إيقاف أنشطة ميناء العرائش بسبب سوء الأحوال الجوية    الحكومة تُلقي ب"كرة التحقيق" حول "الدقيق والورق" في ملعب النيابة العامة    مجلس الحكومة يصادق على تعيينات في مناصب عليا    قرار مجلس الأمن اليوم: الحقائق .. أكثر من التوقعات!    مأساة "رضعية طنجة".. دعوات بتشديد الرقابة على دور الحضانة ومؤسسات التعليم الأولي    حصيلة متقدمة لبرامج دعم التعليم    أشبال الأطلس يصلون الدوحة استعداداً لكأس العالم لأقل من 17 سنة    رسمياً.. افتتاح ملعب طنجة في 14 نونبر بمباراة ودية بين المغرب والموزمبيق    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    التحقيق في "طحن الدقيق مع الورق".. مطالب بتعميق البحث لكشف الملابسات وترتيب الجزاءات    سرقة متحف اللوفر.. توقيف خمسة مشتبه بهم جدد وفق المدعية العامة بباريس    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    بلاوي يدعو إلى تفعيل العقوبات البديلة    وفاة نجم" ذا فويس" بهاء خليل عن 28 عاما    الرباط تستعد لاحتضان الدورة 30 للمهرجان الدولي لسينما المؤلف    مرسيليا يعلن أن لاعبه المغربي بلال نذير "في صحة جيدة" بعد حادث سقوطه    أسود الأطلس يواجهون الموزمبيق وأوغندا في افتتاح ملعب طنجة استعدادا ل"كان المغرب 2025"    تأجيل التصويت بمجلس الأمن حول الصحراء المغربية وسط تجديد الدعم الدولي لمبادرة الحكم الذاتي    تصويت فرنسي ضد اتفاقية مع الجزائر    المغرب يواجه موزمبيق وأوغندا وديا    أكثر من 300 كاتب وأكاديمي يقاطعون "نيويورك تايمز" لانحيازها ضد فلسطين    تقتيل واغتصاب وتهجير.. هيئة مغربية تدين ما يتعرض له السودانيون من مآس مروعة    الذهب يرتفع مدعوما بتراجع طفيف للدولار    حزب التقدم والاشتراكية يدعو إلى تخليق الحياة السياسية وضمان مشاركة الشباب والنساء في انتخابات 2026    غيث نافع يعم عدة مدن مغربية وشفشاون في الصدارة    اكتشافات "جد مشجعة" للذهب في الصحراء المغربية و44 مشروعا للبحث المعدني في 2025 (تقرير)    الصين تحدّد 31 أكتوبر موعداً لإطلاق سفينة الفضاء المأهولة "شنتشو-21"    ميسي الأعلى أجرا في الدوري الأميركي بفارق كبير عن الآخرين    تيزنيت : التعاون الوطني ينظم نهائي البطولة الوطنية الرياضية 49 للمؤسسات والمراكز الاجتماعية بالإقليم    فادلو: الشهب الاصطناعية أفسدت إيقاع الديربي أمام الوداد    مقتل شخص في توغل إسرائيلي بجنوب لبنان والرئيس عون يطلب من الجيش التصدي    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    تراجع طفيف في أسعار الإنتاج الصناعي    قانون مالية 2025 يظهر عجزا في الميزانية ب50,5 مليار درهم    ترامب يعلن تخفيض "رسوم الصين"    فيلمان مغربيان ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان بروكسيل للفيلم    قطاعات ‬الماء ‬والطاقات ‬الخضراء ‬ضمن ‬أولويات ‬مشروع ‬القانون ‬المالي ‬الجديد    اتفاقية ‬استثمارية ‬بين ‬المملكة ‬ومجموعة ‬رونو ‬المغرب    المغاربة ‬يتصدرون ‬التجنيس ‬في ‬إسبانيا.. ‬طفرة ‬غير ‬مسبوقة ‬في ‬عهد ‬حكومة ‬سانشيز    شي جينبينغ: يمكن للصين والولايات المتحدة تحمل المسؤولية بشكل مشترك كدولتين كبيرتين، والعمل معا على إنجاز مزيد من الأعمال الهامة والعملية والمفيدة    مشروع "مؤسسات الريادة" يُحقّق تحسّنا محدودا وغير متوازن في مستوى التحكم في التعلمات الأساس بين الأكاديميات    عاجل | النيابة العامة تفتح تحقيقا قضائيا في مزاعم "طحن الورق مع الدقيق"    لماذا يهرب الموظفون من جماعة طنجة؟    عرض فني بالدارالبيضاء بمناسبة المؤتمر العالمي للفلامنكو    "أكاديمية المملكة" تصدر موسوعة "مناظرة العلوم الإنسانية والاجتماعية" في 4 مجلدات    مهرجان الدوحة السينمائي يعلن عن لجنة تحكيم المسابقة الدولية للأفلام الطويلة    بنسعيد يترأس حفل تنصيب لجنة تحكيم الجائزة الكبرى للصحافة    شيخوخة اللسان!    مندوبية السجون تعلن الإغلاق النهائي لسجن عين برجة    النمل يمارس التباعد الاجتماعي عند التعرض للأمراض والأوبئة    دراسة حديثة تحذر من مغبة القيادة في حالة الشعور بالإرهاق    مواد سامة وخطيرة تهدد سلامة مستعملي السجائر الإلكترونية    اكتشاف خطر جديد في السجائر الإلكترونية يهدد صحة الرئة    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    المجلس العلمي الأعلى يضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"عن اللاأخلاقية في الترامواي"
نشر في هسبريس يوم 15 - 09 - 2020

كثيرا ما تستوقفني سلوكات نماذج بشرية لا أنفك أصادفها خلال رحلتي اليومية على متن "الترام"، وأنا هنا بصدد جرد بعضها لكم، إيضاحا لتدني المستوى الأخلاقي وانهيار منظومة القيم لدى شرائح عريضة من مجتمعنا.
تبدأ أول فصول الحكاية مع صديقنا "الهرّاف"، الذي ستراه قادما من بعيد مسرعا إلى الشباك بينما ينتظر الجميع في الطابور لاقتناء تذكرة، شخص لا يستحي خرق نظام الصف، ولا يحترم الواقفين، يتظاهر بعدم سماع تنبيهاتهم واحتجاجهم عليه، وإذا حدث أن استدار لصوت مناد، تذرع -مستخفا طبعا- بكونه "في عجلة من أمره" ثم مضى ليبتلعه الزحام.
لا تحزنوا، ف "الهرّاف" سيظهر مرة أخرى عند وصول الترام، ستجده مسمرا أمام الباب، وبمجرد أن يفتح، لن يتريث أبدا حتى ينزل الركاب، بل سيتدافع مع الناس ليسبق الكل إلى الصعود، وإلى تأشير التذكرة، ثم سيهرول لأقرب مقعد شاغر، وقد يؤجل عملية التأشير حتى يحجز لنفسه مكانا للجلوس، واضعا فيه غرضا شخصيا، بل سيقدم أحيانا على حجز الكراسي لمرافقيه أيضا. يذكرني هذا بأجواء المسجد في رمضان أو أيام الجمعة، حين يتعمد أحد المصلين القدوم باكرا لفرش سجادات أصدقائه، كي يضمنوا أفضلية "الصلاة في الصف الأول".
لن تمضي إلا لحظات قليلة على انطلاق الترام، لتلحظ أنوفكم روائح غريبة ومزعجة تنتشر في العربة، مردها ذوو أفواه نتنة أو أحذية عطنة، أو مبالغون في التعطر ووضع الطيب، أو مهملون للاستحمام، أو حاملون لأطعمة فواحة كالسمك ونحوه... لكن أكثر ما يضايقني هو "الكمّاي" الذي لا يفارق سيجارته، ستلفيه في المحطة يمشي جيئة وذهابا وهو يدخنها بفخر قرب الجالسين، لا يبالي بأحد في غمرة انتشائه، ولا يترك حبيبته عندما يهم الناس بالركوب، بل يستكمل شربها حتى يشارف الترام على المغادرة، يرمي حينها غير مكترث عقب لفافة التبغ على الأرض، ثم يحشر نفسه بخفة داخل المركبة جارا وراءه سحابة من الهواء الملوث، ولا يمكن لآدمي مهما بلغ صبره أن يحتمل المكوث بمحاذاة "الكمّاي"، بأنفاسه الكريهة تلك وثيابه التي عبقت بالقطران.
ما إن يتوقف الترام في أحد المحطات ليترجل "الكمّاي" ويريح الراكبين من تبعات إدمانه على النيكوتين، حتى تلجه جموع "السلاحف الدراسية"، نعم، فأغلبهم من التلاميذ وطلبة الجامعات، يركبون محملين بحقائب ظهر كبيرة ليبدو مظهرهم مثل السلحفاة، وهم لا ينزلونها أرضا أبدا، بل يتركونها فوق أكتافهم منغصين العيش على من يقف خلفهم، لا سيما عند اشتداد الحركة بهم أثناء الحديث والترام مكتظ عن آخره، المؤرق في الأمر لا ينحصر في المساحة الإضافية التي تحتلها تلك الحقائب مفتعلة المزيد من الزحمة، فالأذى الذي تسببه للركاب يتمثل أيضا في إصابة ملابسهم بالوسخ عند الاحتكاك، أو الإضرار بها - دون قصد - عندما يعْلق مثلا زر قميص في سحّاب الحقيبة، أو عندما يتمزق أو يثقب ثوب راكبة ما نتيجة التصاقه بأطراف أو نتوءات معدنية تشكل جزءا من الواجهة الخارجية للحقيبة، وكثيرا ما تعلق هناك أسلاك السماعات وخصلات شعر الفتيات.
رغم ما أسلفت ذكره، قد يكون منظر "السلاحف الدراسية" في نهاية المطاف أقل إيلاما من أولئك الشباب، طلبة وموظفين، أهل الثقافة والعلم والأناقة، لمّا تلمحهم جالسين بثقة على الكراسي المُفردَة أساسا لذوي الاحتياجات الخاصة والحوامل والمسنين، يتمازحون مع بعضهم أو يلعبون في أجهزة الهاتف، وإذا رفعوا أعينهم ولمحوا شخصا يجوز له الجلوس مكانهم، حوّلوا أبصارهم إلى الناحية المغايرة أو عادوا بها إلى أدوات لهوهم دون أدنى شعور بالذنب أو المسؤولية. نادرا ما يتدخل المراقب ليطلب من أحدهم ترك المكان لعجوز أو امرأة حامل، بل يأتي الطلب غالبا من عند هؤلاء المحتاجين للقعود حين لا يقوون على تكبد عبء الرحلة، وإذا قامَ أحدهم لرجل مريض أو امرأة منهكة بعد طلب لطيف، قامَ على مضض متثاقلا، كأنه يترقب كلمة شكر أو يريد أن يمن عليهم "حسن صنيعه" بلغة الجسد، مع أنه في الأصل ما كان يجب أن يحتل موضعا لا يحق له.
تتوالى التصرفات المشينة خلال رحلتنا، وهي تصرفات أجد فيها تعبيرا جليا عن الانحطاط الأخلاقي الذي بلغناه، حيث تغيب معاني الإنسانية والتراحم واحترام حرية الآخر، يوازي ذلك استقواء النزعة الفردية وطغيان الوضاعة واستشراء المعاملة الأنانية بين العباد. وللإشارة، فكلا الجنسين يشتركان في الإتيان بهذه الأفعال، رغم أن أسطري قد توحي بأن الكلام يستهدف معشر الذكور فقط.
ولأنني على وشك النزول، سأختم بسرد فعل أخير، ربما لا يراه العديد من مرتكبيه مسيئا البتة، وهو رفع صوت الموسيقى عبر السماعات، ناهيك عن تلك المكالمات الهاتفية أو المحادثات الثنائية الجهورة، وما يتخللها من ضحك مدو وقهقهات عالية تصم الآذان، وتعمق من ضرر الصداع الناتج عن الإنذار المتكرر في كل مرة توصد فيها الأبواب.
"مدينة العرفان، محطة نهاية الخط. المرجو النزول".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.