الإدارة المغربيّة تتّسم بتعدّد الاختلالات ونقائص جوهرية تمسّ بشكل أساسيّ الجهاز الإداري على كافّة المستويات؛ هذا ما كشفته ورقة تمّ توزيعها خلال لقاء تكويني حول موضوع "تدبير الموارد المالية والبشرية بغرف الصناعة التقليدية وجامعتها"، نظمته جامعة غرف الصناعة التقليدية، صباح اليوم بالرباط، بالتنسيق مع وزارة الصناعة التقليدية. وتتعلّق أهمّ إشكالية تعاني منها الإدارة المغربية، في مجال تدبير الموارد البشرية، في غياب استراتيجية واضحة تحدّد الإطار المرجعيّ للكفاءات والوظائف، إضافة إلى اقتصار التدبير على الجانب القانوني والتسيير اليومي للمشاكل التي تعرفها الإدارة، على حساب التدبير الفعّال المبني على منطق التدبير التوقّعيّ والاستراتيجي للموارد البشرية. الإدارة المغربية، حسب مضمون الورقة، لا تعاني من انعدام قلّة الكفاءات البشرية، أو انعدام الإمكانيات المادّية، بل من غياب استراتيجية واضحة للتدبير، "والارتهان لأوامر المسؤول الإداري الفاقدة لفكر ذي رؤية محدّدة، وهو ما يؤدّي، بمجرّد تغيير المسؤول عن الإدارة إلى تغيير الاستراتيجية، اعتمادا على مبرّرات ذاتية وليس على مبرّرات علمية". فشل الإدارة المغربيّة، مردّه أيضا إلى عقلية رؤساء الإدارات، في ظلّ غياب تأهيلهم للارتقاء إلى مستوى التحديث، كما أنّ الموارد البشرية العاملة في الإدارات المغربية تعيش عدّة إشكالات، منها أنّ الإطار القانوني الحالي للموظفين يحُول دون تدبير الموارد البشريّة تدبيرا فعّالا، إضافة إلى غياب التحليل التوقعيّ لمؤهلات الموارد البشرية، وعدم تحديد حاجيات التوظيف بناءً على دليل مَرجعيّ للوظائف والكفاءات. بدورها، لا تستجيب مباريات التوظيف، في شكلها الحالي، لحاجيات الإدارة المغربية من الكفاءات، فبالرغم من عشرات البرامج الإصلاحية التي تمّ اعتمادها منذ الاستقلال، فإنّ مباريات التوظيف بناء على القواعد القانونية الموجودة حاليا، لا تساعد على انتقاء المترشحين المؤهلين للقيام بأنشطة معيّنة، لكون التوظيف يتمّ بناء على تخصّصات تحدّدها الجامعات والمعاهد، وليس بناء على حاجيات الإدارة من الكفاءات، إضافة إلى أنّ نظام المباريات لا يمكّن من معرفة الكفاءة الحقيقية لكل مترشّح على حدة. وتَعتبر الدراسة، التي أعدّها الباحث محمد والضحى، أنّ نجاح تدبير وظيفة التدبير رهين بكفاءَة ومهنية الموارد البشرية، ويرى أنّ من بين أسباب "انحطاط" مهامّ التدبير لدى العديد من الإدارات ليس مرتبطا في الغالب بقلة الإمكانيات، بل يتعلق بالسياسة المعتمدة في اختيار المسيّرين، "حيث تهيْمن الزبونية والعشوائية، إضافة إلى غياب المهنية". وعلى الرغم من أنّ الباحث والضحى أشار في دراسته إلى أنّ "الكل ليس سيّئا داخل الإدارة المغربية"، إلا أن "المشكل الأكبر يكمن في البطء في مباشرة الإصلاح، وعدم إشراك جميع الموظفين من خلال إطلاعهم على أهمّ الأوراش المفتوحة حاليا، لإصلاح الهيكل الوظيفي، لتدبير الموارد البشرية".