قال نجيب أقصبي، الخبير الاقتصادي المغربي، إن الأزمة التي أرخت جائحة كورونا بظلالها على العالم جعلت الشعوب تعي بأهمية وضرورة السيادة الغذائية، على غرار السيادة الوطنية في الأدوية. وأردف أقصبي، في سياق حديثه ضمن ندوة نظمتها "المسيرة العالمية للنساء" و"الجمعية المغربية لحقوق الإنسان"، حول "النساء والسيادة الغذائية وتحدي القضاء على الفقر"، بأن المطالبين بالسيادة الغذائية قبل ظهور جائحة فيروس كورونا "كانوا يُنعتون بالمتياسرين المتطرفين، لكن الجائحة أظهرت أن هذه السيادة مسألة حيوية". واعتبر الخبير الاقتصادي المغربي أن مفهوم السيادة الغذائية يعني حق الساكنة في تحديد السياسات الغذائية الكفيلة بإنتاج الغذاء الذي تحتاجه، سواء كان ذلك في إطار وطني أو في إطار تكتّل مجموعة من الدول. وتوقف أقصبي عند الاختيارات التي تبناها المغرب في هذا المجال، قائلا إن المشكل الذي عانى منه على غرار بلدان أخرى هو أن السياسات الغذائية التي نهجها لم تصبّ في اتجاه ضمان السيادة الغذائية، "والنتيجة أننا أصبحنا بدون سيادة غذائية وبدون اكتفاء ذاتي من الغذاء"، على حد قوله. وعاد المتحدث إلى بداية الستينيات من القرن الماضي، منطلقا من الاختيارات الجوهرية التي أدّت إلى الوضع الراهن، موضحا أن السياسة الفلاحية التي وضعها الملك الراحل الحسن الثاني كانت خلفيّتها ذات أبعاد سياسية، أملاها صراعه مع المعارضة، آنذاك. كما أوضح الخبير ذاته أن الملك الراحل ارتأى الاعتماد على العالم القروي منطلَقا لتقوية سلطته في الحكم، "لأن المجال الحضري وقتذاك كان في المعارضة"، مبرزا أن السياسة الفلاحية التي تم إرساء دعائمها كان جوهرها هو التوجّه نحو تصدير المنتجات الفلاحية إلى الخارج. وحسب التحليل الذي قدمه أقصبي فإن التصور الذي بنى عليه الملك الراحل سياسته الفلاحية يمكن إجماله في "أننا عندما نصير مصدّرين كبارا يمكن أن نشتري حاجياتنا من الأغذية بالعملة الصعبة التي سنربحها من بيع صادراتنا من المنتجات الفلاحية إلى الخارج"، وفق تعبيره. وأبرز الخبير الاقتصادي المغربي أن هذا المنظور الذي تحكّم في السياسات الفلاحية في عهد الحسن الثاني مازال قائما إلى اليوم، إذ إن الإمكانيات والموارد المالية والبشرية والطبيعية المُستغلّة في القطاع الفلاحي وُظفت من أجل نموذج فلاحي تصديري. أقصبي أشار أيضا إلى أن المغرب تمكّن من تحقيق تطوّر كبير في إنتاج المنتجات الفلاحية المصدّرة إلى الخارج، قبل أن يستدرك بأن هذا التطور وازاه عدم إعطاء ما يكفي من الاهتمام للإنتاج الغذائي الذي يحتاجه المغاربة، مثل القمح والزيوت النباتية والسكر، "ما جعل المغرب في وضعيةِ تبعيّة غذائية". وذكر المتحدث في هذا الإطار أن المغرب يستورد ما بين 50 إلى 60 في المائة من حاجياته من القمح، ويستورد 100 في المائة من حاجياته من الذرة، وأكثر من 50 في المائة من حاجياته من السكر، وما بين 95 و98 في المائة من حاجياته من الزيوت النباتية، وأوضح أنه في وقت نهج المغرب سياسة فتح أسواقه للواردات الأجنبية، في إطار اتفاقيات التبادل الحر، فإن الاتحاد الأوروبي، الشريك الاقتصادي الأول للمملكة، طوّر سياسة حمائية لمنتجاته تمثّل حاجزا أمام وصول الصادرات المغربية إلى أسواقه. وسجّل الخبير الاقتصادي المغربي مفارقة تتمثل في كون المغرب طوّر قدرته التصديرية، لكنه في المقابل لم يطوّر الاختيارات التي تبنّاها منذ مطلع ستينيات القرن الماضي، معتبرا أن هذا الوضع "يجعلنا في عجز غذائي مهول، بسبب عجزنا عن توفير حاجياتنا من الغذاء".