الانخفاض يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء        الركراكي يستعد للكشف عن لائحة "الأسود" لمباراتي البحرين والكونغو    مونديال U20.. البرازيل والمكسيك يتقاسمان النقاط ويتركان الصدارة للمغرب    الأرصاد الجوية تحذر من أمطار رعدية مصحوبة بالبرد في عدة أقاليم    بنسعيد: الراحل سعيد الجديدي أغنى المكتبة الوطنية بإنتاجات أدبية وصحفية قيمة    الذهب يتجاوز عتبة 3800 دولار للأوقية وسط تزايد توقعات خفض الفائدة    الباييس: إسبانيا فرضت رقابة على القواعد الأمريكية على أرضها لمنع نقل شحنات أسلحة إلى إسرائيل    هيئات حقوقية تدعو إلى الإفراج عن موقوفي احتجاجات "جيل زد" وفتح حوار وطني حول قضايا الشباب    ردا على المنع والتوقيفات.. شباب "الجيل زد" يقررون تجديد احتجاجاتهم لليوم الثالث تواليا    الاحتفاظ في الرباط بشابين موقوفين على خلفية احتجاجات "جيل زد" تحت تدابير الحراسة النظرية إلى غاية الثلاثاء            مساءلة وزيرة السياحة حول تعثر مشروع تهيئة مضايق تودغى بعد إلغاء طلب عروض بسبب كلفة الأشغال            "طريقة الكنغر" تعزز نمو أدمغة الأطفال المبتسرين        محمد وهبي: المنتخب المغربي أحسن استغلال نقاط ضعف نظيره الإسباني        تراجع طفيف لأثمان الإنتاج الصناعي    البرلمان البرتغالي يناقش مقترح الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء    ترامب يلتقي نتانياهو بشأن "حرب غزة" .. ضغوط متزايدة وتوافقات مفقودة    طقس الاثنين.. جو حار مع زخات رعدية في بعض المناطق    اقتراع سوريا يستبعد "مؤيدي الأسد"    الأردن يحرك ملفات الإخوان المسلمين    قراءة في مشروع القانون 59.24 المتعلق بالتعليم العالي الجزء الثالث والأخير: مشروع يخلط بين رؤى متنافرة        الصين تهدف تحقيق نمو يزيد عن 5 في المائة في صناعة البتروكيماويات خلال 2025-2026    زخات رعدية قوية مرتقبة بأوسرد ووادي الذهب            رؤساء جمعيات آباء وأمهات التلاميذ يتدارسون بالجديدة مشاكل المنظومة التربوية وبنية المؤسسات التعليمية    تقرير: "جنوى" الإيطالي مهتم بزياش    الوداد ينتصر على نهضة الزمامرة    عرض "نشرب إذن" ينافس في بغداد    محمدي يجمع الرواية والسيرة والمخطوط في "رحلة الحج على خطى الجد"    إلياس فيفا يتوج في مدينة البيضاء    قمع مفرط في احتجاجات جيل Z بالمغرب.. بين انزلاقات فردية ومسؤولية مؤسساتية    التضليل الإلكتروني بمؤامرة جزائرية لخلط الأوراق: مشاهد قديمة تُقدَّم كأحداث راهنة بالمغرب    وزارة الخارجية الأمريكية تبرز مؤهلات المغرب ك"قطب استراتيجي" للأعمال والصناعة    ‬محاولات ‬الاقتراب ‬من ‬جيل ‬z ‬‮..‬ زورو ‬يقود ‬الربيع ‬الدائم‮!‬        دراسة: الموسيقيون يتحملون الألم بشكل أفضل من غيرهم        عابد والحداد وبلمو في ليلة شعرية استثنائية بين دار الشعر والمعهد الحر بتطوان    الرباط تختتم الدورة 27 من مهرجان الجاز بمزيج موسيقي فريد    السينما تلتقي بالموسيقى في برنامج فني إبداعي في مهرجان الدوحة السينمائي    ما هي العقوبات التي أعيد فرضها على إيران؟    طقس الأحد.. رياح قوية وتطاير غبار بعدد من مناطق المملكة        مكافحة تلوث الهواء في باريس تمكن من توفير 61 مليار يورو            بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    الرسالة الملكية في المولد النبوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف يمكن تصحيح صورة البرلماني لدى الرأي العام؟
نشر في هسبريس يوم 20 - 02 - 2013

منذ اصدار دستور 2011 اتسع نطاق الأمل لدى أوساط مختلفة في قطع البرلمان المغربي مع الممارسات القديمة بما يكفل مصداقيته و يساهم في تلميع صورة البرلماني لدى الرأي العام ، تزايد هذا الأمل نتيجة الحراك المؤدي الى الاصلاح الدستوري و ما ترتب عنه من انتخابات سابقة لأوانها، فضلا عما تضمنه الدستور الجديد من آليات لتعزيز صلاحيات البرلمان سواء في المجال التشريعي أو في مجال رقابة العمل الحكومي بالإضافة الى معالجة ظاهرة الترحال السياسي .
لكن بعد أكثر من سنة على تجديد مجلس النواب تزايدت حدة الانتقادات لهذه المؤسسة بصفة عامة و للبرلمانيين بصفة خاصة. و لا يقتصر الأمر على انتقاد الأداء البرلماني بل يتعداه أحيانا الى توجيه أوصاف غير لائقة سواء للمؤسسة أو للبرلمانيين على السواء . فمن وصف المؤسسة بالمسرح أو الحمام أو المؤسسة الفارغة أو غيرها الى وصف البرلمانيين باللصوص ، الخرفان ، العفاريت و التماسيح و غيرها من الأوصاف التي تعمق أزمة صورة البرلماني ومن خلاله تشويه صورة البرلمان لدى الرأي العام .
هذه الوضعية تبدو غير سليمة و تحتاج الى تحليل موضوعي للمساهمة في الكشف عن مبررات الانتقادات التي أصبحت تلازم البرلمان و تطارد البرلمانيين.
صحيح أن سلوك بعض البرلمانيين لا يستقيم مع متطلبات مرحلة الدستور الجديد لعدم استيعاب هؤلاء البرلمانيين لأهمية التحولات التي تعرفها الحياة الدستورية و السياسية ، فهذا السلوك لا يختلف في جوهره عما كان شائعا في السابق لاستمرار نفس الأفعال أو الأعمال في تجاهل شبه تام لمستلزمات لحظة التغيير رغم أنها مطلب شعبي واسع ، و من تم فالسلوك البرلماني تسلط عليه الأضواء أكثر باعتبار أن البعض يرى في هذا السلوك مؤشرا حقيقيا لقياس درجة هذا التغيير ، و من تم فأعمال البرلماني و أفعاله و أحيانا حتى حياته الشخصية لا تستأثر فقط بمتابعة و ملاحظة ناخبيه و لكن تستأثر كذلك بمتابعة الرأي العام ، فضلا عن المتابعة المستمرة للجميع لأداء البرلمان برمته.
واذا كان البرلمان في المحطات السابقة طالما كان موضوعا للانتقاد بسبب عدة مظاهر سلبية من قبيل الترحال السياسي و الغياب المفرط أو بسبب ضعف الأداء و غياب شروط الحوار البناء و المجدي بكيفية وصفها المغفور له الحسن الثاني " بالسرك " ، فان البرلمان الحالي لم يتمكن بعد من تجاوز منطقة الحرج والانتقال الى التجاوب مع انتظارات المواطنين ، بل في كثير من الحالات تؤدي تصرفات و سلوكات بعض البرلمانيين الى تشويه صورة البرلمان لدى الرأي العام .
فبعض البرلمانيين متورطون منذ السابق في أعمال يجرمها القانون مثل اصدار شيكات بدون رصيد أو خيانة الأمانة أو الفساد أو الارتشاء و غيره ، و بفعل الغاء الحصانة يجد هؤلاء أنفسهم اليوم أمام متابعات قضائية مباشرة ، فمنهم من يتابع في حالة اعتقال و تصدر ضده أحكام سالبة للحرية ، و منهم من تتم متابعته في حالة سراح مع الاستمرار في مزاولة المهام البرلمانية ، و كل ذلك يعطي انطباعا سلبيا عن مصداقية البرلماني الذي من المفروض أن يكون نموذجا للالتزام و احترام القانون .
و منهم من اختار أسلوبا فريدا و غير مسبوق للدفاع عن نفسه كما حدث في واقعة ازالة أحدهم لملابسه في جلسة دستورية منقولة عبر وسائل الاعلام ، مما اعتبره كثيرون سلوكا خادشا لحياء الرأي العام، و سلوكا ماسا بالأخلاق و بحرمة المؤسسة.
أما البعض الآخر فاختار الاستمرار في الغياب عن المؤسسة و لا يحضر إلا بكيفية متقطعة مما يعتبره المتتبعون تقصيرا من البرلمانيين المعنيين في تحمل مسؤولياتهم و عدم الوفاء بالتزاماتهم اتجاه ناخبيهم.
فمما لا شك فيه أن مختلف هذه المظاهر تسيئ ليس فقط للبرلمان كمؤسسة دستورية و لكن للبرلمانيين كمنتخبين . وبالفعل ، فان هذه المظاهر أدت خلال المدة الأخيرة الى تزايد حملة الانتقادات الموجهة للبرلمان ، كما اتسعت دائرة الامتعاض من سلوك بعض البرلمانيين . وتزداد الانتقادات شراسة بفعل ما يتراكم لدى الرأي العام من سلبيات عن البرلماني ، الذي تختزل وظيفته في الغالب في كونه مقدم خدمات لناخبيه ، و أنه يستغل مركزه البرلماني لتحقيق مصالحه الخاصة.
لكن ، اذا كانت تلك الانتقادات تستند على وقائع تابثة فمن شأن تعميمها أن يكون مبالغا فيه ، لكون المظاهر السلبية السالفة الذكر تقتصر على برلمانيين عددهم محدود للغاية ، في حين أن أغلبية البرلمانيين يلتزمون بالانضباط و باحترام قواعد العمل البرلماني المتعارف عليها . فعلى مستوى مجلس النواب أدت انتخابات 25 نونبر 2011 الى افراز نخب برلمانية جديدة مع تطعيم هذا المجلس بفضل الكوطا بوجوه نسائية وشبابية بكيفية غير مسبوقة ، مما كان له أثر ايجابي على مستوى الحضور و المساهمة في العمل البرلماني سواء في اللجان أو في الجلسات العامة سواء على مستوى التشريع أو على مستوى مراقبة العمل الحكومي.
غير أنه بالرغم من أهمية هذا المجهود ، فانه يبقى باهتا و لا يصمد أمام حملة الانتقادات الموجهة للبرلمان ، ويرجع ذلك الى أربع حقائق :
الحقيقة الأولى تتعلق بتجديد مجلس النواب دون تجديد آليات الاشتغال ، و يرجع ذلك اساسا الى عدم تطوير مساطر العمل البرلماني وفق متطلبات تفعيل المستجدات البرلمانية ، حيث استمر العمل بنفس النظام الداخلي لهذا المجلس رغم مراجعته الشكلية بهدف الملائمة مع الدستور الجديد، و قد ترتب عن هذه الوضعية استمرار نفس أسلوب العمل و نفس الطقوس و هو ما أدى الى محافظة المجلس على ايقاعه مع يرافق ذلك من روتين و غياب الجاذبية ، و تقدم الجلسات الأسبوعية المخصصة للأسئلة الشفوية برتابتها و طقوسها صورة سلبية عن مجلس النواب ، و نفس الشيء يتكرر في مجلس المستشارين. لذلك تتطلب المرحلة الجديدة نقلة نوعية للارتقاء بالعمل البرلماني بما يكفل تطوير آليات الاشتغال و تجديد مساطر و طرق العمل ، و هو رهان لا يمكن كسبه الا بتعبئة الجهود لإصلاح النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان بكيفية تضمن التكامل و النجاعة البرلمانية.
الحقيقة الثانية تتعلق بعدم تجديد مجلس المستشارين و استمرار هذا المجلس في ممارسة وظائفه طبقا للدستور الجديد رغم أن تشكلته حددها دستور قديم أصبح في حكم العدم ، مما يثير اشكالا معقدا لا يمكن معالجته إلا بالإسراع بتجديد هذا المجلس وفق المستجدات الدستورية ذات الصلة .
الحقيقة الثالثة تتجلى في ضعف الامكانيات المخصصة للبرلمان و ما يترتب عنه من تواضع الأداء و ضعف النجاعة ، فضعف هذه الامكانيات لا يساعد البرلمانيين على المواظبة والأداء الجيد خاصة أمام تواضع ظروف العمل ( غياب مكاتب خاصة للبرلمانيين و غير ذلك من وسائل العمل) و أمام غياب وسائل دعم قدرات البرلمانيين (غياب مساعدين خاصين كما هو الشأن في برلمانات فرنسا و اسبانيا و الولايات المتحدة الأمريكية و غيرها) ، يبقى الأداء البرلماني متواضعا لاقتصاره على القدرات الذاتية للبرلمانيين ، و بما أن هؤلاء يكتسبون هذه الصفة على اثر الانتخابات ، فانه يصعب افراز نخب كلها خبراء و كفاءات و أطر ، لذلك يتم اللجوء في مختلف التجارب الديمقراطية الى معالجة الخصاص عبر دعم قدرات البرلمانيين بوسائل مختلفة بما في ذلك الاستعانة بخدمات الخبراء و المساعدين.
الحقيقة الرابعة تتعلق بانحصار تسليط الضوء اما على جوانب القصور في العمل البرلماني أو على الممارسات المشينة والسلوك غير اللائق لبعض البرلمانيين في تجاهل تام للجوانب الايجابية و هي متعددة و في حاجة الى تثمينها و تسويقها سواء تعلق الأمر بالأداء البرلماني أو بانضباط أغلب البرلمانيين و وفائهم بالتزاماتهم ، ومما لا شك فيه تبقى مقاربة الجزء الفارغ من الكأس غير موضوعية و لا تساهم في تقويم حقيقي لمعالجة الاختلالات و دعم المكتسبات.
ويتضح من مختلف هذه الحقائق أن سوء صورة البرلماني مسؤولية مشتركة بين عدة فاعلين ، على رأسهم البرلمانيين أنفسهم فرادى و جماعات فيما يتعلق بالانضباط و الوفاء بتحمل المسؤولية ، و البرلمان بمجلسيه كمؤسسة دستورية فيما يتعلق بالرفع من وثيرة الأداء و ممارسة الوظائف بشكل مغاير للتجارب السابقة ، و الحكومة فيما يتعلق بتوفير وسائل العمل البرلماني ، و الاعلام فيما يتعلق بالتعامل الموضوعي و الاحترافي مع قضايا البرلمان و البرلمانيين و أخيرا الرأي العام فيما يتعلق بتقييم العمل البرلماني وفق منظور جديد تذوب معه رواسب التراكمات السلبية الراكدة في الخيال الشعبي عن صورة البرلمان و البرلمانيين.
ولئن كان تحمل كل طرف لهذه المسؤولية المشتركة من شأنه أن يساهم تدريجيا في تصحيح صورة البرلمان برمته ، فانه لا بد من التأكيد أنه مهما كانت حدة الانتقادات للبرلمان ، فانه يستحيل الاستغناء عنه لكونه رمزا لتجسيد الممارسة الديمقراطية في مختلف الدول التي تؤمن بذلك. و هنا لا بد من ملاحظة أن صفة برلماني لا تكتسب الا بالاحتكام الى صناديق الاقتراع مع ما ينطوي عليه ذلك من تعبير عن ارادة المواطنين بكيفية ديمقراطية في اختيار من يمثلهم في البرلمان ، و تبعا لذلك لا يمكن لأي ديمقراطي أن يشكك في نتائج العملية الديمقراطية أو يطعن في اختيارات المواطنين خاصة عندما يتم الاجماع على سلامة و نزاهة العمليات الانتخابية و تحترم نتائجها من لدن كل الفاعلين بما تفرزه من أغلبية و معارضة.
وهكذا ، فان أي انتقاد لا ينبغي أن يحيد عن الاحترام اللازم للمؤسسات ، و باستثناء ذلك يبقى انتقاد البرلمان مطلوبا وضروريا لأي اصلاح ديمقراطي شرط أن يكون بناء وموضوعيا حتى يساهم في الكشف عن مظاهر القصور و تثمين المظاهر الايجابية و ذلك من أجل المساهمة في الاصلاح و التغيير بنضج واتزان و تبصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.