الأقاليم الجنوبية، نموذج مُلهم للتنمية المستدامة في إفريقيا (محلل سياسي سنغالي)    نبيل باها: عزيمة اللاعبين كانت مفتاح الفوز الكبير أمام كاليدونيا الجديدة    البطولة: اتحاد طنجة المنقوص عدديا ينتصر على نهضة بركان    مجلس الشيوخ الفرنسي يحتفل بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة    "أونسا" ترد على الإشاعات وتؤكد سلامة زيت الزيتون العائدة من بلجيكا    ست ورشات مسرحية تبهج عشرات التلاميذ بمدارس عمالة المضيق وتصالحهم مع أبو الفنون    الدار البيضاء تحتفي بالإبداع الرقمي الفرنسي في الدورة 31 للمهرجان الدولي لفن الفيديو    نصف نهائي العاب التضامن الإسلامي.. تشكيلة المنتخب الوطني لكرة القدم داخل القاعة أمام السعودية    المنتخب المغربي الرديف ..توجيه الدعوة ل29 لاعبا للدخول في تجمع مغلق استعدادا لنهائيات كأس العرب (قطر 2025)    كرة القدم ..المباراة الودية بين المنتخب المغربي ونظيره الموزمبيقى تجرى بشبابيك مغلقة (اللجنة المنظمة )    بعد فراره… مطالب حقوقية بالتحقيق مع راهب متهم بالاعتداء الجنسي على قاصرين لاجئين بالدار البيضاء    أيت بودلال يعوض أكرد في المنتخب    أسيدون يوارى الثرى بالمقبرة اليهودية.. والعلم الفلسطيني يرافقه إلى القبر    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    حصيلة ضحايا غزة تبلغ 69176 قتيلا    بأعلام فلسطين والكوفيات.. عشرات النشطاء الحقوقيين والمناهضين للتطبيع يشيعون جنازة المناضل سيون أسيدون    بين ليلة وضحاها.. المغرب يوجه لأعدائه الضربة القاضية بلغة السلام    توقيف مسؤول بمجلس جهة فاس مكناس للتحقيق في قضية الاتجار الدولي بالمخدرات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    مديرة مكتب التكوين المهني تشتكي عرقلة وزارة التشغيل لمشاريع مدن المهن والكفاءات التي أطلقها الملك محمد السادس    عمر هلال: اعتراف ترامب غيّر مسار قضية الصحراء، والمغرب يمد يده لمصالحة صادقة مع الجزائر    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الرئيس السوري أحمد الشرع يبدأ زيارة رسمية غير مسبوقة إلى الولايات المتحدة    أولمبيك الدشيرة يقسو على حسنية أكادير في ديربي سوس    شباب مرتيل يحتفون بالمسيرة الخضراء في نشاط وطني متميز    مقتل ثلاثة أشخاص وجرح آخرين في غارات إسرائيلية على جنوب لبنان    دراسة أمريكية: المعرفة عبر الذكاء الاصطناعي أقل عمقًا وأضعف تأثيرًا    إنفانتينو: أداء المنتخبات الوطنية المغربية هو ثمرة عمل استثنائي    "حماس" تعلن العثور على جثة غولدين    النفق البحري المغربي الإسباني.. مشروع القرن يقترب من الواقع للربط بين إفريقيا وأوروبا    درك سيدي علال التازي ينجح في حجز سيارة محملة بالمخدرات    الأمواج العاتية تودي بحياة ثلاثة أشخاص في جزيرة تينيريفي الإسبانية    فرنسا.. فتح تحقيق في تهديد إرهابي يشمل أحد المشاركين في هجمات باريس الدامية للعام 2015    لفتيت يشرف على تنصيب امحمد العطفاوي واليا لجهة الشرق    الطالبي العلمي يكشف حصيلة السنة التشريعية    ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    تقرير: سباق تطوير الذكاء الاصطناعي في 2025 يصطدم بغياب "مقياس ذكاء" موثوق    بنكيران: النظام الملكي في المغرب هو الأفضل في العالم العربي    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    اتصالات المغرب تفعل شبكة الجيل الخامس.. رافعة أساسية للتحول الرقمي    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



راهن المساجد في المغرب
نشر في هسبريس يوم 16 - 08 - 2012

عند بحثنا عن مراجع يمكن أن نستأنس بها في بحثنا الميداني المتعلق بالمساجد والفاعلين المرتبطين بها في المغرب، وجدنا أن البحث الخاص بدراسة المساجد يكاد ينعدم على الساحة البحثية الوطنية ، ما عدا الإحصائيات الرسمية والدراسات الموجهة والتي يرتبط معظمها بتصور أو طرح إيديولوجي، في حين تنتمي باقي الدراسات الموجودة إلى ميادين بعيدة عن علم اجتماع الدين: كالتاريخ، والآثار، والفنون الجميلة . مما دفعنا إلى النزول المباشر للميدان. محاولين من خلال هذا الموضوع اكتشاف الإشكاليات التي تواجهها السلطة في تنزيل سياستها الدينية القائدمة على مواجهة المد السلفية بالاحالة على ما يعتبره الخطاب الرسمي بمثابة ثوابت دينيةة للممكلة المغربية ( العقيدة الأشعرية، المالكية المذهبية، التصوف).
وبعد مدة من البحث الميداني خلصنا إلى الأسئلة المحلة التي تطرح نفسها بصدد هذا الموضوع وهي كالتالي:
ما هي وضعية الخريطة المسجدية بالمغرب؟
هل تغيرت وظيفة المسجد ومقارنة بماضي هذه المؤسسة العبادية؟
كيف تؤثر التعددية المذهبية التي يعشها المغرب في أداء المسجد لمهامه؟ وما هو موقعه وسط
الصراعات المذهبية التي ترهن بعض المساجد المغربية ؟
المساجد في المغرب، الحالة الراهنة
يخلوا الموقع الالكتروني لوزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية المغربية من إحصائيات محينة حول المساجد، إذ لا تحيل نافذة (إحصائيات ومعطيات) حول المساجد على أية مادة. وفي المقابل فإن بالإمكان أن نستطلع أحوال المساجد من منظار وزارة الأوقاف من المعطيات المستقاة من موسم 2006-2007 وكذلك الندوات الصحفية التي عقدها وزير الأوقاف بصدد الشؤون المسجدية. وفيما يلي بعض الإحصائيات المستفادة من كل ذلك:
1-عدد المساجد وقاعات الصلاة 41750 منها 16490 مسجدا جامعا بمعدل 7 مساجد لكل خمسة آلاف نسمة وما يساوي 39 % من مجموع عدد المساجد بالبلاد.
2-عد د المصليات 8253 مصلى.
3- عدد المساجد التي تنفق عليها الوزارة والمحسنون 28048.
4-عدد المساجد التي تنفق عليها الوزارة 1097.
5-عدد المساجد التي تنفق عليها المحسنون 3610.
أما في ما يتعلق بالانفاق على المساجد، فأوضح السيد الوزير أن عدد المساجد التي تنفق عليها الوزارة بلغ10 آلاف و97 مسجدا، فيما بلغ عدد المساجد التي تنفق عليها الوزارة والمحسنون28 ألف و48 مسجدا، ووصل عدد المساجد التي ينفق عليها المحسنون3 آلاف و610 مسجدا.
وعلى العموم فقد بلغ مجموع مساجد المغرب وأماكن العبادة 41 ألف مسجدا ومكانا للصلاة، يؤمها أكثر من4 ملايين مصل، ويشرف على حسن سيرها وتأطيرها حوالي62 ألف قيما دينيا. كل ذلك في إطار السياسة الرسمية المعلنة والمطلعة إلى "الارتقاء بمؤسسة المسجد موقعا ورسالة" ضمن منظومة الهيكلة الجديدة للشأن الديني التي أعلن عنها الملك محمد السادس في خطابه ل30 أبريل 2004 حول "إعادة هيكلة الحقل الديني" بالمغرب. وكذلك في إطار الفهم الجيد لرهانات "الأمن الروحي" التي يشكل المسجد فيها قطب رحى.
وفي ما يخص المساجد التي يبنيها المحسنون فقد وافقت الوزارة سنة 2007 على 240 طلبا لبناء المساجد وتوسعتها من لدن المحسنين فيما بلغت طلبات التوسعة التوسعة 67 مسجدا، مع إعقاء المساجد من الصريبة على القيمة المضافة بنسبة 50 بالمائة، وفي سنة 2008 ت الترخيص للمحسنين ببناء 188 مسجدا في مقابل برنامج الوزارة الذي تولى تشييد 41 مسجدا، وقد شكلت كل من سنة 2007 و 2008 ارتفاعا في مستوى إقبال المحسنين على بناء المساجد بعد التراجع الكبير الذي سجل بين ستة 2002و2004 حيث تقلص العدد إلى 56 بعد سنة على تفجيرات الدار البيضاء . ، وفي سنة 2008 تم الترخيص للمحسنين ببناء 188 مسجدا في مقابل برنامج الوزارة الذي تولى تشييد 41 مسجدا، كما تم في نفس السنة إعفاء بناء المساجد من الضريبة على القيمة المضافة بنسبة 50 بالمائة .
أما من الناحية الجغرافية، فيعرف انتشار المساجد اختلالا في التوزيع حسب الجهات، فجهة- مراكش- تانسيفت- الحوز لوحدها تعرف تمركز حوالي سدس مساجد المغرب، كما تتوفر الدار البيضاء الكبرى، وجهة زمور- زعير، وجهة وادي الذهب- الكويرة، وجهة العيون- بوجدور على مسجد واحد أو مسجدين فقط لكل 5000 نسمة، وجهة فاس- بوبمان على 3 إلى 7 مساجد لكل 5000 نسمة، في حين هناك جهات تتوفر على أكثر من 7 مساجد لكل 5000 نسمة وعي جهة سوس- ماسة- درعة، ودكالة- عبدة، وتادلة- ازيلال، والغرب- الشراردة بني حسن، وتازة- الحسيمة- تاونات، وطنجة- تطوان .
وقد عرف تموقع المساجد في الوسط الحضري تغيرا كبيرا، ففيما قبل كان يتم اختيار موقع المساجد في وسط أحياء المدينة محاطا بملحقات الكتاتيب القرآنية وأسواق ومتاجر وحمامات يحبس معظمها لصالح المسجد.أما اليوم فتتمركز المساجد في وسط الأحياء التي يتركز فيها السكان، أو في المجمعات السكنية الجديدة، في حين يقل هذا الانتشار في الأحياء ذات الطابع الخدماتي والسياحي .
وفي حالة إذا تم بناء مجمعات سكنية جديدة من دون أن تتوفر على مساجد، فإن ذلك يكون مدعاة لقيام السكان بالتعبئة لإنشاء مسجد يجمع شملهم ويعطي لتجمعهم هوية دينية، وقد يتكلف بذلك محسنون من غير سكان الحي.
وبالنسبة للمساجد الموجودة داخل سور المدن العتيقة، فيرجع الفضل في إقامتها للاتجاهات الصوفية على الرغم من عدم انتظام هذه الاتجاهات داخل حركة موحدة، وهو الطابع الذي تقلص اليوم على حد كبير بحيث أصبحت أغلبية المساجد بدون هوية مذهبية مع بقائها مظهرا أساسيا من مظاهر الهوية الجماعية للأحياء الذي تتواجد فيها.
وعلى مستوى الخطاب المبثوث داخل مساجد مراكش، وقبل أن تتبنى الدولة الخطاب الصوفي بشكل رسمي كمكون مفترض للهوية الدينية الوطنية، كان المسجد رهين تعددية الخطاب الديني، مما شكل أصنافا من التوجيه والإرشاد الديني الملقاة في المساجد نلخصها في:
- الخطاب المطابق لسياسة السلطة.
- الخطاب الخادم للإسلام الصوفي البعيد عن السياسة.
- الخطاب التقييمي والمروج للإسلام الاحتجاجي ضد السلطة السياسية .
أما بالنسبة للمساجد الملحقة بالأضرحة والزوايا، فتكتفي الجهات الرسمية بإصدار توجيهات عامة إلى التي تقع منها تحت إشراف زعامات دينية تقليدية تربطها علاقات قوية بالسلطة، ومتحصنة ضد خطر تسرب كل الإيديولوجيات الإسلامية بكل أنواعها.
ومنذ فترة الثمانينيات، بدأت الشبكات السلفية تتشكل في شبكات أحياء وتنتظم في حركة لبناء المساجد ، وخلافا لأماكن العبادة التي تتبناها الدولة، فإن المساجد التي كانت تتبناها هذه اللجان ، كثيرا ما تحولت من بناء صفيحي إلى مساجد مبنية بمواد صلبة خاضعة للسيطرة السلفية، خصوصا بعد تزايد السكان في تلك الأحياء واتساع شبكات التضامن السلفية واضمحلال مقاومة السلطة المحلية.
فعلى مستوى مدينة مراكش على سبيل المثال، وقبل الشروع في وضع وتنفيد سياسة تأهيل الحقل الديني التي وضعت في أعقاب بموجب الخطاب الملكي ل 30 أبريل 2004، اضطرت السلطة ( وزارة الأوقاف، ووزارة الداخلية) بعد مرور مدة على أحداث 16 مايو 2003 الإرهابية بالدار البيضاء إلى اتخاذ تدابير احترازية عديدة، ابتدأت بإغلاق عدة مساجد بدعوى ما يسيطر عليها من "أفكار متطرفة". وهي مساجد ( بلبكار، دوار كوكو، دوار ميمي، دوار السراغنة، الشهداء، عين إطي، الرحمة، قشيش) ، في حين تم ضم مسجد بلبكار إلى وزارة الأوقاف وهو مسجد حديث بني من طرف أحد المحسنين المقربين من الدوائر السلفية، وكان يشهد نشاطا مكثفا من خلال دور القرآن المرفقة به، والتي تتبع إلى جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة، وعلى طوال العام التالي لأحداث 16 مايو 2003، تم، ولنفس الأسباب، ضم 12 مسجدا إضافيا ومن أهمها: مسجد حي البشير بشارع آسفي (مولاي عبدالله)، ومسجد المسيرة الثالثة، ومسجد الأمل بشيشاوة، ومسجد الرحمان بحي تاركة .
وتثير إجراءات الضم التي كان معمول بها إشكاليات عديدة، فمن حيث المبدأ تخول المساطر للجمعيات المسجدية حق التقدم لطلب الضم إلى الجهات المتخصصة ، شرط أن يكون الطلب متضمنا الوثائق التالية : التصميم- رخصة الجمعية- شهادة صلاحية المحل- عدد المرافق المحبسة لصالح المسجد...
وقد أبانت الوضعية السابقة الرفض المتكرر الذي أبدته مصالح وزارة الأوقاف سابقا في مواجهة طلبات الضم لأسباب عديدة، أهمها عدم توفر المساجد المعنية على مرافق خاصة، فكان لا يقبل للضم سوى المساجد التي تتوفر على محلات تجلب موارد تعفي الوزارة من تحمل أي عبئ مالي ينتج عن الضم، وقد وقفنا على عدة جمعيات مسجدية تقدمت مرات كثيرة بطلب الضم دون أن يستجاب لها لذات الأسباب .
لكنه بعد أحداث 16 مايو2003، أضفت المصالح المختصة مرونة كبيرة على مسطرة الضم، وذلك لكي تتمكن من السيطرة على المساجد التي تسيرها " الجمعيات السلفية"، بدون الاهتمام بمشكل الموارد الذي كان حجة لعدم الضم في الفترة الماضية، وكانت العديد من طلبات الضم المعنية بهذه الحالة قد تقدمت بها السلطات التابعة لوزارة الداخلية. في حين بقيت ترفض طلبات الضم التي يتقدم بها الخواص مباشرة إلى سلطة الأوقاف ، مما يبين إلى أي حد تحكم الهاجس الأمني في عملية تأميم المساجد.
رغم ذلك، فإن سياسة الضم التي سارعت إليها السلطة لم تشمل كل المساجد التي تخضع لإشراف الجمعيات السلفية أو التي يحج إليها مصلون منتمون إلى هذه الجمعيات، ومنها مسجد سوكوما الذي يؤم صلاة التراويح فيه أحد زعماء جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة ( الشيخ الدراري) مما يجعل المئات من المصليين السلفيين يحجون إليه في شهر رمضان من كل عام.
وفي حي المسيرة بذات المدينة، يوجد مسجد خاص آخر ذي طابع سلفي واضح، سواء من حيث طقوس الصلاة، أو مواضيع خطبة الجمعة، أو هويات طاقم الجمعية الساهر على شؤون المسجد، والذي يقوم بعض من أعضائه بجمع تبرعات لاستكمال بناء المسجد وتجهيزه بشكل نشيط بعد كل صلاة، وعلى عكس مسجد سوكوما المشار إليه سابقا ، فلا يوجد هذا المسجد على لائحة الضم لدى وزارة الأوقاف، أما بالنسبة لسلطة هذه الأخيرة في الإشراف والتوجيه، فإنها تبقى قابلا للتفاوض حول حجمه وحدوده في معظم الأحيان.
وعلى الرغم من ضم بعض المساجد منذ فترة طويلة، فإن بعضها لا يزال تحت سيطرة سلفية رمزية، منها " بوكار" المجاور للحي التجاري ذي الطابع السلفي، وتتجلى هذه السيطرة من خلال عدد المصلين السلفيين الذين يحجون إليه للصلاة وخطيبه المنتمي إلى جمعية الحافظ بن عبد البر ذات التوجه السلفي. ومن خلال السوق الذي يقام بجانبه والذي ينشط فيه التجار السلفيون الصغار .
على مستوى التمويل، تبقى الإعانات التي تقدمها الدولة للجمعيات المسجدية شحيحة لا تشمل سوى لوجستيك المسجد ( الفراش، مصاريف الماء والكهرباء، مكبرات الصوت..) ، علاوة على مستحقات طاقم المسجد ( الأئمة، الخطباء، المؤقتون، المنظفون، رواة الحديث، قراء الحزب، المراقبون، الوعاظ، أصحاب المعين...)، في حين لا يستفيد من طواقم المساجد غير التابعة سوى الأئمة والخطباء، لكنها تستفيد في تغطية مصاريفها من تبرعات المحسنين أو عن طريق الموارد التي تجمع من طرف المنادين بالتبرع عقب كل صلاة، وتنشط حملات التبرع هذه على الخصوص في المساجد ذات الطابع السلفي. تمثل المساجد التي يرعاها السلفيون إذن شبكة تواصلية دعائية تشجع على رعاية وتجهيز تلك المساجد و بناء أخرى، و تتم هذه الدعوة على منابر خطبة الجمعة، وإبان الخروج من المساجد. وذلك في ظل شح الموارد المخصصة للمساجد من ميزانية الوزارة الوصية، حيث تقل دلالة الأرقام الرسمية أمام ضخامة عدد المساجد وتعدد أنواعها وتواضع حالتها المادية والمعمارية.
أما بالنسبة للمحسنين الذين تتم تعبئتهم من طرف نشطاء الحركة السلفية، فبالإضافة إلى دافع الفضل الديني المتحصل من بناء المساجد، يحصل هؤلاء على بعض المكاسب المهمة تتلخص في المكانة الاعتبارية داخل الوسط الاجتماعي: فبالإضافة على ما يؤدي إليه بناء دور القرآن بجوار المسجد من تعزيز حركة إعادة الأسلمة على مستوى القاعدة وفي الأحياء وشبكات التعاضد المتآلفة حول المسجد، فإنه يؤدي على المستوى الشخصي لمحسنين إلى كسب معارف جديدة، والتقرب من السلطات المحلية، ونيل مكانة محترمة عند العموم.
ومن الإجراءات الجديدة التي اعتمدتها الدولة لمراقبة التنظيمات الجمعوية المسجدية وضبط مصادرها المادية والتعرف على طرق تمويلها للمساجد، إقرارها لمشروع القانون رقم 29.04 القاضي بتغيير وتميم الظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون رقم 1.84.150 الصادر في 2 أكتوبر المتعلق بالأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي فيها، بعد المصادقة عليه من طرف مجلس المستشارين، الغرفة الثانية بالبرلمان المغربي في 25 يوليوز2006.
ومن الناحية الرسمية، يهدف هذا القانون إلى توسيع مجال الاستشارة لمنح رخصة بناء الأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي، واشترط تطابق البناء المزمع إنجازه مع البرنامج العام لبناء المساجد، و ضرورة تنظيم المحسنين الذين يرغبون في بناء أحد أماكن إقامة هذه الشعائر في إطار جمعية تنشأ طبقا لأحكام الظهير الشريف المتعلق بالجمعيات، فضلا عن ضبط عملية جمع الأموال المخصصة للبناء.
وفي الواقع، كان هذا القانون إطار للضبط والمراقبة فقد توخى في حقيقة الأمر، الوقوف في وجه كل المساعي التي تستهدف استغلال الأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي "لأهداف غير سليمة". كما يندرج في إطار الجهود المبذولة من أجل التصدي لأولئك الذين يستغلون المساجد لأهداف أخرى "خطيرة على الأمن الروحي للمملكة"، ومن مظاهر هذا التصدي، ما ينص عليه الفصل الثاني من المادة الأولى، من كون أن الوالي أو عامل العمالة أو الإقليم المعني بالأمر هو الذي أصبح يسلم رخصة البناء بعد استطلاع رأي لجنة تضم: ممثلي القطاعات الوزارية المعنية، ورئيس المجلس العلمي المحلي المعني بالأمر أو ممثله، و رئيس المجلس الجماعي المعني بالأمر أو ممثله. كما يجب حسب المقتضيات الجديدة ( الفصل 3 من المادة الأولى) على البناء المزمع انجازه أن يطابق البرنامج العام لبناء المساجد ودفتر التحملات النموذجي التي تضعه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.
أما بالنسبة للجمعيات المسجدية، أو تلك التي تعتني بأماكن العبادة الأخرى، فقد ألزمها القانون بالخضوع لنظام أساسي نموذجي تضعه الإدارة يضم على الخصوص كيفيات مراقبة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لأنشطة الجمعية المذكورة ( الفصل 3 مكرر من الماد الثانية). وبشكل عام، يخضع كل التماس "لاحسان عمومي" بهدف جمع المال لبناء المساجد المشار إليها أو صيانتها، كلما تعلقت الصيانة بأشغال كبرى، لترخيص مسبق من العامل (المحافظ) المعني بالأمر بعد استطلاع رأي وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. وتحجز الأموال التي تم جمعها خلافا للأحكام السابقة أيا كان حائزها بطلب من العامل، بناء على أمر من رئيس المحكمة الابتدائية بصفته قاضيا للمسعجلات،(الفصل 4 مكرر من المادة الثانية)، في حين تعاقب كل مخالفة لأحكام الفقرة الأولى من الفصل 4 مكرر أعلاه بغرامة تعادل خمس مرات المبلغ المحجوز( الفصل 5 مكرر).
والظاهر إذن، أن القانون قد وضع لأغراض أمنية تتلخص الحد من نشاط الجمعيات التي لا تسير في الخط الديني والمذهبي للدولة. ومع القانون الجديد، يحتمل جدا تجميد العديد من الجمعيات المسجدية، خصوصا إذا علمنا أن أغلبها تعتمد في الفترة السابقة في جمع الأموال لصالح المساجد بطرق عرفية تقليدية وخارج وصاية السلطة التي أصبحت، بحكم مقتضيات القانون الجديد، مكلفة بمراقبة جمع التبرعات وطرق إنفاقها.
رغم كل هذه الاحترازات التي عبر عنها القانون الجديد، ورغم ما نتج عن احدث 16 مايو2003 من محاصرة الجمعيات السلفية العاملة في الحقل الديني المغربي و منع نشاط بعضها وإغلاق و ضم المساجد التي توجد تحت سيطرتها، وجد المنتسبون للتنظيمات السلفية عدة مسالك للنفاذ إلى الوظائف المسجدية ( الإمامة والخطابة) وذلك بفعل العلاقات الشخصية التي تربطهم بدوائر السلطة المحلية وشبكة من المحسنين على مستوى المدينة، ففي شهر رمضان من عام 2003، مكن زعيم جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة عددا من أتباعه من ولوج وظائف دينية ظرفية مثل إمامة صلاة التراويح وذلك في 44 مسجدا داخل المجال الحضري لمدينة مراكش في مقابل أجر قدره ألفين درهما مؤدى من طرف نظارة الأوقاف. مستفيدين من الاستحسان الذي ينالونه من المصلين بفعل إتقانهم لتجويد القرآن وقد أثار هذا الإجراء اعتراض رئيس المجلس العلمي المحلي الذي كان ساعتها يؤدي مناسك العمرة، ما اضطره بعد عودته إلى الاجتماع بناظر الأوقاف لتنبيهه إلى معاكسة تصرفه للتوجهات الجديدة للدولة في المجال الديني، وخصوصا منها "محاربة المذهبية السلفية الدخيلة".
فحتى لو خضعت المساجد غير التابعة لمراقبة الدولة، وحتى إذا كانت هذه الأخيرة هي التي تؤدي الأجرة للقيمين عليها، فإن التنظيمات السلفية تجد مجالا لاستثمار خريجيها عبر هذه الشبكة من المساجد، وبالتالي تمثل هذه الأخيرة مجال حراك مهم بالنسبة للنشطاء السلفيين المغاربة، مادام أن البحث عن الإمام أو الخطيب و تنصيبهما يبقى أمرا راجعا للجمعية المسيرة للمسجد، بحيث لا يتطلب هذين الأخيرين سوى الحصول على تزكية أحد المجالس العلمية ، في حين يبقى ما يوقع عليه الإمام من التزام باحترام المذهب المالكي مجرد إجراء إداري يتكلف بمراقبة تطبيقه الاعوان والمرشدون التابعون للمندوبيات المحلية.
*المركز المغربي في العلوم الاجتماعية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.