ثار نقاش في الآونة الأخيرة حول ضرورة تحديد مفهوم دقيق لمعنى التطبيع، من لدن مجموعة من الفعاليات المجتمعية، وذلك من أجل أن يكون لهذا المفهوم المرجعية الواضحة. ونموذجا على ذلك، أثار المناضل الوطني الكبير سيون أسيدون هذه النقطة بالذات، خلال فعاليات المؤتمر التأسيسي للمرصد المغربي لمناهضة التطبيع، وضرب مثالا على ذلك بفلسطينيي 48 الذين يحملون جواز سفر "إسرائيلي"، وأرادوا زيارة المغرب بهذا الجواز، مع العلم أنه ليس لهم خيار آخر، هل يدخل هؤلاء في خانة التطبيع أم لا؟ وهل يعتبرون جزءا من التطبيع أم لا؟ كما أنه يطرح هنا إشكال آخر حسب سيون أسيدون، وهو أن الاعتراف بهذه الوثائق هو اعتراف ضمني بالكيان الصهيوني، بالإضافة إلى كونهم فلسطينيين أو غير فلسطينيين، كيف سيتم التعامل معهم؟ حقيقة هي أسئلة عميقة وملحة في الوقت الحالي وجد محرجة في خانة العلاقات الخارجية، في ظل الهجمة التطبيعية الشرسة التي تحاول اختراق النسيج الاجتماعي المغربي من طرف أبواق تروج للتطبيع من خلال شماعة الإرث التاريخي، حيث يحاولون في محاولة يائسة ربط قضية التطبيع مع الصهاينة بقضية اليهود المغاربة المغاويرالصامدين في بلدهم الأصلي الأول والأخير والذين كافحوا وناضلوا من أجل مغرب أفضل، وما بالكاتب والمفكر العظيم إدمون عمران المالح ببعيد، والذي كان يرفض فكرة الهجرة إلى إسرائيل جملة وتفصيلا، قائلا أنه مغربي يهودي، و أن الديانة ليست هي التي تحدد الوطن، بل ذهب لحد إدانة تهجير يهود المغرب إلى إسرائيل و كل من تواطأ في ذلك معتبرا ذلك بمثابة سرقة مواطنين مغاربة من قبل دولة أخرى، وكذلك السياسي الكبير أبراهام السرفاتي الذي كان من جهته معارضا لهجرة اليهود إلى فلسطين ، وكان يؤيد إنشاء دولة فلسطينية وإعلانه الصريح معاداته للصهيونية. وفي ظل عدم الخلط بين اليهود المغاربة الرافضين للصهيونية والمغاربة المطبعين مهما كانت ديانتهم أو توجههم مع الصهيونية والمتصهينين، فإن مصطلح التطبيع يتطلب من كافة النخب بتعدد مجالاتها وتوجهاتها في المغرب أن تفتح ورشا للنقاش، في وقفة حقيقية للتحديد والتحقيق والتدقيق والتمحيص في هذا المصطلح وحمولته السياسية والفكرية ذات البعدين الثقافي والتاريخي. وفي هذا السياق، ارتفعت أصوات مطالبة بعقد ندوة وطنية لتحديد مفهوم التطبيع، إلى جانب ذلك، خلق فضاءات للنقاش حول معنى التطبيع، سواء كان ذلك على شكل ندوة أو مناظرة أو ملتقى، يلامس التطبيع ومفهومه ومرجعيته، وهو نقاش بالنظر إلى طبيعته وخلفياته، نقاش جد شائك يحتاج إلى وقت كاف من أجل تنضيجه، مع العلم أن التسريع في خلق هذا الفضاء لهو أمر بالغ الأهمية في الوقت الحالي، بالنظر إلى تنامي آليات التطبيع والمطبعين في المغرب، خصوصا في المجال السينمائي في سوابق جد خطيرة في تاريخ التطبيع بالمغرب، مما ينذر بفتح مجالات أخرى في هذا الباب، في ظل البطء في تنزيل هذه الفضاءات أو عرقلتها من طرف الجهات المستفيدة من التطبيع في حالة أخرى. وكان مما أثارني في جانب آخر، الدعوة إلى يوم وطني لمناهضة التطبيع، يكون له الرمزية والحشد والتوعية بهذه القضية الحساسة والكبيرة، حتى تكون المناهضة والرصد والمتابعة جزءا لا يتجزأ من ثقافة وقيم المغاربة، سواء فيما يتعلق بترسيخ هذه الثقافة أو الدعوة إليها، من أجل فضح المطبعين ومن يدافع عنهم أو يدفعهم مكرهين إلى هذه الجريمة، التي بالمناسبة كان مطلبا جوهريا من قبل مجموعة من الهيئات والفعاليات المجتمعية في مختلف المجالات والتوجهات والداعية إلى إصدار قانون يجرم التطبيع.