أصدرت المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان منشورا توثيقياً لمنجز توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، تطرقت فيه إلى ما أسمته "القيمة المضافة" للتجربة الوطنية في العدالة الانتقالية، مشيرة إلى أن "قرارات الملك كأعلى سلطة في البلاد يسّرت عمليات تفعيل توصيات الهيئة". وبخصوص مسؤولية الدولة، أوردت المندوبية أن الملك اعتمد تقرير الهيئة وأمر بنشره فورا، فضلا عن استقباله لرئيس الهيئة والأعضاء والضحايا بالقصر الملكي، إلى جانب وصفه للتوصيات ب "الوجيهة" بمناسبة دسترتها، معتبرة أن "الإرادة العليا للدولة تعتبر في نظرية العدالة الانتقالية شرطا منشئا وحاسما في سائر الأطوار". وفي رصدها للأعمال المنجزة، قالت المندوبية إن "قسطا هاما من توصيات الهيئة قد أنجز على وجه أفضل، وبطريقة مثلى"، لافتة إلى دسترة التوصيات، قائلة: "مكنت توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة من تطعيم الوثيقة الأسمى في البلاد في الشق المتعلق بحقوق الإنسان". وتابعت: "مكّنت دسترة التوصيات أيضا من وضع بنيان دستوري غير مسبوق في المجال، رغم أن هذا البعد لم يأخذ بعد مكانته في الأبحاث والدراسات الرصينة". أما المنجز الثالث، وفق المندوبية، فيكمن في مواصلة الانضمام والتفاعل الديناميكي مع الآليات الدولية. وترى "مندوبية بنيوب"، في التقرير الذي تتوفر هسبريس على نسخة منه، أن "المغرب، على خلفية العدالة الانتقالية وأحكام الدستور، إلى مستوى الحضور الوازن، من خلال مساره التصاعدي كدولة طرف في القانون الدولي لحقوق الإنسان، على مستوى الانضمام المتنوع ومواصلته على صعيد البروتوكولات الملحقة والانضمام لاتفاقيات من نوع جديد". المنجز الرابع هو تأهيل العدالة وتقوية استقلاليتها، حيث تشرح المندوبية معناها قائلة: "تشكل الإصلاحات الاستراتيجية على مستوى ميثاق إصلاح العدالة وتقوية استقلالها وفصل رئاسة النيابة العامة وضمان استقلال القضاء، أقوى خارطة طريق لتوصيات الهيئة". وأشارت المندوبية إلى صدور قوانين في ضوء دستور 2011، اعتبرت أنها "تستجيب بصفة متقدمة لبعض توصيات الهيئة"، ضاربة المثال بقانون الصحافة والنشر، ثم تقوية صلاحيات المجلس الوطني في مجال التدخل الحمائي، وقانون محاربة الاتجار بالبشر، والقوانين الداعمة للمرأة، والقانون التنظيمي المتعلق بالدفع بعدم الدستورية. وأثنى المصدر عينه على تنفيذ توصيات الهيئة في نطاق الكشف عن الحقيقة وجبر الأضرار، موردا أن المجلس الاستشاري تمكن "في مرحلة أولى، والمجلس الوطني في مرحلة ثانية، في تعاون تام مع الحكومة والنيابة العامة والسلطات الأمنية، من الوصول إلى النتائج التي أوصت بها الهيئة". وسجلت المندوبية تراجع ادعاءات الانتهاكات الجسيمة، مشددة على أنه "على امتداد السنوات الأخيرة توقفت الادعاءات بخصوص الاختفاء القسري، والتراجع التدريجي لادعاءات الاعتقال التعسفي، والاضطراب غير المستقر في شأن ادعاءات التعذيب". وتطرق التقرير إلى ما وصفه ب "المنجز النسبي"، مرجعا التوصيف إلى ارتباطه بالتربية على حقوق الإنسان، وأدرج في هذا المستوى "مواصلة مصالحة الأمن وحقوق الإنسان، انتشار ثقافة حقوق الإنسان والتربية عليها، ترسيخ قيم المجتمع الديمقراطي، غرس ثقافة المسؤولية". المستوى الثالث من مستويات تفعيل نتائج العدالة الانتقالية يتمثل في باقي الإصلاحات الجارية التي تشمل موضوعاتها ما يلي: "تجريم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، الحكامة الأمنية، إعادة تأهيل السياسة والتشريع الجنائيين، تعزيز الحماية القانونية لحقوق الإنسان، وضع استراتيجية لمكافحة الإفلات من العقاب، النهوض بحقوق المرأة، حقوق ومصالح المهاجرين، حفظ الأرشيف وصيانته، حريات الاجتماع والتظاهر السلمي". وبخصوص التجربة الوطنية والعدالة الانتقالية، أشار التقرير إلى أن "الهيئة أولت عناية خاصة لموضوع الكشف عن الحقيقة، فقد كان مركز الثقل في مهامها، وكانت واعية كل الوعي بخطورة ودقة هذا الاختصاص، ذلك أن المرحلة التاريخية التي انكبت عليها كاختصاص زمني، تمتد من 1956 إلى 1999، تعد من أطول المراحل في تاريخ عمل لجان الحقيقة والمصالحة عبر العالم". كما تحدّث التقرير عن كون "الهيئة أولت أهمية خاصة لعلاقتها مع السلطات العمومية والمؤسسات الحكومية، موردا أنه "كثيرا ما انتُقدت الهيئة لغياب نص قانوني يلزم جهات الدولة بالتعاون معها تحت طائلة المساءلة القانونية، وفي الوقت الذي كان نظامها الأساسي، الذي حررته بنفسها ونشر بالجريدة الرسمية، يؤكد هذا التعاون". "تأسس اقتناع النخبة الحقوقية التي تقود هيئة الإنصاف والمصالحة على اختيار استراتيجي استند إلى مسؤولية الدولة السياسية والقانونية والأخلاقية فيما جرى من انتهاكات"، بتعبير المصدر ذاته، الذي أشار إلى مباشرة الهيئة ل "حوار عمومي بمختلف أشكاله"، مبرزا أن "فريق العدالة الانتقالية ائتلف من شخصيات متنوعة من حيث الأجيال والاختصاصات". وخصّص التقرير حيزا كبيرا للمنجز القانوني لهيئة الإنصاف والمصالحة، فضلا عن تسليط الضوء على الإصلاحات الجارية في نطاق الخطة الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، بالإضافة إلى الحديث عن العدالة الانتقالية والوضع الخاص للأقاليم الجنوبية الصحراوية.