تابعت حلقة "بدون لغة الخشب" على "ميد راديو" التي استضافت النائب الاستقلالي عبد المجيد الفاسي، ورغم أن المساحة الزمنية للبرنامج تتجاوز الساعة فإن صاحبه كان مُصِرًّا في تركيز أسئلته على وضعية ضيفه في الحزب وخاصة في ظرفية وملابسات تقديم ترشيحه للبرلمان بمدينة فاس و"تحالفه" مع شباط وقرارات الحزب بحل كل التنظيمات الحزبية بالمدينة. والحقيقة أن هذا الشاب الاستقلالي أبان عن كثير من الجرأة السياسية وقدر واضح من كفاءات التواصل... وبالنظر لانتسابه العائلي لآل الفاسي -الذين لهم وضع اعتباري ليس في حزب الاستقلال فحسب بل في دواليب الدولة والمال والأعمال-، فإن الرمضاني حاول جاهدا عبر أسئلة مكررة بصيغ مختلفة الخروج من برنامجه -من خلال حالة عبد المجيد- باستنتاج ما يموج في الحزب من تجاذبات -يعرفها العام والخاص- وهي تجاذبات ليست مستجدة وإنما احتدت لتأخذ صورا وأساليب اختلفت في كل جولة وذلك منذ المؤتمر الثاني عشر، الذي تواجهت فيه هواجس الاستمرارية بقيادة المرحوم امحمد بوستة وجموح القيادي امحمد الدويري إلى الإمساك بمقود الأمانة العامة، إلى مؤتمرات التوافقات (13 و14 و15)، التي نصّبت عباس الفاسي أمينا عاما لثلاث ولايات قادت إلى المشاركة في حكومة اليوسفي وحكومة (الخروج عن المنهجية الديمقراطية بحسب وصف الاتحاديين وعن مقولة مولا نوبة بمنطق بعض الاستقلاليين)، وتوجت برئاسة عباس للحكومة منذ 2007 حتى رحيلها غداة رياح الربيع العربي في 2011 ودستور فاتح يوليوز الذي مهد الطريق إلى حكومة بنكيران وبقية المسلسل معلومة.... إلى إعادة الامانة العامة في المؤتمر الأخير إلى وضع ما قبل شباط ولكن دون التفريط في العقارب المؤشرة منها على الثواني والدقائق والساعات... كل الكلام المتزن (البعيد عن لغة الخشب) الذي قاله عبد المجيد عند الرمضاني، يعني بدون أية مواربة أن الحزب لا زال يؤدي ضريبة اختيارين كانا شعار مرحلة عباس: 1/ المقاعد تهمنا 2/ برنامجنا هو برنامج الملك والحزب يؤدي كذلك اليوم ضريبة سياسة تحالفات الإقصاء الهجينة ومنهج الكولسة والمقايضة والشعبوية المقيتة في أوضح صورها، التي مارستها قيادة شباط وريث عباس في المؤتمر السادس عشر والتي ضحت بالكثير من الاستقلاليات والاستقلاليين المخلصين لمبادئهم وقد آثروا التواري عن هذه الأجواء التي قادت حزبا وطنيا كبيرا على الانغماس في وحل مشهد سياسي معطوب وممارسات انتخابوية تجارية، طالما تم انتقادها ومحاربتها بلا هوادة، مشهد يفهم الاستقطاب بلغة المقاعد تهمنا وبسلوك "ميركاتو" المواسم الكروية، مشهد يستطيع فيه بعض المتحكمين في عدد من المناطق والجهات لسبب أو أكثر التحكم في مصير التنظيمات الحزبية الوطنية والإقليمية والجهوية والمحلية والإمساك بمفاتيح كل آلياتها وشراء ولاءات بعض ضعاف النفوس، طالما أنهم في المقابل وكأنهم يضمنون لمن يريد "نتائج مباراة المقاعد تهمنا". وَاهِمٌ من يعتقد أن هذا الأسلوب من شأنه تقوية العمل الحزبي أو السمو بالفعل السياسي بالبلاد، أمام ضمور واضح في الإنتاج الفكري وفي إبداع البرامج والبدائل للسياسات الاقتصادية والاجتماعية المنتهية الصلاحية. عبد المجيد في برنامج الرمضاني لم يقل كل هذا بصراحة ولكنه وجه نداء جديرا بالانتباه: على الأحزاب أن تراجع نفسها وتعيد حساباتها لتواكب التحديات المتسارعة الجارية في العالم، فكما انقرضت مهن عديدة، وكما تحولت كثير من المفاهيم والقيم، ومسخت الممارسات السياسية لحدٍّ صار يهدد نسب المشاركة في مقتل، فإن الديموقراطية كي تعيش وتتجدد عليها أن تحترم الاشتراطات الوقائية من جائحة الإسفاف السياسي، وهي بالتأكيد في حاجة ماسة للتلقيح ضد فيروس متحور قاتل.