بدعم تقني صيني وتمويل إماراتي أوربي ومن الأوبك: أنبوب الغاز المغربي النيجيري ينطلق من الداخلة    حقوقيون يسجلون إخفاق الحوار الاجتماعي وينبهون إلى تآكل الحريات النقابية وتنامي القمع    "إغلاق أخضر" في بورصة البيضاء    وقفات الجمعة ال74.. المغاربة يجددون مطالبهم برفع الحصار وإنهاء "الإبادة" في غزة    الثقة التي وضعتها الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم في الأطر الوطنية "عامل أساسي في النجاح الحالي لمنتخباتنا" (عادل السايح)    اللاعب المغربي إلياس أخوماش يشارك في جنازة جدته بتطوان    بعد 25 سنة.. شركة "FRS" تُعلن رسمياً توقف نشاطها البحري بين طنجة وطريفة    دراسة: هذه الأطعمة تزيد خطر الوفاة المبكرة    دراسة: مادة كيمياوية تُستخدم في صناعة البلاستيك قتلت 365 ألف شخص حول العالم    « بين التاريخ والرواية» كتاب جماعي يرصد مسارات أحمد التوفيق    إدريس لشكر : الديمقراطية في خطر وسط تزايد الاستبداد والمخاطر العالمية    في كلمة حول جبر الأضرار الناجمة عن مآسي العبودية والاتجار في البشر والاستعمار والاستغلال بإفريقيا: آمنة بوعياش تترافع حول «عدالة تعويضية» شاملة ومستدامة    دراسة تكشف عوامل جديدة مرتبطة بالخرف المبكر    «غزة على الصليب: أخطر حروب الصراع في فلسطين وعليها»    حادثة سير مميتة تنهي حياة سبعيني بالفقيه بن صالح والسائق يفرّ هاربا    العرائش تسجل أعلى نسبة تملك.. وطنجة تتصدر الكراء بجهة الشمال    مقاطعة مديري مؤسسات الريادة للعمليات المصيرية يربك مشروع الوزارة في الإصلاح التربوي    سوريا: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي "تصعيد خطير"    سفينة مساعدات لغزة تتعرض لهجوم بمسيرة في المياه الدولية قرب مالطا    المغرب يودّع أحد رموزه الفنية.. محمد الشوبي يترجل بعد مسار طويل من الإبداع    "موازين" يعلن جديد الدورة العشرين    كلية الآداب بالجديدة وطلبتها يكرمون الدكتورة لطيفة الأزرق    عبد الله زريقة.. علامة مضيئة في الشعر المغربي تحتفي به "أنفاس" و"بيت الشعر"    تقرير: أخنوش يستخدم أمواله للسيطرة على الإعلام والصحافيون المستقلون يتعرضون لضغوط مستمرة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    إجهاض محاولة لتهريب أزيد من 51 ألف قرص مخدر بميناء طنجة المتوسط    نجاح "خامس مهمة نسائية" خارج المحطة الفضائية الدولية    مجلس الدفاع في لبنان يحذر "حماس"    العلاقات التجارية بين المغرب ومصر.. وفد اقتصادي مغربي يزور القاهرة    تفاؤل تجاري ينعش أسعار النفط في الأسواق العالمية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    كوريا: الرئيس المؤقت يقدم استقالته لدخول سباق الانتخابات الرئاسية    في ساحة مسجد بدر بطراسة… رجل يقبّل طفلًا والأب يتصل بالشرطة    رسالة مفتوحة إلى السيد محمد ربيع الخليع رئيس المكتب الوطني للسكك الحديدية    البكوري يقيم مأدبة غذاء على شرف جنود خفاء جماعة تطوان قبيل انطلاق الموسم الصيفي    "الكورفاتشي" تستعد للتنقل إلى مدينة الدار البيضاء لحضور "الكلاسيكو" أمام الوداد    الذهب يتعافى بعد بلوغ أدنى مستوى في أسبوعين    تفاصيل إحداث قطب تكنولوجي جديد بالدار البيضاء يوفر أزيد من 20 ألف منصب شغل    وفاة الممثل المغربي محمد الشوبي    خُوسّيه سَارَامَاغُو.. من عاملٍ فى مصنعٍ للأقفال إلى جائزة نوبل    لجنة الأخلاقيات توقف العديد من المسؤولين عن كرة القدم بين سنة وثلاث سنوات بسبب اختلالات في التسيير    كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة: المغرب يستهل مشواره بفوز مثير على كينيا    عيد العمال.. الكونفدرالية ببني ملال "تحتج" في مسيرة حاشدة    كرة القدم.. توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي    اللاعب المغربي الذي أبهر العالم بأدائه المجنون … !    الصين تدرس دعوات أمريكية لاستئناف الحوار بشأن الرسوم الجمركية    حين يتحول الانفعال إلى مشروع سياسي: في تفكيك خطاب بنكيران حول "القضية" و"الحمار"    احتراق شاحنة على الطريق السيار طنجة المتوسط    منتجو الفواكه الحمراء يخلقون أزمة في اليد العاملة لفلاحي إقليم العرائش    الزلزولي يساهم في فوز بيتيس    هل بدأت أمريكا تحفر "قبرها العلمي"؟.. مختبرات مغلقة وأبحاث مجمدة    القهوة تساعد كبار السن في الحفاظ على قوة عضلاتهم (دراسة)    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تستعد الجزائر للحرب ضد المغرب؟
نشر في هسبريس يوم 06 - 09 - 2021

"دراسة في معطيات التاريخ، كرونولوجيا الوقائع، الأوضاع وإشارات المستقبل"
لا يخفى على كل مهتم بالميدان السياسي والعسكري، بل وحتى الاجتماعي، في منطقة المغرب العربي، الوضع الذي يغلي على صفيح ساخن، والمتمثل في التوتر الأخير بين الجارين الجزائر والمغرب.
هذا الوضع الذي أصبح خطيرا للغاية ولا يبشر بخير يجعلنا نتساءل عن النيات المبيتة لدى النظام الجزائري تجاه المغرب، كما يجعلنا نتساءل عن الأسباب الكامنة وراء هرولة النظام الجزائري وتسريع خطاه نحو إشعال المنطقة، وإدخالها في معمعة حرب قد تكون الأقسى والأفظع في تاريخ شمال إفريقيا، وقد لا تضاهي فداحة خسائرها على جميع الأصعدة سوى الحرب العالمية الثانية. ولا نضخم ما قد تخلفه هذه الحرب إذا ما وقعت لا قدر الله، ولكننا نطلق هذا التكهن لا على شكل المجاز، وننطلق مما نعرفه من خلفيتنا وخبرتنا في المجال العسكري الذي احترفناه لمدة طويلة، وهو ما يجعلنا نعلم ان المغرب يستعد منذ مدة للدفاع عن أرضه، والجزائر تبدي استعدادا للاعتداء.
بعد حرب الرمال بثلاث سنوات تقريبا، عرفت الجزائر انقلاب الهواري بومدين سنة 1965 ووصوله إلى رأس السلطة ووضعه "احمد بن بلة" رهن الإقامة الجبرية. ولم يكتف بومدين بهذا الاعتقال والاعتداء، بل وصل به الحال إلى وصف "بن بلة" بأقذع النعوت، وبأنه كان مشعوذا ومغامرا في خطاب له ألقاه أمام المهرجان الثقافي الإفريقي الذي نظم في الجزائر سنة 1969، ما يبين عن حقد شخصي لا علاقة له بمصلحة الجزائر العليا. وسياسة التخوين والتعنيف بجميع أشكاله ستصبح هي الوسيلة المتبعة في معاملة أي معارض أو أي مواطن سولت له نفسه أن يتجرأ ويعلن انتقاده للوضع في الجزائر.
وفي سياق القمع والترهيب اللذين مارسهما "بومدين" وأعوانه تحت مسمى التصحيح الثوري، كان لا بد أن تعرف الجزائر اختناقا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، فلم يجد بومدين سوى الفرار نحو اختلاق مشاكل خارجية مستحضرا مرارة الهزيمة في 1963 والدخول في مغامرات ضد الجار الغربي (المغرب)، مؤسسا عقيدة قديمة جديدة في الآن نفسه، يعتنقها كل دكتاتور وصل إلى السلطة بطرق غير شرعية، وهي عقيدة خلق عدو يستعمل كشماعة لتعليق كل فشل داخلي عليها.
وللعلم فقد كانت حرب الرمال وخيمة في نتائجها، رغم قصرها في الزمان والمكان، والعبرة هنا ليست النتائج التي خلفتها من ضحايا في الأرواح وخسائر مادية ومعنوية، بل ما سوف تصبح عليه عقيدة الجيش الجزائري المنبثقة أساسا من نفسية الديكتاتور المهزوم ونزعته الانتقامية، والذي فوجئ بأن المغرب ليس بذلك الخصم السهل تطويعه أو إخضاعه باستعمال القوة العسكرية، ولا يتمثل فقط في النظام الملكي، بل هو ملك وشعب وجيش، كل منهم ينصهر في الآخر، وكل واحد جزء لا يتجزأ من الآخر، وهو كتلة متجانسة لا يمكن إحلالها، ما حذا بهذه العقيدة العسكرية في الجزائر إلى أن تتحول من جيش وطني مهمته الدفاع عن حوزة الوطن وحماية حدوده، إلى جيش يسيطر على كل مفاصل الدولة ويعمل على منهجة العداء للمغرب، ومحاولة إقناع الشعب ولو بصعوبة بالغة بأن كل ما حصل ويحصل وسيحصل هو نتاج لتغلل يد المخزن المغربي في الجزائر، وبأن الجيش الشعبي الجزائري هو الضامن الوحيد لوقف هذا التغلغل وكبح جماح الأطماع المخزنية في التوسع، حسب قوله.
فما كان من جنرالات الجزائر إلا ان استغلوا الفراغ الذي خلفه المغرب في التواصل والتأطير للشباب الصحراويين ضد المحتل الإسباني، فاستقطبوهم وأسقطوهم في مستنقع الخيانة، وأطروهم وسلحوهم وأشبعوا رغبات الطمع لدى البعض منهم، وأقنعوهم بأنهم شعب وبأنهم يستحقون دولة، بمعونة من "معمر القذافي"، الذي تاب عن ذلك في ما بعد، حتى يكونوا (أبناء الأقاليم الجنوبية) شوكة في حلق المغرب تعيقه عن أي تقدم أو ريادة للمنطقة، وتجعله ضعيفا همه الحرب في الجنوب، في ظل تزايد القوة العسكرية الجزائرية، التي أتخمها المعسكر الشرقي آنذاك بالسلاح، وفرض رؤيتها على عديد من الدول الإفريقية ولو بالرشاوى والفساد.
مغامرات "بومدين" في الصحراء المغربية
حاول العسكر في الجزائر أن يجس النبض واختبار جاهزية القوات المسلحة الملكية المغربية، وأقدم على مغامرات عسكرية يمكن تسميتها بالتجريبية ضد المغرب، في معركة "أمغالا" الأولى أواخر شهر يناير 1976، حين دفعت الجزائر بثلاث ألوية مدعمة بعناصر من البوليساريو وعلى ثلاث جبهات في أمغالا، تيفاريتي، والمحبس، فواجهها المغرب بقوة عسكرية ذات شحنة وطنية وسياسية، تنم عن الوحدة والتماسك بين كل أجزاء الوطن، بأن تكونت القوة المغربية من وحدة لجبهة التحرير، ووحدة أخرى بقيادة النقيب الصحراوي ابن المنطقة "حبوها الحبيب"، وفيلقين للمشاة بقيادة الكولونيل "بن عثمان". ومن جديد يجد الجيش الجزائري نفسه في موقف لا يحسد عليه، فتدخل مصر وتونس والجامعة العربية على الخط لحقن الدماء، ويستغل الجيش الجزائري التدخل العربي لإنقاذ ماء وجهه، فلم يعد يتجرأ بعد ذلك على تدخلات مباشرة ضد المغرب، إلا فيما عدا دعمه لانفصاليي البوليساريو بفرقة خاصة في معركة أمغالا الثانية، التي كانت لها نفس نتيجة أمغالا الأولى.
في شتنبر من عام 1991، وبعد الفشل الجزائري الذريع في كسر شوكة المغرب وإضعافه، عقدت هدنة لوقف إطلاق النار بين المغرب وجبهة البوليساريو بإشراف الأمم المتحدة، يتم خلالها الاستفتاء حول تقرير المصير.
وما لم تكن الجزائر تحسب حسابه هو انهيار الكتلة الشرقية، وتطور العمل الدبلوماسي المغربي على الصعيد الدولي عامة وعلى الصعيد الإفريقي خاصة، بعد أن أصلح المغرب أخطاءه في منظمة الوحدة الإفريقية، حين انسحب منها احتجاجا على موقفها تجاه وحدته الترابية، مفسحا المجال للجزائر وصنيعتها البوليساريو ترتعان فسادا فيها، فعاد إلى العمل على صعيد القارة السمراء بقوة وتوجيه من الملك محمد السادس، مسترجعا حقوقه المشروعة والتاريخية بريادة شمال إفريقيا، وتأكيده على مغربية صحرائه، ليس فقط بالعمل العسكري الذي دام ست عشرة سنة في الأقاليم الجنوبية، ولكن بجر دول عديدة الى العودة لرشدها والتكفير عن أخطائها، عن طريق الاعتراف بمغربية الصحراء؛ بل وفتح قنصليات لها في قلب الأقاليم الجنوبية الداخلة في نطاق النزاع، بما له من رمزية وحمولة سياسية. وكانت الضربة القاضية اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على صحرائه بتاريخ 10 دجنبر 2020، فأصبح الحكم الذاتي هو الحل الواقعي والمنطقي لطي الملف، وهو الطرح المغربي أمام الأمم المتحدة الذي تسانده العديد من الدول.
الحراك والبحث عن مخرج
تشهد الجزائر حراكا شعبيا قويا، لم يشفع للجنرالات فيه أن قاموا ببعض التغييرات الدستورية في دستور 2016، يضمنون من خلالها بقاءهم في السلطة بصورة أو بأخرى، واحتفاظهم بكل مفاتيح الدولة، وعدم تسليمها لمن يريده الشعب الجزائري أن يمثله، واستبدالهم الصنم (بوتفليقة) بصنم آخر (تبون)؛ وكأن العقيدة العسكرية الهرمة للجيش الجزائري لم تستوعب درس العشرية السوداء، وأن الشعب لا يريد استبدالا للأشخاص وزيادة في النصوص القانونية، وإنما يريد إصلاحا جذريا على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والحقوقي، علاوة على رحيل العصابة كما يسميها الحراك السلمي الشرعي.
هذا الحراك إنما ناتج عن مقارنات يجريها الشارع الجزائري، بينما تحقق عند جيرانهم وإخوانهم المغاربيين، حيث لا جدال في أن المغرب استطاع أن يعرف تقدما ملحوظا في مختلف المستويات الحقوقية والاقتصادية والبنياتية، كما تصالحت المؤسسة الملكية مع الأحزاب السياسية، وتم تعويض المتضررين من حقبة سنوات الرصاص، وخرج إلى الوجود دستور 2011 بإقرار المعارضة والموالاة على أنه دستور الحقوق والحريات.
المغرب وتقرير مصير الشعب القبايلي
كل متتبع للشأن المغربي والجزائري يعلم يقينا أن ما صرح به السفير المغربي لدى الأمم المتحدة السيد عمر هلال، أمام دول عدم الانحياز المجتمعة في أذربجان، كان عبارة عن "قرصة إذن" للنظام في الجزائر، وأن المغرب لديه من الأوراق ما يبعثر به كل تخطيط معاد لوحدته الترابية، وفي الوقت نفسه هو رد على المستوى الدبلوماسي الرديء الذي مارسته الجزائر في شخص ممثلها السيد "رمطان العمامرة"، الذي خرج عن سياق موضوع الاجتماعات في استهداف واضح وممنهج لسمعة المغرب في كل محفل دولي. والمغرب توقف في حدود "قرصة الأذن" ولم يتجاوزها، فلم نجده قام بأي فعل من شأنه تأكيد سياسة واضحة في هذا الصدد، من قبيل استقبال زعماء من "الماك" و"رشاد" أو تخصيص دعم مالي أو سياسي لهما، بل لم يصدر ما يلمح إلى أن المغرب قد يعتنق فعليا دعم فكرة تقرير مصير القبايل، ولكن ما فعله السفير المغربي "عمر هلال" كان وقعه على النظام في الجزائر كمن رمى عود ثقاب مشتعل على برميل نفط. وبدل استشعار الرسالة المغربية له، حاول نظام الجنرالات استغلال الموقف لصالحه بأن برر ما يحدث من حراك في الجزائر بأن خلفه قوى معادية تتمثل في المغرب وحليفته إسرائيل. وقد نجح هذا التكتيك إلى حد ما في إقناع الطبقة البسيطة في الحراك التي أصبحت حائرة، أتتخذ موقفا مساندا للجنرالات في أطروحتهم الوهنة أم تناقضها فتوصم بوصمة الخيانة للوطن.
"بيغاسوس" ونيران "تيزي وزو" والهروب نحو فوهة البركان
في ارتجال واضح للنظام الجزائري، وعدم ارتكاز مواقفه على أسباب ذات مصداقية وواقعية، أغلبها إن لم تكن كلها من نسجه، أصبح النظام في الجزائر يبحث عن أي سبب وعن أي مدخل يؤزم الوضع مع المغرب أكثر مما هو متأزم، في محاولة لإقناع الجبهة الداخلية للجزائر بأن الوقت والوضع السياسي ولا حتى الجغرافي يسمح بتحقيق المطلب الشعبي الرئيسي المتمثل في رحيل النظام. وتعلق النظام بقشة تطبيق التجسس "بيغاسوس"، متهما المغرب بالتجسس على الآلاف من ضباطه وشخصيات سياسية وفاعلين مدنيين، من دون أن يقدم ولو دليلا على هذا الاتهام. في المقابل نجد المغرب رفع التحدي امام كل من ادعى أنه تجسس عليه، بأن يقدم دليلا على ذلك أمام محكمة الجنايات في باريس، فلم تقدم ولو جهة ممن ادعوا ذلك ولو دليلا على صدق ادعائهم، ما جعلهم في موقف قانوني وآخر أخلاقي يتمثل في انحطاط لمصداقيتهم لا يحسدون عليه. وحينما كانت الجزائر متأكدة ومعها المنظمتان اللتان ثبت تورطهما في معارضة مصالح المملكة في غير ما مرة من عدم إثبات ادعاءاتها في ما يتعلق بقضية التجسس، لم يجد نظام الجنرالات منفذا غير منفذ ادعاء تورط المغرب في حرائق "تيزي وزو"، في ظل انتشار عالمي للحرائق من "سيبيريا" إلى "كولورادو"، ما يثبت إفلاس العسكر الجزائري إفلاسا تاما، فلا هو استطاع إخماد النيران ولا هو استطاع إثبات ادعائه وصدق مزاعمه.
الخطابات والمواقف الملكية تعري نوايا العسكر في الجزائر
حيث إن المغرب دولة ضاربة في القدم وصانعة للحضارة، ومؤسساتها تعمل في تناغم وانسجام، يحفها دستور سنة 2011، فإن سياستها مبنية على التؤدة وجودة التخطيط الإستراتيجي، وتأخذ في الاعتبار حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، وعبرت عن استعدادها لتقديم يد العون في محنة الحرائق. وكانت مواقف جلالة الملك الذي يمثل كل المغاربة بمختلف مكوناتهم المعبرة عن اليد الممدودة للجارة الجزائر في غير ما مرة، ولكن أبرزها خطاب الذكرى الثانية والعشرين لتوليه العرش، فقد كانت لغته واضحة بما لا يجعل مجالا لتأويلها، بسيطة في مفرداتها، إلى درجة أن الملك استخدم كلمة "أنا" حينما احتج بعدم تواجده على رأس الدولة حينما اندلعت الأزمة التي أدت إلى غلق الحدود سنة 1994، كما وصف الجزائر بتوأم المغرب، والشريك التاريخي في الكفاح ضد المستعمر، فما كان من العسكر إلا أن أطلق أبواقه في محاولة بائسة لإظهار انتصار وهمي له على المغرب، وأن هذا الأخير يستعطف الجزائر لهول ما قامت وستقوم به لمعاقبة المغرب، وهو ما لم ينطل على معظم الجزائريين، وخاصة المعارضة التي رأت أن خطاب جلالة الملك كان مناسبة لدفن الماضي وإحياء أواصر الأخوة التي تجمع بين الشعبين، وإحياء فكرة المغرب العربي من جديد، وخصوصا حينما عبر عن استعداده للاجتماع بالرئيس عبد المجيد تبون متى كان هذا الأخير مستعدا. إلا أن قرار قطع العلاقات غير المدروس، والأحادي الجانب من طرف الجزائر، وغير المتناسب مع ما جاء في خطاب جلالة الملك، كان جوابه في الخطاب الموالي لخطاب ذكرى تقلده العرش، حيث أعرب في خطاب الذكرى الثامنة والستين لثورة الملك والشعب، أن المغرب يتعرض لمكائد ومؤامرات من جهات معادية له، لم يذكرها بالاسم ولكنها واضحة للجميع ولا تخرج عن الجزائر وجنوب أفريقيا ومن يساندهما وبعض المبتزين كألمانيا والنمسا، ومنظمات مسترزقة. وتضمن الخطاب مفاجأة مفادها أن التصعيد مع إسبانيا أوشك على الانتهاء، ودخول العلاقة بين البلدين في مرحلة جديدة تتأسس على الثقة ومبدأ حسن الجوار. والرد الإسباني كان بخلاف كل المواقف الجزائرية، إذ رحب بكل ما من شأنه إصلاح ذات البين بين الدولتين، ما خلط أوراق الأطراف الأخرى التي كانت تتوقع محاصرة المغرب على صعيد كل جواره وامتداده الإستراتيجي والجغرافي.
الحرب أو السلام؟
لكل ما سبق فإن جنرالات الجزائر يستعدون للحرب فعليا، من بعد الانتكاسات التي عرفوها على الصعيد الداخلي والخارجي، وها هم دستروا تدخلات جيشهم خارج حدودهم في خطوة غير مسبوقة، وقنواتهم الرسمية تهاجم المغرب بدون التحفظ الواجب في الأعراف الدبلوماسية والإعلامية، كما اقتنوا كميات هائلة من الأسلحة والعتاد، بما فيها الأسلحة المتطورة جدا كالمقاتلات الروسي هسوخوي 35 والميغ 29 من الجيل الخامس، ودبابات "تي 92" بأعداد غير قليلة، مع تجديد غواصاتهم وشراء قطع بحرية هجومية، وتحسين فعالية القواعد التي تبلغ 24 قاعدة بالقرب من الحدود المغربية، وقيامهم بمناورات ضخمة بجوار الحدود المغربية، وبالضبط في أماكن شهدت معارك شرسة في حرب الرمال. ومدلول ذلك واضح، وهو أن جيش الجزائر الآن ليس هو جيش الستينيات، وأنهم مازالوا يسعون للانتقام؛ وذلك مع إشهارهم امتلاكهم الصاروخ الباليستي الروسي الطويل المدى "اسكندر" رغم علمهم أن استخدامه يعطي الشرعية دوليا للمغرب بالرد وبقوة حاسمة لردعهم. وميزانية الجيش هي الأولى في المنطقة، وكل ذلك الإسراف في الشراء للسلاح، هو بطبيعة الحال على حساب مقدرات الشعب الجزائري المقهور، الذي يرزح كرها في الفقر وضياع المصالح الفردية والجماعية. كما أن هناك تحرشات تمارس ضد المدنيين المغاربة في مناطق التماس، إذ تم طردهم بدون موجب قانوني من أرضهم في منطقة العرجات السليمانية، التي يزرعونها منذ مئات السنين، وإن حاولوا نفي مسؤولية الدولة عن الأحداث في المنطقة، وغاية ذلك اختلاق المبررات لجر المغرب الى الرد ثم الرد المتبادل ثم الدخول في مواجهات محدودة ثم الحرب الشاملة، وهذا الترتيب حسب الجرعة التي يحتاجها جنرالات الجزائر في معركتهم الداخلية ضد الحراك وما تعرفه الأوضاع من تطورات.
من جهته يقوم المغرب بخطوات من شأنها التصدي للتفوق الجزائري، من قبيل تحديث وتطوير أسطوليه الجوي والبحري، وتزويد القوات البرية بدبابات وعتاد متطور، وأدوات لوجستية، وتكوين العناصر، وإجراء المناورات، وهو نوع من امتلاك لقوة الردع، ما يمكنه من الحد من أي تقدم للعدو على الساحة. ولكن الهدف الواضح من كل خطوات المغرب هو الحفاظ على السلام دون الدخول في الحرب من موقف القوة، وهو مبدأ عسكري معروف بتوازن القوة مفاده، إذا كان الخصم يتوفر على سلاح بالستي فيلزم من جانب المغرب التوفر على منظومة دفاع مضادة له، ما يجعل منه بلا فائدة فعلية.
وفي هذا المناخ القاتم الذي يخيم على منطقتنا المغاربية لا يسعنا إلا أن نتمنى ألا يتفاقم الوضع أكثر، وأن تظل الحكمة المغربية في التعامل مع الجارة الشقيقة مستمرة، حتى لا تنجر المنطقة لما لا تحمد عقباه. كما نتمنى أن تراجع الجزائر مواقفها التي لا مبرر لها تجاه جارها الشقيق المغرب.
(*) باحث في حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، جامعة محمد الخامس بالرباط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.