بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء إيجابي    نواكشوط: المنتدى البرلماني الاقتصادي الموريتاني المغربي ينطلق برؤية تكاملية وتنموية جديدة    ارتفاع حصيلة ضحايا انهيار عمارة سكنية بفاس إلى 10 قتلى    عمال النظافة بطنجة يحتجون ضد شركة "أرما"    رئيس الجمعية الوطنية الموريتانية يدعو إلى التركيز في التعاون مع المغرب على القطاعات التنموية الاستراتيجية    مقاولات مغربية تفوز بأغلب صفقات إنجاز الطريق السيار القاري الرباط – البيضاء    تنفيذا للتعليمات الملكية السامية.. لوديي يستقبل وزير الدفاع بجمهورية كوت ديفوار    علاء اللامي يكتب: ردا على المقولة المتهافتة «فوز مرشح ترامب» لباباوية الفاتيكان    مسؤول أمريكي: إسرائيل لن تشارك في خطة أميركية لتوزيع المساعدات في غزة    باير ليفركوزن يعلن رحيل تشابي ألونسو نهاية الموسم    أخبار الساحة    السعودية تشارك في معرض الدوحة للكتاب ب 10 آلاف إصدار دعوي وتوعوي    استئنافية البيضاء تُحدّد تاريج جلسة أخرى لمواصلة مناقشة ملف قضية "اسكوبار الصحراء"    تحريض على القتل الممنهج والإعدام يورط هشام جيراندو في قانون الإرهاب    بنعلي: المغرب أحدث رسميا ثماني محميات بحرية موزعة على طول سواحله المتوسطية والأطلسية    الدار البيضاء.. توقيف شخصين بحوزتهما 2236 قرص مهلوس و23 غراما من الكوكايين    الناصري يتهم "إسكوبار الصحراء" بالمساس بمؤسسات الدولة ومحاولة الانتقام من المغرب    الصويرة تحتضن الدورة الثالثة من المعرض الوطني للنزعة الخطوطية    بعد تتويجه بجائزة أحسن ممثل.. البخاري: المسار مستمر رغم المكائد    ندوة وطنية تكريما لسعيد حجي: المثقف والوطني    مهرجان ربيع الشعر الدولي بآسفي في دورته الثالثة يكرم محمد الأشعري    "الفراقشية" يضخون الأغنام المدعمة في السوق    أسرة أم كلثوم تستنكر استخدام الذكاء الاصطناعي لتشويه صوت "كوكب الشرق"    "انبعاثات" تضيء ليالي مهرجان فاس    صلاح يفوز بجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي للمرة الثالثة    أجواء معتدلة غدا السبت والحرارة تلامس 30 درجة في عدد من المدن    نائبة أخنوش تعتذر عن إساءتها لساكنة أكادير.. وممثل ال "العدالة والتنمية" في أكادير يطالب "الرئيس الغائب" بتحمل مسؤليته    كوسومار تستهدف 600 ألف طن سكر    باكستان تعلن إسقاط 77 طائرة مسيّرة هندية خلال يومين    مجلس المنافسة يحقق في تواطؤ محتمل بين فاعلين بسوق السردين الصناعي دام 20 عامًا    "نقابة FNE" تكشف تفاصيل الحوار    نصف قرن في محبة الموسيقار عبد الوهاب الدكالي..    سباق اللقب يشتعل في الكامب نو والكلاسيكو يحدد ملامح بطل الليغا    حكيم زياش يتصدر العناوين في قطر قبل نهائي الكأس    منتدى البحر 2025: رهانات حماية المحيطات والتنوع البيولوجي البحري محور نقاش بالجديدة    سؤال في قلب الأزمة السياسية والأخلاقية    انعقاد الاجتماع الوزاري المقبل للدول الإفريقية الأطلسية في شتنبر المقبل بنيويورك    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    برلماني يطالب باختصاصات تقريرية لغرف الصناعة التقليدية    بطولة ألمانيا.. ليفركوزن المجرّد من لقبه يواجه مستقبلا غامضا    البطولة الاحترافية.. الجيش الملكي يتشبث بمركز الوصافة المؤهل إلى دوري أبطال إفريقيا    الذهب يصعد وسط عمليات شراء وترقب محادثات التجارة بين أمريكا والصين    كيم جونغ يشرف على تدريبات نووية    8 قتلى و7 جرحى في حادث انهيار منزل من 4 طوابق بفاس    في ظل استمرار حرب الإبادة في غزة وتصاعب المطالب بوقف التطبيع.. إسرائيل تصادق على اتفاقية النقل البحري مع المغرب    "مؤثِّرات بلا حدود".. من نشر الخصومات الأسرية إلى الترويج للوهم تحت غطاء الشهرة!    عملة "البيتكوين" المشفرة تنتعش وسط العواصف الاقتصادية العالمية    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    لقاح ثوري للأنفلونزا من علماء الصين: حماية شاملة بدون إبر    الأميرة للا حسناء تقيم بباكو حفل شاي على شرف شخصيات نسائية أذربيجانية من عالم الثقافة والفنون    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    دراسة علمية تكشف قدرة التين المغربي على الوقاية من السرطان وأمراض القلب    تشتت الانتباه لدى الأطفال…يستوجب وعيا وتشخيصا مبكرا    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد الرايس : بمدينة عرفت بالزوايا والمساجد كانت ولادتي
نشر في بوابة القصر الكبير يوم 19 - 09 - 2012

بأحد الأزقة العتيقة لمدينة عرفت بالزوايا والمساجد، مدينة القصر الكبير، كانت ولادتي وبالتحديد بدرب العبراق المجاور للزاوية التيجانية، هناك كانت البداية.
بداية رافقت أحداثا مهولة جراء الفياضانات التي كانت تجتاح المدينة تحت وطأة البناء المهترء فتأتي في بعض الأحيان على حصاد بعض الأرواح، تاركة بصمتها بعد رحيلها، لم أعرف قط هول هذه الأحداث الطبيعية، بل غالبا ما كنت أستمتع بالحكايات عنها التي كانت أمي ترددها على مسامعي بين الفينة والأخرى، لأن الفترة التي شهدتها هذه الأحداث كانت سنة 1963 أي في السنة التي خرجت فيها للوجود لأجرب حظي، على كل حال، ترعرعت في فضاء ات هذه الأزقة الملتوية التي يفوح من ثقوبها و شقوقها عبير الرطوبة وثقل التاريخ الممزوج بروائح الطبخ المختلفة، باختلاف العادات والتقاليد، سوف يكون وقعها فيما بعد سندا لكل تخميناتي وتصوراتي الفنية، التي سوف تثير شغف أساتذتي بالمهجر.
لقد كسبت صداقات طفولية سريعة، بحكم اكتظاظ الأزقة ومحاذات المنازل لبعضها البعض، ونظرا لروابط الجورة والمعايشة، فكان لي رفاق الدراسة واللهو واللعب بالطرق التقليدية يغيب فيها الحاسوب وتغيب فيها اللعب الإلكترونية، كما هو الحال عليه اليوم، كنا فقط نخترع ألعابا غاية في الخصوصية، (سبسبوت، الطريمبو، البولات، غميض البيض ولعب من نوع آخر نصنعها من مواد طبيعية وفقيرة كالقصب والخشب ونحولها إلى دراجات وعربات مدفوعة...)، كان كل هذا في الحقيقة مجالا لتطوير قدراتنا الإبداعية، مع إعادة صياغة الأشياء التي أهملها الكبار.
إني لازلت أتذكر أسماء بعض الأصدقاء من مرحلة الطفولة، كأحمد الشرادي، وفؤاد الوزاني وقد فتنت بطفلة في سني آنذاك كانت غاية في الجمال، واسمها (وفاء)، لازالت صورتها لم تفارق مخيلتي، تذكرني ببعض بطلات الأفلام الهندية الجميلات، اللواتي كنت من أجلهن أتردد على قاعات السينما، خاصة سينما السويقة (بيريس كالدوس) التي تحولت بفعل فاعل من مكان للمتعة البصرية، لمقهى للاستراحة والتجسس والمتعة من صنف آخر.
كلها تفاصيل تؤثث ذاكرتي، وكلها ذكريات كان لها وقع إبداعي في تجاربي الشخصية فيما بعد.
بعد هذه الفترة انتقلنا من هذا الحي لحي آخر، كان عبارة عن ثكنة عسكرية من مخلفات المعمر الإسباني، وهو (المحلة)، وكان ذلك في السنوات الأولى من الاستقلال، حيث بقي عدد قليل من الأجانب، الذين كان لهم الفضل في خلق النادي القصري لكرة القدم، والذي يعتبر من أوائل الأندية الكروية بالمغرب، التي ظهرت في ذلك الوقت بالمدن الصغرى، وغالبا ما كنت أتفرج على مقابلات ودية بين قاطني هذا الحي من المستعمرين الإسبان .
فمدينة القصر بفضاء اتها الضيقة والملتوية (درب سبع ليات) وبساداتها وأوليائها ( مولاي علي بوغالب، سيدي بوخبزة، سبعة رجال، سيدي قاسم بن زبير... وسيد يعقوب) الذي رسمهما الفنان الإسباني (بيرطوشي) وبمساجدها ( المسجد الأعظم بسوق الصغير..) الشاهد على مرور الرومان، تحيى في ذاكرتي ووجداني، وتعكس صورا غاية في الجمال، تؤثثها ورود وأزهار خاصة بمقر تفتيشية التعليم الإبتدائي ، ثم حديقة الباشوية، التي كان يفوح منها عطر الياسمين ليلا.. ومحطة أساسية لتزاوج الطيور وعشق المحبين والمغرمين.
كانت أجواء مطمئنة ولايشوبها القلق أو الهلع أو انعدام الأمن إذا ما تأخرنا في الشارع عند المساء، ولم تكن المدينة نقطة تقاطع قطاع الطرق وإعتراض السبيل أو المهربين ومتناولي المخدرات والمقامرين ومستعملي السلاح الأبيض، بل مدينة البسطاء والشعراء والفنانين، أي مدينة حضارية بكل المقاييس، إذ قال عنها الشاعر الكبير الراحل (نزار قباني) عند زيارته لها “ مدينة القصر، قصر من ألف ليلة وليلة" فالقصر الكبير، هو حيي الكبير ،و الذي حملته معي بذكرياته التي ترسخت في وجداني والتي أتنفس بها، رافقتني هذه المدينة الساحرة بكل فضاء اتها وروائحها بضياءها وعتماتها ، وحرفها التقليدية ( دار الدبغ، القشاشين، الكزارين...)، وعاداتها المتجذرة في عمق التاريخ إلى المهجر.
ذلك التاريخ المثقل بمرجعيات حضارية متنوعة، عبر أربعة عصور مختلفة، حملته إلى فرنسا مهد الثورات والثقافات الحديثة، وهناك سوف ألتقي بصديق صدفتا يحمل هو الآخر جزأ من ذكريات اقتسمناها معا دون أن نعرف بعضنا البعض، وهو صديقي الفنان التشكيلي (شفيق الزكاري)، الذي كان بدوره يدرس هناك، فوجدت فيه الصديق المخلص والمساعد الذي يعول عليه.
أكملت دراستي، ثم توجهت إلى إسبانيا، بلد العبور والتاريخ المشترك، حيث سوف ألتقي مرة أخرى هناك بصديقي شفيق بعد عشرين سنة من الغياب، وكأن القدر كان يجمعنا في الظاهر والغابر، لذلك بقيت الذكريات ترافقني أينما رحلت وارتحلت، فأنا بكل صدق مدين لمدينتي، لكرمها وعطاءها، منها استقيت عباراتي الأولى، ومنها تعلمت من أحزان وأفراح الناس، ومنها ابتكرت أفكاري وإبداعاتي، كانت منطلقا لتجربتي الإبداعية الشخصية التي صقلتها بالدراسة والتحصيل والبحث بالمهجر والتي أبهرت بها أساتذتي في عمل نلت به شهادة عليا بالمدرسة الفنية بديجون..
إذن كيف لي أن أتنكر لمدينة القصر الكبير التي أحببتها حتى الردة كما قالت الشاعرة القصرية ( وفاء العمراني) في أحد قصائدها.
Tweet


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.