في أكبر تجمع حضوري دولي منذ بدء جائحة فيروس كورونا المستجد، بدأت مدينة دبي تستقبل زوارها من مختلف دول العالم لحضور فعاليات معرض "إكسبو 2020" الذي افتتح بداية الشهر الجاري ويستمر إلى غاية مارس من السنة المقبلة. ويأتي تنظيم هذا الحدث العالمي الكبير بعد تأجيله السنة الماضية بسبب الجائحة، وتشارك فيه 192 دولة عبر العالم تحت شعار "تواصل العقول وصنع المستقبل"، ويتوقع أن يزوره حوالي 25 مليون شخص. وقد لقي المعرض إقبالا كبيرا على الرغم من درجات الحرارة التي وصلت إلى أكثر من 40 درجة، بحيث يتوافد الزوار عليه طيلة اليوم بفضل وسائل النقل التي وضعتها حكومة دبي، ناهيك عن العروض الترفيهية المتوفرة في برنامج المعرض. ويتيح "إكسبو 2020′′، وهو الأول من نوعه الذي يقام في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا، لملايين الزوار الاطلاع على تجارب أكثر من 200 جهة، بما في ذلك دول ومنظمات متعددة الأطراف وشركات، من خلال آلاف التظاهرات والتجارب الاستكشافية. وجرى تقسيم المعرض إلى أجنحة، لكل دولة جناحها الخاص تعرض فيه أحدث ابتكاراتها في مجال الهندسة المعمارية ومجال التكنولوجيا الحديثة. وتبرز أجنحة دول عديدة بفضل معمارها، من بينها المغرب والسعودية والإمارات والصين ومصر. ويشارك المغرب في ما يناهز 80 نشاطا، إما باعتباره منظما أو أحد المتدخلين أو المشاركين في مختلف الأسابيع الموضوعاتية، وستعرف هذه الفعاليات تعبئة الشركاء والفاعلين الخواص والعموميين المغاربة، من أجل إسماع صوت المملكة وضمان حضور أفضل طيلة الشهور الستة التي تستغرقها هذه التظاهرة الدولية. معمار فريد ومستدام يتميز جناح المغرب في "إكسبو دبي" بهندسة معمارية فريدة وحجم كبير لافت للانتباه؛ إذ يمكن زيارة طوابقه السبعة سيرا على الأقدام بفضل تصميمه من الداخل على شكل زنقة طويلة من طرف المهندس المغربي المعروف طارق ولعلو. وبني هذا الجناح بالطين والتراب لكن بلمسة معاصرة؛ بحيث تقدم غرفه تجارب متنوعة ومختلفة من المغرب، بدءا من اكتشاف أقدم إنسان عاقل في جبل إيغود، مرورا بتجارب الخزف والبوابات الخشبية، وصولا إلى شجرة الأرڭان الفريدة. واللافت أن جميع أجنحة الدول في "إكسبو 2020" كانت فريدة، وقد أنجزت من طرف أفضل المهندسين المعماريين عبر العالم الذين برعوا في تشكيل بنايات خارجة عن المألوف وبعيدة عن التصاميم التقليدية، لكن يجمع بينها عنصر الاستدامة واحترام البيئة. ويتميز جناح السعودية بشكله الهندسي الفريد، وميزته أنه يتحدى الجاذبية؛ إذ صمم على شكل هيكل مستطيل عاكس على شكل زاوية، أما جناح دولة الإمارات فصمم على شكل صقر بأجنحة متعددة وكأنه يتأهب للتحليق. وصمم جناح مصر العربية لإبراز تاريخ وحضارة يمتدان لآلاف السنين، وهو ما جذب إليه إقبالا كبيرا من الزوار للاطلاع على تراث وثقافة هذا البلد ذي التاريخ الغني من خلال جولة رقمية في تاريخ مصر القديم. روبوتات متجولة وتكريم للعاملين في أروقة المعرض، تعترض الروبوتات الزائرين بجمل تطلب فسح الطريق أو لإلقاء تحية باللغة الإنجليزية، كما تقدم توجيهات بخصوص المعرض وتتحدث مع الزوار وتذكرهم بالإجراءات الصحية الاحترازية. وفي مدخل المعرض، يستقبل روبوت بلون ذهبي اسمه "أوبتي" الزوار بالابتسامة والترحيب، وهو ضمن أكثر من 80 روبوتا في "إكسبو 2020" مزود بتقنيات شاشات اللمس المتعدد من أجل التفاعل مع الزوار. وقد وضع الحجر الأساس لبناء موقع "إكسبو دبي" سنة 2015، وتطلب ذلك تجنيد مئات الآلاف من اليد العاملة. وبادرت إدارة المعرض إلى وضع نصب تذكاري يحمل أزيد من 200 ألف اسم لعاملين ينحدرون من دول العالم شاركوا في بنائه. ويضم النصب التذكاري مجسمات كتبت عليها أسماء العاملين لتبقى شاهدة على المجهودات التي بذلوها من أجل بناء موقع المعرض لاستضافة أحد أكبر المعارض الدولية في العالم؛ بحيث قضوا أزيد من 240 مليون ساعة عمل لينجحوا في تحويل منطقة صحراء رملية إلى ما يشبه مدينة عالمية. المناخ والتنوع الحيوي والطاقة يشهد المعرض عبر مختلف الأجنحة تنظيم فعاليات وندوات ولقاءات تركز على مواضيع آنية، مثل المناخ والتنوع الحيوي والفضاء والتنمية القروية، إضافة إلى تقديم الحلول المستدامة في مجالات المياه والطاقة والغذاء. ويشكل هذا المعرض، حسب المنظمين، منعطفا مهما لإطلاق مرحلة جديدة من النمو، ومنصة استثنائية تتيح للمجتمع العالمي التعاون لاكتشاف الحلول المبتكرة والرائدة في عالم اليوم الذي تتسارع فيه خطى النمو. كما يأتي هذا المعرض في وقت تتزايد فيه أهمية الابتكارات في مجال مصادر الطاقة والمياه النظيفة، والتنقل عبر البحث عن أنظمة جديدة للنقل والخدمات اللوجستية، فضلا عن إيجاد سبل جديدة لتحقيق النمو الاقتصادي في أعقاب الأزمة المالية العالمية. ساحة الوصل في معرض إكسبو دبي، تمثل ساحة "الوصل"، وهي أكبر قبة غير مدعومة في العالم، أهم معالم المعرض؛ بحيث استوحيت من تحفة أثرية هي خاتم ذهبي عمره 3000 سنة عُثر عليه في موقع ساروق الأثري بمدينة دبي. و"الوصل" هو الاسم القديم لمدينة دبي، وهو يعبر عن أهميتها الدائمة كبوابة للوصل بين الشرق والغرب. وترتفع القبة الفولاذية لساحة "الوصل" إلى أكثر من 67 مترا على مساحة يبلغ قطرها 130 مترا، وتضم شاشات عرض بانورامية كبيرة. ومن المقرر أن تستضيف ساحة "الوصل"، على مدى الأشهر الستة لإكسبو 2020، أبرز الفعاليات والعروض الفنية الكبرى، وعلى رأسها احتفال السنة الميلادية الجديدة 2022، واحتفالات الأيام الوطنية للدول المشاركة، وحفل الختام. تاريخ إكسبو تواجدت معارض إكسبو، المعروفة أيضا باسم "المعارض العالمية"، بأشكال مختلفة لأكثر من قرنين من الزمن، وكانت منذ البداية توفر فرصا للدول لعرض تقنياتها ومنتجاتها وأفكارها الجديدة. ومنذ 170 سنة ومعارض إكسبو الدولية تعرض أهم الابتكارات التي رسمت ملامح عالم اليوم؛ فقد نُقل البث التلفزيوني الحي الأول في معرض نيويورك الدولي سنة 1939، كما كُشف النقاب عن مسرح مزود بشاشة عرض ضخمة عالية الدقة في إكسبو 2005 في اليابان. وفي سنة 1851، أقيم معرض كبير في لندن في مبنى مصنوع من الحديد والزجاج يُدعى "قصر الكريستال"، كما عرض المعرض العالمي لسنة 1889 في باريس برج إيفل، الذي أصبح أبرز المعالم الهندسية عبر العالم. وفي معرض سنة 1876 في فيلادلفيا، تم الكشف عن أول هاتف في العالم، كما أتاح معرض أوساكا العالمي في اليابان سنة 1970 للزائرين أول فرصة لاكتشاف تقنية الاتصال عبر الهاتف المتحرك. وكانت المعارض فرصة أيضا لابتكارات غذائية كثيرة؛ فقد تعرف الزوار على الفشار وصلصة الطماطم الشهيرة "هاينز" في المعرض المئوي للفنون والصناعة ومنتجات الأرض والمناجم في فيلادلفيا، وكذلك "الآيس كريم" في المعرض العالمي في سانت لويس في الولاياتالمتحدة الأميركية سنة 1904. وشهد معرض شيكاغو العالمي المنظم سنة 1893 تركيب عجلة فيريس الترفيهية الدوّرة الأولى من نوعها في العالم، كما عرض معرض سياتل لسنة 1962 برج إبرة الفضاء، وهو مبنى يبلغ ارتفاعه 185 مترا ويضم مطعما على قمته. المميز في معرض "إكسبو 2020" المقام فوق صحراء قاحلة أن أكثر من 80 في المائة من البنية التحتية الرئيسية فيه سيتم استخدامها بعد شهر مارس 2022 لأغراض متنوعة، بما في ذلك إنشاء منطقة حرة ومراكز تجارية ومناطق سكنية، وذلك لكي لا تضيع الاستثمارات التي تمت في هذا الموقع.