اسْمان ترددا مؤخرا بشكل ملفت في وسائل الإعلام وبين المواطنين المغاربة، لأجنبيين استطاعا اقتحام أرض المغرب وهتك أعراض أطفاله، في غفلة عن عيون الأسر والمسؤولين. وإذا كانت مدينة القنيطرة قد اهتزت بسبب "دانييل كالفان" الحامل للجنسية الإسبانية بعد اكتشاف جرائمه المتمثلة في اغتصاب 11 طفلا مغربيا أصغرهم لا يتجاوز السنتين، فإنها اهتزت مرة ثانية بعد قرار العفو الملكي والتراجع عنه. وإلى شمال المغرب بمدن كتطوان وطنجة والعرائش وشفشاون، التي سادها جو من الأسف والحزن على السماح لمواطن انجليزي يحمل سوابق عدلية متعلقة باغتصاب القاصرين ببلاده بدخول المغرب ومحاولة الاعتداء جنسيا على 3 طفلات إضافة إلى احتمال اغتصابه لأربع أخريات وُجدت صورهن على آلة تصوير خاصة به، قبل أن يتم استدعاؤه من طرف وكيل الملك بالرباط على ذمة شكايات أخرى وُضِعت في حقه ما ينبئ عن عدد أكبر من الأطفال المغاربة الذين غَدوا حِلاًّ ومَشاعاً لكل من هبَّ ودب. عوامل الاغتصاب..تتواجد جميعا بالمغرب !! أستاذة علم النفس الاجتماعي بشرى لمرابطي، أكدت على أن مثل هؤلاء المُنحرفين لا يَستقرون في جميع البلدان ولكن في بعضها فقط مثل المغرب الذي أضْحى، حسب تقرير المكتب المكلف بمحاربة الجريمة والمخدرات التابع للأمم المتحدة، مَعبراً للتجارة في البشر تحديدا منها تجارة الأطفال والاعتداء عليهم جنسيا، بسبب تراكم العديد من العوامل التي تواجدت جميعها في المغرب. وتابعت الدكتورة في حديثها لهسبريس، أن أولى العوامل المساهمة تتجلى في هشاشة المجتمع المغربي على المستوى المادي متمثلا في الفقر وعلى المستوى الأُسري وما ينتج عنه من أطفال الشوارع والمتشردين، والتي جعلت من بعض المدن المغربية ومنها مدينة مراكش تحديدا تعرف منذ زمن ليس بالقريب أحداثا مرتبطة بالغِلمانية، إضافة إلى عامل آخر مرتبط بحقوق الطفل المُنتهَكة والهشة بالمغرب والتي تشجع المُنحرِفين في العالم ومن يراودُهم هذا الشَّبق لقصد ذاك البلد، فَضلا عن ضعف الترسانة القانونية أو وجود فرق بين حَرفِيَّة النصوص القانونية وتطبيقها. وزادت المرابطي أن الإفلات الأمني، متجليا في غياب ضبط حالات يتورط فيها الأجانب والتي تمر أمام أعين المسؤولين وغياب التعاون مع الشرطة الدولية "الأنتربول" التي تملك مذكرات بحث دولية على مجموعة من المنحرفين جنسيا، وغياب بيان معلومات حول الأجانب الذين صدرت في حقهم عقوبات أو معروفين بنشاطات جنسية تجاه الأطفال، إلى جانب الحصانة والنفوذ السياسيين عبر أُناس لهم ضمانات معينة ويمتلكون حماية ويتم تمتيعهم بتراخيص مشاريع تربوية واقتصادية بكل سهولة في مدن سياحية على الخصوص أو يتمكنون من الهرب والإفلات من العقوبات في حال افتضح أمرهم، ثم وجود أطفال يسوقون أنفسهم كبضاعة جنسية أو"يمتهنون الدعارة" هو بلد بالضرورة يثير المنحرفين في العالم بأسره ويتصيدون فرصة الذهاب إليه. تواطؤ تربويين وغياب التربية الجنسية من جهته، اعتبر الخبير في علوم التربية رشيد الجرموني، أن الظاهرة خطيرة جدا وتمس المجتمع برمته وخصوصا فئاته الحرجة متمثلة في الأطفال، مُرجعا أسبابها إلى انفتاح المغرب على مجموعة من التيارات والتوجهات وعلى حركية الناس والبضائع والسياح التي وجَّدت ثغرة لهذه "التجارة". وتساءل الباحث التربوي عن سهولة حصول هؤلاء الأجانب على مُبتَغاهم، مؤكدا أن هناك اختراقا للمؤسسات التعليمية بشكل كبير ما يؤشّر على هشاشة البنيات التحتية وتورط مجموعة من المسؤولين داخل هذه المؤسسات، "فلا يمكن أن يُقدم أجنبي على مثل هذه الأعمال بدون وَساطات من المغاربة أنفسهم ومن بعض المسؤولين على المؤسسات التربوية وغيرها؛ لا يمكن تصور وقوع الأمر بطريقة عفوية وبسيطة وساذجة خصوصا وأن الأمر تكرر" يورد الجرموني. وانتقد الجرموني عبر هسبريس، المؤسسات التربوية التي لم تعد تقوم بدورها كاملا في تحصين الأطفال تربويا، إضافة إلى افتقاد المدرسة والأسرة لمفهوم تلقين التربية الجنسية للأطفال وتعريفهم بأعضائهم التناسلية وأجسامهم وبالمخاطر المُحيقة بهم، "هناك غيبوبة تجتاح بعض المؤسسات التربوية في التعريف بهذه القضية ونشر الوعي عند الأطفال والقاصرين". "الطابو" والأحكام المخففة واستهتار الدولة من جانبه، يرى مدير مرصد الشمال لحقوق الإنسان محمد بنعيسى، أن واقع المغرب يعود إلى تظافر مجموعة من العوامل الجغرافية والاجتماعية، والاقتصادية والسياسية وكذلك التشريعية من بينها انتشار الأمية والفقر والتوسع العمراني وانهيار النظام التربوي، إضافة إلى غياب وعي مجتمعي بخطورة ظاهرة الاعتداء والاستغلال الجنسي للأطفال في ظل ثقافة "حشومة وعيب" مما يجعل من كل ما هو جنسي "طابو". كما يعود ذلك إلى انعدام التحسيس بالظاهرة في المؤسسات التعليمية والكتب المدرسية إضافة إلى القرب الجغرافي من أوربا وسياسة فتح الحدود الذي نهجها المغرب سابقا لاستقطاب أزيد من 10 مليون سائح في 2010 . وزاد المتحدث أن الخلل في المنظومة القضائية المغربية التي تجعل من حالات الاعتداء والاستغلال الجنسي للأطفال كباقي القضايا الأخرى المطروحة على العدالة المغربية والأحكام المخففة التي تصدر في مثل هذه القضايا من بين أهم العوامل والأسباب أيضا. "الدولة المغربية تتعامل باستهتار كبير مع تزايد حالات الاعتداء والاستغلال الجنسي للأطفال رغم التقارير الصادرة عن المنظمات الحقوقية المحلية أو الدولية بل وحتى تقارير رسمية لدول أخرى مثل التقرير الفرنسي المنجز من قبل وزارة الأسرة والطفولة والوزارة المكلفة بالسياحة والذي حذر من احتمال كبير لأن يتحول المغرب إلى قبلة مفضلة للسياح الجنسيين بعد كارثة تسونامي الآسيوية" يورد الناشط الحقوقي لهسبريس مستطردا بالقول أنه في ظل استمرار الوضع على ما هو عليه وبالشروط سالفة الذكر فإن الاسباني "دانييل كالفان" أو الانجليزي "روبرت ادوارد بيل" لن تكون حالتهما الأولى ولا الأخيرة وما خفي كان أعظم. محاصرة الاستغلال الجنسي.. كيف السبيل؟ وتقترح بشرى المرابطي مجموعة من الإجراءات التدبيرية لمحاصرة الظاهرة، وذلك عن طريق وضع استراتيجية لحماية الأطفال من الاستغلال الجنسي مع كل مخطط سياحي جديد تتقدم به الحكومة، إلى جانب إحداث "شرطة أخلاقية" تُعطاها صلاحية مراقبة المطاعم والفضاءات والشوارع وتستطيع مساءلة كل أجنبي وجد برفقة قاصر مغربي عن طبيعة العلاقة التي تجمعهما. المرابطي تشدد على ضرورة وضع آليات قانونية زجرية قوية تنهض بالبلد من خلال رفع عقوبة المعتدين جنسيا وخاصة إذا كانوا أجانب إلى ما فوق 30 سنة تقضى في السجون المغربية. مع خلق وحدات خاصة لمنع الأطفال من التجوال بالليل، تعمل على إرجاعهم إلى منازلهم أو إلى دور الحماية، "فلا يمكن تكلم عن حماية الأطفال ونرى أطفالا في المدن السياحية المغربية التي لا تنام ليلا يتجولون في منتصف الليل والساعات الأولى من الصباح". وطالبت الدكتورة بتخصيص ميزانيات محترمة للوزارات المعنية من أجل توفير الحماية للأطفال، وتوفير بيان معلوماتي عالمي لمنع الأجانب من الدخول إلى البلد إلا عبر إجراءات مشددة. أما الخبير التربوي رشيد الجرموني، فيرى أن المسألة مُرتبطة بإعادة النظر في علاقاتنا مع بعض الأجانب ومع الخارج ارتباطا بالقطاع السياحي حتى لا يُصبح المغرب قِبلة لطالبي اللذة واستغلال الأطفال، "السياسة السياحية يجب أن تراعي القيم والأعراف، ولا يمكن أن نكون منفتحين ونتغاضى عن مثل هذه الأمور، فليس مُهما أن يعرف المغرب ارتفاعا في عدد السياح ويستفيد من المناخ الدولي والإقليمي، لكن الأهم أن يكون المغرب محافظا على قيمه وأبنائه وعلى كتلته الحرجة باعتبارهم مغاربة الغد" يختم الجرموني كلامه.