البرلمان العربي يؤكد على الدور الهام للملك محمد السادس رئيس لجنة القدس في الدفاع عن القضية الفلسطينية    أرقام مندوبية التخطيط في مرمى الانتقادات بسبب مراجعة معدلات النمو    المغرب يخطو بثبات نحو استكشاف الهيدروجين الطبيعي والهيليوم بشراكة بريطانية جديدة    انطلاق بيع تذاكر كأس إفريقيا للسيدات بالمغرب    في عملية أمنية دقيقة.. المغرب يطيح بمطلوبين دوليًا أحدهما متورط في جريمة قتل    في رسالة مشفرة للعدميين.. ماجدة الرومي تُحيي الملك محمدالسادس وتؤكد: المغرب ملاذ آمن في زمن الحروب (فيديو)    الهلال يقترب من حسم صفقة النصيري بعد موافقة إنزاغي    المغرب يتجه للاستعانة بسفن توليد الكهرباء التركية كحل انتقالي لتعزيز أمن الطاقة    انخفاض مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي بميناء العيون    الرباط تحتفي بالإبداع الأردني: إصدار توثيقي يوثق 25 عاماً من الشعر الفصيح    تراجع تلقيح الأطفال في العالم يهدد حياة ملايين الأشخاص وفقا لدراسة حديثة    استدراكية الباكالوريا.. وزارة التربية تستعين بتقنية أوتوماتيكية جديدة للتصدي للغش    فيديو مباشر يجر شقيقين إلى السجن.. تفاصيل ليلة فوضى وسكر داخل مقر شرطة    أزيد من 48 بلدا في فعاليات "مراكش عاصمة شباب العالم الإسلامي 2025"    ماجدة الرومي تغالب دموعها في الرباط وتبعث برسالة مؤثرة إلى الملك محمد السادس: حبّنا للمغرب انتماء لا يشبه سواه    مصرع خمسيني في انهيار سور ثانوية بإقليم أزيلال    إفران تحتضن الدورة السابعة لمهرجانها الدولي من 23 إلى 26 يوليوز    انعقاد الجمعية العامة العادية لغرفة الصناعة التقليدية لجهة طنجة تطوان الحسيمة    قيوح : المغرب يجعل من الربط القاري أداة استراتيجية لتحقيق السيادة الإفريقية    الدفاع المدني في غزة يعلن مقتل 23 فلسطينيا في غارات إسرائيلية    تدنيس القرآن في قمة الناتو يغضب الجاليات المسلمة بهولندا    اعتقال طالبة " 21 سنة" بالرباط خططت لعملية إرهابية باسم "داعش"    اجماع وبوعادي في معرض تشكيلي مشترك بمشرع بلقصيري    بودشار يمتع الرباط بكورال جماهيري    سقوط سور إعدادية يودي بحياة راعي غنم وقطيعه    تراجع التلقيحات يعيد شبح الأوبئة .. والمختصون يطالبون بتعبئة مغربية    مجموعة العمران تطلق جولة "Al Omrane Expo – مغاربة العالم 2025" من بروكسيل    مونديال الأندية: مواجهة مرتقبة بين سان جرمان وميسي.. وبايرن يصطدم بفلامنغو    توقعات أحوال الطقس ليوم السبت    ترامب: وقف إطلاق النار في غزة ممكن خلال أسبوع    قناة عبرية: مصدر سوري يكشف عن توقيع إسرائيل وسوريا اتفاقية سلام قبل نهاية العام    خبراء "نخرجو ليها ديريكت" يناقشون موضوع استعداد الكونغرس الأمريكي لتصنيف البوليساريو كمنظمة إرهابية    برلماني جزائري يؤكد التلفيق للمغرب    عملية توقف "داعشية" بمدينة الرباط    جريمة قتل أم تستنفر الشرطة بمكناس    أخنوش يدعو النقابات إلى اجتماع لجنة إصلاح التقاعد في يوليوز المقبل    نقاش في جنيف يدين انتهاكات تندوف    ألونسو: دياز يتمتع بروح تنافسية عالية    2419 ملعب قرب مبرمج لتعزيز البنية الرياضية بالمغرب    تقنين جديد لإنتاج وتسويق الخل بالمغرب    أين اختفى الاتحاد الإفريقي..اتفاق السلام بين رواندا والكونغو الديمقراطية يوقع في واشنطن    نظام إيران يشيع عسكريين وعلماء    وزارة العدل الأمريكية تضغط لإقالة رئيس جامعة    مصادر طبية تنعى 66 من أطفال غزة    المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي: لا الاتحاد ولا أي من دوله الأعضاء يعترف ب"الجمهورية الصحراوية" المزعومة    زلزال بقوة 6,1 درجة يضرب قبالة سواحل جنوب الفلبين    مونديال الأندية: جماهير غفيرة وأهداف غزيرة في دور المجموعات    البوليساريو تلقت ردا حاسما بعد استهدافها السمارة    رحيل الإعلامية والممثلة المغربية كوثر بودراجة بعد صراع مرير مع المرض    كرة الطائرة / اتفاقية تعاون بين CAVB و AIPS إفريقيا …    ضوء خافت يشع من العقل أثناء التفكير.. والعلماء يبحثون التفسير    ضجة الاستدلال على الاستبدال        طفل في كل فصل دراسي مولود بالتلقيح الصناعي ببريطانيا    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"عن اللاأخلاقية في الترامواي"
نشر في هسبريس يوم 15 - 09 - 2020

كثيرا ما تستوقفني سلوكات نماذج بشرية لا أنفك أصادفها خلال رحلتي اليومية على متن "الترام"، وأنا هنا بصدد جرد بعضها لكم، إيضاحا لتدني المستوى الأخلاقي وانهيار منظومة القيم لدى شرائح عريضة من مجتمعنا.
تبدأ أول فصول الحكاية مع صديقنا "الهرّاف"، الذي ستراه قادما من بعيد مسرعا إلى الشباك بينما ينتظر الجميع في الطابور لاقتناء تذكرة، شخص لا يستحي خرق نظام الصف، ولا يحترم الواقفين، يتظاهر بعدم سماع تنبيهاتهم واحتجاجهم عليه، وإذا حدث أن استدار لصوت مناد، تذرع -مستخفا طبعا- بكونه "في عجلة من أمره" ثم مضى ليبتلعه الزحام.
لا تحزنوا، ف "الهرّاف" سيظهر مرة أخرى عند وصول الترام، ستجده مسمرا أمام الباب، وبمجرد أن يفتح، لن يتريث أبدا حتى ينزل الركاب، بل سيتدافع مع الناس ليسبق الكل إلى الصعود، وإلى تأشير التذكرة، ثم سيهرول لأقرب مقعد شاغر، وقد يؤجل عملية التأشير حتى يحجز لنفسه مكانا للجلوس، واضعا فيه غرضا شخصيا، بل سيقدم أحيانا على حجز الكراسي لمرافقيه أيضا. يذكرني هذا بأجواء المسجد في رمضان أو أيام الجمعة، حين يتعمد أحد المصلين القدوم باكرا لفرش سجادات أصدقائه، كي يضمنوا أفضلية "الصلاة في الصف الأول".
لن تمضي إلا لحظات قليلة على انطلاق الترام، لتلحظ أنوفكم روائح غريبة ومزعجة تنتشر في العربة، مردها ذوو أفواه نتنة أو أحذية عطنة، أو مبالغون في التعطر ووضع الطيب، أو مهملون للاستحمام، أو حاملون لأطعمة فواحة كالسمك ونحوه... لكن أكثر ما يضايقني هو "الكمّاي" الذي لا يفارق سيجارته، ستلفيه في المحطة يمشي جيئة وذهابا وهو يدخنها بفخر قرب الجالسين، لا يبالي بأحد في غمرة انتشائه، ولا يترك حبيبته عندما يهم الناس بالركوب، بل يستكمل شربها حتى يشارف الترام على المغادرة، يرمي حينها غير مكترث عقب لفافة التبغ على الأرض، ثم يحشر نفسه بخفة داخل المركبة جارا وراءه سحابة من الهواء الملوث، ولا يمكن لآدمي مهما بلغ صبره أن يحتمل المكوث بمحاذاة "الكمّاي"، بأنفاسه الكريهة تلك وثيابه التي عبقت بالقطران.
ما إن يتوقف الترام في أحد المحطات ليترجل "الكمّاي" ويريح الراكبين من تبعات إدمانه على النيكوتين، حتى تلجه جموع "السلاحف الدراسية"، نعم، فأغلبهم من التلاميذ وطلبة الجامعات، يركبون محملين بحقائب ظهر كبيرة ليبدو مظهرهم مثل السلحفاة، وهم لا ينزلونها أرضا أبدا، بل يتركونها فوق أكتافهم منغصين العيش على من يقف خلفهم، لا سيما عند اشتداد الحركة بهم أثناء الحديث والترام مكتظ عن آخره، المؤرق في الأمر لا ينحصر في المساحة الإضافية التي تحتلها تلك الحقائب مفتعلة المزيد من الزحمة، فالأذى الذي تسببه للركاب يتمثل أيضا في إصابة ملابسهم بالوسخ عند الاحتكاك، أو الإضرار بها - دون قصد - عندما يعْلق مثلا زر قميص في سحّاب الحقيبة، أو عندما يتمزق أو يثقب ثوب راكبة ما نتيجة التصاقه بأطراف أو نتوءات معدنية تشكل جزءا من الواجهة الخارجية للحقيبة، وكثيرا ما تعلق هناك أسلاك السماعات وخصلات شعر الفتيات.
رغم ما أسلفت ذكره، قد يكون منظر "السلاحف الدراسية" في نهاية المطاف أقل إيلاما من أولئك الشباب، طلبة وموظفين، أهل الثقافة والعلم والأناقة، لمّا تلمحهم جالسين بثقة على الكراسي المُفردَة أساسا لذوي الاحتياجات الخاصة والحوامل والمسنين، يتمازحون مع بعضهم أو يلعبون في أجهزة الهاتف، وإذا رفعوا أعينهم ولمحوا شخصا يجوز له الجلوس مكانهم، حوّلوا أبصارهم إلى الناحية المغايرة أو عادوا بها إلى أدوات لهوهم دون أدنى شعور بالذنب أو المسؤولية. نادرا ما يتدخل المراقب ليطلب من أحدهم ترك المكان لعجوز أو امرأة حامل، بل يأتي الطلب غالبا من عند هؤلاء المحتاجين للقعود حين لا يقوون على تكبد عبء الرحلة، وإذا قامَ أحدهم لرجل مريض أو امرأة منهكة بعد طلب لطيف، قامَ على مضض متثاقلا، كأنه يترقب كلمة شكر أو يريد أن يمن عليهم "حسن صنيعه" بلغة الجسد، مع أنه في الأصل ما كان يجب أن يحتل موضعا لا يحق له.
تتوالى التصرفات المشينة خلال رحلتنا، وهي تصرفات أجد فيها تعبيرا جليا عن الانحطاط الأخلاقي الذي بلغناه، حيث تغيب معاني الإنسانية والتراحم واحترام حرية الآخر، يوازي ذلك استقواء النزعة الفردية وطغيان الوضاعة واستشراء المعاملة الأنانية بين العباد. وللإشارة، فكلا الجنسين يشتركان في الإتيان بهذه الأفعال، رغم أن أسطري قد توحي بأن الكلام يستهدف معشر الذكور فقط.
ولأنني على وشك النزول، سأختم بسرد فعل أخير، ربما لا يراه العديد من مرتكبيه مسيئا البتة، وهو رفع صوت الموسيقى عبر السماعات، ناهيك عن تلك المكالمات الهاتفية أو المحادثات الثنائية الجهورة، وما يتخللها من ضحك مدو وقهقهات عالية تصم الآذان، وتعمق من ضرر الصداع الناتج عن الإنذار المتكرر في كل مرة توصد فيها الأبواب.
"مدينة العرفان، محطة نهاية الخط. المرجو النزول".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.