أموال الناظور تمول مدنا أخرى.. أين الأبناك من تنمية المنطقة ودعم الرياضة والثقافة كما أرادها جلالة الملك؟    مجموعة بريكس تدعو إلى "كسر حلقة العنف" في الشرق الأوسط    ثلاثية تشيلسي تقصي الترجي التونسي    تحويل المكتب الوطني للهيدروكاربورات إلى شركة مساهمة على طاولة مجلس الحكومة    ميداوي: "النظام الأساسي" لموظفي التعليم العالي يلتزم بالمسار الطبيعي    والي بنك المغرب يدعو الحكومة إلى إنجاح برامج تمويل المقاولات الصغرى    توقعات استقرار التضخم بالمغرب عند 1% نهاية 2025 وارتفاعه إلى 1.8% في 2026    النفط عند أدنى مستوى في أكثر من أسبوع بعد إعلان ترامب وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران    المغرب يستعين بشركات ودفاتر تحملات لمواجهة خطر النفايات الطبية    نجاح إصدار سندات ل"اتصالات المغرب"    المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية يحتفي بحرف "تيفيناغ" ويرصد التحديات    إيران تقول إنها "أرغمت" إسرائيل على وقف الحرب "من طرف واحد"    تنفيذ المرحلة الأولى من حملة الإغاثة المغربية لفائدة 1000 عائلة من النازحين في مخيمات غزة    إيران تعلن مقتل 610 أشخاص على الأقل منذ بدء الحرب مع إسرائيل    "جبر أضرار سلفيين" ينتظر الحسم    حكم كندي يدير مباراة الوداد والعين    الرجاء ينال المركز الثالث بكأس التميز    أشرف حكيمي أفضل لاعب في مباراة باريس سان جيرمان أمام سياتل ساوندرز الأمريكي    طنجة.. كلب على متن سيارة يعض فتاة والسائق يدهس شابًا أثناء الفرار أمام سيتي مول    طنجة.. حملة أمنية تسفر عن توقيف لصوص ومروّجي مخدرات بالمدينة العتيقة    "ملعب عشوائي" يثير الجدل بالدروة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    دفاع بودريقة يستدل بصور مع الملك وماكرون وأخنوش لدحض تهمة النصب    مؤسسة أحمد الوكيلي تطمح إلى إخراج "الآلة" من النخبوية الموسيقية    تقنية الهولوغرام تعيد جمهور مهرجان موازين لزمن عبد الحليم حافظ    اتفاق أمني مغربي فرنسي جديد يرسم خارطة طريق لمحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة    باستعمال الدرون والكلاب البوليسية.. حجز 3 أطنان من الشيرا كانت موجهة للتهريب الدولي        بنفيكا يزيح بايرن عن الصدارة وبوكا يودّع مونديال الأندية    أزمة مالية تهوي بليون الفرنسي إلى الدرجة الثانية    بعد غياب طويل.. عودة الإعلامية لمياء بحرالدين للساحة الإعلامية بشكل جديد    بركة: 300 كيلومتر من الطرق السريعة قيد الإنجاز وبرمجة 900 كيلومتر إضافية    لائحة لبؤات الأطلس المشاركة في "كان السيدات 2024"    الصوديوم والملح: توازن ضروري للحفاظ على الصحة    الحسيمة .. دعوات لمقاطعة شركة "ارماس" تقسم نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي    المملكة المغربية تعرب عن إدانتها الشديدة للهجوم الصاروخي السافر الذي استهدف سيادة دولة قطر الشقيقة ومجالها الجوي    بعد مسيرة فنية حافلة.. الفنانة أمينة بركات في ذمة الله    الأداء الإيجابي ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    العراق يعلن إعادة فتح مجاله الجوي    مهرجان "موازين" يتخلى عن خدمات مخرجين مغاربة ويرضخ لشروط الأجانب    ترامب: إسرائيل وإيران انتهكتا الاتفاق    دراسة تكشف ارتفاع معدلات الإصابة بالتهاب المفاصل حول العالم    الإكثار من تناول الفواكه والخضروات يساعد في تحسين جودة النوم    هل تعالج الديدان السمنة؟ .. تجربة علمية تثير الدهشة    قبيل حفله بموازين.. راغب علامة في لقاء ودي مع السفير اللبناني ورجال أعمال    في برنامج مدارات بالإذاعةالوطنية : وقفات مع شعراء الزوايا في المغرب    في مهرجان موازين.. هكذا استخفت نانسي عجرم بقميص المنتخب!    بلكوش: المنتدى العربي الإفريقي للمقاولة وحقوق الإنسان تعزيز لمواصلة الشراكة والتعاون بين المنطقة العربية وعمقها الإفريقي    الوداد يطمئن أنصاره عن الحالة الصحية لبنهاشم وهيفتي    قهوة بالأعشاب الطبية تثير فضول زوار معرض الصين – جنوب آسيا في كونمينغ    ترامب يعلن التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار شامل بين إسرائيل وإيران    ميزانية الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها    رمسيس بولعيون يكتب... البرلماني أبرشان... عاد إليكم من جديد.. تشاطاراا، برويطة، اسعادات الوزاااار    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



واجبنا نحو القرآن المجيد
نشر في هوية بريس يوم 12 - 11 - 2016


هوية بريس – عبد العزيز الإدريسي
في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، قرأ الشاب بديع الزمان سعيد النورسي[1] خبرا مدهشا هز كيانه هزا عنيفا، مفاده: "أن "جلادستون" رئيس وزراء إنجلترا وقف وهو يحمل نسخة من المصحف في مجلس العموم البريطاني ويقول: (إنه لن يستقر لنا قرار في البلاد الإسلامية ولن نستطيع أن نحكمهم ما دام هذا المصحف بينهم أو في أيديهم)، فينبري له أحد أعضاء المجلس يحمل الآخر مصحفًا، ويقول له بصوت عالٍ: "فلنضع هذا المصحف تحت أقدامنا، هكذا"، ولكن رئيس الوزراء "جلادستون" يرد عليه بدهاء وخبث: «ما هكذا تحل القضية، وواجبنا أن نباعد بين المسلمين وبين المصحف"، فيكون رد فعل الأستاذ النورسي في قولة أطرت مشروعه الإصلاحي: "لأبرهننّ للعالم أجمع، أن القرآن العظيم شمس معنوية لا يخبو سناها، ولا يمكن إطفاء نورها"[2] وقد كرس النورسي حياته في إظهار إعجاز القرآن، وتوثيق علاقة المسلمين بكتاب الله تعالى إنقاذا لإيمانهم وترشيدا لتدينهم.
انطلاقا من هذه الواقعة -وغيرها- التي كان لها ما بعدها، ما هو واجبنا اليوم نحو القرآن المجيد؟ في ظل ما تعيشه الأمة الإسلامية من أزمات ومشكلات، وما تتخبط فيه البشرية من منزلقات وتشوهات.
وقبل الحديث عن هذه الواجبات، أود أن أبين بعض خصائص القرآن الكريم[3]، والتي أجملها في ما يلي:
1-الخاصية الأولى: القرآن الكريم كلام الله: وكفى بهذه الخاصية مفتاحا وأساسا لتلقي أنوار القرآن الكريم، وفقه أسراره، فالكلام الإلهي لا نهاية له، قال تعالى: ﴿قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً﴾ (الكهف الآية 109)، هذا الكلام قول ثقيل لا قبل للإنسان به، لولا اللطائف الإلهية في مروره من الذات النبوية الشريفة التي كانت تعاني أيما معاناة في تنزل هذا القول الثقيل، لما استطعنا تلقيه، يقول تعالى: ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً﴾ (المزمل الآية 5)، هذه بصيرة من بصائر القرآن الكريم، تبصر الانسان بقيمة وثقل هذا القول الملقى إليه من رب العالمين[4]،وقال عز من قائل: ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الحشر الآية21).
في ذات السياق يؤكد الإمام الزركشي ثقل الكلام الإلهي وعمق الكلمة القرآنية بقوله:" لو أعطي العبد بكل حرف من القرآن ألف فهم ،لم يبلغ نهاية ما أودعه الله في آية من كتابه، لأنه كلام الله، وكلامه صفته، وكما أنه ليس لله نهاية فكذلك لا نهاية لفهم كلامه، وإنما يفهم كل بمقدار ما يفتح عليه"[5].
2 –الخاصية الثانية: القرآن الكريم رحمة للعالمين: بما هو هداية و دواء، و نور و شفاء، ورشد ونماء، دل على ذلك عديد آي الذكر الحكيم، ففي سورة الأنبياء ختم الله تعالى مسيرة الرسل الذين ذكرهم بأسمائهم، بقوله: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ (106) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ (سورة الأنبياء107) إنه لخص رسالة القرآن و وظيفة النبي العدنان عليه الصلاة والسلام في إلحاق الرحمة بالعالمين، يقول سيد قطب:" …وغير هذا وذلك كثير يشهد بأن الرسالة المحمدية كانت رحمة للبشرية وأن محمدا عليه الصلاة والسلام إنما أرسل رحمة للعالمين . ومن آمن به ومن لم يؤمن به على السواء . فالبشرية كلها قد تأثرت بالمنهج الذي جاء به طائعة أو كارهة ، شاعرة أو غير شاعرة ، وما تزال ظلال هذه الرحمة وارفة ، لمن يريد أن يستظل بها ،ويستروح فيها نسائم السماء الرخية ، في هجير الأرض المحرق وبخاصة في هذه الأيام . وإن البشرية اليوم لفي أشد الحاجة إلى حس هذه الرحمة ونداها. وهي قلقة حائرة، شاردة في متاهات المادية، وجحيم الحروب، وجفاف الأرواح والقلوب"[6] . وفي التنزيل أيضا قوله تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (16)) ( سورة المائدة)، وقوله تعالى: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً2﴾ (سورة الجن) .
3-الخاصية الثالثة: خاصية الهيمنة: بدليل قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ (المائدة48)، قال ابن تيمية: "فالسلف كلهم متفقون على أن القرآن هو المهيمن المؤتمن الشاهد على ما بين يديه من الكتب ، ومعلوم أن المهيمن على الشيء أعلى منه مرتبة، ومن أسماء الله "المهيمن" ويسمَّى الحاكم على الناس القائم بأمورهم "المهيمن". ومقتضى هذه الهيمنة و هذا التصديق هو ختم الرسالة وإتمام الديانة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَكْمَلَهُ، إِلا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهُ فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ وَيَعْجَبُونَ لَهُ وَيَقُولُونَ: هَلا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ ؟ قَالَ: فَأَنَا اللَّبِنَةُ، وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ".[7]
واجبنا نحو القرآن المجيد:
إذا كان القرآن العظيم بهذه المنزلة وبهذه المكانة فمن واجبنا اتجاهه أو من حقه علينا ما يلي:
* واجب الإيمان به: بأنه كلام الله جملة وتفصيلا، مبنى ومعنى ، وكان أول من تمثل هذا الإيمان هو الرسول عليه الصلاة والسلام، بدليل قوله تعالى في التنزيل: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾)البقرة الآية285(وإيمان الرسول عليه الصلاة والسلام، بما أنزل إليه من ربه هو إيمان التلقي المباشر ، تلقي قلبه النقي للوحي العلي ، واتصاله المباشر بالحقيقة المباشرة ،الحقيقة التي تتمثل في كيانه بذاتها من غير كد ولا محاولة ،وبلا أداة أو واسطة . وهي درجة من الإيمان لا مجال لوصفها فلا يصفها إلا من ذاقها، ولا يدركها من الوصف – على حقيقتها – إلا من ذاقها كذلك [8]!وفي سورة النساء يأمر الله المؤمنين بتجديد إيمانهم بالله ورسوله وكتبه وخاصة القرآن الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً﴾ (النساء136).
* واجب التعظيم: يقول الامام شرف الدين النووي: "أجمع المسلمون على وجوب تعظيم القرآن العزيز على الاطلاق وتنزيهه وصيانته"[9]، ومن تعظيمه القرآن الكريم تعظيم المصحف وتكريمه وقراءته على طهارة ورفعه عن الأرض وتقبيله، فقد كان عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه يضع المصحف على وجهه ويقول: كتاب ربي، كتاب ربي، ومن تعظيم عدم وضع أي شيء فوقه، ومن تعظيمه الإنصات لمن يقرأه، قال تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ((الأعراف 204) وقال أيضا:( وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ (78) لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ 80﴾ (الواقعة)،
* واجب التعهد تلاوة وحفظا: ينبغي على المؤمن دوام تعهد كتاب الله حفظا وتلاوة، حتى ترسخ حقائقه العلمية و الإيمانية في النفس، فتصفو البصيرة في صلتها بالله تعالى[10]، ففي الصحيحين أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: "تعاهدوا القرآن، فو الذي نفس محمد بيده، لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها"، لذلك كان التوجيه القرآني صريحا في حث المؤمنين على تلاوته للفوز بسعادة الدنيا وكرامة الآخرة: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ 30﴾ (فاطر). وفي تحصيل الأجر و الثواب نجد العديد من الأحاديث التي تحفز على التعهد، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: "من قرأ حرفا من كتاب الله تعالى فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف" رواه الترميذي.
* واجب العمل بأحكامه: لأن القرآن بكل وضوح هو دستور عمل ومنهاج حياة، عنوانه توحيد الله تعالى، برهانه إعمار الأرض وتحقيق الاستخلاف فيها، والعمل بأحكامه تحقيق لوظائف النبوة والرسالة في إخراج الناس من الظلمات إلى النور، قال تعالى: ﴿رَّسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً﴾ (الطلاق11)، وقال سبحانه في سورة (الجمعة): ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴾،وفي بيان أقومية القرآن الكريم يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً﴾ (الاسراء9)، وفي هذا الصدد ينبه المفكر الجزائري مالك بن نبي إلى أن الواجب على المسلمين اليوم أن يقرأوا القرآن بأعين الأحياء لا بأعين الموتى، وأن ينصتوا إليه بآذان الأحياء لا بآذان الموتى، وأن يتفاعلوا معه وكأنه يتنزل عليهم اللحظة، بتعبير سيدنا عبد الله بن مسعود "أن يثووا القرآن".
* واجب التدبر: وهذا الواجب هو واسطة العقد، وبدونه لا مفعولية ولا أثر للواجبات السابقة، وقد نصت أربع آيات على وجوب التدبر، قال الله تعالى:
﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ (ص؛ 29).
﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ، أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾ (المؤمنون68-69-70).
﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآن وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا﴾ (النساء82).
﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ (محمد24).
قال الحسن البصري: "والله! ما تدبُّره بحفظِ حروفه وإضاعةِ حدوده، حتى إنّ أحدَهم ليقول: قرأتُ القرآنَ كله، ما يُرى له القرآنُ في خُلُق ولا عمل"[11]. وفي الحديث النبوي الشريف الذي رواه مسلم، يحثنا رسول الله على المدارسة التي توصلنا غلى التدبر:" ما اجتمعَ قومٌ في بيتٍ من بيوت الله يتلون كتابَ الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينةُ، وغشيتهم الرحمةُ، وحفّتهم الملائكةُ، وذكرهم الله فيمن عنده"،و قال سيدنا على بن أبي طالب رضي الله عنه: "لاخير في قراءة لا تدبر فيها"، يقول حسن حبنكة الميداني: "فهذا الكتاب قد أنزل الله إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وهو مبارك لا تنضب فيوض معانيه، ولكن هذه المعاني المباركة الثرة لا يقتبس منها إلا الذين يتدبرون آياته، فالغاية من إنزاله أن يتدبر الناس الآيات، ولكن ليس الغرض من التدبر مجرد الترف العلمي، والافتخار بتحصيل المعرفة، والتوصل إلى كشف المعاني للتعالي بمعرفتها واكتشافها، إنما وراء الفهم غرض التذكر والعظة، والعمل بموجب العلم، وهذا التذكر المقصود لا يحظى به إلا أولو الألباب، وهم أولو العقول الحصيفة، والأذهان النظيفة، والقلوب الشريفة.[12] "بل إن الدكتور طه جابر العلواني يجعل من التدبر مدخلا لتدبير المشكلات الإنسانية" وأما التدبير فهو التخطيط للخروج من الأزمات و المشكلات، ويفترض أن يكون ناتجا وحاصلا ينتج عن (التدبر) فلا تدبير بلا تدبر، بل ارتجال وتخبط… لأن من أهم مقاصد التدبر التدبير، تدبير شؤون وشجون الحياة، ومعرفة كيفية معالجة أزماتها بالقرآن الكريم.[13]"
خاتمة القول إن من واجب المسلم أن يأخذ بكل أسباب تلقي لرسالة القرآن، بما هو منهاج حياة ودستور عمل، وتجنب الجريمة النكراء التي وردت في سورة الفرقان، الآية 30: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً﴾.
والحمد لله رب العالمين.
[1] – بديع الزمان سعيد النورسي(1876/1960م) عالم تركي باعث الحركة الإصلاحية المعاصرة بتركيا، عنوان مشروعه الاصلاحي: "إنقاذ الايمان بالقرآن"، للتوسع في سيرته:
أ- سيرة ذاتيه: من كليات رسائل النور، تأليف بديع الزمان سعيد النورسي ، إعداد وترجمة :أستاذ إحسان قاسم الصالحي،ج:9،دار سوزلر للطباعة والنشر، ط:8
ب-نظرة عامة عن حياة بديع الزمان سعيد النورسي، إحسان قاسم الصالحي، دار سوزلر،ط1 سنة2010 .
ج- آخر الفرسان مكابدات بديع الزمان سعيد النورسي، فريد الأنصاري، دار النيل للطباعة والنشر، ط 3 سنة2012.
[2] – نظرة عامة عن حياة بديع الزمان سعيد النورسي، إحسان قاسم الصالحي،ص19
[3] -أورد الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه الماتع:" كيف نتعامل مع القرآن العظيم؟" سبعة خصائص وهي :1-القرآن كتاب إلهي/2-كتاب محفوظ/3-كتاب معجز/4-كتاب مبين ميسر/5-كتاب الدين كله/6-كتاب الزمن كله/7-كتاب الإنسانية كلها" من ص17إلى71.
[4] -الوحي والإنسان نحو استئناف التعامل المنهاجي مع الوحي، د. أحمد عبادي، ص19
[5] – البرهان في علوم القرآن،الامام الزركشي، ج1،ص106
[6] -في ظلال القرآن، سيد قطب، الجزء 3 ص49.
[7] -صحيح البخاري كتاب المناقب ، باب خاتم النبيئين
[8] -في ظلال القرآن، سيد قطب، ج1، ص384
[9] -التبيان في آداب حملة القرآن ،شرف الدين النووي،ص97.
[10] – مفهوم العالمية من الكتاب إلى الربانية، د. فرئد الأنصاري،ص53،
[11] – تفسير ابن كثير،ج4 ، ص65.
[12] -قواعد التدبر الأمثل لكتاب الله عز وجل، الشيخ حسن حبنكة الميداني، ص 10و11.
[13] -أفلا يتدبرون القرآن؟ معالم منهجية في التدبر والتدبير، طه جابر العلواني، ص15-16.
elidrissihib[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.