القاضي: لماذا جئت إلى هنا لكي تستغل الأطفال المغاربة؟ المجرم: لأنهم لا يساوون شيئا، ولأن كل شيء في المغرب يمكن الحصول عليه بالمال. القاضي: !!!!!! المجرم: إنني أستحق الإعدام بسبب الجرائم التي اقترفتها طيلة تسع سنوات. حصلت هذه المقابلة في المغرب في إحدى المحاكم، أما المجرم فلم يكن سوى الإسباني دانييل كالفان، البالغ من العمر أربعا وستين عاما، والذي أثار العفو الملكي عنه ضجة تجاوزت الداخل إلى الخارج، بعدما كان محكوما عليه بثلاثين عاما سجنا. المجرم الإسباني يعي جيدا أن أي جريمة وراءها أطراف متعددون، ويعرف أن أطفال المغرب لا يساوون شيئا، لأن كرامة المواطن مستباحة. لكن المشكلة أنه يدرك بأن كرامة بلد بكامله هو المغرب هي الأخرى مستباحة، ولذلك تجرأ وقال لمحاميه عندما تم الإفراج عنه بعد زيارة الملك خوان كارلوس للمغرب قبل أسبوعين:"لا يمكن أن يأتي الملك خوان كارلوس إلى المغرب ويبقى دانييل في السجن". وربما كانت الصدفة وحدها وراء تزامن إثارة هذه القضية مع ذكرى عيد جلوس الملك محمد السادس على العرش، ووراء تطابق التاريخ بينها وبين أزمة جزيرة ليلى أو بيريخيل قبل إحدى عشرة سنة، التي حصلت أيضا بالتزامن مع ذكرى الجلوس. وفي التاريخين معا، تصادف الأزمتان وجود الحزب الشعبي اليميني على رأس السلطة في إسبانيا. حكومة الحزب الشعبي حاولت أن تبعد المسؤولية عنها بعد انتقال الزوبعة إلى البرلمان الإسباني، فكشفت حقيقة ما وقع. وما وقع هو أن حكومة مدريد أرادت استثمار زيارة العاهل الإسباني للمغرب لكي تطلب من هذا الأخير إصدار عفو خاص عن السجناء الإسبان الموجودين في سجونه، ولهذا الغرض أعدت السفارة الإسبانية بالرباط لائحتين، الأولى تضم 18 سجينا بينما تضم الثانية 30 سجينا، وفي هذه اللائحة الأخيرة كان يتواجد إسم المجرم مغتصب الأطفال. الأكثر من ذلك هو ما تم تسريبه في وسائل الإعلام الإسبانية قبل يومين، إذ جاء فيها أن الحكومة الإسبانية لم تطلب من المغرب العفو بشكل نهائي عن المجرم الإسباني وإعفاءه من العقوبة، بل فقط السماح بنقله إلى بلده لقضاء باقي العقوبة هناك. ومعنى ذلك أن المغرب أعطى لإسبانيا أكثر مما طلبت. ومن الواضح أن الحزب الشعبي العدو التاريخي للمغرب قد وجد في إثارة هذه الزوبعة فرصة سانحة للانقضاض، فإذا كان المغرب قد قدم "هدية" للإسبان نزولا عند طلب الحكومة الإسبانية، فإن الحزب الشعبي لا يرى في هذه الهدية سوى هدية مسمومة يريد رميها بعيدا عنه، لأنه يقدر قيمة المحاسبة داخل بلاده. والحال هذه، فإن المغرب قد اقترف خطأ لم يكن مطلوبا منه أصلا، لكي يدرك في الأخير أن بعض المجاملات الديبلوماسية بين الأصدقاء والتي لا لزوم بها أحيانا قد تتحول إلى فتنة داخلية. هكذا تحولت مسطرة العفو الملكي، التي كانت تجري بطريقة روتينية في السابق دون أن تلفت الانتباه سوى وسط عائلات المعفى عنهم، إلى مسألة تثير نقاشا داخليا وورقة نزاع خفي بين دولتين، مثلما حولت أزمة 2002 صخرة صغيرة لم يكن يعرفها أحد إلى حادثة تاريخية دخلت أرشيف السياسة الدولية تحت عنوان"أزمة جزيرة المعدنوس". ذلك أن ماريانو راخوي رئيس الحكومة الإسبانية حاليا قد واكب تطورات أزمة جزيرة ليلى عام 2002 من موقعه كنائب لرئيس الحزب الشعبي، الذي لم يكن سوى خوصي ماريا أزنار، عندما قرر هذا الأخير توجيه إهانة إلى المغرب وتحدي الملك الجديد آنذاك، بإنزال مجموعة من الجنود فوق صخرة ليلى في الشمال، كادت تتطور إلى مواجهة عسكرية لولا التدخل الأمريكي الذي قاده وقتذاك كاتب الدولة في الخارجية كولين باول.