أوروبا تصدم المغرب مرة أخرى بسبب خضر غير صالحة للاستهلاك    هل ينهي مجلس المنافسة تلاعب "لوبيات" الصيد البحري ويضع حدا لارتفاع أسعار الأسماك بالناظور؟    مركز دراسات.. لهذا ترغب واشنطن في انتصار مغربي سريع في حال وقوع حرب مع الجزائر    تركيا تعلق المعاملات التجارية مع إسرائيل    أنور الخليل: "الناظور تستحق مركبا ثقافيا كبيرا.. وهذه مشاريعي المستقبلية    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة    مطالب بعقد اجتماع عاجل بالبرلمان لمناقشة توقيف الدعم الاجتماعي عن العديد من الأسر    الحكومة تصادق على مشروع مرسوم بشأن مبادئ وقواعد تنظيم إدارات الدولة وتحديد اختصاصاتها    النقابة الوطنية للصحافة المغربية تصدر تقريرها السنوي حول الحريات والحقوق الصحافية بالمغرب للفترة 2023-2024    المخزون المائي بسدود الشمال يناهز مليار و100 مليون متر مكعب    مجلس النواب يعقد الأربعاء المقبل جلسة عمومية لمناقشة الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة    بايتاس: الاتفاق الاجتماعي قبيل فاتح ماي ليس "مقايضة" .. و"لكلّ إصلاح كلفة"    ارتفاع حصيلة القتلى في غزة.. واعتقالات في الضفة الغربية    الأمطار تغلق مدارس وشركات مجددا في الإمارات وتتسبب باضطراب حركة مطار دبي    "الأمم المتحدة" تقدر كلفة إعادة إعمار غزة بما بين 30 إلى 40 مليار دولار    الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم تؤكد تأهل نهضة بركان إلى نهائي كأس "الكاف"    فوضى «الفراشة» بالفنيدق تتحول إلى محاولة قتل    مصرع سائق دراجة نارية في حادثة سير مروعة بطنجة    ندوة بطنجة تناقش مكافحة غسل الأموال    طلبة الطب: مطالبنا لا تمس بسيادة الدولة وأجلنا الاحتجاج تعبيرا عن حسن النية لكن لا وجود لأي تجاوب    باحثون يكتشفون آليات تحسّن فهم تشكّل الجنين البشري في أولى مراحله    مدير ثانوية التقدم اللي حصل كيتحرش بتلميذة بغا يدافع على راسو: قال للجدارمية أنه ماشي هو اللي باين فداك الفيديو    مقعد الفايق منوّض جدل كبير.. السلاوني المرشح الرابع فلائحة "الأحرار" حط طعن فالمحكمة الدستورية ضد قنديل وصرّح ل"كود": قدمناه فالأجل القانوني    بذور مقاومة للجفاف تزرع الأمل في المغرب رغم انتشارها المحدود    المكتب الوطني للمطارات كيوجد لتصميم بناء مقر اجتماعي.. وها شنو لونصات لقلالش    طاهرة تودع مسلسل "المختفي" بكلمات مؤثرة    النفط يتراجع لليوم الرابع عالمياً        جامعة في نيويورك تهدد بفصل طلاب تظاهروا تأييداً للفلسطينيين    مؤسسة المبادرة الخاصة تحتفي بمهرجانها الثقافي السادس عشر    البرلمان يستعرض تدبير غنى الحضارة المغربية بالمنتدى العالمي لحوار الثقافات    آبل تعتزم إجراء تكامل بين تطبيقي التقويم و التذكيرات    تسرب الوقود من سفينة بميناء سبتة كاد يتسبب في كارثة بيئية    إلقاء القبض على إعلامية مشهورة وإيداعها السجن    حادثة سير خطيرة بمركز جماعة الرواضي باقليم الحسيمة    بورصة الدار البيضاء : تداولات الافتتاح على وقع الانخفاض    رغم الهزيمة.. حكيمي ضمن التشكيلة المثالية لنصف نهائي أبطال أوروبا    الطيب حمضي ل"رسالة24″: ليست هناك أي علاقة سببية بين لقاح أسترازينيكا والأعراض الجانبية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الرئيس الكولومبي يعلن قطع العلاقات مع إسرائيل    مسؤولة في يونيسكو تشيد بزليج المغرب    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" يعلن عن أسماء الفائزات والفائزين بجائزة "الشاعر محمد الجيدي" الإقليمية في الشعر    "دراسة": زيادة لياقة القلب تقلل خطر الوفاة بنحو 20 في المائة    عبد الجبّار السحيمي في كل الأيام!    نادي الشباب السعودي يسعى لضم حكيم زياش    الاتحاد الفرنسي لكرة القدم يصدر قرارا مثيرا للجدل تجاه اللاعبين المسلمين بمنع ارتداء سراويل داخلية تغطي الركبة    السجن لبارون مخدرات مغربي مقيم بشكل غير قانوني بإسبانيا    قمة "نارية" بين حامل اللقب نهضة بركان ومتزعم البطولة الجيش الملكي في دور السدس عشر    العربية للطيران ترفع عدد رحلاتها بين أكادير والرباط    رونالدو يقود النصر إلى نهائي كأس السعودية لمواجهة غريمه التقليدي الهلال    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    دورة مدريد لكرة المضرب: الروسي روبليف ي قصي ألكاراس حامل اللقب    دراسة: مجموع السجائر المستهلكة "يلتزم بالثبات" في إنجلترا    اتحاد جدة صيفطو كريم بنزيما لريال مدريد وها علاش    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الأمثال العامية بتطوان... (586)    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أرواحُ الكافرين عند الموت وعالمُ البرزخ (5)
نشر في هوية بريس يوم 15 - 11 - 2022

إنّ ساعةَ الموتِ أخطرُ ساعةٍ في رحلة الإنسان الطويلة إلى ما لا نهاية لأنها بداية الانتقال من عالم الشهادة المحسوس، الذي عرفه الإنسان وألفه، إلى عالمٍ كان غيباً في الحياة الأولى، ويصيرُ محسوساً في الحياة الجديدة، التي تبدأُ بالموتِ الجسدي، ليحدث للإنسان في عالم البرزخ لأول مرة عوالمُ تختلف كل الاختلاف عن عوالم الدنيا التي عايشَها، وائتلف أو تنافر معها. وفي ساعة الموت يرى الإنسان ملائكة الله، ويسمع منهم الكلمة الفاصلة النازلة إليه من عند الله تعالى، وهي الكلمةُ التي تدلُّ على نعيمه الأبدي أو شقائه الأبدي، ولو كان يملكُ العالم كلَّه في هذه الساعة، وقُبِلَ منه أن يضحي به، أو كان يملك ملء الأرض والسماء ذهباً، وقبل منه أن يتصدق به في سبيل أن يسمعَ كلمةَ الرضى والعفو من الله في هذه الساعة لفعل، وكان في منتهى السعادة، وفي هذا يقول الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾ [الزمر: 47].
عندما يحتضر الكافر تأتيه الملائكة فتبشره بالعذاب والنكال، فينكر ويقول: ما كنت أعمل من سوء. فلا ينفعه هذا الإنكار لأنه قد كتب عليه كل شيء وشهد الله عليه، فعدها يطلب الرجعة ليعمل صالحاً فلا يجاب لذلك، فيعلم أن العذاب واقع به لا محالة فتتفرق روحه في جسده هرباً من الملائكة ولكن ليس له مهرب ولا منجا، فتضربه الملائكة على وجهه ودبره ثم تنتزع روحه كما ينتزع الشوك من الصوف، دل على هذه المعاني الآيات التالية [اليوم الآخر في القرآن العظيم والسنة المطهرة، المطيري، ص 66]:
أولاً: حال أرواح الكافرين عند الموت:
1- قوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلاَئِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمْ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ *﴾ [الأنعام: 93]، قوله تعالى: أي كرباته ﴿فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ﴾، وقوله جوابه محذوف تقديرُه: لرأيتَ أمراً ﴿وَلَوْ تَرَى﴾، وهذه عبارةٌ عن التعنيف في السياق والشدّة في قبض الأرواح، وقوله تعالى: أي ﴿بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ﴾، كقوله: ﴿لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي﴾ [المائدة: 28] وقوله: ﴿وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ﴾ [الممتحنة: 2] وكقوله: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ﴾ [الأنفال: 50]. ولهذا قال: أي بالضربِ ﴿وَالْمَلاَئِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ﴾، حتى تخرجَ أنفسُهم من أجسادِهم، ولهذا يقولون لهم: وذلك أنّ الكافرَ إذا احتُضِرَ بشَّرته الملائكة بالعذاب ﴿أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمْ﴾، والأغلال والسلاسل، والجحيم والحميم، وغضب القهار العظيم، فتفرق روحُه في جسده، وتتعصَّى، وتأبى الخروجَ، فتضربهم الملائكة حتى تخرجَ أرواحُهم من أجسادِهم، قائلين لهم: أي كنتم تهانون غاية الإهانة كما كنتم تكذبون ﴿أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمْ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ﴾ الله وتستكبرون عن اتّباع آياته ، والانقياد لرسله، ثم يبشرون بالعذاب ﴿الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ﴾. [اليوم الآخر في القرآن العظيم ص، 64]. قال سيد قطب – رحمه الله -: وجزاء الاستكبار العذاب المهين، وجزاء الكذب على الله هذا التأنيب الفاضح.. وكله مما يفضي على المشهد ظلالا مكروبة، تأخذ بالخناق من الهول والكآبة والضيق [في ظلال القرآن، سيد قطب، 7/1194].
2- وقال تعالى: ﴿يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلاَئِكَةَ لاَ بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا﴾ [الفرقان: 22] أي حرامُ ومحرَّمٌ عليكم دخولُ الجنة، وفي حديث البراء الطويل، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «وإنّ العبدَ الكافِرَ إذا كانَ في انقطاعٍ عن الدنيا، وإقبالٍ من الآخرة، نزلَ إليه مِنَ السماءِ ملائكةٌ، سودُ الوجوهِ، معهم المسوحُ، فيجلسون منه مدَّ البصر، ثم يجيءُ مَلَكُ الموتِ، حتى يجلسَ عندَ رأسِهِ، فيقول: أيتُها النفسُ الخبيثةُ، اخرجي إلى سخطٍ مِنَ اللهِ وغضبٍ، قال: فتفرق في جسدِهِ، فينتزعُها كما ينتزع السفود من الصوفِ المبلول » [محاسن التأويل للقاسمي، 7 / 22 ].
3- قال تعالى: ﴿رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ *﴾ [الحجر: 2].
في الآية إخبار عنهم أنهم سيندمون على ما كانوا فيه من الكفر، ويتمنَّون لو كانوا في الدنيا مع المسلمين، وقيل: إنَّ المرادَ أَنَّ كُلَّ كافرٍ يودُّ عند احتضارِه أَنْ لو كان مؤمناً. [تفسير ابن كثير ت سلامة 4/ 524].
ونقل السدي في تفسيره بسنده المشهور عن ابن عباس، وابن مسعود، وغيرهما من الصحابة: أن الكفار لما عرضوا على النار، تمنوا أن لو كانوا مسلمين [تفسير ابن كثير، (4/ 524].
4- قال تعالى: ﴿الَّذِينَ تَتَوفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ﴾ [النحل: 28 29]. قال ابن كثير: يخبر تعالى عن حال المشركين الظالمي أنفسهم عند احتضارهم ومجيء الملائكة إليهم لقبض أرواحهم: {فألقوا السلم} أي: أظهروا السمع والطاعة والانقياد قائلين: {ما كنا نعمل من سوء} كما يقولون يوم المعاد: {والله ربنا ما كنا مشركين} [الأنعام: 23] {يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم} [المجادلة: 18] [تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، 4/567].
5- وقال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ *لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ*﴾ [المؤمنون: 99 100]، وهم لا يكفّون عن طلبِ الرجعة، فيطلبونها في كلِّ وقتٍ، وفي كلِّ حينٍ [التسهيل لابن جزي، 1 / 279]. قال السعدي رحمه الله: يخبر تعالى عن حال من حضره الموت، من المفرطين الظالمين، أنه يندم في تلك الحال، إذا رأى مآله، وشاهد قبح أعماله فيطلب الرجعة إلى الدنيا، لا للتمتع بلذاتها واقتطاف شهواتها وإنما ذلك يقول: {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} من العمل، وفرطت في جنب الله. {كَلا} أي: لا رجعة له ولا إمهال، قد قضى الله أنهم إليها لا يرجعون، {إِنَّهَا} أي: مقالته التي تمنى فيها الرجوع إلى الدنيا {كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} أي: مجرد قول باللسان، لا يفيد صاحبه إلا الحسرة والندم، وهو أيضا غير صادق في ذلك، فإنه لو رد لعاد لما نهي عنه [تفسير السعدي، ص 595].
ثانياً: أهوال حياة البرزخ وما بعدها:
1- وقال تعالى: ﴿وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ *﴾ [إبراهيم: 44]. قال السعدي رحمه الله: يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ} أي: صف لهم صفة تلك الحال وحذرهم من الأعمال الموجبة للعذاب الذي حين يأتي في شدائده وقلاقله، {فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا}: بالكفر والتكذيب وأنواع المعاصي نادمين على ما فعلوا سائلين للرجعة في غير وقتها، {رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} أي: ردَّنا إلى الدنيا فإنا قد أبصرنا" [تفسير السعدي، ص 427].
2- وقال تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ *بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ *﴾ [الأنعام: 27 28]
3- وقال تعالى: ﴿وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ*﴾ [الشورى: 44]
4- وقال تعالى: ﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ *﴾ [فاطر: 37] فذكر تعالى أنّهم يسألون الرجعة فلا يجابون: عند الاحتضار، ويوم النشور، ووقت العرض على الجبار، وحين يعرضون على النار، وهم في غمرات عذاب الجحيم [تفسير البغوي، 3 / 169].
5- قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ *﴾ [الأعراف: 40].
وقد فسر النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) هذه الآية في حديث البراء السابق، وفيه أنّه قال: «… إنّ العبدَ الكافِرَ إذا كانَ في انقطاعٍ من الدنيا، وإقبالٍ من الآخرة نزل إليه من السماءِ ملائكةٌ سودُ الوجوه، معهم المسوحُ، فيجلسون مِنْهُ مَدّ البصرِ، ثم يجيءُ ملكُ الموتِ حتى يجلسَ عند رأسه، فيقول: أيتُّها النفسُ الخبيثةُ اخرجي إلى سخطٍ من الله وغضبٍ، قال: فتفرق في جسده، فينتزعُها كما ينتزعُ السفود من الصوف المبلول، فيأخذها في تلك المسوح، ويخرجُ منها كأنتنِ ريحِ جيفةٍ وُجِدَتْ على وجه الأرض، فيصعدون بها، فلا يمرّون بها على ملأٍ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروحُ الخبيثُ؟ فيقولون: فلانُ بنُ فلانٍ بأقبح أسمائه التي كان يسمّى بها في الدنيا، حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا، فيُستَفْتَحُ له فلا يُفتحُ له، ثم قرأ رسول الله ﴿لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ﴾ [الأعراف: 40]. فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابَهُ في سجّين في الأرضِ السفلى، فتُطْرَحُ روحُه طَرْحاً، ثم قرأ: ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ *﴾ [الحج: 31]، فتعادُ روحُه في جسدِهِ، ويأتيه ملكانِ، فيجلسانِهِ، فيقولانِ له: مَنْ ربُّكَ ؟ فيقول: هاه هاه، لا أدري، فيقولان له: ما دِيْنُكَ ؟ فيقول: هاه هاه، لا أدري، فيقولان له: ما هذا الرجلُ الذي بُعِثَ فيكم ؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فينادي منادٍ من السماء أَن كذَب، فافرشوا له من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، فيأتيه مِنْ حَرّها وسَمُومها، ويضيَّقُ عليه قبرُه، حتى تختلَ فيه أضلاعُه، ويأتيه رجلٌ قبيحُ الوجهِ، قبيحُ الثيابِ، مُنْتِنُ الريحِ، فيقول: أبشر بالذي يسوءك، هذا يومك الذي كنتَ توعدُ، فيقول: مَنْ أنتَ؟ فوجهُك الوجهُ يجيءُ بالشرِّ، فيقول: أنا عملُكَ الخبيثُ فيقول: ربِّ لا تُقِمِ الساعةَ» [تفسير القرآن العظيم، 2 / 544].
إنّ ساعة الموت أخطرُ لحظةٍ في عمر الإنسان، فتزدادُ حسرةُ الميّت ومصيبتُه وفجيعتُه حين يكونُ منِكراً للحياة الآخرة، أو مغروراً بمسلكه المضاد لدين الله، أو القائم على البدع والخرافات التي أبعدته عن الإيمان الصحيح والطريق السويِّ الموافق للكتاب والسنة، كما ذكرنا في الآيات السابقة التي تهز القلوب، وتحرك الأفئدة بما ذكرته من أحوال الكافرين والعصاة المجرمين حال خروج أرواحهم وفي حياة البرزخ ويوم القيامة، عياذاً بالله من ذلك.
-ملاحظة هامة: استفاد المقال مادته من كتاب: "الإيمان باليوم الآخر"، للدكتور علي الصلابي، واستفاد أكثر معلوماته من كتاب: " اليوم الآخر في القرآن العظيم والسنة المطهرة"، للدكتور عبد المحسن المطيري.
المراجع:
* الإيمان باليوم الآخر، د. علي محمد الصلابي، دار ابن كثير الطبعة الأولى.
* التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي، دار الأرقم، الطبعة الأولى، 1414ه.
* تفسير ابن كثير، أبو الفداء ابن كثير، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1419ه.
* تفسير السعدي، عبد الرحمن بن ناصر السعدي، مؤسسة الرسالة، 2000م.
* تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن)، أبو عبد الله القرطبي، دار الكتب المصرية، الطبعة الأولى، 1964م.
* اليوم الآخر في القرآن العظيم والسنة المطهرة، عبد المحسن المطيري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.