تقع مدينة تنغير في الجنوب الشرقي للمملكة المغربية، وبالضبط بين جبال الأطلس الكبير والأطلس الصغير، وتشتهر بمضايق تودغى التي يزورها السياح من مختلف أنحاء العالم، وواحاتها التي تمتد على وادي تودغى؛ فضلا عن قصورها وقصباتها العتيقة التي مازالت شاهدة على التعايش بين الديانتين الإسلامية واليهودية. مدينة تنغير تتوسطها المنطقة الطبيعية الشاسعة لوادي تودغى، بتنوعها ومقوماتها، من وديان، وسلاسل من الواحات الخضراء المزدهرة والجبال والسهول، ما يجعلها قبلة للسياح المغاربة والأجانب المهووسين باكتشاف المؤهلات التي تزخر بها هذه الربوع من بلاد المغرب. بالإضافة إلى مضايق تودغى وواحات تنغير، تزخر المدينة ونواحيها بعدد هائل من القصور والقصبات المبنية بالطين منذ عقود وقرون، وتعتبر موروثا ثقافيا وتاريخيا وحضاريا. قصور وقصبات تواجه المجهول بمجرد وصولك إلى مدينة تنغير، والمشي في زقاق مركزها، وزيارة مضايق تودغى وباقي الأحياء المحيطة بالمدينة، تكتشف عددا من القصور والقصبات الضاربة في جذور التاريخ، وعظمتها ذات المقومات المحلية الخلابة، إذ تمكنك من تغيير كلي للمشاهد المعتادة بالمواقع السياحية العادية، بواحات، ونخيل، ومواقع ثقافية ودينية، نتيجة تراكم التغيرات التاريخية الضاربة في عمق القرون السابقة. "الواحات والمواقع السياحية المحاذية للأدوية داخل منطقة تودغى تعتبر مقوما أساسيا ضاربا في عمق التاريخ؛ فضلا عن سحر الثقافة التاريخية التي تشهد عليها القصبات والقصور بحيطانها السميكة والشامخة المبنية من الطين فوق طبقات صخرية معتلية مشارف الوديان ووسط الحقول الفلاحية"، يقول جواد مداس، مهتم بتاريخ تودغى. وأبرز المتحدث نفسه، في تصريح لهسبريس، أن "كل ما يجب قوله عن المشاكل التي تتخبط فيها هذه القصور والقصبات الطينية بمدينة تنغير قاله حسن الزيتوني، عامل الإقليم، في اللقاء التشاوري والتشخيصي لتثمين القصور والقصبات بمقر العمالة الأسبوع الفارط"، مضيفا أن المسؤول الإقليمي "أثار في اللقاء ذاته الوضعية التي تعيشها اليوم هذه الأنسجة العمرانية العتيقة التي أصبح معظمها مهجورا أو مهددا كليا أو جزئيا بالانهيار، بفعل الإهمال وتأثير العوامل الطبيعية، ومحدودية المبادرات والتدخلات التي تستهدف الحفاظ عليها". المتحدث ذاته أكد أن قصبات وقصور مدينة تنغير "تعتبر من الأنسجة العمرانية الزاخرة بعبق التاريخ وبالأصالة والمغربية، نظرا لما تحمله من إرث معماري بارز على مستوى هندستها وطريقة بنائها الأصيلة المعتمدة على المواد الأولية المتأقلمة مع الطبيعة وظروف الطقس في المنطقة، الأمر الذي ساعدها على مقاومة عقود من الزمن في مواجهة شبح الزوال والانهيار". قصبات وقصور تسافر بالزوار ينتابك شعور لا يوصف وأنت تهم بولوج بوابة هذه القصبات والقصور الطينية، إذ يرحل بك المكان إلى زمن غابر وتثيرك رائحة التاريخ، فتشعر بأن الأنسجة العمرانية تحتضنك عندما تضع قدميك داخلها أو وأنت تمشي بجوارها تجذبك بحب لا منتاه وتعود بك إلى زمن لم تعشه من قبل. السكون يعم أغلب هذه القصبة والقصور ومحيطها، فلا تسمع إلا زقزقة العصافير وخرير المياه في بعضها، قبل أن يفاجئك أحد مسيري هذه البنايات أو قاطنيها بإلقاء التحية عليك بوجه بشوش ومبتسم، وعلامات الكرم والجود بادية على محياه. خديجة أيت علي، فاعلة جمعوية بتنغير، قالت في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية إن "الواقف على حالة عدد كبير من القصور والقصبات اليوم سيدرك جيدا أن المسؤولين بالوزارات الوصية على القطاع قد أهملوه أيما إهمال"، مشيرة إلى أن القصور والقصبات التي تم ترميمها مؤخرا جاءت بفضل برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وبتدخلات شخصية من عامل الإقليم. وذكرت المتحدثة ذاتها أن "هذه الأنسجة العمرانية يمكن أن تلعب دورا مهما في جذب السياحة التاريخية والثقافية، وبالتالي خلق رواج تجاري واقتصادي بالمدينة"، مضيفة أن "إهمالها ساهم في ما تعيشه اليوم، إذ تصارع قهر الزمان ولا مبالاة المسؤولين ووعودهم باسترجاع بريقها في كل مرة". ولفتت المتحدثة، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أن هذه القصبات والقصور يمكن تصنيفها ضمن التراث العالمي، نظرا لما تخفيه من أسرار تعود إلى سنوات وقرون من الزمن الغابر. مسؤول يوضح مسؤول قريب من البرنامج الوطني لتثمين القصور والقصبات بالمغرب أوضح في تصريح لهسبريس، خلال زيارته للإقليم، أن البرنامج المذكور "يهدف إلى إعادة إحياء هذه الأنسجة العمرانية من خلال ترميمها وتثمينها وإعادة فتحها أمام العموم وأمام مالكيها"، وفق تعبيره. وشدد المسؤول ذاته على أن "الدراسة التي يتم إعدادها حول قصور وقصبات مدينة تنغير ستمكن من بلورة إستراتيجية مندمجة للتثمين المستدام"، لافتا إلى أن البرنامج "يطمح في أفق سنة 2025 إلى ترميم جميع القصور والقصبات التي أصبحت أطلالا بفعل التغيرات المناخية وإهمال البشر"، بتعبيره. ومن جهته، أكد عامل إقليم تنغير، حسن الزيتوني، خلال اللقاء التشاوري والتشخيصي الذي ترأسه، والمتعلق ببلورة الإستراتيجية المندمجة للتثمين المستدام للقصور والقصبات، أن "إقليم تنغير يزخر بعدد هائل من القصور والقصبات، ويعتبر موروثا ثقافيا يجب إبراز كل مكوناته المادية واللامادية، نظرا لانعكاساته الإيجابية والمباشرة على الساكنة، وإنعاش حركية القطاعات الاقتصادية المرتبطة به"، لافتا إلى أن "كل ذلك يأتي عبر صيانة ورد الاعتبار لهذه الأنسجة العتيقة، وإعادة توظيفها في محيطها الاجتماعي والاقتصادي، آخذين بعين الاعتبار البعد التاريخي والحضاري والمعماري الذي تحظى به هذه التجمعات العمرانية العتيقة داخل المجالات الواحية بالإقليم". كما قال الزيتوني إن الطراز المعماري "يتميز باندماجه في البيئة، ويتماشى مع طبيعة المناخ الذي يمكن جعله فضاء لجلب واستقطاب الأنشطة السياحية والحرفية، وخلق فرص للشغل"، واعتبر أن ذلك "يحتم التفكير في سبل جعل هذه الفضاءات العمرانية التقليدية إطارا متكاملا ومندمجا للعيش الكريم للساكنة، واستقطاب أنشطة ثقافية وسياحية ذات بعد اقتصادي، مع جعل هذه الأنسجة العمرانية العتيقة مجالات مفتوحة ومتفاعلة مع محيطها، بصفتها تجمعات عمرانية قائمة الذات، متكاملة ومتعددة الوظائف، في إطار مقاربة شمولية تهتم في آن واحد برد الاعتبار ليس فقط للإطار المبني، ولكن أيضا بإدماج ساكنة هذه القصور والقصبات في جميع السياسات والتصورات الموجهة لفائدتها"، وفق تعبيره.