وثيقة l من حصار بيروت 1982 إلى إبادة غزة 2025: رسالة السرفاتي وأسيدون إلى ياسر عرفات تتحدى الزمن وتفضح جٌبن النٌخب    البقالي يكتفي بالمرتبة 12 في سباق 1500 متر    تيزنيت: محاولة فاشلة لعصابة تسرق أسلاك الكهرباء و أنابيب السباكة النحاسية من منازل في طور البناء ( صور )    رحلات طيران أرخص: جوجل تطلق أداة ذكاء اصطناعي للعثور على أفضل العروض    لقاء بين ترامب وزيلينسكي الاثنين المقبل بالبيت الأبيض    المنتخب المغربي للمحليين يلعب آخر أوراقه أمام "فهود الكونغو" في "الشان"    بطولة كأس أمم إفريقيا للمحليين (الجولة5/المجموعة2) .. مدغشقر تتأهل لربع النهائي بفوزها على بوركينا فاسو (2-1)    شكوك تحوم حول مستقبل نايف أكرد مع ويستهام    الطالبي يتألق في أول ظهور بالبريميرليغ ويقود سندرلاند لانتصار هام على وست هام    وقفات ومسيرات تضامنية مع غزة بعدد من المدن المغربية    اكتشاف جيولوجي مذهل.. المغرب يكشف عن أقدم ديناصور من فصيلة "التورياسورات" بإفريقيا    السباح المغربي حسن بركة يحقق إنجاز السباحة حول محيط جزيرة مانهاتن في نيويورك    هل يقود لفتيت حكومة 2026؟‬    معركة غزة تدخل مرحلة جديدة .. "القسّام" تواجه أشرس هجوم إسرائيلي    الجزائر تعلن سحب الحافلات القديمة    بركة .. أول مغربي يسبح حول مانهاتن    "حق تقرير المصير" في السويداء .. شعار يُغري إسرائيل ويمزق سوريا    أطباء القطاع الحر يطالبون الصيادلة بإثبات مزاعم التواطؤ مع شركات الأدوية    استقرار أسعار المحروقات في المغرب    وكالة الغابات تصدر خرائط للمناطق الحساسة المعرضة لخطر اندلاع الحرائق    أغلب الأمريكيين يعتبرون الكحول مضرا بالصحة    دراسة: عشاق القهوة في مزاج أفضل بعد الفنجان الأول بالصباح    فتح الله ولعلو: المغرب والصين تقاسما شرف المساهمة في انتصار الحلفاء                بورصة البيضاء .. أقوى ارتفاعات وانخفاضات الأسبوع    مريدو "البودشيشية" يؤكدون استمرار منير القادري على رأس الزاوية    طنجة تتصدر الوجهات السياحية المغربية بارتفاع 24% في ليالي المبيت    اتلاف كمية من الفطائر (السفنج) الموجة للبيع في الشواطئ لغياب معايير الصحة    الحرارة المفرطة تفاقم أزمة المياه بالمغرب.. حوض ملوية في وضع حرج    تغيرات متوقعة في طقس السبت بعدد من مناطق المملكة    صفقتان لتأهيل مطاري تطوان والحسيمة استعدادًا لكأس العالم 2030    بوليف: التحويلات المالية لمغاربة العالم ينبغي ترشيد استثمارها ويجب إشراك الجالية في الانتخابات التشريعية    حموني: سنة 2026 ستكون "بيضاء" على مستوى إصلاح أنظمة التقاعد والمقاصة    برنامج "نخرجو ليها ديريكت" يناقش تحديات الدخول السياسي والاجتماعي المقبل    منظمة الصحة العالمية تحذر من استمرار تدهور الوضع العالمي للكوليرا    ابتكار أول لسان اصطناعي قادر على استشعار وتمييز النكهات في البيئات السائلة    ملتقى الثقافة والفنون والرياضة يكرم أبناء الجالية المغربية بمسرح محمد الخامس بالرباط    غاب عن جل الأحزاب    في بلاغة الغياب وحضور التزييف: تأملات في بيان حزب الأصالة والمعاصرة بالعرائش !    كيف أنسى ذلك اليوم وأنا السبعيني الذي عايش ثلاثة ملوك    عادل شهير يوقع أحدث أعماله بتوقيع فني مغربي خالص    أوجار: مأساة "ليشبون مارو" رسالة إنسانية والمغرب والصين شريكان من أجل السلام العالمي    تطوان تحتضن انطلاقة الدورة الثالثة عشرة من مهرجان أصوات نسائية    سفارة الصين بالرباط تحتفي بالذكرى الثمانين لانتصار الحلفاء بعرض وثائقي صيني    صحيفة أرجنتينية تسلط الضوء على عراقة فن التبوريدة في المغرب    مشروع قانون يثير الجدل بالمغرب بسبب تجريم إطعام الحيوانات الضالة    النقابات تستعد لجولة حاسمة من المفاوضات حول إصلاح نظام التقاعد    راب ستورمي وحاري في "رابأفريكا"    دورة سينسيناتي لكرة المضرب: الكازاخستانية ريباكينا تتأهل لنصف النهاية على حساب بسابالينكا    موسم مولاي عبد الله... تكدّس، غياب تنمية، وأزمة كرامة بشرية    القصر الكبير: التنسيقية الجمعوية المحلية تدق ناقوس الخطر حول الوضع البيئي المقلق بالمدينة    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسلمات غربيات ضحايا قانون الإرهاب المغربي " نادية (نيف مارياكونلون) "

حقيقة، لم أستطع مقاومة دموعي وأنا أستمع لقصة أخرى من قصص عظمة هذا الدين، قصة هداية وتضحية وثبات، كنت في كل فصل من فصولها التي عشتها بكل جوارحي أبكي متعاطفا أو مشفقا أو منبهرا. إنها قصة أخرى لامرأة غربية أخرى، اختارت الإسلام وتبعاته وتكاليفه، على حياة الرغد والرفاهية والحرية الفردية بلا قيود، ورغم ما لاقته من محن وابتلاءات، لم يجعلها ذلك تجري أي مراجعات لقناعاتها أو تراجع عن مسارها أو تخل عن عقيدتها، بل واجهت ذلك بصبر المؤمن واحتسابه، ويقينه أن المؤمن مبتلى، وأن مع العسر يسرا ،وأن النصر صبر ساعة.
إنها قصة الإيرلندية "نيف ماريا كونلون"، زوجة الأسير "محمد حاجب"، المحكوم بعشر سنوات في ملف ما يسمى "الحرب على الإرهاب".
في مدينة غولواي بإيرلاندا، أطلقت الطفلة "ماريا" صرختها الأولى بتاريخ 03\09\1982، بعد أن خرجت للدنيا من عائلة كاثوليكية ثرية ومثقفة، هي ثالث أخواتها الإناث وأصغرهن، تملك أكبرهن شركة خاصة، وتشتغل الثانية موظفة سامية، في حين تخصصت "ماريا" في التسويق، ترعرعت في هذا البيت مدللة غير مبالية بأي شيء، وامتدت مبالاتها إلى الجانب العقدي، لحد كانت أقرب إلى الإلحاد منها إلى النصرانية، وكانت نصيحة الأم لها في كل وقت وحين، هي ضرورة أن تؤمن بخالق، بإله أي إله، بديانة أي ديانة، بتصور للكون والحياة والإنسان، المهم أن لا تظل على لامبالاتها. هذا الجو من الحرية الدينية وحرية المعتقد المتوفرة في البيت، إضافة للأسئلة الوجودية، ولكثير من الأمور غير المنطقية وغير العقلية في الديانة المسيحية، خاصة قضية الاعتراف بالذنب عند القس التي كانت مسألة مرفوضة ومستغربة عند "ماريا" ومسألة كون عيسى إله وابن إله وإنسان في نفس الآن، مما جعلها مهيئة لاعتناق دين الإسلام في وقت لاحق، عند أول احتكاك به.
عاشت "مارياكونلون" في منطقة لا يوجد بها أي مسلم، أو هكذا تقول هي على الأقل، فهي لم تسمع عن هذا الدين ولا عن معتنقيه أي شيء، أو ربما لامبالاتها وانغماسها في حياة الترف والاستمتاع هي التي جعلتها لا تعلم شيئا عن الآخر وثقافته، مبالاة جعلتها لا تسمع عن أحداث الحادي عشر من شتنبر ولا تبالي بها، حين كانت تقضي عطلتها في اليونان، بل حتى لما عادت من عطلتها لم تعرها أي اهتمام ولم تطرح عندها أي تساؤلات، ولم تسمع بالقضية الفلسطينية ولا بأي قضية من قضايا المسلمين.
كان النظام التعليمي في جامعتها بإيرلاندا، يحتم عليها أن تقضي سنة دراسية بإحدى جامعات ألمانيا أشبه ما يكون بسنة تدريب، قبل أن تتخرج.
انتقلت سنة 2002 لمدينة كولونيا بألمانيا، حيث ستقطن بسكن جامعي مختلط، هو نفسه السكن الذي كان يقطنه المغربي "محمد حاجب" وكانت غرفته مجاورة لغرفتها، هنالك احتكت لأول مرة بالمسلمين، وتأثرت ببعض تصرفاتهم، حيث كانت تلاحظهم في باحة السكن الجامعي يتوضئون، فكانت تستغرب ذلك، وأيضا تستغرب تحاشي بعض الشباب المسلم، الحديثَ مع البنات أو مصافحتهن أو النظر في وجوههن، ورؤيتها لبعض المسلمات المحجبات، وغيرها، كلها أمور كانت تثير استغرابها وتساؤلاتها.
في إحدى الليالي نظم الحي الجامعي حفلا للطلبة، وهي المناسبة التي تعرفت فيها ماريا على "محمد حاجب"، فتأثرت بأخلاقه وكان أكثر ما جذبها إليه رغم عدم التزامه بتعاليم الإسلام، احترامه لوالديه والطريقة التي يحدثها بها عنهما، وهو أمر لم تعهده في ثقافتها الغربية، فتطورت العلاقة بينهما إلى أن عرض عليها الزواج، الغريب أنها وافقت على الزواج بطريقته الإسلامية، وأيضا أن يكون أبناؤها مسلمين ،كل هذا ليتحلوا بتلك الأخلاق والقيم التي تدعو لاحترام الوالدين وتقديرهم، وهكذا تم عقد القران بين الشاب المسلم والشابة المسيحية دون علم والديها، ولم يخطر ببالها أنها ستعتنق الإسلام، في يوم من الأيام، رغم زواجها هذا.
مباشرة سافرت الشابة لإيرلاندا عند والديها، لتصطدم بمعارضتهما الشديدة لهذا الزواج،معارضة بلغت حد منعها من العودة لألمانيا، لكنها بعد محاولات تمكنت من الرجوع عند زوجها، الذي داوم على مدها بالكتب الإسلامية، الشيء الذي دفعها لقراءة الكتب عن المسيحية لتعرف الفرق بينها وبين الإسلام، هذه المقارنة جعلتها تقف على مفارقات وملاحظات، منها قضية التثليث التي كانت بالنسبة لها أكبر خرافة في المسيحية، وقرأت قصة عيسى عليه السلام، فبدت لها منطقية بخلاف ما تقرأه عنه في كتابهم المقدس، وأيضا اكتشفت أن الكتاب المقدس عند المسيحيين هو عبارة عن مجموعة من القصص والأساطير، مقابل القرآن الكريم الذي اكتشفت فيه قانونا محكما، ونسقا عجيبا، ومنظومة متكاملة من المحرمات والنواهي والأوامر والأخلاق والقيم المتناسقة والمتسلسلة والمنطقية، إن الإسلام منهج حياة هكذا آمنت، وتحت تأثير الرغبة والرهبة، والخوف والرجاء، الخوف من الموت، من العذاب، من جهنم، الرغبة في النعيم، في الراحة النفسية، في الثواب في الجنة، وبعد مخاض دام أربعة أشهر بعد الزواج، أعلنت إسلامها، ثم بعدها بمدة يسيرة، ارتدت اللباس الشرعي، وكان ذلك سنة 2003. عكفت بعدها على مطالعة الكتب، وكان أكثر شيء يبهرها ويثير إعجابها مناظرات الشيخ "أحمد ديدات"، التي أقبلت عليها في بداية إسلامها مشدودة لقوة حججه وبراهينه وهو يفحم خصومه، ويلقمهم الحجر تلو الحجر.
اكتشفت أن اسمها الذي يكتب بالإيرلندية NIAMHوينطق NIFE يشبه نطق الأنف بالدارجة المغربية، فكان الأمر مضحكا جدا بالنسبة لها، اقترح عليها زوجها أن يسميها "نادية"، وهو الإسم الذي كانت ستطلقه عليها والدتها قبل عشرين سنة، لكن والدها رفض.
أنهت الشابة الإيرلندية سنتها الدرسية بألمانيا، وكان على الشاب المغربي الانتقال لجامعة أخرى لإتمام دراسته، وهكذا رحلا لمدينة دويسبورغ في غشت 2003، بعد أن قررت الزوجة الانقطاع عن الدراسة والبقاء إلى جانب زوجها، وهو الخبر الذي أحزن والديها.
سنة بعد ذلك سيفقد الزوجان جنينهما الأول، تقول أنها كانت محطة تعلمت منها معنى الابتلاء ومعنى الصبر.
في 08\08\2005 ستثمر علاقة الزوجين طفلا جميلا بملامح أوربية، اختارا له من الأسماء عمر، واستطاعت بعد أن جربت الأمومة، أن تبني علاقة ثقة واحترام مع والديها وترمم ما تصدع منها، لدرجة أصبحت والدتها المسيحية تطلب منها الدعاء لها، بل وصلت درجة في آخر أيام حياتها وهي على فراش المرض، أن تطلب من ابنتها الصلاة أمامها لأنها تجد راحة في ذلك، وكان آخر كلامها قبل وفاتها سنة 2008، أنها فخورة بها وسعيدة بمسارها وزواجها.
سنة 2008 كانت سنة المشاعر المختلطة والمتضاربة، فقدت والدتها التي أصبحت تميل وتتعلق بها كثيرا وتتمنى إسلامها، وكان شعورا متبادلا بين الأم وابنتها، وهي السنة التي رزقت فيها أيضا بابنها الثاني عبيدة بتاريخ 27\02\2008.
في هذه الأثناء كان "لمحمد حاجب" علاقة مع جماعة الدعوة والتبليغ وانخرط في خرجاتها الدعوية، وكان لنساء الجماعة تأثير على الزوجة، فاستفادت منهن الشيء الكثير فيما يخص أحكام عبادتها وتدينها بشكل عام.
بدأ الزوج يعد العدة للذهاب إلى الحج، فلم يتمكن من الحصول على التأشيرة، فقرر الدخول للمغرب نهائيا، وهو الأمر الذي تم بتاريخ 28\05\2009، وبعد أربعة أشهر سافر إلى باكستان، ليتم اعتقاله على أراضيها في الفاتح من أكتوبر2009، ثم ليقضي أربعة أشهر ونصف من التحقيق، بتلك البلاد.
في تلك الأثناء، رزق محمد حاجب بابنته صفية بتاريخ 15\01\2010، وهو لا يزال قابعا في السجن، قبل أن يخلى سبيله بتاريخ 17\02\2010، بعد أن لم تجد السلطات الباكستانية ما يدينه، ليتجه مباشرة من إسلام آباد إلى فرانكفورت.
في مطار فرانكفورت استقبله رجل وامرأة بلباس مدني، ودخلا معه في مساومات ومفاوضات من أجل الرحيل مباشرة للمغرب، لم يفهم هذا الطلب الغريب، لكن الاتصالات بدأت تتكثف، وتحولت المفاوضات إلى تشجيع على الرحيل إلى المغرب ممزوج بالتخويف من الدخول إلى ألمانيا، ووعداه بالتكفل بمصاريف الطائرة، وقدما كل ذلك في ثوب النصح والحرص على مصلحته، لقد كانت القصة كلها فخ نصبته المخابرات الألمانية وقع فيه محمد حاجب، الذي لم يكن يدري أن عشر سنوات من السجن تنتظره، بمجرد وضع رجليه على تراب بلاده ومسقط رأسه وأرض أجداده.
حين اتصل محمد حاجب بعائلته ليخبرها بمقدمه، لم يدر بخلده أن المخابرات ستكون في انتظاره أيضا، رتبت العائلة أمورها وانطلقت من مدينة تيفلت صوب مطار الدارالبيضاء الدولي، وفي يوم الخميس 18\02\2010، على الساعة الواحدة كانت عناصر المخابرات أول المستقبلين له، لتقتاده مباشرة إلى مكان مجهول، دون أن يرى عائلته، رغم مناشداته المتكررة للسماح له بطمأنة والدته ولو بمكالمة هاتفية، بقيت العائلة تنتظر إلى أن أصبح الصباح وعادت أدراجها والحسرة والألم والحيرة والحزن يعتصر قلب كل فرد منها، وبقيت على هذا الحال إلى يوم الأحد حيث توصلت بمكالمة هاتفية من الفرقة الوطنية بالدارالبيضاء تخبرها أن ابنها في ضيافتها بالمعاريف.
كانت الزوجة قبل مقدمها لبلاد زوجها، رسمت صورة وردية عن هذه البلاد، عن سكانها المسلمين الطيبين، تخيلت أنها ستعيش آمنة مطمئنة، في مجتمع سينسيها مجتمعها الذي ولدت وترعرعت فيه، مجتمعا مغربيا، ربما تخيلته مدينة فاضلة، أقرب لمجتمع الصحابة، أو على الأقل نسخة عما تعيشه مع زوجها من رقة وعطف وحنان، لكن الصدمة كانت كبيرة والمصيبة عظيمة. وفي لحظة بينما آهات زوجها وأناته تصلها، بدأت صور الجلادين تتراقص أمام عينيها، تطاردها في صحوها ومنامها، فتخيلت أن كل المغاربة على تلك الشاكلة، وأنه لا يوجد إسلام حقيقي، لا توجد تلك المعاني والقيم النبيلة التي قرأت عنها من عدل وإنصاف ورحمة ومودة وولاء للمؤمنين وتضامن وتآزر، لا توجد إلا بين دفات الكتب، تلك الكتب التي طالما بحثت فيها عن الراحة والطمأنينة، فإذا بها أمام مشاكل وتنوء بحملها الجبال الرواسي، حين سألتُها ألم يدفعك هذا الواقع المر الأليم، لوقفة مع الذات تراجعين فكرك وقناعاتك ومعتقدك الذي جر عليك الابتلاء والأذى، أجابتني على الفور: كلا، خاصة أنها وجدت في أسر وعائلات المعتقلين العزاء لمصيبتها، والوسط الذي فهمت فيه كثيرا من الأمور الغامضة، واستطاعت التفريق بين الإسلام والمنتسبين إليه، وبين المنتسبين إليه حقيقة والمنتسبين إليه ادعاء، وبين أنصاره وأعدائه، معادلة صعبة كان عليها حلها وفك ألغازها، وهي في بداية طريق الإقبال على هذا الدين والعيش بين ظهراني المسلمين.
تقول "نادية"، التي لا تفارق لسانها عبارات مثل: سبحان الله، ماشاء الله، الحمد لله، أن العقيدة الصافية التي دخلت قلبها الفارغ، ملكته كليا وتمكنت منه. متمثلة قول الشاعر:
أتاني هواها قبلَ أن أعرفَ الهوى *** فصادفَ قلبًا خاليًا فتمكنا
فآمنت بالقضاء والقدر، وأن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، وأن المؤمن مبتلى.
لذلك، بمجرد ما تناهى لسمعها خبر اعتقال زوجها، وجاءتها تلك الحالة من الضعف والوهن التي تعتري غالب الناس، تساءلت: "هل أنا مسلمة لله أم لزوجي" ؟. سؤال صائب في الصميم، فكان من البديهي أن تأتي كل الأجوبة بعده صائبة.
كان بإمكان الزوجة أن تطير بأبنائها عند عائلتها لتعيش عزيزة مكرمة، لكنها اختارت أن تصبر من أجل أن يتربى أبناؤها على الإسلام، ووفاء لزوج له الفضل بعد الله في إسلامها، وأيضا في مدها بأسباب الصبر وحثها عليه.
طلبت منها في ختام اللقاء أن توجه رسائل لمن يهمه الأمر، فاختارت ست جهات لرسائلها:
لعامة المسلمين: اتحدوا واستيقظوا
للزوج محمد حاجب: أنا فخورة بك رغم تهديداتهم
للمعتقلين: أنا فخورة بكم لأنكم ابتليتم وصبرتم في سبيل عقيدتكم ودينكم
لعائلات المعتقلين: اصبروا قدر الله وما شاء فعل، هذا قدر الله وأملنا فيه كبير
لغير المسلمين: الحق هو الإسلام، ابحثوا عن الحقيقة وستجدونها.
للجلادين: سيأتي يوم تقفون فيه بين يدي الله، وإن لم تحاسبوا في الدنيا فستحاسبون في الآخرة.
قبل المغادرة أمدتني الزوجة برسالة من وزارة الخارجية الألمانية، مؤرخة ب: 07 يوليوز 2011 تؤكد الظروف السيئة التي يجتازها محمد حاجب.
قبل أشهر قليلة تلقت العائلة، من الأمم المتحدة توصية عاجلة وفورية إلى الحكومة المغربية من أجل إطلاق سراح محمد حاجب، و هي التوصية التي تبنتها مجموعة العمل في دورتها 64 /2012 للأمم المتحدة التي انعقدت بتاريخ 27 و 30 غشت 2012 تحت عدد 40/2012 و التي بعثتها الأمم المتحدة إلى الحكومة المغربية بتاريخ 3 أكتوبر 2011.
لكن رغم المبادرات والتوصيات والشهادات، ورغم تبرئة باكستان وألمانيا لمحمد حاجب من التهم التي تتهمه بها السلطات المغربية، إلا أن الرواية الرسمية لا تزال جامدة متصلبة، ولا تزال السلطات تتهمه بتكوين عصابة إرهابية، رغم أن ملفه لا يضم أحدا غيره، فكيف ينشئ الشخص من نفسه عصابة إجرامية؟ تتساءل الزوجة، محاولة تهدئة ابنتها التي كان بكاؤها وصراخها يعلو تدريجيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.