ألاحظ دائماً مشاهد الحروب القائمة بين "العْكوزة" و"العروسة"، وكل طرف يعتبر نفسه ضحية الطرف الآخر. أرى العروس تبكي وتشتكي: "ماكَنْخْلّي ماكَنْكْبّْرْ بِها وْهِي هِكَتْنْكّْدْ عْلْيَّ وْتْحْرّْرْلي العيشة". وفي المقابل أرى "العْكوزة" هي الأخرى تشتكي: "بنت الحرام ماكَتْخْلّي ماكَدّيرْ لِيَّ"، مؤكدة أنها "عكوزة" مثالية: "أنا مَشي مْن دوكْ النوع دْيالْ العْكايْز، أنا داخلة سوق راسي". إذاً كيف لنا أن نحل هذا اللغز القائم في العلاقة بين العروس و"العكوزة"، إذ يرى كل طرف منهما نفسه "إنساناً طيباً ومختلفاً عن الآخرين"؟، ومن نصدق، العروس التي تصف "العكوزة" بِ"الشيطانة الكبيرة"، أم "العكوزة" التي تنعت العروس بِ"بنت الحرام على فْعايْلْها"؟. 1- كلا الطرفين على حق إن الإشكالية الحقيقية ليست البحث عمن هي أقبح أو أطيب من الأخرى.. "هَدي الله يْعْمّْرْها دارْ وْ هَدي قْبيحة"، لأن هذا البحث خاطئ من أساسه ويزيد في لهيب الحرب العائلية. الإنسان كائن ناقص بطبيعته ولا أحد يمكن اعتباره بشكل مطلق أفضل من الآخر. كما أن لكل إنسان إيجابيات عديدة. ولهذا يمكن وصف كلا الطرفين بأنهما على حق، لكن لا يجب أن يتطور الوصف إلى حكم يقضي على الآخر. 2- انعدام المُساءلة النفسية في ثقافتنا المغربية يغيب النقد الذاتي، فأمام كل مشكلة لا يبحث الفرد عن قدر مساهمته فيها، بل يبحث عن قدر مساهمة الآخر انطلاقا من مبدأ "أنا عاطْيها التِّقارْ وْ هِيَ طارْتْ عْلِيَّ بْحالْ العفريت".. ولهذا لا يدرك الفرد أخطاءه الشخصية، بل يبرز ويعظم أخطاء الآخر. 3- الاحتكاك اليومي لا يسلم من النزاعات أمر طبيعي حدوث النزاع كلما تواجدت مجموعة من الناس للعيش في فضاء واحد مشترك، لأنه ستقع احتكاكات كثيرة ستولد بدورها شرارة النزاعات، وهذا أمر لازم ومن طبيعة ديناميكية المجموعة. وهذا لا يعني أن هناك إنساناً طيبا وآخر شريرا. إن ظروف العيش هي التي خلقت هذه الديناميكية. 4- المنافسة اللاشعورية حول "الابن-العريس" تعتبر العروس أن العريس مِلكها ويجب أن يفضلها على الجميع، وفي الوقت نفسه تعتبر "العكوزة" أن ابنها العريس ملكها الأصلي، وهي التي ضحت براحتها من أجله ليصبح رجلا وتأتي لها في الأخير "واحْدْ اللّْفْعَة وْ تاخْدو لِها". 5- غياب ثقافة تحضير العروسين لاستقلاليتهما في ثقافتنا لا تُحضر الأم أطفالها كيف يصبحون يوما مستقلين عنها، وكيف يتعاملون مع أزواجهن أو زوجاتهم لتحقيق السعادة الأسرية. على عكس هذا، تكرس الأم التحسيس بالذنب لدى أبنائها "اِوا شْحالْ تْعْدّْبْتْ عْليكُمْ وْ ما بْقيتوا كَدِّوْها فِيّا مْلّي كْبْرْتو"، ما يخلق منافسات بين أجيال من "العْكوزات" و"العروسات" لا يسلم منها بيت. 6- أبناؤنا ليسوا "رواتب شهرية" في ثقافتنا يُعتبر الأبناء استثمارا للتقاعد ومصدر دخل مستقبلي، ولهذا تعودت العديد من الأسر على كثرة الإنجاب، لأن كثرة الأطفال تزيد من حظوظ نجاح الاستثمار فيهم. وكثيراً ما أسمع الأمهات يرددن هذه العبارة "هِبْدا يْخْدْمْ جاتْ طارْتْ بِهْ المْسْخوطَة"؛ بمعنى آخر أن العروس لم تترك الفرصة ل"العكوزة" لتستغل راتب أو مدخول ابنها بعض الوقت قبل الزواج. *خبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي