وقفة تضامن في الرباط تحذر من إبادة إسرائيلية جديدة متربصة بمدينة رفح    الملك محمد السادس يتلقى رسالة خطية من الملك سلمان بن عبد العزيز    سائقو سيارات نقل البضائع بامزورن يؤسسون مكتبهم النقابي    وقفة احتجاجية بالرباط للمطالبة بإعادة فتح معبري رفح وكرم أبو سالم لإغاثة غزة    تفاصيل اختيار الكاف لحكم مباراة بركان والزمالك    وفد من حركة "حماس" في "القاهرة"    غلاء دواء سرطان الثدي يجر "السخط" على الحكومة    المغرب التطواني ينهزم أمام مضيفه نهضة بركان    بوروسيا دورتموند يكرر فوزه على "سان جيرمان" وييلغ نهائي عصبة الأبطال للمرة الثالثة    طقس الأربعاء.. موجة حر تصل 44 درجة تضرب عدة مناطق مغربية    الملف المطلبي يدفع التنسيق النقابي لقطاع الصحة إلى تفعيل إضراب وطني    جماعة الحسيمة تصادق على 20 نقطة في دورة ماي 2024    "الكاف" يعين صافرة سنغالية لقيادة مباراة نهضة بركان والزمالك المصري    وزير الثقافة المالي يشيد بجهود جلالة الملك الداعمة لإشعاع الثقافة الإفريقية    توقيف شخصين بأكادير للاشتباه في تورطهما في حيازة وترويج المخدرات الصلبة    الرباط.. تتويج الفائزين بجوائز القدس الشريف للتميز الصحفي في الإعلام التنموي في دورتها الثانية    توقعات لهبات رياح قوية نوعا ما فوق منطقة طنجة    انطلاق تكوين أساتذة مادة الأمازيغية في السلك الابتدائي بجهة الشمال    باريس سان جيرمان يخطط للتعاقد مع نجم المنتخب المغربي    الداخلية تفتح باب الترشح لخلافة بودريقة في رئاسة مرس السلطان    بنموسى يكشف عن مصير الأساتذة الموقوفين    رئيس روسيا يأمر بمناورات نووية    قتلى وجرحى في هجوم بالصين    الجزائر تعاقب إسبانيا وتوظف ورقتها الضاغطة    مجلس المستشارين يناقش حصيلة الحكومة    بوريطة يستقبل وزير خارجية مملكة البحرين    الاتحاد الآسيوي يوقف حمد الله 3 مباريات    إدارة إشبيلية تحتفي بالمدرب الركراكي    القرطاس تضرب فتيزنيت باش البوليس يسيطرو على مسلح نشر الرعب فالمديمة    وكالة تنمية اقاليم الشمال تعقد مجلسها الإداري ال12    نصف ساكنة السجون المغربية شباب.. وعدد المعتقلين يتجاوز 102 ألفا    حملة بيطرية تختتم "مهرجان الحمار"    المغرب يقتحم الحدود الممنوعة في صناعة السلاح الفتاك    مطار أكادير المسيرة…ارتفاع بنسبة 23 في المائة في حركة النقل الجوي    "غارديان" تكشف مستجدات زياش وتشيلسي    وزارة الداخلية السعودية تعلن تطبيق عقوبة مخالفة أنظمة وتعليمات الحج    تداولات الافتتاح في بورصة الدار البيضاء    وزير الصحة يعلن تسجيل أزيد من 32 ألف حالة مرض سل في المغرب    متلازمة رومهيلد .. مشاكل في القلب تحدث بسبب تراكم الغازات    مناسبة لتأكيد تمسك الأمة بمبدأ الوفاء للعرش العلوي المجيد.. الذكرى الواحدة والعشرون لميلاد ولي العهد الأمير مولاي الحسن    "حماس": 54 شهيدا خلال 24 ساعة في غزة    غلاء ثمن دواء سرطان الثدي يسائل الحكومة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    احتفاء المهرجان الدولي مسرح وثقافات بسنته ال 20 : كوميديا موسيقية ومسرح أمازيغي وعودة مسرح الحي، لتتويج هذا الاحتفاء    تقرير رسمي: معدل الاكتظاظ بالسجون يبلغ 159% والسجناء قدموا 5153 شكاية خلال 2023    بمناسبة شهر التراث: ندوة في موضوع "دور الرواية في تثمين المواقع التراثية بالقصر الكبير"    تارودانت ربيع المسرح في نسخته الثانية يكرم نزهة الركراكي    فرقة "أتيز" الكورية تتصدر نجوم مهرجان موازين    إحداث أزيد من 16 ألف مقاولة جديدة في المغرب    الأمم المتحدة تحذر من أن مخزونها من الوقود يكفي ليوم واحد فقط في غزة    سلسلة "اولاد إيزا" الكوميدية تثير غضب رجال التعليم وبنسعيد يرد    سيمانة قبل ما يبدا مهرجان كان.. دعوة ديال الإضراب موجهة لكاع العاملين فهاد الحدث السينمائي الكبير وها علاش    "العرندس" يتوج نفسه وينال جائزة الأفضل في رمضان    الدورة الثانية عشر لعملية تأطير الحجاج بإقليم الناظور    الأمثال العامية بتطوان... (591)    دراسة: السجائر الإلكترونية قد تسبب ضررا في نمو الدماغ    السفه العقدي بين البواعث النفسية والمؤثرات الشيطانية    الأمثال العامية بتطوان... (589)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كبرياء الشيخ وزقاقية المريد(3/4)
نشر في هسبريس يوم 15 - 03 - 2012

لو كنت تعلم ما أقول عذرتني....أو كنت أعلم ما تقول عذلتكا
لكن جهلت مقالتي فعذلتني........وعلمت أنّك جاهل فعذرتكا
في وسع المريد والخصم العنيد أن لا يقرأ مقالتنا وليطو عنها كشحا. فما الذي يجبرهم على قراءتها ثم الامتعاض منها كأنّ في العين قذى؟! فلئن كانت حقّا فارغة ولا توجد فيها جملة مفيدة واحدة كما يقولون وكما علّمهم كبيرهم، فلم كلّ هذا الهيجان الأحمق، وهم يقرؤون منها كلّ حرف ويمعنون النّظر في ما بين السطور؟! إلى أيّ حدّ يبدو المريد صادقا مع نفسه قبل أن يصدق مع جمهوره؟! تصوّر لو أنّنا ألفنا كلاما فارغا تمدّحا في الشيخ، ألم يكن من المتوقّع حينئذ أن يقيم لك المريد منبرا في كلّ مدشر عدلاوي؟! ولئن كانت مقالاتنا لا تروق أحدا منهم، وكانوا في ذلك صادقين على المنهاج النبوي، فليختاروا أسلوبا ولغة ومصطلحا غير الذي نحتناه؛ اخرج من عبارتي واهجوني! أليس حريّا بي أن أتساءل: من أي جحر تربوي خرج هؤلاء المتآمرون حتى في ردودهم البلهاء، بتواطآت وتنسيقات مفضوحة تجري بأعيننا، لكنها لا تنفع؟!قلت وأكرّر، إنّ تحليل نفس المريد هو ذاته تحليل نفس الطّفل. فاقرأ هذا في ذاك، مهما بدا لك المريد كبيرا، فإنّه لا يعدو أن يكون طفلا بلحية.ففي معرض تأمّلاتنا لسيكولوجيا أعماق المريد، لاحظنا ثمّة تعويضا سيكولوجيّا يمارسه المريد تجاه نظرائه. هاهنا لا مجال للانقياد والطّاعة. فبقدر ما يبدو المريد أمام شيخه كالميت بين يدي غسّاله، تراه يعاند ويتمرّد أمام كلّ الحقائق التي لا تدور في فلك مولاه.لا يكاد المريد يدرك أنّ نقاشي مع شيخه لا يسمح له في منطق الآداب أن يكتري حنكه لكسر الجوز، بينما لم يكن لي مع المريد موضوع لأناقشه معه. إنّه لمن قلّة الأدب أن يجيبني المريد الفضوليّ، بينما أنا أخاطب الشيخ.فهل كلّما ناقشت شيخا انبرى لي مريد؟ من يصرف عنّي ضجيج المريدين يا ترى؟ إنّني لا أعترف بإجابات المريد، لأنّها لن تكون سوى مماحكات وفضوليات ومحفوظات وتمثّلات.كما لسنا في حاجة إلى تقييم أخلاقي أو صكوك غفران من دراويش المريدية. فهم في وضعية أخلاقية حرجة لكي يحكموا على غيرهم. لذا ليس أمامهم اليوم سوى أن يسلكوا طريق التهريج وتمثّل عباراتنا نفسها واستعمالها ضدّنا بأسلوب قردي بالغ البلادة. وكان أحرى بالمريد أن يرعوي ولا تأخذه العزّة بالإثم ولا يهتز بريح إن كان بالفعل يرى شيخه جبلا.هؤلاء الرويبضة الذين يبلون أسوأ بلاء ليخرجونا من الملّة، نقول لهم: لا خوف على الدّين من أهله ! وقد كان سواء عندي أن لا أعقّب على المريد كحالة عامة وألقمه صمتا. لكن كان لا بدّ من دردشة تذكّر المريد بموقعيته في جغرافيا الجدل الفكري. نعم، كان حقّا للمريد أن يناقش وكان حقّا له أن يحتجّ إن كنت وجّهت له سؤالا أو بارزته باستشكال.أذكّر أنّني أتحدّث هنا عن "زلاك" من المريدين أدخلوا في مجالسهم وردا جديدا، هو لعن كاتب السّطور.يخشى من يخشى أن يكون في نقدي ما تخسر به الأمّة رهانها؛ قلت: فعلت ما فعلت بعد أن أدركت أن لو كان الغريم معك لما زادك إلاّ انهزاما.
الاستحضار المذهبي والهذيان الطّائفي
الموضوعية والأخلاق تبدأ من هنا؛ بأن لا يشطّ المريد خارج النّص وبعيدا عن السّياق ليكشف عن غوايته الطّائفية. الموضوعية والأخلاق ليستا ادعاء ونفاقا، بل هما مواقف.ولن تنتظر من مريد أن يقول فيك حقّا.لم ولن يسمع منّي أحد تصنيفا طائفيا في الحجاج الفكري.ولا داعي أن أكرّر أنّي مسلم إنساني إنّما أنزلني الظّلاميون منزلة طائفية في هجاء لا ينقطع ومؤامرة سفيهة مفضوحة، لأنّني حاضر ولا أحتاج إلى من يعرّف بأفكاري كما يفعل الجهلة التكفيريون.فالنقاش المذهبي هو في نفسه مسألة اختصاص علم الكلام والمذاهب المقارنة. ولم يكن في الوارد أن أتحدّث في هذا الجانب لأنه ليس موضوعنا في نقدنا لشيخ الطريقة الروكية. ذلك لأن المريد الذي يزعم أنه يتقصّى الحقائق اتضح أنه كاهن قارئ نوايا بغير علم وهو موقف لا أخلاقي ولا علمي ، لمّا ما فتئ يحيل على المذهبية كما لو كنت حقّا رجلا طائفيا. بينما خسئ من يدّعي ذلك، لأنّ عدم طائفيتي هي التي جعلتني لا أرى مشكلة في أن أنفتح على جميع التيارات والمدارس والأفكار ولأنني لست انزوائيا ولا طائفيا ولا مذهبيا مثل المريد الذي ضاقت عليه دائرة السوء المذهبية ، فلم يكفه مذهب الأشعري في الاعتقاد أو مالك في الفقه أو الجنيد في السلوك فأضاف عليها انزواء جديدا: الياسينية في المعقول والمنقول وأضغاث أحلام. ليست الياسينية مذهبا خامسا إضافة إلى المذاهب الأربعة بل هو أب المذاهب، لأنه مذهب خليفة الله في الأرض كما جاء في رؤيا المريد التي حكاها في حضرة الشيخ ، وأنّ الأمة، بحسب رؤى أخرى، مدعوّة لاتباع كتاب المنهاج النبوي للشيخ. لقد خالفوا الأشعري لمّا قالوا أن ياسين هو خليفة الله في الأرض، وخالفوا مالك حينما قالوا في الخمر ما لم يقله مالك فيه مع فتوى المصونة التي زكّاها الشيخ واعتبر فتواها الكشكولية حكيمة.ويبدو أنّني بهذا النقد سيكون لي أجران: أجر التّصدّي للخطأ، وأجر أنّني سأساعد الجماعات الإسلامية على أن تتوحّد. فلأوّل مرّة نرى دفاع التكفيري عن الياسيني، والياسيني عن البيجيدي، وما خفي أعظم. وسأكون أكثر سعادة إن حصل هذا وكان الجور فيها عليّ خاصّة.الطائفي الحقيقي هو الذي لا يحسن أن يناقش أفكارك إلاّ بالإحالة إلى المذهبيات كحاطب ليل.لقد ظنّ المريد وفي غياب أية فركة أذن أنه وقف على فهم كبير لمذهب المختلف، وهكذا عاد ليصبّ رسالته التحشيدية التي عادة ما يكون الإشراف عليها من قبل أجنبي على الصناعة، ليبرز عضلات ضامرة أمام عامة جاهلين أو من غير أهل الاختصاص وكذا ليظهر لأبيه الروحي الثاني القرضاوي ومريديه في الاتحاد العالمي أهمية ما يقوم به المريد المزدوج في المغرب. وهو في ذلك ليس وفيّا حتى لشيخه ياسين أو لعلّها من تقيتهم، لأن القرضاوي يحكم بضلال وانحراف ما يعتقد به الياسينيون. وهو يجهل تماما أنّ ظهر كاتب السطور وضرعه مثل ابن اللّبون لا الأوّل يركب ولا الثّاني يحلب، فمن رام ركوب ظهره سقط وانكسر ومن رام حلبه عنوة شرب وشرق. ثم حاول في مرتبة ثانية أن يبرز مذهب شيخه وكأنه فتح بابا جديدا في تدبير مشكلات الماضي والحاضر والمستقبل. وكما لو أنّ جبريل حقا أخطأ إنزال الرسالة على محمّد وأنزلها على عبد السلام ياسين. والحقيقة أنّ شيخه نفسه لم يقدّم في هذا الباب سوى مقاربة زيدية ، سطى عليها سطوا من دون اعتراف بمصادر فكرته؛ كان أحرى به أن يعلن نفسه مستبصرا زيديا لا أن يسرق أفكار ومواقف وينسبها لنفسه ويخفيها بكثرة الإنشاء.مقاربة الشيخ ياسين للتّاريخ التقاطية انتقائية مستعارة من مرجعيات مختلفة لا تنطلق من التّاريخ وإنما من تصميم أيديولوجي مسبق غير تاريخي، يحاول ياسين من خلالها أن يلفّق صورة تسهّل الحلّ وتجعل الخطأ ليس في التجربة التّاريخية بل في الأفهام، تماما كما يفعل مريدوه اليوم، أنّ من وقف على شطحات شيخهم اعتبر جاهلا بنصوصهم غير مدرك لحقيقة مواقفهم. فهي ترفض التحقيق والحسم وتنظر إلى الوقائع كما لو كانت خرائط من الخيال يمكن أن يتصرّف فيها بإعمال الخيال لا المقاربة التاريخية الشجاعة. وقد حاول ياسين الخداع حينما حصر المأزق كلّه في نقطة مختصرة ضحّى فيها ببني أميّة ليعود ويلتفّ على مقتضى التفسير نفسه. أي خاصم بني أميّة في التاريخ لكنه سلّم بثمرة تاريخهم. وبينما هو يسعى لمقاربة تاريخ القومات ، استكثر على المختار الثقفي موقفه فأقام الحدّ على ثورة المختار ووصفه بما لم يصفه به أمويّ حاقد، لمّا قال في كتابه الإسلام والقومية العلمانية:"وخاض الأدعياء في الماء العكر مثل المختار الثقفي ودولة الباطل العبيدية".فياسين يتطاول بوقاحة على شخصية كبرى في تاريخ الإسلام ويمنح نفسه حقّ تسفيهها، لا لشيء إلاّ لأنّ المختار الثقفي لاحق فلول بني أميّة وأرداهم واحدا واحدا انتقاما لمقتل الحسين. وبعد ذلك أي قيمة أن نتباكى على الحسين ثم نجرّم من رفع شعار: يا لثارات الحسين؟!ليس لدينا الوقت الكافي لكي نحصي مقدار الشخصيات التي أساء إليها ياسين واستعمل في حقّها أسوأ العبارات. وهذا بيّن إذا كان المريد حافظا لنصوص شيخه ويعرف ما أقول.وأما المريد، فهو لم يفعل أكثر من أن يظهر لنا أفكارا ومواقف وجدلا داخل مدرسة طاف بها طواف فضولي لم يقشع إلاّ ظاهرا منها فيما ظلّ جهله واضحا بمضامينها، وفي أرقى الحالات ينقل جدلا داخل مدرسة مجتهدة تقدّم آراءها للعالم من دون إخفاء ولا تبرير. يشرح المريد مدرسة شيخه التاريخية التلفيقية بكثير من التّلفيق: تلفيق ينطح تلفيقا.باختصار شديد، ليس كاتب السطور صاحب موقف طائفي، ولكنّه فاضح لثقافة الطّائفيين. بينما غرق الشيخ ياسين في طائفية هجينة حاول أن يخفيها لكنّها استغرقت آراءه ومواقفه.
مزاعم التّخلّق
زعم المريد أنه سينهج نهجا نبويا في الحوار ثم سرعان ما امتطى المنبر وظنّ أنّه في موقع يخوّله أن يمنّ على الآخر بالحوار.وعادة ما ينسى المريد أنه مقلّد لشيخ قد يصيب وقد يخطئ في كل مقارباته. لكنه وتحت تأثير الهذيان الصوفيولوجي يعتبر نفسه رسولا حقا وليس رساليا .مشكلة المريد أنه كان في وارد الدفاع عن الشيخ لا عن الفكر.عن الطريقة لا عن الإسلام.ما هو المنتظر من شخص جعل همّه أن يدافع عن معصومية شيخ لم يخطئ في شيء أبدا؟ فهم وإن سايروك نظرا بأنهم لا يقولون بعصمة الشيخ، فلسان حالهم أنهم لا يفترضون خطأ واحدا فيما قاله أو فعله. ودليلي على ذلك أن المريد في كل حشوه الجدلي ذاك لم ير في نقدي للشيخ كلمة واحدة صحيحة. بل يفترض أن لا شيء يصحّ من ذلك ولن يصحّ مسبقا أي نقد موجّه للشيخ.إن قبح الخلق هنا واضح لا سيما حينما يقارع طليق أسيرا مقيّدا بسلاسل ثقيلة.إن المفكّك لنصوص هؤلاء يستطيع أن يستنتج أحكاما مهما حجبوها ببرودة الألفاظ فهي تقول: إن كاتب السطور جاهل، منفعل، حاقد ، كاذب، طائفي، مرتزق ، مخزني ، صفوي، مجوسي، غير متخلّق، غير متّقي، متعصّب، متكبّر، عدوّ ، علماني، جبان، علقمي، مناصر للديكتاتورية، خنفشاري، عميل، رويبضة،خرافي،و..و.. لانهاية لاتهاماتهم وتجديفهم. ولسنا في كلّ هذا عند القوم على شيء. وكلّ هذا نقبله رضا برضا الله. لأنّنا نعرف أنّ تلك هي ضريبة الاختلاف في بيئة التّخلّف.
في نقد المزايدة بالتربية
التربية، التربية، التربية! أسطوانة من المزايدات مشروخة.فلقد أكثر غير قليل من مريدي الشيخ ياسين في هذه المزايدة مع أنّها بخلاف المظنون من أهل التربية والوصول. فلا يزايد بصلاة وصيام وقيام إلاّ مرائي صغر شأنه في هذه الرياضة. وأولياء الله أخفوا حالهم في مظاهر أهل الذنوب. وإنّا لم نلمس من طريقة الشيخ المتبرجز ذي الهوى الفرنكوفوني ما يدل على ذلك لمن وقف على الحقيقة. وليت المريد يدرك أنّ جذبة واحدة مع الله تعدل ألف سنة من رياضة هؤلاء المرائين. ولا ينفع قيام مع تبييت مسموم وحقد دفين وتطاول في القول والعمران. فوالله لو صليتم حتى تكونوا كالحنايا وصمتم حتى تكونوا كالأوتار ما نفعكم ذلك إلاّ بالحقّ. ولقد استشعرنا الحاجة إلى الله منذ الصبا ولا زلنا على باب الله نكدح ونرجو رحمته ولا نمنّ على الله إسلامنا، نسقط ونعود لنتمسّك من جديد. ولا زال كاتب السطور يرى نفسه في أسوأ حال مع الله هالك لولا أن يتغمده الباري برحمة منه. وهذا ليس تواضع المرائي بل هي الحقيقة. لكن هذا الميل بدأناه في عمر الغرارة، بينما في مثله كان شيخ الطريقة كما يروي لنا عن نفسه "خبزيّا" تائها في التّموسق وعازما على قصد الهند لمزاولة اليوغا،أي كان على وشك أن يتبودد. فالتربية التي يزايد بها المريد لم نجد لها في قولهم وسلوكهم أثرا.ولقد قدّرنا الله على نفض جوّانيتهم فإذا بغبار الانحطاط الخلقي والغلّ والغليان تسابق ألسنتهم كاللّهب. ماذا لو لم يكونوا أصحاب جماعة تؤمن بالتّربية إذن؟! إنّ خير التربية ما فاض على الأقربين المقرّبين. وقد كنت ناصحا وليس شامتا حينما طلبت أن يكذّب أهل الإحسان ما شاع بين المواطنين من فضائح لاأخلاقية مست القريب والمريد من جماعته. وحينما قلت أن الوحي تدخّل لتكذيب حادثة الإفك ليطمئن النّاس لم أكن أقصد إمضائي على ما رأيت، بل سأكون آخر من يصدّق بذلك، وآخر من يتعرّض لتلك الأمور، لموقف أخلاقي ولموقف ديني من أنّ دم وعرض ومال الشيخ ومريديه حرام بحكم إسلامهم وأخوّتهم وإن جاروا علينا. لا أريد أن أتحدّث عما يخالف مقتضى التربية من مظاهر. لكن في الفترة الأخيرة بات من المخجل أن تتحدّث الجماعة عن التربية. فلقد عرفت الجماعة انزياحات أخلاقية من دون أن يتعرّض منحرفوها لمساءلات تأديبية تظهر شفافيتهم واحترامهم للرأي العام. كما عرفت أمورا لم تجب عنها فيما يتّصل بمال الجماعة والعلاقة مع تجّار المخدّرات كما تزخر بها الشواهد في وسائل الإعلام. وكنّا قد أشرنا إلى جزء يسير من تلك الأمور سابقا ولا أريد الإطناب في هذا.فخسئ المريد الشّقي وهو يلوذ بقياس مغالط بدا له صالحا كفحوى الخطاب، ملؤه التبييت والدّجل حينما ربط بين نادية ياسين وعائشة بنت أبي بكر. فأتحدّى أي شقي من أشقياء الطريقة الياسينية أو غيرها أن يأتوا بمثال يتعرّض فيه كاتب السطور إلى عرض عائشة. أما تغليطها في معركة الجمل فهو ما عليه الجمهور.والتحشيد تدجيل.وخلط السّياقات قزمة في العلم وخبث في السّريرة.
في نقد المزايدة بالاسم
لا مجال إذن للتّميّز بالعدل أو الإحسان. وإن كان التّميّز بها لجهة الجمعوية تكمن قيمتها في حقّ التسجيل في الدوائر الرسمية ، فهي دعوى فارغة لا تستحقها الجماعة فكرا وتربية وثقافة وزحفا. لأنّ مقتضى العدل أن تكون الجماعة قد حسمت فكريا واعتقاديا وكلاميا في مسألة العدل الإلهي ولم ينسبوا إلى الله الظلم وهم لا يشعرون قبل أن ينشدوا العدل في دنيا الخلق وهم يلبّسون. وقد خالف شيخ الطريقة العدلاوية المدرسة العدلية في العدل الإلهي. ومقتضى الإحسان أنّ يكونوا قد أحسنوا السلوك وفق سفر عقلي يجعلهم يميّزون بين أضغاث أحلام وبين رؤى العارفين، كما يحسنون الارتقاء الروحي دون مزايدة ومنّ على الله إذ أولياء الله لا نعرف لهم سميّا ولا نملك معرفة حالاتهم مع الله. وقد ألفينا منهم بساطة في المعرفة الإلهية مما جعلهم أضحوكة الغادي والبادي كما ألفينا منهم مزايدات روحية على سواهم وكأنّ أولياء الله لا يوجدون خارج مجالس النصيحة العدلاوية والمريدية الياسينية. ألسنا أشرنا سابقا إلى عثرة المصونة السيدة نادية ياسين وهي تسجّل نقطة نظام بعد تخريفة ولائية لأحدهم ، معتبرة أن غابة المعمورة لا تستحقّ هذا الإسم إلاّ بعد أن زارها الشيخ ومريديه؟! ولو كنت أومن بالقياس على طريقة إبليس كما يؤمن المريد لقلنا: إنّ المريد لا يرى معقولا ولا منقولا إلاّ ما كان من شأن هذه الجماعة، فالصواب لا يوجد في غيرها البتة. وعلى هذا لسنا نبارزهم إلاّ بالعدل والإحسان، فنحن أنسب إلى العدلية والعرفان في الأساس. ولا أهمية لكل محاولات المريدين كما فعل بعض متنطّعيهم حيث بارزني بآراء كنت ممن دعا إليها ورسّخها في نوع من قلب الحقائق لا يمنعه علم أو أخلاق في المضيّ فيه. فالعلم عند المريد حفظ وتقليد وترديد وتحشيد، هو إذن رواية من دون دراية.وحينما يقول قادة العدل والإحسان إنّ ما اعتبرناه خلافة راشدة ليس إلاّ الدّولة المدنية، فهذا يعني أنّهم لم يفعلوا سوى أن سقطوا في التلفيق وهم يفرّعون بتبسيط على قاعدة أثيرة دعونا لها في التبني الحضاري والتجديد الجذري على خلاف القاعدة الأثيرة التي تعبّدوا في محرابها ردحا من الزمان: لا يصلح حاضر هذه الأمة إلاّ بما صلح به ماضيها، قلنا لهم اقلبوها بموجب التبني الحضاري والتجديد الجذري لتكون: وقد يصلح ماضي الأمة بما يصلح به حاضرها ومستقبلها. فكثيرة هي الأفكار والتعاليم التي قد ندركها برشدنا العقلي والحضاري ، نستطيع أن نعيد إنتاجها في عصرنا على أسس حديثة. وقريب من ذلك، التّصور الهزيل الذي أحاطوا به معنى الخلافة حتى صدمتهم الثورة السياسية الحديثة بأفكار بدت تصوراتهم أمامها في منتهى الهزال. فما يجهله المريد الذي طلع عليه النهار متأخرا، أن كاتب السطور ناقش بعض المريدين السّبّاقين في المريدية العدلاوية محاولين استقطابه ، وكان قد سأله سؤالا مفصليا حتى يكون أو لا يكون في الجماعة في بدايتها: هل يا ترى لكم تصوّر حول تفاصيل البديل السياسي، فاليوم لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار بقضايا تفصيلية تتعلّق بالانتخاب ومن هو الحاكم وما هي وظيفة البرلمان والمجتمع المدني؟ لم أجد جوابا بقدر ما أوهمني من أراد استقطابي أنّ هذه أمور ما أنزل الله بها من سلطان وأن الأمر يتعلّق بخلافة على منهاج النّبوّة. طرحت سؤالي على القيادي في العدل والإحسان منذ غابر الزّمان بلغة الدّولة المدنية وأجابني يومها بلغة الخلافة على منهاج النبوة. إذن لا داعي لخلط أخماس بأسداس، فموقفي من العدل والإحسان قديم وسببه هو غياب تصوّر سياسي واضح ونظرا لموقفهم السلبي القديم من الدولة المدنية. وفي هذا نؤكّد على أنّ موقفهم اليوم غير مضمون لأنّهم حتى اليوم يكابرون ولا يريدون أن يقرّوا بمراجعتهم. ذلك لأن تكوينهم النفسي والثقافي يأبى المراجعات. فهم ينظرون إلى آراء الشيخ نظرة وحيانيا معصومية. والمراجعة تعني أن الشيخ كان على خطأ. وهم توقيرا للشيخ لا يريدونها مراجعة. وقد يتجاسرون على المراجعة يوم لا يبقى الشيخ ولكن لا يعتبرون ذلك انقلابا على فكر الشيخ بل سيسعون بالتدليس إلى القول أن الأمر يتعلّق بتأويل كلام الشيخ. هكذا نفهم لم يقولون: إنكم لم تفهموا الشيخ ، وإن الشيخ يريد أن يقول كذا وكذا، وإن معنى الخلافة على منهاج النبوة هي الدولة المدنية؟ ! فلو أنهم راجعوا لهدأت خواطر واستقرت نفوس ولم يعد من سبيل للفوضى والالتباس. لكن الخوف من تخطيء الشيخ والخدش في معصوميته حال دون طرح مسألة المراجعة.
التلويح بشريعتي تدليسا
اعتاد المريد بين الفينة والأخرى أن يستحضر علي شريعتي كعنوان لما اعتبره في محاولته التحشيدية خاوية المضمون بأنه المصلح الذي واجه التّعصب الأخباري. وهو تدليس يمرّره عسى أن يقنع من لا علم له بقوالب العدل والإحسان بأنّ كاتب السطور ينتمي للأخبارية وليس لأهل الأصول، وبأنهم هم الثوريون وليس كاتب السطور.يبارزني المريد بعلي شريعتي وتلك من أعجب الأعاجيب. ويجهل أو يتجاهل بأن ما هرّبني منهم سوى هذا الالتباس والخمول بحثا عن العدل والثّورة. وموقفي منهم هو اليوم موقف ثوري وليس أخباريا. هذا إن كان له ميزان ناظم يدرك به الفروق الحقيقية بين هؤلاء وأولائك دون أن يحشّد علينا تراثنا الذي خبرناه قبل أن يعلم لنفسه سميّا. فليته أدرك رأي الأخباري وعمق محتواه لأدرك بأنّه وبنهج الإخبار تعتبر الطريقة الياسينية طريقة خرافية ما أنزل الله بها من سلطان. وأنّه وبمنطق أخباري مبين، لا أضلّ من دعوى تنزل خطابها منزلة الأئمة المهديين من دون حجّة ودليل.إن المزايدة على كاتب السطور بآراء علي شريعتي من قبل مريد شقيّ لهي مهزلة بكل المقاييس. ولكن المريد يحاول في هذه المزايدة الشريعاتية الإيحاء بأنّ صاحبنا مريد لشريعتي وليس للشيخ ياسين. وهكذا تعددت المريدية والتبست واختلطت بعد أن اجتمع فيها الشيء ونقيضه. أإليّ يقال هذا وقد كتبت ما يميط اللثام عن هذا التلبيس الذي أدخلني فيه المريد على حين غفلة من شيخه؟! والعجب أننا خالفنا شريعتي فيما يناقض خطاب ياسين. ويتحدّث المريد عن شريعتي كما لو كان اكتشافا جديدا له. وربّما اعتقد أنّ الزّمان الإيراني لا زال موقّتا على زمان الترجمة المتأخرة لأعماله. في حين يجهل المريد أن شريعتي في دياره بات متجاوزا لشدّة التّطور الذي تعرفه فلسفة الدين وعلم الكلام الجديد في إيران بات فيها شريعتي تراثا متجاوزا. ومع ذلك تبدو المزايدة على كاتب السطور من قبل المريد بشريعتي خدعة بليدة من خدع الطريقة الياسينية التي لو عرضت خزعبلاتها على شريعتي لوضعها في قمة سلم الاستحمار الفكري والروحي والسياسي. ولذا حينما حدس الشيخ ياسين من فكر شريعتي أنه قد يؤثّر على مريديه ويسلبهم من تحت جبته ويكتشفوا من خلاله خرافية النّهج الياسيني، حيث سادت آراء شريعتي وبدأت تدبّ في أوساط الحركة الإسلامية المغربية، هرع الشيخ ذات يوم ليوجه نقضه الاستئصالي ضدّ علي شريعتي في لحظة أثارت ذهولي يومئذ.والمريد في تدليسه هذا يجهل أنّ من أوائل ما راكمه كاتب السطور من مواقف صدمني من شيخه هو حملته الظّلامية على شريعتي، حيث انتقده في ما لم ينتقده فيه نقاده الذين وصفوهم بالأخبارية. ومع أنّه لم يكن يعلم لشريعتي إلاّ كتيّبات قليلة أبرزها العودة إلى الذّات، حكم على شريعتي مقلّدا نهج الأخبارية التي ينتقدها المريد الشقي نقلا واستدراكا وتصحيحا غير معلن على شيخه. فالذي ناهض شريعتي بناء على رأي الأخبار هو ياسين، الذي حمل على شريعتي في أفضل ما تغنّى به المريد الشّقيّ. لكن ترى هل كان ياسين يومها على اطلاع على سائر مكتبة شريعتي ليحمل عليه كلّ هذه الحملة الظّالمة والساذجة؟ففي كتابه:"الإسلام والقومية العلمانية"، يرى الشيخ ياسين أنّ شريعتي استعمل الدين"استعمالا إيديولوجيا خداع لم يكتشفه المقنن التراثي، إنما قلد فيه جهابذة الاستعمار".وهو في نظره غير إسلامي ولا مصلح بل "الرجل قومي علماني له أهداف قومية علمانية، لم يكن بوسعه وقد مات قبل الثورة أن ينظر قانون محاربة الإسلام بالقومية كما يفعل حزب البعث العراقي منذ أربع سنوات ونصف(...) فلجأ إلى اللعب على الحبلين ليخدم أهدافه القومية بشعارات إسلامية كما خدم الاستعمار أهدافه بإثارة الشعور العرقي طورا والشعور الديني طورا آخر". ويقول ياسين ذامّا شريعتي وفكره بظلامية حادّة: "ويشرح المعلم الشريعتي المذهب قائلا : "نرى أننا حين تجرد القومية تماما من وضع اجتماعي خاص أو زمن تاريخي، فإنها تكون مدرسة فكرية تقدمية كما وصفت في الكتب، وتكون طبيعية. لكننا في هذه الظروف نرى أن نفس هذه المدرسة الفكرية الصحيحة الصادقة التي استند عليها كل هؤلاء العلماء الأوربيون، وأنتجوا كل هذه الآداب العظيمة على أساسها، وعلى نمط تفكيرها، وأن هذه المدرسة التي أزالت ظل الحكومة البابوية عن أوربا، ومنحت أوربا الخلاص، صارت بالنسبة لوحدة المشرق سببا في الانقسام والفرقة والعناء". ويعلّق ياسين على كلام شريعتي بقوله:"لا يحتاج إدراك مرمى الرجل إلى كبير عناء، فهو لا يخفي إعجابه وإيمانه الشديدين بالفكر القومي الذي يعتبره حقيقة الحقائق. وسيظهر لنا مرماه واضحا جليا فيما يلي من كلامه. ولا تغرنا غيرته المعلنة على الإمبراطورية العثمانية، فمن وراء فحوى كلامه تقرأ التطورية الظرفية الماركسية، كأنه يقول : ما دمنا لا نستطيع طي المراحل التاريخية، وما دمنا لا نستطيع تجاوز خصوصيتنا، فنسالم الدين بل لنستعمله قوة بها نتحرر أولا". فشريعتي حسب ياسين هو مخادع وليس إصلاحي واعتقاده في هذه الأفكار الجاهلية بيّن. يقول في حقّ شريعتي في ذات الكتاب:"شريعتي لا ينطلق من أن هناك حقا وباطلا كما صرح بذلك، بل هي ظروف اجتماعية، ومراحل تاريخية، وخصوصيات قومية لا بد أن نصانعها ونماشيها إلى أن تتاح الفرصة لتطبيق الحقائق العلمية التي نؤمن بها إيمانا راسخا". ويقول أيضا:"نقرأ معه(أي مع شريعتي) هذا القانون الذي يؤسس مدرسة النفاق "العلمي" وأرجو أن لا يتألم أحد من نعتنا لأهل النفاق والكفر بالنعوت التي يطلقها الشرع على أهل النفاق والكفر. فنحن نصف المواقف بالموضوعية، ونرتكب نحن أيضا الخيانة إن أطلقنا عليهم مجاملة أي نعت آخر، خاصة وهم يشهدون على أنفسهم بالكفر والنفاق ولا يستترون.استعمل المترجم من الفارسية إلى العربية كلمة "فحوى" ولهذا أدلته، فالفحوى عند الأصوليين الدلالة الظاهرة للكلام، ومن ورائها "المفهوم" وهو المعنى الآخر الغائب لفظا، المفهوم معنى، إما موافقة أو مخالفة. كأنه يقول لزبنائه : " اقرأوا جيدا ما بين السطور". ودلالة أخرى هي أن المترجم تراثي كالمترجم عنه، كلاهما يتحكك بالألفاظ الفقهية. ولا حاجة لقراءة ما بين السطور، فالقانون واضح. كأنه يقول : "مهما كانت الحقائق التي نؤمن بها ومعنا لإثباتها ألف دليل، فحذار أن تظهرها أو تستعملها، بل تستعمل الشعارات التي تروج سياسيا وتتبنى الأهداف الرائجة عند الشعب. إيماننا بأن الدين إيديولوجية مرحلية، وأن العقلانية اللبرالية أو الماركسية هي الحق، وأن الاشتراكية هي العلم وهي المستقبل، كل هذا نكتمه حتى تتمكن أقدامنا في الساحات الشعبية. ولن يكون لنا هذا أبدا إن لم نحرك " المخزون النفسي" للجماهير برفع شعارات الإسلام".هذا هو الأفق الذي بقي مفتوحا أمام التراثيين : أن يوظفوا الإسلامولوجيا أداة مداهنة ليحصلوا على ثقة الجماهير المعبودة الغالية".ومع ذلك يدلّس المريد على القارئ في مزايداته علينا بشريعتي كما لو كان مذهب جماعة العدل والإحسان على فكر شريعتي لا على فكر ياسين الذي يحكم عليه بالضّلال والنّفاق.إن الشيخ الروكي هو من أوائل من أساء الأدب مع هؤلاء الأعلام. وأين كانت أخلاقكم واحترامكم للآخر يوم كفّر ياسين ببرودة حسن حنفي واستعمل معه ونظراءه أسوأ العبارة وأقساها: (لم تقولوا ما لاتفعلون) ؟
المزايدة بالإمام الخميني
لاأدري سبب حرص المريد على أن يبارزني بمثال الإمام الخميني كلّما انتقدت شيخه؟!وكثيرا ما حاول المريد إقحامه في الرّد على موقفي ورأيي من شيخه. ولا أدري ما مغزى هذا الإقحام الذي يشبه القياس مع الفارق. فشتات شتان. هذا مع أن المريد يدرك تماما أنّ شيخه يسلك اليوم على سنة القرضاوي لا على نهج الخميني، ثم سرعان ما رجع الشيخ إلى صباه ليسلك على سنّة أوردوغان؛ فلم هذا الإقحام يا ترى؟! فإن كنت تريد معرفة رأيي في هذا القياس المفارق، فإن البون شاسع والمقارنة مغالطة. ولقد أخطأ من تورّط في تلك المقارنة منذ سنوات. فأين هذا من ذاك، في منطق التّاريخ والجغرافيا وفي ميزان الفقاهة والعرفان والتجربة والوجدان والاستراتيجيا والتدبير والسمعة والصّيت والمقام والمقال!فالإمام الخميني يختلف عن الشيخ ياسين اختلاف المشرقين والمغربين.فمهما اختلف المختلفون معه، فلن ينكروا أن جمهوره ممتد على جغرافيا العالم. ومهما اختلف معه العالم ، فهو قد فجر ثورة عالمية لا زالت تفرض نفسها كمعادلة كونية. بينما لا يزال ياسين لم يستطع أن يهيمن روحيا ولو على حارة كما لا يزال يعد بقومة في كوكب آخر غير كوكبنا. والإمام الخميني واضح العبارة تعامل مع محيطه بالتوجيه والإرشاد وفي أكثر الأحوال كان يترجم موقف المجتمع ولم يكن خبزيّا قط. إن كنت مصرا على ذكر الفروق بين ياسين والخميني حتى لا يعود الشيخ وينتج في لا وعي المريد حالة حلولية بين الشيخ والإمام فلك هذا:
لقد كان للخميني مواقف قلّما تعرّف عليها الأباعد في النشأة ، بينما ياسين لم يحص له التّاريخ سوى أنه يومها كان هائما في التّموسق. وكان الخميني زاهدا قائما طالبا للعلم منذ ذلك العهد بينما ياسين وبشهادته كان خبزيّا ، كما كان قاب قوسين أو أدنى من أن يتبودد. كان الخميني في الفقه مجتهدا صاحب رأي صناعي في كل صغيرة وكبيرة من أبواب الفقه واقفا على كل أشكال الاختلاف وصاحب رأي في جميعها. بينما الشيخ ياسين داعية يسوس جماعته بالرؤى والأحلام والمطالعة الفقهية حتى أنه شجع ابنته المصونة على الفتاوى الغريبة واعتبرها حكيمة، هذا حيث لم يتجاسر أبناء الخميني على فتوى في حياته أو بعد وفاته وهم في موقعية الاجتهاد. والخميني في العرفان ، عارف كبير ليس شخصا طرقيا لا يفقه في العرفان. بل هو في الحكمة والعرفان صاحب أسفار عقلية يدركها المطلعون. فهو شارح الفصوص والأسفار مطلع على صغائر وكبار المطالب العرفانية عند السهرودي وابن عربي وملاصدرا وآملي وقوف متخصص متبحّر محترف، بينما الشيخ ياسين طرقي يلفق بين الظاهرية وقشور التصوف، فيقع في محذورات العرفان من حيث لا يدري. الخميني لم يطرق أبواب السفارات ولم يطلب ودّ الفرنجة ولم يقل هنا لا مساس وهناك لن نركع. بينما شيخنا ما زال على تواصل باسم الانفتاح بعد أن رفض الانفتاح في الدّاخل. مفتوح على الخارج مغلق على الدّاخل. مؤمن بالاستعمار كافر بالسلطان. لو احترم الشّاه الدين والتّاريخ الإسلامي لإيران بالقدر الذي هو عليه في بلادنا لما اضطرّ الخميني للثورة على الشاه الذي أراد شخصيا أن يهرّب إيران من محيطها الإسلامي وإعادة إنتاج هويتها الفارسية الآرية بمجدها الإمبراطوري. الخميني زاهد لم يترك وراءه من أغراض سوى أشياء زهيدة أغلاها قارورة عطر حيث زهد الخميني في كل شيء إلاّ في العطر. وحتى بعد أن أصبح قائدا لدولة تعوم فوق الديباج والذهب الأسود والكافيار والنووي، رفض أن يوهب له ذلك البيت الشعبي في حي شعبي بجمران، بل ورفض التدفئة في العناية المشددة تضامنا مع الأهالي في قرى خرمشهر ورفض أن يكون له أجر من الدّولة أو أجر العاملين على ما يجبيه من حقوق شرعية. لقد كانت له أجرة تاكسي يملكه ولا وقت له لاستجمامات الشيخ الطّولى. لا شيء قابل للمقارنة بين هذا و أموال الشيخ وسكنه وتصرّفه في مال الجماعة واصطيافه وهيمنته على مريديه. بعد هذا أنصح المريد أن لا يأتيني بمثال عن الخميني كلما تحدثت عن الشيخ. فليس إعجاب ياسين بالخميني مطلع الثورة حجة ولا منّة. بل الجميع كان سيان في ذاك الرهان. وليس ذلك تفضلا بل واجب فرضته قوة الحدث. لكن الشيخ كف أن يتحدّث عن ذلك ، لأنه أراد أن يركب يومها موجة سرعان ما بدأ يغير إعجابه بها بعد أن بدأ يركب موجة الجهاد الأفغاني،الذي مجده لكنه طرد كل عدلي شارك في الجهاد الأفغاني من دون إذنه. مع أنّه أفتى الفتاة بأن تكذب على أبيها لحضور مجالس النصيحة. لقد أراد ياسين أن يركب موجة الثورة الإيرانية كما يريد اليوم ركوب موجة ثورة الفبرايريين وآخرها حركة المسلّحين في سوريا. وما لا يفهمه المراقب لسلوك الجماعة لا سيما بعد انسحابها الغامض من حركة 20 فبراير، هو أن هذا سلوكها القديم. فهي تركب الموجات ، ولكن ما أن تلمس أنّها لن تجني شيئا من ذلك أو أن ذلك بات يكلّفها تضحيات حتى تعلن انسحابها. يركبون كلّ مطيّة ثم سرعان ما يترجّلون في منتصف الطريق. فلقد ركبت موجة الثورة الإيرانية ثم سرعان ما تراجعت، وركبت موجة الجهاد الأفغاني ثم سرعان ما تراجعت، وركبت موجة العشرين فبراير وسرعان ما انسحبت. وهذا كلّه يحمل موقفا قديما للشيخ كثير التّحول والترحال! فلقد ركب موجة البوتشيشية لكنه ولأسباب غامضة ،خرج وأعلن جهادا نظريّا معلّقا وجد نفسه أسيرا داخله. فياسين لا يريد جهادا ولكنه ما دام خرج باسم الجهاد، وجد نفسه مطالبا بالإصرار عليه. وبين إرادة الجهاد وعدمه اختار طريقا معلّقا قوامه الانتظار. إن مراد الشيخ ياسين هو تأسيس طريقة وليس تنظيما فرض عليه بحكم الوقائع. فقد عمل جهده ليكون شيخ طريقة. لكن أنّى له بها في بيئة طرقية تورث فيها الطريقة أبا عن جدّ. قلت: إن الشيخ ياسين ركب يومها الثورة الإيرانية قبل أن يتراجع عن ذلك. وخلافا للمريد ، لا بد أن تقرأ نصوص الشيخ في سياق الوقائع بدل أن نعتمد التحشيد واستحضار النصوص من دون تراتبية زمنية. فتبجيل الشيخ بالثورة الإيرانية وقائدها لا يحجب تهجّمه عليها لمّا همّ بتغيير تمثّلاته ومواقفه. يقول عبد السلام ياسين في كتاب سنة الله: "وتورطت الثورة الإيرانية وانكشفت مذهبيتها ومصلحيتها الضيقة لما خذلت المجاهدين السنة، ومنعتهم تسهيلات الحدود، وقصرت عونها على الشيعة الذين لزموا ما يشبه الحياد والمهادنة مع الغزاة الروس. لإيران حجتها في هذا الخذلان، تتقدم بأنها في حرب طاحنة، وأنها مطوقة، وأنها لا تستطيع تحدي العملاقين العالميين في نفس الوقت. وهذه حجج تُضعفها وتُفتِّتُها واقعة الانحياز المذهبي، والتحالف الرديء مع نصيرية سوريا أعداء الله ورسوله سفّاكي دماء المسلمين. لا يُقبل من إيران الثائرة الاعتذار بأن الحلف مع سوريا هو البديل الوحيد عن العزلة وسط عالم مجاهر بالعداء مُجمِع على حرب الثورة. ولئنْ كان لمواجهة ثورة إيران عدوَّ الإسلام البعْثي في العراق ما يبررهُ في أعين المسلمين، وهو كون البعثية كفر، فإن الحلف مع البعث الآخر النصيري يزيِّف هذا التبرير. تورطت إيران في موقفها من جهاد الأفغان، وهذا التوقف دخن في نية الإيرانيين يُرى رأي العين، ولَوْثة شائِنة يُؤكد شينها ويُسود معالمه الحلف مع النصيرية الذين أضافوا إلى حقدهم الموروث على الإسلام حقدا مجددا قِوامه القومية البعثية. في أوائل الانقلاب البعثي النصيري منذ ما يقرب من عشرين سنة كانت إذاعة النظام من دمشق تذيع شعارات الكفر صريحة هائجة مسعورة: آمنت بالبعث ربا لا شريك له وبالعروبة دينا ما له ثاني" وتذيع هتاف: هات سلاح وخذ سلاح دين محمد ولى وراح ! فكيف تدافع إيران الثورة عن إسلاميتها ويدها في يد من سفكوا دماء المسلمين آلافا مؤلفة في حماة، وهتكوا الأعراض في السجون، وعاثوا في الأرض فسادا ما مثله فساد منذ فساد أسلافهم القرامطة؟ ورطة وشناعة ! كيف غطت النسبة النصيرية، وهي الرابطة المذهبية الشيعية، "بمَزاياها" التكتيكية على النسبة البعثية في حساب قوم جعلوا العداء لبَعث العراق استراتيجية حربهم ومحور دعايتهم؟انفضحت ثورة إيران أمام الجهاد الأفغاني، وظهر للعيان الفرقُ بين صمود إلى الله ورسوله في سبيل الله ورسوله، وبين صمود ثوري في دوافعه ومساره دَخْن وخوض وشوائب فتنوية ثقيلة. لا تقل فدائية الثوار الإيرانيين شجاعة عن فدائية المجاهدين في أفغانستان. بل إن دموية القتال الثوري بطش وفتك نادر مثالهما في التاريخ. وبالمقارنة بين نورانيَّة الإيمان وروحانية حُب الاستشهاد في أفغانستان وبين الغمرة الشيعية والاستبسال المتفاني في إيران يظهر لنا إلى أية جهة تُشير أصبع العناية الإلهية لتتبع الأمة مدارج الصعود من هوة الفتنة إلى ذرى العقيدة الصافية، والبذل الجهادي الخالص للمال والنفس في سبيل الله. تزكية الله سبحانه وتعالى للجهاد الأفغاني آية واضحة في الآفاق والأنفس. الفئة القليلة تمرغ في التراب أنف أكبر قوة عسكرية في العالم، والكرامات الجلية التي كتب عنها الشيخ عبد الله عزام، وشهد بها الخاص والعام، وأصبحت حديثا متواتراً. وتستمر الثورة الإيرانية، سددها الله وهداها، في الصراع الدموي. لو بذلت ثورة إيران عشر معشار جهودها بالنية الخالصة التي يتحلى بها إخوان الصحابة في أفغانستان، ولو عادت الكفر من حيث هو كفر سواء كفر البعث العراقي والنصيري، لكان للامتحان الذي تمر منه الأمة جميعا مخرج آخر. أستغفر الله من "لو" وتوابعها.".
وقد رأى العدلاويون هذه الأيام أن يبحثوا لهم عن نبوءة تنقد مصداقيتهم بعد نبوءة 2006م الكاذبة ، فأوردوا هذا النّص كما لو كان معجزة ياسين في التنبّؤ بسوريا، بينما مثل ذلك الكلام لم يكن سوى إلا تقليدا مكرورا لكلام الإخوان المسلمين السوريين. فهو لذلك يكفّر المسلمين، وينسب البعث في العراق للعراق وفي سوريا للنصيريين. فياسين الطّائفي لا يقول البعث العراقي والبعث السوري، بل يقول البعث العراقي والبحث النيصيري.ومع أنه يومها بدأ يتمثّل الجهاد الأفغاني إلاّ أنه ظلّ يعتقد بنمط آخر من الجهاد: الجهاد بالمراسلة والتحريض والجلوس متفرجا في التّل ولسان حالهم: اذهب أنت وربك فقاتلا إنّا هاهنا مزايدون على غيرنا بجهاد لم نشارك فيه إلا بالمزايدة والفرجة. لا يستطيع ياسين أن يصدر بيانا يدين فيه إسرائيل وأمريكا اليوم. فهو طليعة المجتمع ورائد قومتها المفترضة. لكنه فضل أن يطرق باب السفارة الأمريكية ويفتح نافذة من خلال سفرات ابنته المكوكية إلى أمريكا ومغازلة الأيباك. تستطيع الجماعة أن تشارك في مسيرة ضد سوريا اليوم ركوبا للموجة حيث هذه أيضا رغبة الدّوحة وواشنطن لكنها غير قادرة إلى الدّعوة اليوم حيث يسحق الفلسطينيون يوميا إلى مسيرة تضامنيّة خوفا من إفساد الرّبيع الأعرابي وراعيه بعد أن تنكّروا للربيع العربي ويتاماه. إنهم لا يسيرون إلاّ فيما ما سار فيه غيرهم ثم سرعان ما يركبون الموجة. فقبل أن تفضح الويكيليكس العلاقة الغرامية بين الجماعة وأمريكا، لا أحد كان يملك التّعرّف على سبب المواقف العدلاوية المنتقاة والتي لا تفتل عضلاتها إلاّ فيما كان فيه المغاربة جميعهم سبّاقين إليه مثل القضية الفلسطينية أو فيما لا يزعج العم سام. وإذا كانت الجماعة تقدّم نفسها بكّاءة على قضايا الشعب السّوري في خرجة أرادت أن تبعث من خلالها رسالة ضدّ النّظام وكذا تزلّفا لقطر والغرب، وهي لا تفعل أكثر من أن تردّد مثل الباباغاء شعارات تعرض في الجزيرة من دون إبداع في العناوين والشعارات، فلم لا تحضر هذه البكائية نفسها في ملفّات أخرى مثل البحرين مثلا إن كان حقّا الشيخ شجاعا وصاحب ضمير حيّ ولا يخشى في الله لومة لائم، أم أنه يسلك على جغرافيا الكلام ولا يقول ما لا يرضي الأمريكان. وهنا لا يهمّ ما قاله قبل عشرات السنين، فالعبرة بخواتم الأمور. فالجماعة تخشى نقد ما يعرف بدول الاعتدال، بل وهي حاملة الخطاب الغالي والخرافي تعلن نفسها طليعة الاعتدال، وتقنع نفسها بأنّها تمثّله من موقع اعتقادها بأنّ الشيخ ياسين هو خليفة الله في الأرض وبأنّ المهدي المنتظر مريد للشيخ وسينطلق من داخل الجماعة مبشّرا بمؤلّفات ياسين وبأن لا مخرج إلاّ بالقومة. ومع ذلك يلتقي هذا الفكر مع المشروع الأوردوغاني ، حتى وإن كان أوردوغان لا يؤمن بالقومة ولا بالخلافة على منهاج النبوة، مادام أجداده لم يقيموا خلافة على منهاج النبوة. يخشى ياسين أن ينتقد دول الاعتدال ويستثني في هذا الهوى المغرب وحده. إنّه يظهر بطرق مختلفة كم هو دوحوي الهوى. فهنا لا شجاعة ولا لبس للأكفان ولا إسلام ولا طوفان ولا عدل ولا إحسان ولا هم يحزنون؛ فمن هو الكاذب يا ترى؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.