المفتش العام للقوات المسلحة الملكية يستقبل قائد قوة البعثة الأممية بالأقاليم الجنوبية للمملكة    تنزيلا للتوجيهات الملكية الصادرة عن المجلس الوزاري الأخير.. الحكومة تعلن برنامجا لدعم مربي الماشية وإعادة تشكيل القطيع الوطني    إجهاض محاولة لتهريب شحنة قياسية من الأقراص المهلوسة بالبيضاء    "البيجيدي" يحمل الاتحاديين مسؤولية إفشال مبادرة تقديم "ملتمس الرقابة"    فشل مدوٍ للنظام العسكري الجزائري في القمة الوزارية الأوروبية – الإفريقية: تهميش صريح لممثل البوليساريو    العلمي يلتقي بوزيرين من سلوفاكيا    استقبال سيء لنهضة بركان بزنجبار    موريتانيا تغلق "لبريكة" البوابة الخلفية لتسلل البوليساريو نحو المنطقة العازلة.    مقام النصر    ضحكٌ بهوية هجينة: مسرح الجيل الثاني في إيطاليا    بعدما كان مديرا بالنيابة.. المصادقة على تعيين أحمد مغني على رأس "ENCG" بطنجة    بايتاس: تنزيل العقوبات البديلة يستهدف حماية الحقوق والتخفيف على السجون    تشييع جنازة أسرة كاملة في أونان    امطار رعدية مرتقبة بمنطقة الريف والواجهة المتوسطية    مضيان يسائل الحكومة حول تعثر المشاريع الرياضية بإقليم الحسيمة    منصة الرياضة نحو الغد: المغرب يبني المستقبل برؤية ملكية استراتيجية    الجامعة و فضيحة «الماستر مقابل المال، الاستثناء والقاعدة … أسرة الفكر تنتفض    استشهاد 52 فلسطينيا في غارات إسرائيلية على غزة وإنذار بإخلاء 14 حيا في شمال القطاع    وزير النقل الفرنسي يشيد بتقارب المواقف مع المغرب بشأن ملفات استراتيجية    المخرجة المغربية راندا معروفي تهدي فيلمها لجرادة وترفع علم فلسطين.. «المينة» يتوج بجائزة أسبوع النقد في مهرجان»كان» السينمائي    إطلاق رصاصتين لتحييد مختل عقلي أصاب سائحاً أجنبياً بجروح على مستوى الوجه    مودريتش يرحل عن ريال مدريد عقب كأس العالم للأندية    غرناطة تسحر الحاضرين في الرباط: عرض سياحي يحتفي بالإرث الأندلسي ويعزز الروابط بين المغرب وإسبانيا    مندوبية التخطيط: الفقر متعدد الأبعاد انخفض بشكل شبه شامل بين سنتي 2014 و2024    المنتخب النسوي U17 يختبر جاهزيته أمام كوريا    احتجاجات دولية بعد إطلاق إسرائيل النار باتجاه دبلوماسيين في الضفة الغربية    هشام جيراندو يورط أفراد من عائلته ويتسبب في إدانتهم بالحبس والغرامة    صعود اتحاد يعقوب المنصور إلى دوري الأضواء ثمرة عمل متواصل    إصابة سبعة أشخاص في حادث اصطدام بين سيارة أجرة وسيارة لنقل العمال بطنجة    الهدهد والطيور الاثنا عشر .. عرض تربوي فني يوقظ وعي أطفال سيدي مومن    السعودية تجري أول عملية لزرع جهاز ذكي داخل الدماغ في الشرق الأوسط    "مجموعة العمل من أجل فلسطين" تطالب بتوضيح رسمي بشأن مشاركة إسرائيل في مناورات "الأسد الإفريقي"    الكفيف ولذَّة الكفوف    حوار مع سلافوي جيجيك يحذر فيه من "جدران غير مرئية جديدة"    الدولار يتراجع وسط مخاوف مالية وبتكوين تواصل الصعود القياسي    كأس العالم للأندية: فيفا يفتح نافذة انتقالات استثنائية من 1 إلى 10 يونيو    كأس العالم للأندية: مهاجم ريال مدريد اندريك يغيب عن المسابقة بسبب الاصابة    ONMT يطلق حملة "نتلاقاو فبلادنا" لتشجيع السياحة الوطنية    الوزيرة السغروشني تكشف من قبة البرلمان عن 5 مبادرات لتعزيز الذكاء الاصطناعي بالمغرب    "نساء المحار" في تونس يواجهن خطر التغيرات المناخية و"السلطعون الأزرق"    تراجع أسعار الاستهلاك في أبريل 2025.. انخفاض ملحوظ في المواد الغذائية والمحروقات    ناصر بوريطة يقصف بقوة: دبلوماسية الحقيقة تربك عسكر الجزائر وتُسقِط الأقنعة    أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الدرهم ليوم الخميس    مقتل موظفين بسفارة إسرائيل بواشنطن    أمام نظيره الجنوب إفريقي وعلى مسمعه: ترامب يدين 'الإبادة الجماعية' ضد الأقلية البيضاء    من تطوان إلى إشبيلية.. مسيرة فنية تحتفي بجسور الثقافة بين المغرب وإسبانيا    مقتل موظفيْن إسرائيليين في واشنطن    إسبانيا تراقب عن كثب تقارب المغرب وكوريا الجنوبية بشأن قضية الصحراء    مدرب نهضة الزمامرة: الزعيم استحق التأهل إلى ربع نهائي كأس العرش    وزير الصحة المغربي يجري مباحثات ثنائية مع المدير العام لمنظمة الصحة العالمية    باحثون بريطانيون يطورون تقنية جديدة تسرع تشخيص أورام الدماغ    لإيقاف السرطان.. التشريح المرضي وطب الأشعة الرقمي أسلحة مدمرة للخلايا الخبيثة    البرازيل في ورطة صحية تدفع المغرب لتعليق واردات الدجاج    في مجاز الغيم: رحلة عبر مسجد طارق بن زياد    المغاربة... أخلاق تُروى وجذور تضرب في عمق التاريخ    تلك الرائحة    من المغرب.. مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة"    رحيل الرجولة في زمنٍ قد يكون لها معنى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجزائر بين خياري الحرب والسلام!
نشر في هسبريس يوم 13 - 12 - 2018

للحديث عن خلفيات مبادرة العاهل المغربي للحوار مع الجزائر وإيجاد آلية سياسية للبحث عن حلول للقضايا العالقة طيلة نصف قرن، ينبغي استعراض مجمل الوضع الاستراتيجي بأبعاده الدولية والإقليمية والثنائية. فالجِوار المُتوتّر بين الجارَين يتَماسّ فيه ما هو سياسي بما هو جغرافي، وما هو سيكولوجي بما هو تاريخي. ولكن المقال سيقتصِر على فرَضيّتين يُرجّح الكاتب أنهما جزء من الأسباب المباشرة وراء المبادرة الأخيرة. الأولى تهمّ التهديدات الأمنية وارتباطها باختراق مُحتمل للمنظومة الأمنية الجزائرية في الجيش والشرطة، مما بات يشكل خطراً حقيقيّاً على أمن واستقرار الدّولتين معاً. وأمّا الثانية فتتعلق بتجاوز الخطوط الحمراء في نزاع الصحراء واقترابه من المواجهة العسكرية الشاملة بين الجارين.
الفرضية الأولي تحدّث عنها الملك في خطاب السادس من نونبر 2018 حين قال "..كما ستساهم (أي آلية الحوار المقترحة) في تعزيز التنسيق والتشاور الثنائي لرفع التحديات الإقليمية والدولية، لاسيما فيما يخص محاربة الإرهاب وإشكالية الهجرة.". وهي إشارة واضحة إلى التهديدات الأمنية، والتوسُّع المريب لشبكات الجريمة المنظمة، وتدفق مَوجات الهجرة السرّية القادمة من الدول الإفريقية جنوب الصحراء. وكلها عوامل مُرشّحة للاستفحال بسبب تزايد الحروب العِرقية وتصاعد الحركات الانفصالية وتفاقم ظاهرة الإرهاب.
وفي هذا الصدد سأكتفي بثلاث مؤشرات مقلقة: الأول وهو الأخطر في تقديري، ويرتبط بالتخوّف من اختراق مُحتمل من طرف هذه الشبكات الإجرامية للمنظومة الأمنية الجزائرية، وما يعضد هذه الفرضية هي إقالة الجنرال عبد الغني هامل، المدير العام للأمن الجزائري، في يونيو 2018 على خلفية تورط محيطه المباشر في فضيحة تهريب 700 كلغ من الكوكايين عبر ميناء وهران الجزائري. والخطير أنه عند إقالته صرّح للصحافة قائلاً "من كان يريد محاربة الفساد فيجب أن يكون نظيفاً". وهي تهمة مُوجّهة لقيادة الجيش الجزائري، وهناك من يربطها باعتقال ومحاكمة خمسة جنرالات في وقت لاحق، من بينهم قائد الدرك الجزائري الجنرال منّاد نوبة، والجنرال عبد الرزاق شريف قائد المنطقة العسكرية الجنوبية التي تتحكم في الطرق التي تمرّ منها شبكات التهريب والهجرة السرّية من دول الساحل الإفريقي. يُضاف إلى ذلك الحُكم بخمس سنوات سِجنا نافذةً على الجنرال عبد القادر آيت واعرابي الذي كان مسؤولاً عن جهاز مكافحة الإرهاب، ومن بين التهم التي وُجّهت إليه سنة 2015 إتلاف مستندات ووثائق قد تكون لها علاقة بتواطؤه مع الجماعات الإرهابية، خلال العشريّة السوداء في الجزائر التي تلت الانقلاب العسكري على صناديق الاقتراع سنة 1992، والتي ترتّب عنها مقتل حوالي 250 ألف جزائري، و18 ألف مختطف مجهول المصير إلى اليوم.
هذه المعطيات إذا قمنا بمقارنتها بتقريرٍ للجنرال Vincent Stewart، وكان يَشْغل مدير وكالة DIA--التّابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، الذي تحدّث عن تزايد مُطّرد لفروع "داعش" في الجزائر، وغيرها من التقارير التي ترصد توسع فروع تنظيم"القاعدة" في الساحل والصحراء، سيتبين أنّ المنطقة توجد على فوهة بُركان، وأن انفجاره مسألة وقت فقط! ولعلّ الهجوم الذي استهدف أكبر مُجمّع للغاز بالجزائر في عين أمناس سنة 2013، هو تمرين صغير لما هو قادم، فهو يحمل إشارتين لا تُخطئهما العين: أولاً تَمكُّن المهاجمين من السيطرة على المُجمع الطّاقي، رغم أنه يقع في منطقة عسكرية مُحصّنة، يُزكّي طرْح الاختراق المُفترض في أوساط الجيش الجزائري؛ ثانياً: مرور جماعة "الموقعون بالدم" الجزائرية التي نفّذت الهجوم عبر النيجر ثمّ ليبيا، يؤكد قدرة هذه التنظيمات على تنسيق عمليات عسكرية مُعقّدة وعابرة للدول، وتقع على بعد آلاف الأميال من مركز عملياتها شمال مالي.
والمغرب ليس بعيداً عن كلّ هذه المخاطر الإرهابية، خاصّة في خاصِرته الرّخوة التي تمثلها مخيمات تندوف في الجزائر، وقد تفاقمت المخاطر مع تبني تنظيم القاعدة في الساحل والصحراء لعملية اختطاف ثلاثة عمال إغاثة من جنسيات إسبانية وإيطالية من داخل مخيمات تندوف المحاصرة من طرف الجيش والدرك الجزائريين. ومعروف أنّ هذه المخيمات ترفض الجزائر إحصاءها وعودة قاطنيها إلى المغرب. وأمام غياب أيّ أفق لِحلّ سياسي، أصبحت المخيمات أرضيةً خصبة للاستقطاب من طرف الحركات المتطرفة، وأبرز مثال على اختراقها من طرف تنظيم القاعدة هو أبو الوليد الصحراوي الذي تحوّل من قياديّ في جبهة "بوليساريو" الانفصالية إلى أحد القيادات البارزة في "حركة التوحيد والجهاد" التابعة لتنظيم القاعدة سنة 2011، قبل أن يُبايِع تنظيم "داعش" سنة 2015.
واضح إذن أنّ الأمور بدأت تخرج عن السّيطرة بسبب دخول عوامل دولية جديدة في المعادلة، وظهور فاعلين غير تقليديين لم يكونوا ضِمن حسابات أولئك الذين خطّطوا لجعل النزاع في الصحراء "لُعبة للأمم" متحكما فيها لضبط التوازنات بين الرباط والجزائر. وهذا يقودنا للحديث عن الفرضية الثانية وراء المبادرة المغربية، والمتمثلة في تزايد مؤشرات اندلاع حرب شاملة بين الجارين. فقضية الصحراء التي استُعملت كفزّاعة لابتزاز الدولتين من طرف بعض القوى العظمى، اقتصاديا من خلال انتزاع صفقات كبرى وامتيازات تجارية، وعسكريا عبر سباق سُورْياليّ على زَعامةٍ إقليمية مُتوهّمة، أدّت في نهاية المطاف إلى سباق نحو التسلح، استنزف طاقات البلدين عوض توجيهها نحو التنمية. فحسب معهد ستوكهولهم للسلام، استوردت الجزائر خلال الفترة 2012-2017 حوالي 46% من قيمة واردات كل الدول الإفريقية مجتمعة من السلاح! وكان من الطبيعي أن يسعى المغرب للحفاظ على توازنه الاستراتيجي مع دولة تُعبّئ كلّ إمكانيّاتها العسكرية والدبلوماسية والإعلامية لدعم حركة انفصالية موجهة ضدّه.
لذلك نجد العاهل المغربي يربط الوضع في الصحراء بما يجري من تمزيق لدول المشرق العربي، وذلك في الخطاب الذي ألقاه أمام مجلس التعاون الخليجي شهر أبريل 2016 ويقول فيه: "إن المخططات العدوانية، التي تستهدف المسّ باستقرارنا، متواصلة ولن تتوقف، فبعد تمزيق وتدمير عدد من دول المشرق العربي، ها هي اليوم تستهدف غربه. وآخرها المناورات التي تحاك ضد الوحدة الترابية.. للمغرب".
وفي ذلك إشارة واضحة إلى أجندات دولية، قد تقف وراء الدّفع بالمنطقة إلى حرب إقليمية، تكون ذريعة لِتدخّل أجنبي للسيطرة المباشرة على مصادر النفط والغاز في الجنوب الجزائري؛ وقد يكون من نتائجها المباشرة تمزيق البلدين إلى دُويلات "مَوزِيّة". فمعلوم أنّ هناك مطالب باستقلال منطقة القبائل عن الجزائر ولها حكومة مؤقتة في فرنسا يرأسها السيد فرحات مهنّي، كما أنّ شعب الطوارق الذي سبق له أن أعلن دولة الأزواد شمال مالي سنة 2013، قد يُوسّعها لتجْمَع الشّتات الموزّع على أربع دول ومنها الجزائر.
حين نستحضر كل هذه الأبعاد نستشف من المبادرة المغربية، أنها ناقوس خطر لإنقاذ المنطقة من شرّ قد اقترب، ونداء للقيادة الجزائرية للعودة إلى جادّة الصّواب بتذكيرها بالمصير المشترك وبالتحديات الإقليمية والدولية، وعلى رأسها التحدي الحقيقي للشعبين ممثلاً في التنمية ومواجهة الاحتجاجات الشعبية الناجمة عن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية. وفي ذلك يقول العاهل المغربي: " ويمكن أن تشكل (أي آلية الحوار المقترحة) إطارا عمليا للتعاون..وخاصة فيما يتعلق باستثمار الفرص والإمكانات التنموية التي تزخر بها المنطقة المغاربية.".
هي إذن دعوةٌ لترجيح خيار البناء والتنمية، والحيلولة دون خيار الهدم والحرب الذي سيَرهن مستقبل البلدين، ويهدّد المنطقة المغاربية بالفوضى غير الخلاّقة التي وعدنا بها جورج بوش "الصغير". ولكنها دعوة في طيّها إعذارٌ وإنذار للقيادة الجزائرية، بل وإشهادٌ للعالم وللشعبين المغربي والجزائري على أنّ المغرب لم يدّخر جهداً في التوصّل إلى المصالحة. ولهذه الغاية قدّم تنازلات كثيرة لأشقائه وعلى رأسها مقترح الحكم الذاتي في الصحراء، ليس تشكيكاً في أنها جزء لا يتجزأ من المغرب، ولكن كحل يحفظ ماء وجه الجزائر، ويضمن لقيادة الانفصاليين في تندوف العودة بكرامة إلى وطنهم الأمّ، ويُجنب بالأساس الشعبين الشقيقين ويْلات حرب شاملة تلوح في الأفق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.