توقيع مذكرة تفاهم بين الرباط وموسكو لتعزيز التعاون الثنائي في القضاء    ميراوي يستبعد خيار السنة البيضاء بكليات الطب ويعلن قرب حلحلة الأزمة    وزير : جمهورية الرأس الأخضر عازمة على تعزيز تعاونها مع المغرب في المجال الفلاحي    المنتخب المغربي داخل القاعة يبلغ نهائي كأس إفريقيا على حساب ليبيا ويضمن التأهل للمونديال    نهضة بركان يخوض حصة تدريبية داخل مطار العاصمة الجزائر ردا على احتجازه بسبب خريطة المغرب    الحكومة الاسبانية متفائلة بخصوص فتح المعابر التجارية بين مليلية والناظور    نهاية التأشيرة الذهبية أثرت على مبيعات العقارات في البرتغال    النساء الاستقلاليات يكرمن البرلماني نور الدين مضيان بالناظور    "التسويق الهرمي".. وعود وهمية بالحصول على أرباح مالية تكشف عن شبكة للنصب والاحتيال بطنجة ووزان    وزارة التجهيز والماء تهيب بمستعملي الطرق توخي الحيطة والحذر بسبب هبوب رياح قوية وتطاير الغبار    حملة صارمة بالناظور لازالة "بيشان" المحلات التجارية والمطاعم    الأمثال العامية بتطوان... (577)    تسجيل حالة وفاة و11 إصابات جديدة بفيروس كورونا خلال الأسبوع الماضي    ها أول تعليق رسمي ديال إيران على "الهجوم الإسرائيلي"    دركي يطلق الرصاص على كلب لإنقاذ قاصر مختطفة    المعرض الدولي للكتاب.. بنسعيد: نعمل على ملائمة أسعار الكتاب مع جيوب المغاربة    مقرب من رئيس مجلس النواب ل"گود": التمثيل النسبي والدستور كيعطي الحق للاتحاد الاشتراكي لرئاسة لجنة العدل والتشريع    خاص..الاتحاد ربح الحركة فرئاسة لجن العدل والتشريع وها علاش الاغلبية غاتصوت على باعزيز    مؤشر ثقة الأسر المغربية في وضعها المالي يتحسن.. وآراء متشائمة في القدرة على الادخار    "لارام" و"سافران" تعززان شراكتهما في صيانة محركات الطائرات    الوكيل العام يثبت جريمة الاتجار بالبشر في ملف التازي وينفي التحامل ضده    تعرض الدولي المغربي نايف أكرد للإصابة    طوق أمني حول قنصلية إيران في باريس    سيول: راغبون في مشاركة المغرب بالقمة الكورية الإفريقية الأولى    الجزائر تبرر طرد صحافي بمواقف جون أفريك    "إعلان الرباط" يدعو إلى تحسين إدارة تدفقات الهجرة بإفريقيا    ارتفاع كبير في أسعار النفط والذهب عقب الهجوم على إيران    السجن المحلي الجديدة 2 ترد على ادعاءات سجين سابق تقول ب "تجويع السجناء"    بورصة الدار البيضاء تفتتح التداولات بارتفاع    وفاة الفنان المصري صلاح السعدني عن 81 عاما    موعد الجولة ال27 من البطولة ومؤجل الكأس    مجلس النواب يعقد جلسة لاستكمال هياكله    المكتب التنفيذي ل"الكاف" يجدد دعمه لملف ترشيح المغرب وإسبانيا والبرتغال لتنظيم مونديال 2030    بسبب فيتو أمريكي: مجلس الأمن يفشل في إقرار العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة    قبل مونديال 2030.. الشركات البرتغالية تتطلع إلى تعزيز حضورها في السوق المغربية    "ميتا" طلقات مساعد الذكاء الاصطناعي المجاني فمنصاتها للتواصل الاجتماعي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    في تقليد إعلامي جميل مدير «الثقافية» يوجه رسالة شكر وعرفان إلى العاملين في القناة    صورة تجمع بين "ديزي دروس" وطوطو"..هل هي بداية تعاون فني بينهما    منظمة الصحة تعتمد لقاحا فمويا جديدا ضد الكوليرا    التراث المغربي بين النص القانوني والواقع    السودان..تسجيل 391 حالة وفاة بسبب الاصابة بمرضي الكوليرا وحمى الضنك    باستثناء الزيادة.. نقابي يستبعد توصل رجال ونساء التعليم بمستحقاتهم نهاية أبريل    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    أخْطر المُسَيَّرات من البشر !    ورشة في تقنيات الكتابة القصصية بثانوية الشريف الرضي الإعدادية بجماعة عرباوة    مهرجان خريبكة الدولي يسائل الجمالية في السينما الإفريقية    ضربات تستهدف إيران وإسرائيل تلتزم الصمت    "الكاف" يحسم في موعد كأس إفريقيا 2025 بالمغرب    الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم يطالب بفرض عقوبات على الأندية الإسرائيلية    بيضا: أرشيف المغرب يتقدم ببطء شديد .. والتطوير يحتاج إرادة سياسية    نصف نهائي "الفوتسال" بشبابيك مغلقة    "قط مسعور" يثير الرعب بأحد أحياء أيت ملول (فيديو)    الانتقاد يطال "نستله" بسبب إضافة السكر إلى أغذية الأطفال    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (6)    الأمثال العامية بتطوان... (575)    هاشم البسطاوي يعلق على انهيار "ولد الشينوية" خلال أداء العمرة (فيديوهات)    خطيب ايت ملول خطب باسم امير المؤمنين لتنتقد امير المؤمنين بحالو بحال ابو مسلم الخرساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من المحل الرفيع إلى الدرك الوضيع
نشر في هسبريس يوم 26 - 09 - 2012

كثير من الناس يقضون أعمارهم يسيرون مكبين على وجوههم وهم لا يشعرون، وتنقلب عندهم المفاهيم والرؤى فلا يدرون أنهم مقلوبون، رؤوسهم في الأسفل وأقدامهم معلقة في الهواء، ومع ذلك يتوهمون أنهم يمشون على صراط مستقيم.
هذه النماذج المقلوبة من الكائنات، من الجنة والناس، تتعرض لعملية إغواء مبين يصعب معها إخراجها من أسفل سافلين والصعود بها إلى أعلى عليين، أو لتكون من المقتصدين. فلا غرو أن يكونوا كالأنعام، بل هم أضل.
أدهى من ذلك وأمر، أنها تصر على أن العالم الذي تراه معكوسا هو الحقيقة والواقع، وأن الأسوياء هم المنقلبون. ولأن الأضداد تضيق ببعضها، يسعى هذا لإزهاق الآخر بطرق شتى. ومن سنة الخالق الماضية أن تتدافع المتناقضات حتى الممات. فالليل يطارد النهار حتى يغمره ظلامه، ثم تدور الدائرة فيمحو النهار الليل بضيائه، والحياة تقتل الموت بنفخة من الروح تخرج الكائن من العدم إلى الوجود، ثم تدور الدائرة فينتقم الموت من الحياة فيستعيد الروح ويعيد الكائن معدوما كما كان أول مرة، إلى أن يموت الموت وتحيا الحياة عندما ترجع الأمور كلها إلى العلي الكبير.
ومن السنن أيضا أن الباطل يحاصر الحق حينا من الدهر، ثم يعلو الحق من جديد (فإذا جاء الحق زهق الباطل إن الباطل كان زهوقا).
لكن الفرق كبير بين غاية الأسوياء وغاية المقلوبين، فأهل السواء يريدون هداية المنقلبين بكل طريقة مؤثرة ممكنة، وإذا لم يهتدوا حزنوا من أجلهم وتحسروا حسرة شديدة تضعهم على مشارف الموت حتى نهاهم الله عن ذلك فقال لسيدهم عليه الصلاة والسلام (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات)، ثم لا يجدون عزاءهم إلا في تدخل القدر الأعلى حين يقول (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).
وأما أهل الانقلاب والنظر المعكوس، فليس لديهم أبدا قدرة على ضبط النفس وتحمل المخالف، إذ يسعون إلى أن يكون العالم كله مثلهم، ومهما قدمت من حجة أو نصيحة فلا يأبهون بها، بل يقابلونها بالسخرية والاستهزاء ثم بالإقصاء ثم بالسعي لقطع الدابر وإنهاء الوجود.
هل أتاكم خبر صاحب موقع عنكبوتي ليس في معجمه اللفظي والموضوعي مكان لأمر جاد، وكيف تريدون أن يكون جادا ولو مرة واحدة، وهو الذي لم يستطع التخلص من وسواس قاهر. ففي هذه الايام وصوص ورقص، وشتم ورخص، وهمز ولمز، ثم قفز وغمز، واغتاب وارتاب، ودخل من كل باب، إلا جهة الصواب، وربما كان يكتب الكتاب، وهو في غياب. وكثير من المنحطين لا يستطيعون المواجهة في حال اليقظة والصحوة، فيفضلون دخول سرداب الغمرة والخمرة، فيقذفون الشرفاء بكل منقصة وهم في قاع سحيق. ما أتعسهم! يجدون الراحة في إنكار الواقع، وإطلاق المدافع، دون وازع. ألا بعدا لقوم لا يستحيون ولا هم يخجلون.
يريد ذلك المريض أن يفعل ما يشاء دون رقيب ولا حسيب، يريد أن يفعل الممنوع ولا يحاسبه القانون، ويريد أن يشرب حتى الثمالة ويخرج في الشوارع والأزقة يرغي ويزبد، ويصيح ويصرخ، وإذا نصحه أحد أو طالبه باحترام سكينة الناس والتزام القانون ثار في وجهه، وصب عليه جام الغضب والسباب، دون أن يتعرض للسؤال والحساب. ألم يكن من قبل يطالب بمتابعة المفسدين والمستبدين؟ أم كان يريد أن يحل مكانهم بعد رحيلهم ليكون من العالين؟
يؤكد الخبراء والأطباء النفسانيون أن كل إنسان يمكن أن يتعرض للوسواس القهري لأسباب متعددة، فعندما تسيطر فكرة ما، أو شعور ما، أو هياج ما، أو خوف ما، على فرد من الأفراد، أو جماعة من الجماعات، فإن الأمر ينتقل من حالة السواء إلى حالة المرض. وكثيرا ما يكون الدين والجنس سببا من أسباب الوسواس القهري. والمقصود بالدين هنا كل عقيدة تجعل الإنسان يشعر بالخشية من أمر قاهر تجعله يستسلم له، ثم يطيعه ويتحول الشخص بكليته إلى أداة طيعة لتلك العقيدة. وربما كان الدين في أصله سليما ومنزلا بالوحي من السماء، وهذا حدث مع كثير من الأنبياء، لكن فئة من الذين أرسلوا إليهم يحرفون ويحولون ما نزل به الروح الأمين إلى ملكية خاصة، ويفرغونه من محتواه ويستبدلونه بشهواتهم ورغباتهم، ويقولون هذا من عند الله وما هو من عند الله. ولتحريف الدين وتحويله إلى وسواس قهري قائمة طويلة ما تزال فصولها تروى وترى.
وفي حالة معارضة هؤلاء المرضى أو حرمانهم، أو مجرد انتقادهم، يشعرون بالانتقاص ويضيقون ذرعا بالمعارضين والمنتقدين، وعندما يكونون بلا حول ولا قوة يتقمصون شخصية الضحية المضطهد، وقد يطلب أحدهم حق اللجوء السياسي، أو يغير جنسيته ليكون محميا بقوة أخرى. وعندما تكون لهم الصولة والجولة يرمون بمعارضيهم وناصحيهم في السجون والمعتقلات، وربما أخرجوهم من ديارهم وأموالهم، وربما قتلوهم وانتهوا من طهرانيتهم وعذريتهم.
وكم من مصاب بذلك الهذيان لا يرى في الدنيا إلا ما مرضت به نفسه، فكل كلامه وسلوكه مركز تحت الحزام، فالسمع والبصر والفؤاد كل أولئك هوت من المحل الرفيع إلى الدرك الوضيع. وكثيرا ما ينتهي أمثال هؤلاء في الطرقات متسكعين مفضوحين، يتلاعب بهم الأطفال والسفهاء فيقذفونهم دحورا في كل جانب.
لذلك ينبغي أن يعرض أمثال هؤلاء المرضى على الأطباء، قبل العرض على القضاء، ليقدموا لهم الوصفة الشافية، وقد تكون طويلة قاسية، ومتى كان الشفاء من الجهالة الجهلاء يسيرا قصيرا. لا بد من ثمن، ولا بد من زمن. ما أبهظه من ثمن، وما أطوله من زمن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.