حموشي في الإمارات لتعزيز التعاون    نيويورك.. اجتماع لتتبع تفعيل المبادرة الملكية لتعزيز ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي        القضاء الفرنسي يدين نيكولا ساركوزي    حموشي يجري زيارة عمل إلى الإمارات العربية المتحدة    المغرب يعلن بمونتريال خططاً لمضاعفة طاقة مطاراته إلى 80 مليون مسافر بحلول 2030    بطولة فرنسا.. توقيف مدرب مرسيليا دي تزيربي مباراة واحدة        نيويورك.. أخنوش يتباحث مع رئيسة المفوضية الأوروبية    رئيس الحكومة يبرز مواقف المملكة من القضايا الكبرى أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة    زيدان: السياحة المستدامة تشكل "فرصة واعدة" لبناء نموذج اقتصادي مغربي أكثر صلابة    إصابة نحو 50 إسرائيلياً في هجوم بطائرة بمسيّرة يمنيّة على إيلات    مهنيو محطات الوقود يقاطعون اجتماع وزارة الانتقال الطاقي تعبيرا عن رفضهم لمشروع "الوسم" ويدعون إلى حوار "جدي"    إطلاق اتفاقية متعددة الأطراف بالرباط لمكافحة المنشطات في المجال الرياضي    جلالة الملك يعطي انطلاقة مشاريع سككية مهيكلة ذات وقع كبير على التنقل داخل الحاضرة الكبرى للدار البيضاء    بابوا غينيا الجديدة تجدد تأكيد دعمها لمغربية الصحراء، ولسيادة المملكة على أقاليمها الجنوبية، وللمخطط المغربي للحكم الذاتي    قيوح يحشد لتمكين المغرب من مقعد دائم بمجلس المنظمة العالمية للطيران    المغرب يخطط لاستقطاب مليون سائح سنوياً من خلال " السياحة الخضراء"    زامبيا تجدد تأكيد دعمها لسيادة المغرب على صحرائه    طنجة.. أزمة الصرف الصحي ومياه الأمطار تُهدد منطقة "أوف شور بلازا" ودعوات عاجلة لوالي الجهة للتدخل    إسبانيا ترسل سفينة لإنقاذ رعاياها بعد استهداف "أسطول الصمود" قبالة اليونان والأمم المتحدة والاتحاد الأوربي يدينان الهجمات        شريط فيديو يستنفر أمن مراكش ويقود لتوقيف شخصين متورطين في حيازة أسلحة بيضاء        شيشاوة.. مصرع 5 أشخاص 4 منهم من أسرة واحدة اختناقا داخل "مطمورة" للصرف الصحي    مونديال أقل من 20 سنة.. وهبي: جئنا بطموحات كبيرة ونسعى للجاهزية الكاملة لمواجهة إسبانيا    الحسيمة تتصدر المدن الأغلى وطنيا في أسعار الاستهلاك    عمر عزيمان يتوج بالجائزة الدولية "ذاكرة من أجل الديمقراطية والسلم"    "لامورا..الحب في زمن الحرب" للمخرج الراحل محمد اسماعيل يدخل سباق القاعات السينمائية    مدرب جيرونا يشيد بأداء أوناحي بعد تألقه أمام بلباو    TV5MONDE تحتفي بالفرنكوفونية المغربية في سهرة ثقافية خاصة    مهرجان "عيطة بلادي" يكشف تفاصيل نسخته الأولى في الدار البيضاء    الصراع مستمر بين المغرب وإسبانيا على استضافة نهائي مونديال 2030    بزشكيان: إيران لا تريد أسلحة نووية    سناء العلوي… من تكريم وزان إلى لجنة تحكيم سلا    قراءة في مسرحية «عيشه ومش عيشه»: «الوجود الإنساني لا يفهم إلا في ضوء تناقضاته»    المغرب يجدد بنيويورك تأكيد دعمه لحل الدولتين بشأن القضية الفلسطينية    6 روايات عن العائلة إلى المرحلة النهائية من جائزة "بوكر"    مؤسسة الدوحة للأفلام تسلط الضوء على الأصوات الفلسطينية في مهرجان الدوحة السينمائي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    توقيف حركة السير بعدد من المحاور الرئيسية يوم 28 شتنبر الجاري بالدار البيضاء    سباق الفضاء الثاني .. الولايات المتحدة تتقدم نحو القمر    استئنافية طنجة تدين "البيدوفيل الألماني" وشريكه المغربي ب12 سنة سجنا نافذة    منظمة الصحة العالمية: لا علاقة مؤكدة بين الباراسيتامول والتوحد    نزيف الطرق متواصل.. 33 قتيلا و3058 جريحا في أسبوع واحد        دراسة: تلوث الهواء قد يضر ببصر الأطفال    سفيرة المغرب في فرنسا سميرة سيطايل بالكوفية الفلسطينية وفي بيت سفيرة فلسطين في باريس.. بعد اعتراف الرئيس الفرنسي بدولة فلسطين            دراسة: غثيان الحمل الشديد يرفع خطر الإصابة بأمراض نفسية            المشي المنتظم يقلل خطر الإصابة بآلام الظهر المزمنة (دراسة)    بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    الرسالة الملكية في المولد النبوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كوماريت (COMARIT) تأكل خبزها الاسود بعد نفاذ الخبز الابيض
نشر في هسبريس يوم 12 - 01 - 2012

فوجئ المغاربة يوم السبت المنصرم بالخبر الذي تناقلته وكالات الانباء الوطنية والدولية والتي تتحدث عن الحجز التحفظي لمجموعة من بواخر الشركة المغربية كوماريت المملوكة من طرف علي عبدالمولى. تحدثت القصاصات عن عشرات المغاربة الذين لم يستطيعوا الابحار من سيت الفرنسية في اتجاه طنجة ومن طنجة في اتجاه عدة مدن اوروبية. السبب حسب نفس القصاصة هو ديون مستحقة على الشركة في عدة موانئ تفوق 3 ملايين اورو. كان هذا هو الخبر ولكن ماذا يختبئ وراءه ؟
كان للخبر أن يكون اقتصاديا عاديا (من الناحية الاقتصادية) لو لم يقع في هذه الظرفية الخاصة التي يمر بها المغرب في اطار اختياراته الاستراتيجية التي بدأت منذ أكثر من 20 سنة والتي اختارت السماء المفتوحة والمياه المفتوحة والتبادل الحر .... وفي هذا الاطار ستكون واقعة كوماريت في حقيقة الامر تلك الشجرة التي تخفي الغابة وسيكون ما خفي أعظم : مقاولات "وطنية أخرى" سيكون مصيرها مصير كوماريت إذا لم يتم تدارك الأمر.
من أجل فهم ما جرى لا بد من قراءة في الوضع الحالي للنقل البحري والموانئ بالمغرب بصفة عامة وحالة كوماريت بصفة خاصة لمعرفة ما الذي حدث وكيف وصلنا الى هذه الحالة.
1- النقل البحري بالمغرب والاختيارات الاستراتيجية
لا يخفى على احد الأهمية الاستراتيجية القصوى التي شغلها ولا يزال هذا القطاع الحيوي بالمغرب. في الوقت الحالي يؤمن النقل البحري اكثر من 98% من مبادلات المغرب مع الخارج. ليس عبثا أن يكون المغرب من اوائل البلدان التي سنت قوانين منظمة لهذا القطاع من خلال قانون التجارة البحرية الذي يعود لسنة 1919. وفي 1921 اخرجت للوجود مصلحة خاصة تعنى بالشؤون البحرية تابعة للإدارة العامة للأشغال العمومية... ومنذ 1964 اصبحت كل الشؤون البحرية مراقبة مباشرة من طرف الدولة من خلال ادارة التجارة البحرية التابعة اليوم لوزارة التجهيز.
يمكن تلخيص أهم المراحل في تاريخ تطور النقل البحري بالمغرب كالآتي:
• مرحلة الحماية: منذ غشت 1946 سيتم تأسيس أول شركة مغربية للملاحة وهي الشركة المغربية الفرنسية الشريفة للملاحة والتي كانت ممنوعة من دخول الديار الفرنسية.
• مرحلة المغربة 1959-1962 : ستشهد عملية مغربة الشركة السالفة الذكر وتأسيس كوماناف لمراقبة التبادلات مع الخارج. في نفس السياق سيتم اصدار ظهير 26 اكتوبر 1962 الذي يحمي الاسطول المغربي امام المنافسة الخارجية ويخصص له 30 % من الواردات و 40% من الصادرات الغير قابلة للمنافسة. في نفس الوقت منحت الشركة احتكار تجارة الحبوب, والسكر والفوسفاط.
• مرحلة الازدهار 1973-1981: كانت السبعينيات من القرن الماضي مرحلة ازدهار مشهودة للملاحة الوطنية التي استفادت من تداعيات ظهير 1973 الذي سهل مساطر الاستثمار في البواخر والسفن مما جعل عددها ينتقل من 20 وحدة وسعة حمولة تقدر ب 421الف طن سنة 1972 الى 54 وحدة (تنتمي الى القطاعين العام والخاص) وسعة حمولة تقدر ب 6 ملايين و 798 الف طن في 1981. وقد استفاد الاسطول المغربي كذلك من تداعيات قانون 40/40/20 على المستوى الدولي الذي سمح للدول النامية ومن ضمنها المغرب أن تتحكم في حصة 40% من مجموع صادراتها مع الخارج.
• مرحلة التراجع بعد 1984 : مجموعة من الوقائع ساهمت في هذه المسألة. هناك من جهة النتائج المباشرة لظهيري 1984 و 1988 اللذان عملا على الغاء الامتيازات التي منحها ظهير 1973 للاستثمارات في هذا القطاع. وهناك من جهة ثانية التحولات الاستراتيجية على المستوى العالمي في ميدان النقل بصفة عامة والتي تكرست بظهور شركات لوجيستية كشركة مايرسك الدنماركية التي تتكفل بكل حلقات النقل من مكان الانتاج حتى مكان التسويق والاستهلاك مرورا بالنقل البري والبحري والتخزين وادارة المعلومات وغيرها. وهناك اخيرا دخول المغرب مرحلة المياه المفتوحة منذ 5 دجنبر 2006 خاصة مع "الشريك" الأوروبي. كان لكل هذه العوامل الوقع الكبير على الاسطول المغربي الذي تضرر كمُّا, من خلال تراجعه من 65 وحدة في 1986 الى اقل من 40 وحدة, وكيفا, بحيث اصبح شائخا ومتهالكا بمعدل سن يفوق 20 سنة (في وقت لا يتجاوز المعدل العالمي 13 سنة), في وقت تشتد فيه المنافسة الاقليمية والدولية.
2- شركة كوماريت تأكل خبزها الابيض
اسست شركة كوماريت بمدينة طنجة من طرف مؤسسها علي عبد المولى, والذي يعتبر في نفس الوقت المدير الرئيس العام للشركة, سنة 1984 واختارت كتخصص : نقل المسافرين والبضائع المتحركة في اتجاه مدن الجنوب الاسباني وفرنسا وايطاليا.
2008 حققت الشركة رقم معاملات يفوق 2.1 مليار درهم.
2009 اشترت كوماريت, مقابل 80 مليون اورو, فرع المسافرين لكوماناف من الشركة الفرنسية CMA-CGM (الشركة الوطنية المغربية التي كانت قد فازت بها الشركة الفرنسية في صفقة 2007 مقابل 200 مليون اورو في اطار اسرع عملية خصخصة بالمغرب ؟؟؟).
اصبحت كوماريت بعد 2010 اول فاعل في ميدان نقل المسافرين في مضيق جبل طارق بقدرات إجمالية تفوق 2700 مسافر و2200 سيارة تؤمنها 11 سفينة تشق البحر الابيض المتوسط في رحلات الليل والنهار المنتظمة (كسفن بساط والبراق بين طنجة المدينة وطريفة الإسبانية * وسفن المنصور وابن بطوطة والبوغاز وباناصا واولياندر بين طنجة-المتوسط والجزيرة الخضراء * وسفن بركان ومراكش وبني نصار وميسترال وبلادي بين الناضور وطنجة المتوسط في اتجاه الميريا الاسبانية وسيت الفرنسية وجنوة الايطالية).
في نفس السنة 2010 انتقلت الشركة الى مقرها المركزي الجديد الفاخر الذي كلف خزينتها اكثر من 150 مليون درهم.
3- شركة كوماريت تأكل خبزها الاسود
ما الذي حدث اذن حتى يتحول اول فاعل مغربي في ميدان نقل المسافرين بمضيق جبل طارق الى محجوز عليه وغير مرغوب فيه بالموانئ الاوروبية؟
الإجابة على هذا السؤال تتطلب منا قراءة متداخلة لتاريخ وواقع قطاع النقل البحري عامة والشركة المعنية بصفة خاصة لأن من شأن ذلك أن ينبهنا الى ما هو آت بالنسبة لمقاولات وطنية في مجالات اقتصادية اخرى :
1- الاخطاء الاستراتيجية لقطاع النقل البحري بالمغرب : ونقصد بها الدخول المبكر (نسبة الى استعداد القطاع المعني بالمنافسة) في دوامة العولمة والخصخصة والتنافسية الدولية في وقت يشكو فيه القطاع من خلل بنيوي ناتج عن غياب "أبطال" وطنيين حقيقيين (وغير مصطنعين) في هذا القطاع. فسواء تعلق الأمر بكوماناف أو بكوماريت لم تكن الامتيازات والاحتكار والفساد غائبين في صنعهما. ومن شأن فتح الحدود في اطار المياه المفتوحة الذي استكمل في الفاتح من يوليوز 2007 أن يؤدي الى انهيار هؤلاء الابطال بعد زوال القيود والاحتكار امام الابطال العالميين الحقيقيين في القطاع. نقصد بواقع الامتياز ما اشرنا اليه سابقا بخصوص القوانين المنظمة والحامية للفاعلين الوطنيين المصطنعين والغير الحرفيين non-professionnel. أما الفساد فجزء منه (فقط) تم الاعلان عليه في تقارير متعددة كاقتناء سفينة المنصور المتهالكة, على سبيل المثال, من طرف شركة كوماناف في زمنها بعشرة اضعاف ثمنها الحقيقي. هذا دون أن ننسى رخص الامتياز(les agréments) الممنوحة للاعيان في اطار اقتصاد الريع.
2- الاخطاء الخاصة لكوماريت : كثيرة هي الاخطاء التي ارتكبتها هذه الشركة في ادارتها وتسييرها. فهناك:
* عدم انفتاحها ومسايرتها للتطور البنيوي لقطاع النقل الذي انتقل في اطار خدمات اللوجستيك (prestation logistique)الى تحالفات خارج القطاع (ليس بالضرورة داخل قطاع النقل بل في قطاع الصناعة والسياحة وغيرها) في اطار المناولة والتعاون والتعاقد لتخفيف وقع المخاطر من جهة (في اطار تدبير المخاطر) وكذا تنويع المنتوج في اطار شبكة لوجستية متداخلة في كل المراحل.
* اقتنائها لأسهم شركة كوماناف من الشركة الفرنسية السالفة الذكر رغم كون اسطولها كله متهالك وينتمي الى حقبة زائلة في تاريخ نقل المسافرين. مع العلم بان عملية الشراء تعني أن الشركة ترث ما لكوماناف وما عليها من تراكمات سوء التسيير والفساد والثقل الاجتماعي وغير ذلك.
* غياب مخطط تطور استراتيجي للشركة يخرجها من الارث العائلي لآل عبد المولى ويدخلها مرحلة العالمية من خلال التخلي على بعض الاسهم في بورصة القيم للحصول على السيولة اللازمة للقيام بالاستثمارات المهيكلة الضرورية كما فعل الملياردير الشعبي من قبله.
3- بدء العمل بميناء طنجة المتوسط : تضررت مالية كوماريت بشكل كبير من ترحيل خدمات ميناء المسافرين من طنجة المدينة الى طنجة المتوسط وكان ذلك عبارة عن ارتفاع قيمة الفواتير والمستحقات الواجبة تجاه السلطة الموانيئية للاستفادة من خدمات ولوج الميناء بالنسبة للباخرة أو المسافرين على متنها على السواء. ان الضرائب والمكوس والمستحقات المؤدات من طرف الشركة بعد بدء الاستغلال في هذا الميناء تقدر بضعف ما كان يصرف للسلطة الموانيئية بميناء طنجة المدينة.
4- الازمة الاقتصادية العالمية : من تداعياتها تقليص الطلب على خدمات كوماريت وغيرها من الفاعلين خاصة خارج مواسيم عودة العمال المغاربة بالخارج مما أدى الى ضعف معدل الاستخدام (taux d'occupation)في وقت ضلت تكاليف الاستغلال ثابتة (كالطاقة, واليد العاملة, وتكاليف ولوج الموانئ وغيرها...) يضاف الى هذا العامل عامل آخر يتجلى في بدأ العمل بالسماء المفتوح والرحلات الرخيصة LOW COST التي جعلت الكثير من المسافرين يفضلون الجو عن البحر لقلة الثمن وانخفاض زمن الرحلة.
ان ما يقع حاليا بالنسبة لشركة كوماريت يمكن أن يتسع ليشمل شركات وقطاعات اخرى متعددة تنعت من طرف الاقتصاديين المتخصصين بالبط الاعرج (canards boiteux) والتي غامرنا بإدخالها ميدان المنافسة من دون استعداد مسبق, اذا لم يتدارك المسؤولون الاوضاع بسرعة. افكاري تذهب هنا مباشرة الى قطاعات كالنقل الجوي من خلال الخطوط الملكية المغربية التي تجر وراءها سنوات من الفساد وسوء التسيير وكذلك الامر بالنسبة للنقل البري الذي لازال يختبئ ويحتمي وراء اسوار اقتصاد الريع الذي تمنحه اياها الرخص الخاصة (Agréments) وغيرها من الامتيازات الغير مبررة اقتصاديا.
*نائب عميد كلية الحقوق بطنجة
المسؤول عن الماستر المتخصص في اللوجستيك الموانئي والنقل الدولي بنفس الكلية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.