تقرير استراتيجي يبرز دور الاستخبارات المغربية في تعزيز السيادة الوطنية    موجة حر وزخات رعدية نهاية الأسبوع    "الإساءة للذات الإلهية" تشعل الاتهام ب"التحريض" بين الجامعي والرميد    بورصة البيضاء تفتتح على ارتفاع    العين يفتقد رحيمي في افتتاح الدوري    محاكمة أم في ألمانيا بتهمة قتل رضيعتيها التوأمين    الدولار يستقر بعد بيانات تضخم قلصت رهانات خفض الفائدة الأمريكية    طائرات كاندير وتوربو تراش تحسم بشكل نهائي معركة إطفاء حريق دردارة    79 سنة سجنا لافراد شبكة لترويج الكوكايين بالناظور والدريوش    العثور على جثة بالقرب من غابة في هولندا يرجح أنها تعود لسيدة مفقودة    اختتام المؤتمر العالمي الخامس للتصوف بفاس بإعلان تأسيس "التحالف العالمي لأهل التصوف"    الكويت.. ارتفاع حالات التسمم والوفيات الناتجة عن مشروبات كحولية فاسدة                إحتارن يقترب من محطة جديدة في الدوري الهولندي        تنديد عربي واسع بعد تطرق نتانياهو إلى "رؤية إسرائيل الكبرى"    تحذير أممي لإسرائيل وروسيا من إدراج قواتهما في قائمة الجهات المشتبه بارتكابها جرائم جنسية    "سبيس إكس" تطلق 28 قمرا صناعيا إضافيا إلى الفضاء    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة بالمغرب        مصرع 56 شخصا وفقدان العشرات جراء فيضانات مدمرة في كشمير الهندية    "كارثة طبية" أدت لوفاة العشرات في الأرجنتين    انتشار الصراصير في أحياء طنجة يثير استياء السكان ومطالب بتدخل عاجل    طاقم الإسعاف بتعاونية الجرف SST... جندي الخفاء بموسم مولاي عبد الله    خبير إسباني: المغرب شريك أساسي في تأمين الطريق الأطلسية ضد تهريب المخدرات    نهاية نجم حاول ابتلاع ثقب أسود    الكونغو الديمقراطية تهزم أنغولا بالشان    الصحافة الفرنسية تبخس حق حكيمي    بيانات أمريكية تخفض أسعار الذهب    تهديدات ترامب ترفع أسعار النفط        المستثمر المغربي بمدريد.. محمد النقاش عريس سهرة الجالية بمسرح محمد الخامس    عملية "قَدَر" 1979... عندما حسم المغرب مصير وادي الذهب في ساعات    اللجنة الوطنية لتحرير سبتة ومليلية تحتفي بذكرى استرجاع وادي الذهب وتدعو للاصطياف تحت الراية المغربية    السكتيوي يكشف عن تشكيلة المنتخب الوطني المحلي أمام زامبيا    عروض التبوريدة النسوية تجذب أنظار عشاق الفروسية بموسم مولاي عبد الله        العطلة الصيفية…هكذا غيّر تراجع القدرة الشرائية عادات المغاربة في السفر وقضاء العطل            النقيب الجامعي يتهم الرميد بارتداء عمامة المتطرف ضد ابتسام لشكر ويدعوه لعدم التأثير على القضاء    ألفيس بيريز: البطل الذي فتح... صخرة    عادل شهير يطرح كليب أغنيته الجديدة سيري باي باي -فيديو-    القضاء الكوري يرفض تعويض ملحن أمريكي    المغرب يعزز موقعه في صناعة السيارات بمشروع توسعة ضخم لمصنع ستيلانتيس    دراسة: ألم "فصال الركبة" يخف بتدريب المشي    نصائح ذهبية لتجنب حوادث الآلات الكهربائية    الدورة الثانية لمهرجان "سيني بلاج" من 15 إلى 30 غشت الجاري بعدد من مدن المملكة    سلطان يلهب الجمهور ب"الركادة"        تفشي بكتيريا مرتبطة بالجبن في فرنسا يودي بحياة شخصين ويصيب 21 آخرين    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"هل أحتاجه فعلا؟"
نشر في هسبريس يوم 08 - 11 - 2020

(الرأسمالية) وحش لاأخلاقي قذر، ولا تعدو كونها راقصة تعرٍّ لا يهنأ لها بال حتى تجرب شتى طرق الإغراء، لتسلبك في نهاية العرض أموالك كلّها بطريقة "قانونية جدا"! -البعض يسمي ذلك "فنّا"، أنا أسميه فنَّ احتيال-.
ولأن لعبتها لا تخلو من المكر والخديعة، دعوني أُفرد الحديث لطرح أمثلة شديدة البساطة عنها، ومقرفةٍ ربما. ستجدها أحيانا تدافع عن الإنجاب وتكوين الأسر، ليس بالضرورة حرصا منها على استمرار العرق البشري، بل من أجل بيع حفاضات الأطفال، وهي أيضا من سيحاول إبقاءك حيا لأطول مدة ممكنة، ليس حبّا في شخصك أو اهتماما بصحتك، بل حتى تبلغ السن الذي ستحتاج فيه حفاضات مجددا، فتبيعك واحدة من الحجم الكبير هذه المرة.
(الرأسمالية) تعدك برفاهية مزعومة مبنية على الكسل والبلادة، تقول إنها تريد أن تجعل حياتك أسهل و"أرقى"، لكنها في الواقع تريدك أن تشتري أكثر فقط، ستجدها تفعل المستحيل لإقناعك بأن راحتك مرتبطة بالمنتجات التي تروجها، وسعادتك مشروطة باتباع ثقافة الاستهلاك اللامحدود التي تدسها في المجتمع تحت مسميات جذابة، من قبيل الحضارة والحداثة والموضة... وقد تصل لمرحلة تحس فيها بوطأة الضغط النفسي الرهيب جرّاء مشيك عكس التيار، وإحساسك بأنك الغريب الوحيد الذي لم يتأثر بالعادات الشرائية السائدة، فلم يتسابق للحصول على تلك الخدمة أو ذاك المنتوج فقط لأن الجميع يفعل ذلك. صدّقني، إن لم تكن شخصيتك قوية، ستذعن ل (الرأسمالية) إرضاء لمن حولك، وهذا سبب سخيف، مع العلم أن من "سترضيهم" لأجلها ليسوا في الأصل إلا ثلة من أتباعها.
(الرأسمالية) لا تؤمن بالجمال الطبيعي ولا بنسبية فكرة الجمال عموما، ستقول لك إنك مليء بالعيوب وستريك كل سنة صور نماذج بشرية متشابهة، تدعي أنها تجسد ما يجب أن تكون عليه من رأسك إلى أخمص قدميك كي تصير "جميلا". إنها تريدك أن تشتري مساحيق ومواد التجميل لأنها "الضمان الوحيد لتحظى بالجمال الأمثل"، تبيعك بعدها مستحضرات كيميائية أخرى تُستعمل على البشرة والجسم ليلا لإصلاح ما أفسده المايكاب ومشتقاته نهارا، أمر عجيب فعلا! وهي لا تؤمن بوصفات العلاج العشبية، بل تريدك أن تهرع إلى الطبيب وبعدها إلى الصيدلية عند كل كحة عابرة، وإلا فمن سيشتري أكوام الأدوية المكدسة في الصناديق؟
(الرأسمالية) ستشجعك على الاحتفال بجميع المناسبات العائلية والرسمية وغير الرسمية، بل ستبتدع لك مناسبات من عندها إن لزم الأمر، ستؤيدك في قرار الزواج، ليس إيمانا منها بالحب أو قدسية الزواج وجوهره، بل لتقيم حفل زفاف تصرف فيه ما لديك لإبهار الناس، وستفرض عليك تنظيمه بطريقة معينة عنوانها التبذير، كي تضع الصور على السوشال ميديا ويقال عنك شخص "رائع وكيوت" وكي تعيشَ "لحظات رومانسية" لا تنسى –"لا تنسى" لأن أثرها الاقتصادي عليك سيرافقك دائما-.
(الرأسمالية) لن تحضك على الحركة وممارسة الرياضة، هي تريدك شخصا خمولا يقتني سيارة ويتنقل بها قدر المستطاع، تريد مالك عند توقيع عقد البيع وقرض البنك وعند دفع مصاريف التأمين والضريبة والصيانة والموقِف والبنزين... وإذا شجعتك يوما على الرياضة، فلن تخبرك بأن الجري في الغابة ومزاولة حركات تمديد العضلات كاف، لا، بل ستقنعك بالاشتراك في أغلى ناد رياضي، واقتناء ملابس احترافية خاصة من ماركات محددة، وشراء عدة منزلية احتياطية من التجهيزات الرياضية، ستجد نفسك لا تستعمل أكثر مكوناتها، وغالبا ما ستظل مركونة في إحدى زوايا الغرفة، هي لا تريدك أن تطبخ في المنزل.. وتأكل طعاما صحيا، بل تريدك أن تستقل المركبة ذاتها لتذهب إلى مطعم وجبات سريعة يقدم لك السكري والكوليسترول وأمراضا أخرى في طبق مزين، بأضعاف ثمن ما ستقتني به غذاء نافعا، وهي ستحثك على أكله لوحدك كي "تدلل نفسك"، فإذا شاركت رفاقك وجبتك الضارة تلك -لسد جوعهم على الأقل-، فلن يضطروا لشراء وجبات فردية، وهذا لا يناسب (الرأسمالية) طبعا، فهي تريدك أن تكون مستهلكا أنانيا، يشتري أي شيء بأي سعر، ولا يشاطره مع أي كان، حتى لو كان يفوق حاجته ويتبقى منه الكثير، فالأفضل عندها أن تذهب البقايا إلى مكب النفايات على أن تنقص مداخيلها باستفادة كائن بشري آخر منها.
(الرأسمالية) لن تقول لك بأن هندامك حسن وأن ما ترتديه من لباس مناسب ما دام مريحا ونظيفا، بل ستجبرك على مواكبة الموضة واقتناء كل موديل جديد يطرح في السوق، كي تحافظ على أناقتك وتكون "إنسانا معاصرا"، وإن لم تفعل فسيكون مصيرك النقد وسخرية الآخرين، لأنك "قديم الطراز".
(الرأسمالية) لا ترى سعادتك في الأشياء البسيطة، وحتى إن سوقت لك بعضها أحيانا –لأن البيع شغلها الشاغل في نهاية المطاف-، فهي لا تريدك أن تعيد استعمال ما تشتريه أو أن تصلحه إذا تعطل، فقط اذهب واشتر غيره دون تفكير. لا تقلق، ستجدها بالفعل قد خططت لتضطرك إلى ذلك، فقد وضعت من أجلك على رفوف المحلات بضائع قصيرة الصلاحية، ستتعطل من تلقاء نفسها بعد مدة وجيزة، مهما تفانيت في صيانتها.
(الرأسمالية) تريدك أن تغيب حس المنطق لديك، وتجمد وعيك، وتبطل القدرات التي من بها الله عليك، لتصبح بذلك عبدا خاضعا لها، لا تستطيع تحريك ساكن دون دفع المال بالمقابل، تريدك أن تشعر بالنقص الدائم فتتحين من أجل ذلك كل فرصة مواتية لتخلقَ لك احتياجات وهمية وتقنعك بإلزامية الأداء لإشباعها كي تعيش حياة كاملة مثالية، بيد أنها في الحقيقة لن تزيدك إلا شقاء.
لن ينجو من براثن (الرأسمالية) إلا عاقل زاهد قنوع، يدرك ما يحتاجه فعلا، لهذا، فعوض الانصياع إلى الرغبة في الامتلاك التي تجر إلى الاستهلاك، لما لا نأخذ وقتا لمراجعة اختياراتنا المتعلقة بالتسوق، ثم التفكير مليا في تنمية فلسفة الاستغناء، وخير سؤال نعيد به إحياء عقولنا ونور أبصارنا التي أعمتها الإشهارات واللافتات الإعلانية التي لا تنفك (الرأسمالية) تصدح بها وتنصبها يمنة ويسرة، سواء في العالم الملموس أو الافتراضي، هو باختصار: هل أحتاجه فعلا؟ Do I really need it


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.