سنة ونصف من حكومة بنكيران: اضطراب في المجتمع وحذر من حكومة الاسلاميين "...إذا عاش النسر عاش أبناؤه..." ، " لا يمكنني إغراق السفينة..."، "..جئت من اجل الإصلاح مهما كلف الثمن.."، هذه مقاطع من مرافعة رئيس الحكومة السيد "عبدالاله بنكيران" وهو يصيح بأعلى صوته داخل مجلس النواب يوم الجمعة الماضي (31ماي 2013)، في جلسة شهرية متعلقة بالسياسات العمومية غابت عنها المعارضة وحضرتها الأغلبية الحكومية إلى جانب نائبات ونواب حزب الاستقلال، الذي أعلن منذ أسابيع نيته الانسحاب من حكومة العدالة والتنمية ولازال أمينه العام يطوف المغرب وينتظر، جلسة شهرية جرت في مناخ أكمل فيه المغاربة مدة عام ونصف من حكومة الإسلاميين وهم يتتبعون شائعات بقرب اتخاذ قرارات إصلاح كبرى في مشهد يرتفع فيه صوت الاحتجاج وينخفض، يفرح فيه المعطلون حاملي الشهادات بحكم المحكمة الإدارية القاضي بأحقيتهم في التوظيف بناء على محضر20 يوليوز الموروث عن حكومة "عباس الفاسي" ،وتعاود الحكومة استئنافه ولا احد يعرف كيف ستتطور الأحداث في الحالتين معا قبول او رفض محكمة الاستئناف الإدارية للحكم . وتجري هذه الوقائع والأحداث، داخل سياق سياسي واجتماعي لازالت قيادات حزب العدالة والتنمية الحاكم تلوح فيه بخيارين: إما قبول الإصلاح كما جاءت به الحكومة او الاستعداد لتحمل تكلفة مخاطر إسقاط الحكومة ،ولا احد يعرف مدى قوة حجية هذا الاعتقاد المبني على إمكانية خروج الشارع وعودة احتجاجات شهور مارس ابريل ماي لسنة 2011 في حالة سقوط حكومة حزب العدالة والتنمية ،مقابل ذلك، تستمر المعارضة في الصياح داخل البرلمان وخارجه،وترتفع أصوات من داخل تمثيلية أرباب المقاولات منذرة بوصول الأزمة الاقتصادية التي يؤكدها رئيس الحكومة مرة وينفيها مرات أخرى مطمئنا فئات عريضة من المجتمع بإصلاحات قادمة . المجتمع الذي لازال جزء كبير منه يقارع الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، لدرجة الاعتقاد ان ضعف الموارد المالية مرتبط بصناديق الحكومة وليس "الصناديق الحديدية المنزلية" لفئات من المواطنين، فعلى بعد شهر من حلول فصل الصيف حجزت كل قاعات الأفراح في المدن المغربية بمبالغ تصل أحيانا لستين ألف درهم لليلة واحدة، ومن الدارالبيضاء الى فاس تجد الناس يتدافعون في اتجاه "موركومول" و"مول فاس" ، وفي الرباط أنهى مهرجان موازين ليلته الختامية بحضور أزيد من 120 الف متتبع ومتتبعة لسهرة المغني المصري "تامر حسني" في احد المناطق الشعبية ،ورغم انطلاق الامتحانات الجامعية واقتراب اختبارات الباكالوريا لازال الشباب في الأماكن العامة وعلى ساحات الفايسبوك يتناقشون حول حالة المغنية العالمية "جيسي جي" وهي تصعد منصة "السويسي" بملابس داخلية ،مهرجان موازين الذي لازال موضوع حملة انتقادات من طرف جهات إسلامية متعددة منها "حركة التوحيد والإصلاح" الجناح الدعوي لحزب العدالة والتنمية الحاكم التي اعتبرت ان ما يجري على منصة موازين يعد "خرقا للدستور" و"تعارضا مع هوية المغرب ومرجعيته الإسلامية " ،ووراء هذه الصور(أحداث ووقائع ) المتناقضة بدأت تظهر،بعد عام ونصف من عمر الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية الإسلامي مؤشرات مثيرة حول حالة الدستور ونزعات الحقل السياسي وحالة المجتمع . دستور يستعصي على التطبيق...دستور اكبر من الفاعلين الحكوميين والحزبيين فالمغرب، الذي اختار الحلول الدستورية لتعويم الاحتجاجات واستيعابها ،واختار وضع الدستور قبل الانتخابات ،مختلفا بذلك عن مصر وتونس اللتان أجريتا انتخابات أعطت تمثيلية جديدة ظلت تشتغل بمؤسسات قديمة او لازلت تشتغل بها الى اليوم (حالة تونس) ،ومختلفا عن الجزائر التي نظم فيها الجيش انتخابات أعطت فوز الجيل القديم لجبهة التحرير قبل إعلان "بوتفليقة" عن لجنة دستور لا احد يعرف مالها اليوم بعد اختفاء الرئيس ،فاختيار الدستور في المغرب قبل الانتخابات معناه استمرارية الثوابت الدستورية وتطوير المؤسسات وبناء مؤسسات جديدة لتنظيم عمل النخب التي جاءت بها انتخابات 25 نونبر. لكن ،بعد عام ونصف ،يبين التحليل الدستوري انه لم يكن بمقدور الحكومة والبرلمان معا ،الاشتغال بقواعد وثيقة فاتح يوليوز 2011 ، فرئيس الحكومة لازال يلبس جلباب الوزير الأول لدستور 1996 وفي مرات عديدة يعطي معنى أخر لفصول الدستور الحالي ،لما يصبح اقرب الى أمين عام حزب العدالة والتنمية أكثر منه رئيسا للحكومة ،فحضوره في فاتح ماي 2013 الى جانب نقابة حزبه يجعل منه خصما وحكما، كما ان زيارته لدوائر انتخابية لبرلمانيين من حزبه يجعله آمينا عاما للحزب أكثر من رئيس حكومة كافة المغاربة. وبعد مرور عام ونصف، لازال البرلمان يجر في غرفته الثانية مستشارين انتخبوا طبقا لمقتضيات دستور 1996 وفقد الثلث منهم تمثيليته بقوة القانون ،ورغم ذلك لازال يشرع ويمثل فئة لا احد يعرف من هي ، وفي الغرفة الأولى (مجلس النواب) لم يستطع نساء وشباب جدد تغيير شكل وأداء مجلس النواب ،فالعمل البرلماني يسير ويتوقف وتتصارع أغلبيته ومعارضته حول الدستور، لدرجة ان كل الفرق بات فيها "فقهاء دستوريون" يؤولون الفصول حسب الحالات السياسية الموجودة أمامهم ،لكن يبدو ان المعارضة ضيعت حقوقها الدستورية تدريجيا خلال عام ونصف، لدرجة انها غير قادرة على المرافعة عن حقها الدستوري المكفول بمقتضى الفصل العاشر بخصوص مشاركتها الفعلية في مساءلة رئيس الحكومة خلال الجلسة الشهرية. ورغم ان مجلس النواب وصل الى سنته الثانية من الولاية التشريعية الحالية، وان الدورة الربيعية على وشك الاختتام، لازال المغاربة ينتظرون المصادقة على القوانين التنظيمية المكلة للدستور ،فالحكومة سكتت عن مخططها التشريعي الذي أحالته على مجلس النواب بدون سند قانوني، لأنه لا وجود في الدستور لشيء اسمه المخطط التشريعي ولا احد يعرف المسطرة القانونية التي جعلت مجلس النواب يقبل بهذه الإحالة ، ومن هو الوزير الذي سيأتي أمام لجن البرلمان لمناقشة هذا المخطط؟ وهل سبق في تاريخ البرلمانات العالمية أن أحالت حكومة وثيقة اشتغال داخلية على البرلمان لمناقشتها؟ وداخل هذا التضارب، يعيش المغرب نوعا من "الشتات التشريعي" ،فمبادرات الفرق البرلمانية ومذكرات المجلس الوطني لحقوق الإنسان وفتاوى الهيأة العلمية المكلفة بالإفتاء وتأويل رئيس الحكومة للفصل 42 من الدستور وتوزيعه سلطات التشريع نحو الديوان الملكي، وفق ما هو مشار إليه في المخطط التشريعي ، ظواهر تثير التساؤل عن هوية المشرع في المغرب اليوم؟ ويبدو أن صعوبة الحكومة والبرلمان في التعامل مع دستور 2011 هو ما يشرح سلوك حزب الاستقلال ،في سابقة تاريخية، بإعلانه قرار انسحاب بدون تذييل القرار بصيغة تنفيذية ،وجعل القرار متوقفا على الفصل 42 من الدستور، في نزاع يبدو بأنه بعيد عن مضامين هذا الفصل ،لكونه لا يمس بالسير العادي للمؤسسات الدستورية، وإنما له علاقة بحزبين شريكين في الحكومة كان من الممكن ان يطلب فيها حزب الاستقلال من "عبدالاله بنكيران" حل الإشكال بصفته رئيسا للحكومة ،فبين تصريحات "حميد شباط " وردود"عبدالاله بنكيران " لا نعرف أين تنتهي الأمانة العامة، لكلاهما وأين تبتدئ المؤسسة الدستورية لرئاسة الحكومة. وبعد سنة ونصف، يبدو أن المغرب يتجه نحو العودة الى دستور 1996 اكثر من التوجه نحو دستور 2011 ، وبات واضحا ان البلاد تعيش حالة لاتوزن سياسي رغم الإمكانيات المتاحة في الدستور ،فالعمل السياسي لم يتطور، وبات اللاشكلي يكتسح الشكلي، وباتت المساحة بين العمل السياسي والدستور تتسع تدريجيا، أمام الصعوبة الموجودة في فهم وتطبيق الدستور والتهديد في كل مرة باللجوء الى تحكيم المجلس الدستوري رغم ان هذا المجلس لا يملك صلاحية التحكيم . حقل سياسي حزبي مصاب بالعياء والإرهاق ...هدايا سياسية للعدالة والتنمية وأمام ضعف التعامل مع الدستور الجديد ،يقدم المشهد السياسي صورة أحزاب سياسية تبحث تحالفات للنجاة او تحالفات للإنقاذ وأخرى تبحث عن "تبييضات سياسية" ، داخل حقل سياسي يعاني من الانفعال والتوتر والقلق لا احد فيه يعرف إلى أين يتجه ،حقل سياسي تحس فيه الحكومة بالعزلة، ويحس فيه حزب العدالة والتنمية بالمؤامرة، وأصيبت فيه المعارضة بالعياء والإرهاق، وتتجه فيه الأغلبية إلى لعب دور المعارضة والموالاة. وداخل هذا الحقل المضطرب، أصرت المعارضة على امتداد عام ونصف على ارتكاب مزيد من الأخطاء المجانية ، فكل سلوك تصريحي او عملي لقيادات المعارضة في الانتخابات الجزئية او خارجها من "العجلة الاحتياطية " و"تحدي رئيس الحكومة بالاستقالة" و" التحياح على الحلوف" ،تصريحات يستعملها حزب العدالة والتنمية بمهنية ، فالمعارضة ،رغم مرور السنوات، لازالت لم تنتبه الى ان حزب العدالة والتنمية يستفيد من نفس الأخطاء التي انطلقت منذ سنة 2003 وجعلته يشتغل بمنطق الضحية والمظلومية، فعشية إعلان حزب الاستقلال عن "نية الانسحاب" من الحكومة كانت فئات واسعة من الشارع تتقاطع حول مقولة واحدة هي :"دعوهم يشتغلون"في إشارة الى حكومة حزب العدالة والتنمية الإسلامي ،فالمعارضة لازالت ترتكب أخطاء بهجومها مجتمعة على العدالة والتنمية ،هذا الأخير انتبه إلى هذه الأخطاء وبات يسعى إلى السجالات ذات الطبيعة التنازعية كلما أحس أن المواطن بدا ينتبه الى بطء التسيير الحكومي وغياب القرارات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى ، وبين أخطاء المعارضة وذكاء العدالة والتنمية في خلق التوترات، لازال المواطن يتردد في تقييم حالة التدبير الحكومي لحزب العدالة والتنمية أمام استمرار الإشاعات وحالات التهييج والتعبئة في كل الاتجاهات. لأمن الاجتماعي مهدد : اسلمة وعلمنة ومساحات الحق في الاختلاف تضيق لأول مرة في تاريخ المغرب يتسع سقف الفوارق بين القوى الاجتماعية والمدنية ، فالمسافات بين "حركة التوحيد والإصلاح" و"حركة اليقظة المواطنة" كبيرة ، والتلويح والتنافس بالمرجعيات في المغرب بات عاديا في الفضاءات العمومية ،وبات المجتمع يعيش صراع الأخلاقي والتخليقي والحقوقي ،وهو صراع كرسه صعود العدالة والتنمية الى الحكم وقدرته على خلق خلقه الاعتقاد بانه سيقضي على كل الظواهر السلبية، دون الانتباه إلى ان المغرب يوجد في مرحلة خروج ظواهر مسكوت عنها إلى العلن ،لا احد يعرف تداعياتها المستقبلية خلال المدى المتوسط. لكن اخطر ما يعيشه المغرب بعد سنة ونصف من حكومة العدالة والتنمية هو الخلط بين بناء الديمقراطية ومحاربة الظواهر الاجتماعية، هذا الخلط حرك تدريجيا أعماق المجتمع الذي بات يعيش صراعا حول القيم ونزوعات صريحة للتكفير وبوادر انقسام لأول مرة الى علمانيين وإسلاميين، وباتت ظاهرة السلفية تضع "المغربي الإسلامي المشرقي" مقابل"المغربي الإسلامي الشعبي" ،فالإسلام الشعبي يضعف وتحل محله السلفية التي أصبحت ظاهرة قروية بعد ان كانت حضرية ،ففي منطقة تانسيفت الحوز المعروفة بزواياها وأضرحتها وأوليائها ظهرت السلفية داخل بنياتها الاجتماعية التقليدية ، فهناك دواوير تخترقها فئات اجتماعية بلباس "شبه أفغاني" ،ومدارات حضارية وصلت فيها الثقافة الأفغانية الى أبواب المساجد حيث يباع نمط غدائي أفغاني يسمى "الشرابة" من طرف السلفيين . ومقابل ذلك ،لازلت الدولة تبحث عن منهجية جديدة للتعامل مع السلفيين، فالجيل الأول المحكوم بعشر سنوات بعد أحداث 16 ماي يستعد لمغادرة السجون بعد قضائه للعقوبة، ومنه من دخل السجن بمستوى تعليمي ضعيف وتحول مع السنوات الى داعية، ولا احد يعرف هل تملك الدولة خارطة للتتبع الجغرافي والتنظيمي لهذه الفئة من الدعاة الجدد بعد خروجهم ،فليس هناك ما يفيد إن السلطات وضعت منهجية للإدماج ،فالسلفيون باتوا ظاهرة علنية تحتج في الفضاءات العمومية ،ولازالت جماعة العدل والإحسان تلعب دورا أساسيا ضدهم في التوازن داخل المجتمع رغم صراعاتها المفتوحة مع السلطة، ويبدو ان محاولات جمع السلفيين داخل حزب الفضيلة لازال بعيدا وان كانت تجربة "عبدالكريم الخطيب" مع الإسلاميين في منتصف التسعينيات تستهوي ما تقوم به قيادات حزب الفضيلة مع بعض القيادات السلفية منذ سنة. وداخل هذا المناخ، يستمر الصراع حول الحقوق بين المقاربة العالمية ومقاربة الإصلاح من داخل الأسرة ،وواضح ان القطيعة كبيرة داخل هذا الصراع بين المجلس الوطني لحقوق الإنسان والإسلاميين، الذين كثيرا ما ينعثون المجلس بأنه يساري في تركيبته البشرية. وبذلك ،فان المجتمع المغربي يتعرض لضغوطات شديدة في المرحلة الأخيرة وصلت الى اختراقات خارجية في المجتمع الصحراوي، فتنامي ظاهرة انفصاليي الداخل ليست ظاهرة عادية ،فالمرأة التي تقود "الكوديسا" لا تنتمي الى مناطق النزاع ولايوجد اسم عائلتها في لوائح 1974، ورغم ذلك ،فهي تنصب نفسها زعيمة لفئة من الشباب تتراوح أعمارهم بين 15 و 30 سنة لازالوا يدرسون في المدارس والجامعات ويختلط في مخيالهم الاجتماعي بالاقتصادي بالسياسي ،ويقودون احتجاجات تساهم فيها عوامل إقليمية مرتبطة بأوضاع داخلية حرجة تعيشها الجزائر. مخاطر إقليمية...جزائر ما بعد "بوتفليقة" مندفعة بقوة للتوتر مع المغرب وأوضحت الأحداث المرتبطة بقضية "مسودة أمريكا" حول الصحراء، ان المخاطر باتت قريبة ،وان دبلوماسية الاعتدال التي اشتغلت بها وزارة الخارجية منذ السنوات الأولى للاستقلال لم تعد ملائمة في وضع إقليمي تغامر فيه الجزائر بكل مواردها (الغاز والنفط والإرهاب) لزعزعة استقرار المغرب ،فالجزائر تسعى الى محاصرة المغرب وقطع صلته بعمقه الاستراتيجي الإفريقي وترويض الإرهاب على حدوده بتعبئة جماعة التوحيد والجهاد ،وبدا واضحا، في ظرف اقليمي متوتر، ان المغرب يخاطر بالاستمرار في طلب فتح الحدود ،خاصة مع اختفاء الرئيس "بوتفليقة" ودخول اجنحة الجيش في صراعات داخلية تدفع الى مزيد من التوتر مع المغرب لتوجيه الأنظار الداخلية نحو الخارج. وأمام هذه الأخطار ،بدا واضحا آن الأحزاب السياسية الحاكمة وغير الحاكمة في المغرب لم تكن موفقة في العمل الدبلوماسي ،فقد بدت مرهقة بقضاياها الداخلية وكثير منها ليس له علاقات إقليمية ودولية مع منظمات حزبية او مدنية موازية في الخارج ، وهذا الضعف الدبلوماسي الحزبي هو ما دفع الملك ومحيطه ،خلال سنة ونصف، الى التحرك دبلوماسيا في مرات متعددة نحو الخليج وإفريقيا وأمريكا ،في وقت يجري فيه الحديث لأول مرة في تاريخ المغرب عن صراع ثنائي حزبي داخل وزارة الخارجية بين الاستقلال والعدالة والتنمية. سيناريوهات محتملة وبعد سنة ونصف من حكومة العدالة والتنمية ،تشهد الحياة السياسية منذ أسابيع أزمة سياسية بين مكونات التحالف الحكومي الحاكم ،حيث انه لا ميثاق الأغلبية ولا البرنامج الحكومي استطاع أن يجعل الحكومة منسجمة ومتضامنة في قراراتها ،هذه الأزمة التي تجعل الاحزاب السياسية تعيش حالة انتظارية لما يمكن ان يقع بين الحزبين الرئيسيين في التحالف الحكومي : الاستقلال والعدالة والتنمية ،وهو وضع لايمكن ان يستمر ويفتح المجال أمام أربعة سيناريوهات محتملة: السيناريو الأول ، انقاذ "شباط" و"انقاذ بنكيران"، بتعديل حكومي يقرب المسافة بين الاستقلال والعدالة والتنمية، تكون فيه مكاسبهما اكبر من الخسائر ،وذلك بان يقبل حزب العدالة والتنمية بالتنازل على بعض الوزارات او تغيير بعض المناصب الوزارية بينه وبين حزب الاستقلال ،وإعادة صياغة ميثاق الأغلبية وتقديم رئيس الحكومة لبرنامج حكومي جديد بتوظيفه الإمكانيات الواردة في الفصل 101 من الدستور. السيناريو الثاني ،إنقاذ الاستقلال وإنقاذ العدالة والتنمية وإنقاذ الأحزاب الضعيفة في المعارضة ،وذلك بان يبادر حزب الاستقلال الى تنفيذ انسحابه لكي يتمكن رئيس الحكومة من تطبيق مقتضيات الفصل 47 من الدستور، وذلك بان يطلب من الملك إعفاء الوزراء الممثلين لحزب الاستقلال في الحكومة ،ويشرع رئيس الحكومة بعد ذلك في إجراء مفاوضات مع الأحزاب الراغبة في الدخول الى الحكومة ،والحزبان المرشحان لذلك هما التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري بحكم منطق التوازن المختل بين المعارضة والأغلبية، والذي يمكن لحزب الاستقلال ان يصححه ،إضافة الى "الغربة السياسية" التي يحس بها هذان الحزبان معا في المعارضة وليونتهما في إمكانيات الانضمام الى حزب العدالة والتنمية، لوجود تيارات فيهما لم تقطع نهائيا مع تيارات داخل الحزب الإسلامي الحاكم. السيناريو الثالث ، إجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها ،التي هي تمرين مقبول ديمقراطيا، ولكن لا يبدو ان هناك حزب سياسي مستعد لمغامرة انتخابات جديدة بما في ذلك العدالة والتنمية الحاكم ،لأنه لا احد له القدرة على قياس قدرته بدقة في شارع متحرك ،فالجسم الانتخابي يبدو غامضا رغم اعتقاد البعض بإمكانية اكتساح العدالة والتنمية من جديد ، فالثنائية التي حملت حزب العدالة والتنمية إلى المرتبة الأولى في 25 نونبر والمتمثلة في التقائية الاحتجاج ومعاقبة الأحزاب الأخرى تفككت ولم تعد مرتبطة. سيناريو حكومة وحدة وطنية او ائتلاف وطني ،وهو احتمال ضعيف ،لأنه ينفي المنافسة والشرعية الانتخابية للحزب الفائز، ويعطي إشارات سلبية للخارج حول العمل بمقتضيات الدستور الجديد و يظهر الأوضاع في المغرب بأنها أوضاع أزمة. ويبدو ان السيناريو الاول والثاني اقرب الاحتمالات، رغم أن انتخابات سابقة لأوانها ممكنة وان كانت احتمالا ضعيفا ، فالاستقلال يمكن ان يستمر في حكومة العدالة والتنمية كما ان جزءا من المعارضة مستعد للدخول اليها، ويحكي احد المناضلين من إحدى أحزاب المعارضة انه غداة إعلان المجلس الوطني لحزب الاستقلال عن قرار الانسحاب وبداية تداول معلومات إعلامية عن احزاب سياسية مرشحة لتعويض حزب الاستقلال ، هرولت مناضلة من المعارضة تحمل ملف سيرتها الذاتية لقيادة الحزب مقدمة ترشيحها للاستوزار، قبل ان يحدد هذا الحزب موقفه من المشاركة او عدمها ، مدعومة من طرف قيادات قديمة تعود إلى القرن الماضي وتحضر في مثل هذه المناسبات، ،إنها حالة صراع بين تقاليد العمل السياسي القديم الذي لا يريد ان يموت والعمل السياسي الجديد الذي لا يريد ان يولد في المغرب. *رئيس المركز المغاربي للدراسات الامنية وتحليل السياسات [email protected]