خُروجِهِ مِنْ مُعَسْكَراتِ الإِبادَةِ الناَّزِيّةِ. إِنَّ مُبَرِّرَ الفَلْسَفَةِ والأَدَبِ والفُنونِ هُوَ مُقَاوَمَةُ وَحْشِيَّةِ البَشَرِ والدِّفاعُ عَنِ الحَياةِ وَتَحْريرها مِنْ اسْتِبْدادِ شَهْوَةِ الاسْتِعْبادِ والقَتْلِ.
لقد عَملَتْ الفَلْسَفَةُ منذ نَشْأَتِها على الدِّفاعِ عن الحياةِ وتَحْريرها، إن الفلسفة ليستْ اختيّارًا مِنْ بَيْنِ اخْتِيّاراتٍ أُخْرى، بل هي ضَرورَةٌ قُصْوى ومُسْتَعْجَلَة.
الفلسفة أوّلاً هي مُقاوَمَةٌ وَصِراعٌ ضدّ التّفاهة والوضاعة والانحطاط على مستوى الفكر والحياة معاً. تاريخ الفلسفة هو تاريخ المقاومة. فَمِن سقراط الذي ضحّى بحياته من أجل معرفة الحقيقة، وقول الحقيقة عن الذّات، ومقاومة خطر نسيان الذّات، إلى أرسطو الذي قسّم القضايا إلى: صادقة وكاذبة، فتلخّص منطقه في مقاومة الكذب، إلى ديكارت الذي قاوم الخطأ ووضع قواعد بسيطة، واضحة ومتميّزة للعقل، ثمّ كانط الذي قاوم القُصُور والوِصَايَة… ثمّ تظهر الفلسفة مُقاوَمَةً للوهم وبعد ذلك ضدّ الإيديولوجيا، الخ... مقاومة النّسيان والكذب والخطأ والوهم والقصور والوصاية والإيديولوجيا وغير ذلك، هي محاولات تحصين الفكر والحياة من التّفاهة والوضاعة والانحطاط.
الفلسفة هي قبل كلّ شيء صداقة ومحبّة وعشق: Philo، هذا النّزوع العشقي هو ترسيخ علاقات الصّداقة بين الفلسفة والأدب والفنون، والفلسفة هي فعاليّة إبداعيّة مهمّتها إنتاج وخلق وإبداع المفاهيم، أي إضفاء قيمة ومعنى على حياة الأفراد والشّعوب، ويشكّل إنتاج المعاني والقيّم المنسوبة إلى الحياة مسألة أساسيّة؛ ذلك أنّ إنتاج المعنى والقيمة ليس مسألة عرضيّة بل هو جوهر الحياة ونمط الوجود نفسه. ولِكُلٍّ المعتقدات والقيّم والأفكار التي يستحقّ، فالمعاني والأفكار والتّقييمات مرتبطة بطرق الوجود وأساليب الحياة، فهي ليست صُدْفَة أو هبة، بل إنّها تُكتسب بالاستحقاق. فكما أنه لا بدّ للشَّعْب من جنودٍ ينتجون الأمن والسّلام وجنود ينتجون المأكل والمسكن، فلابدّ له أيضاً من جنود ينتجون المعنى والقيمة والفكرة.
لم نتعلم التحية لا في المجتمع ولا داخل الوسط العائلي بل تعلمتها من الفلسفة، فإذا التقى فيلسوفان اكتفيا بالتحية، وأصبحت الفلسفة ترافقني منذ الصباح إلى غروب الشمس، وكل يومِ يحمل في طَياتِهِ نوعا من السخرية، فلا جدوى من دراسة الفلسفة إن لم تسخر من نفسك.
كون الفلسفة هي فن تشكيل وابتكار وصنع المفاهيم، يعني أن هناك ضرورة لذلك. فالفلسفة ليست تأمُّلاً Contemplation، ولا تفكيرا Réflexion، ولا تواصلا Communication، حتى وإن كان لها أن تعتقد تارة أنها هذا وتارة أنها ذاك، الفلسفة هي: حُبُّ وعشق وصداقة: Philo- الحكمة Sophie، إن الأصل الإغريقي للكلمة يدل على ذلك (Philo - sophie هذا النزوع العشقي الذي تنطوي عليه الفلسفة يدفعنا إلى التفكير في المعشوق أو في الصديق والحبيب الذي هو الحكمة. يتساءل جيل دولوز:
"ما معنى الصديق حين يصبح شخصية مفهومية أو شرطا لممارسة الفكر؟ ألا يعني ذلك أن الصديق سوف يُدْرِجُ حتى في الفكر، علاقةً حيوية مع الآخر الذي اعتقدنا إقصاءه من الفكر الخالص؟ أوَ لا يتعلق الأمر بكائن آخر غير الصديق والعاشق؟ لأنه إذا كان الفيلسوف هو صديق الحكمة أو عاشقها، أفليس ذلك راجعا إلى كونه يدّعي هذا الأمر ببذل المجهود على مستوى القوة بدل امتلاكها بالفعل؟ ألن يكون الصديق كذلك هو الراغب، والموضوع الذي تحصل عليه الرغبة هو الذي سيقال عنه إنه الصديق، وليس الموضوع الثالث الذي قد يغدو على العكس منافسا؟ ألا يمكن للصداقة أن تنطوي على حذر تنافسي مقابل الند بقدر ما تنطوي على نزوع عشقي نحو موضوع الرغبة؟ إن الصداقة والحب والفلسفة دائما في حالة ترادُف".
لقد كانت بركة الشيخ أو الفقيه حاضرةَ بقوة منذ القِدم، ولكن جاءت الفلسفة لتُهدّم مداميك الخرافة والوهم، والفلسفة أيضا نجدها تتجذرُ وتتأصل في الأدب والرسم والموسيقى إلى غير ذلك. إن الفلسفة هي جذرُ الأدب فجميع الفلاسفة أدباء وجميعُ الأُدباء فلاسفة. الفلسفة هي معجِزةُ لن تتكرَرَ أبدا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.