كارثة إنسانية تلك التي عرفتها منطقة النقوب بإقليم زاكورة، أمس الاثنين، بعدما اهتزت على وقع وفاة شخصين، أحدهما قاصر، إثر الانهيار الجزئي الذي تعرض له أحد المناجم بالمنطقة وبداخله ثلاثة عمال يعملون في استخراج معدن "البارتين". وقد تم انتشال جثتي الضحيتين من تحت الأنقاض بعمق ثمانية أمتار، فيما نجا العامل الثالث من الموت. وخلفت هذه الفاجعة الإنسانية صدمة قوية في نفوس عائلات الضحايا، وساكنة إقليم زاكورة عموما، وعم الغضب موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وأقدم عدد من النشطاء على نشر تدوينات يستنكرون من خلالها تشغيل الأطفال القاصرين في الأعمال الشاقة والتزام الجهات المسؤولة الصمت أمام هذه الظاهرة المنتشرة بالمنطقة، وطالبوا بضرورة فتح تحقيق نزيه في هذه الفاجعة لينال كل واحد جزائه. ودخلت تنسيقية محلية أطلقت على نفسها "تنسيقية شباب حوض المعيدر للكرامة" على خط هذه الفاجعة، وأصدرت بيانا عبرت فيه عن تضامنها مع الأسر المكلومة، مشيرة إلى أن الضحايا كان همهم هو توفير لقمة العيش لأسرهم، واعتبرتهم "ضحايا لقمة العيش وسياسات الدولة تجاه أبناء المعيدر التي تتسم بعدم الجدية في التعامل معهم"، معلنة "رفضها القاطع لسياسة التجويع والتحقير الممارسة في حق ساكنة المنطقة من طرف الدولة"، وفق بتعبير البيان. وطالبت التنسيقية، في بيانها الذي تتوفر هسبريس على نسخة منه، السلطات الإقليمية بزاكورة، ووزارة الطاقة والمعادن، ب"ضرورة فتح تحقيق في الفاجعة المذكورة، وتقديم المتورطين أمام العدالة"، معلنة "رفضها تشغيل الأطفال القاصرين بمناجم الموت"، واستعدادها ل "تنظيم مسيرات شعبية موحدة بالمنطقة لرد الاعتبار لأسر الضحيتين"، وكذا "رفضها محاولة بعض الجهات الضغط على أسر الضحيتين للتنازل لصاحب الشركة"، كما جاء في نص الوثيقة ذاتها. وفي تصريح للعامل الناجي في الفاجعة ذاتها، المسمى "عبد القادر الرمدي"، أكد أنه بعد الفترة الزوالية من نهار أمس، نزل كما العادة إلى أسفل المنجم رفقة الضحايا من أجل العمل على استخراج البارتين، وقال بنبرة تغلب عليها الدموع: "بعد فترة من العمل، أحسست بتحرك المنجم ومكثت في مكاني، فيما لم يتمكن الضحايا من الخروج ووقع عليهم الجزء المنهار". المتحدث الذي صادفته هسبريس خلال اتصالها به في مركز الدرك الملكي بالنقوب للاستماع إلى شهادته في محضر رسمي، أضاف أنه بعد سقوط المنجم على رؤوس الشابين، تمكن من الصعود وحده إلى الأعلى وجرى إخبار السلطات المحلية بالواقعة، مشيرا إلى أن طول المنجم ثمانية أمتار، وعمقه ستة أمتار. وذكر المتحدث أن الضحايا بدؤوا العمل لدى صاحب الشركة منذ ثلاثة أيام بأجر يومي قدره مائة درهم، مفيدا بأن صاحب الشركة لم يتصل به إلى حدود اليوم من أجل الاطمئنان على حالته الصحية أو تقديم واجب العزاء في زميليه، مبرزا أن العمل بمناجم البارتين "كله مخاطر، لأن أغلب الشركات لا تؤمن عمالها ولا تؤدي لهم واجباتهم لدى صندوق الضمان الاجتماعي"، ملتمسا "ضرورة إنصاف أسرتي الضحيتين وتقديم يد المساعدة والعون لهما لتجاوز هذه المرحلة"، وفق تعبيره. وأكد الرمدي، في الاتصال الهاتفي ذاته بهسبريس، أن الشركات التي تستغل مناجم البارتين تتهرب من أداء واجبات العمال، وتقوم بتشغيلهم شهرا أو شهرين وتطردهم لتفادي مطالبتها بحقوقهم، مشيرا إلى وجود شركات تشغل أشخاصا لسنوات لكنها لا تؤدي الواجبات الضرورية لدى صندوق الضمان الاجتماعي، داعيا "الجهات المسؤولة إلى ضرورة مراقبة هذه الشركات وحماية حقوق العمال".