شفشاون.. الوجهة المفضلة للسياح الصينيين في المغرب    وزارة الخارجية الأمريكية تبرز مؤهلات المغرب ك"قطب استراتيجي" للأعمال والصناعة    غاضبون ينتقدون المقاربة الأمنية و"الاستغلالات السياسية" في الدار البيضاء    الرجاء يهزم الدفاع الجديدي بهدفين    وديتان بين الإسبان و"أسود الفوتسال"        تتويج فائزين في مسابقة حفظ القرآن    بنكيران: لسنا ضد احتجاجات الشباب.. والمكر والتعطيل السياسي وراء اشتعال الشوارع من جديد    المنظمة المغربية لحقوق الإنسان تدعو إلى احترام الحق في التجمع والتظاهر السلميين    مؤتمر "عالم الصيادلة" يتنقد تجاهل الحكومة وإقصاء الصيدلي من المشاركة في بلورة السياسة الصحية    "البيجيدي" يحمل الحكومة مسؤولية احتجاجات شباب "z" ويدعو للتعامل معها بأفق استيعابي ومقاربة حكيمة        إسبانيا والعالم العربي يلتقيان على إيقاع الجسد في قلب الدار البيضاء    فيلم «مذكرات» للمخرج الشريف الطريبق ينتزع جائزة الجمهور لمهرجان «أفلام الجنوب» ببروكسيل    طرح تذاكر مباراة المغرب والبحرين الودية إلكترونيا ابتداء من الإثنين    قراءة في مشروع القانون 59.24 المتعلق بالتعليم العالي (2)    تقرير: طنجة المتوسط يجعل إفريقيا فاعلا رئيسيا في التجارة البحرية العالمية    وفاة الإعلامي والكاتب سعيد الجديدي أحد رواد الصحافة الناطقة بالإسبانية في المغرب    ترامب يلمح إلى "شيء لافت" في محادثات الشرق الأوسط قبل لقاء نتنياهو    ريال مدريد يتلقى صفعة مزدوجة    حرف "زيد " من الحياة عند الإغريق إلى هوية جيل يتبلور في المغرب    طنجة تحتضن الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفيلم الوثائقي    دراسة: الموسيقيون يتحملون الألم بشكل أفضل من غيرهم    مونديال الشباب: المنتخب المغربي يواجه إسبانيا في أولى جولات بحثا عن الانتصار    انطلاق القافلة التواصلية التحسيسية للشركة الجهوية متعددة الخدمات بالشرق وأكاديمية جهة الشرق    وفاة أستاذ بالحسيمة متأثراً بمحاولة انتحار بشاطئ إسلي    الرباط تختتم الدورة 27 من مهرجان الجاز بمزيج موسيقي فريد    السينما تلتقي بالموسيقى في برنامج فني إبداعي في مهرجان الدوحة السينمائي        عابد والحداد وبلمو في ليلة شعرية استثنائية بين دار الشعر والمعهد الحر بتطوان    حصري.. الطاوسي على أعتاب مغادرة الكوكب المراكشي بعد البداية المخيبة    الجمعية" تستنكر التدخل الأمني والاعتقالات خلال وقفة احتجاجية بمراكش    المغرب ومنظمة الطيران المدني الدولي يوقعان اتفاقا لتطوير تعاونهما    ما هي العقوبات التي أعيد فرضها على إيران؟    طقس الأحد.. رياح قوية وتطاير غبار بعدد من مناطق المملكة    الموت يغيّب الإعلامي سعيد الجديدي    رئيس وزراء النيجر في الأمم المتحدة: اليورانيوم صنع مجد فرنسا وجلب البؤس لشعبنا    ألمانيا.. عشرات الآلاف في برلين يطالبون بوقف الحرب على غزة    دراسة: المعتمدون على أدوات الذكاء الاصطناعي أكثر استعدادا للكذب والخداع    "حماس" تنفي تلقي مقترحات جديدة    المغرب يعزز ترسانته العسكرية ب597 مدرعة أمريكية من طراز M1117..            تحليل إخباري: المغرب يواجه هشاشة في سوق العمل رغم فرص التحول المستقبلي    تصنيف "ستاندرد آند بورز" الائتماني يضع المغرب بنادي الاستثمار العالمي    أخنوش يتباحث بنيويورك مع الأمينة العامة لمنظمة التعاون الرقمي    "يونايتد إيرلاينز" توسع رحلاتها المباشرة بين مراكش ونيويورك لفصل الشتاء        مكافحة تلوث الهواء في باريس تمكن من توفير 61 مليار يورو        الاتحاد الأوروبي يجيز دواء "كيسونلا" لداء الزهايمر        بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    الرسالة الملكية في المولد النبوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المرواني: إسقاط الاستبداد والفسادهو طريقنا نحو الوحدة والتحرير
نشر في لكم يوم 22 - 01 - 2012

سنوات عديدة على دعوى "الانتقال الديمقراطي"، التي رفعها المخزن دون تحصيل تحول ديمقراطي حقيقي
في وقت ودعت فيه جماعة العدل والإحسان مركب حركة 20 فبراير الشبابية، التي خصصت يوم الأحد من كل أسبوع للتنديد بالفساد والاستبداد في المغرب والحلم بثورة شبيهة بالثورتين التونسية والمصرية، واختارت فيه حركة التوحيد والإصلاح، الحليف الإستراتيجي للعدالة والتنمية، قائد الحكومة الجديدة، يظل حزبا "الأمة" و"البديل الحضاري" وفيين لخيار دفع النظام السياسي في المغرب إلى ما يسميانه "مستحقات الانتقال الديمقراطي".
بيان مبررات اختيار المقاطعة الانتخابية للعملية السياسية في المغرب، وضرورة توفير شروط التغيير من زوايا أخرى، كانت دواعي رئيسة لإجراء حوار شامل مع رئيس حزب الأمة الإسلامي في المغرب، محمد المرواني.
ركز حوار "إسلام أون لاين" مع المرواني على ثلاثة مجالات، أولها قراءته للثورات العربية، وثانيها تأثيرها على قضايا الأمة، فيما خصص المحور الثالث لقراءته للوضع المحلي في المغرب وآليات تحقيق الانتقال الديمقراطي الحقيقي، مشيرا إلى غياب رؤية متكاملة للطيف الإسلامي المغربي في إدارة معركة محاربة الفساد والاستبداد، وفي الحوار اجتهادات سياسية من فاعل إسلامي لم يمنعه وضعه الصحي والمضايقات التي ألمت به، من الجهر بمواقفه الواضحة والصريحة من بنية النظام في المغرب وآليات تطويره.
وعلى مستوى الحالة المغربية، يميز المرواني بين زاويتين للتغيير من داخل النسق ومن خارجه أو ما يسميه بالسياق، مرجحا مقاربة "التغيير من خلال السياق كشكل إستراتيجي ورئيسي لاعتبار أن دخول الشارع في المعادلة التدافعية يجعل دفع الاستبداد والفساد مقدما اليوم على مجرد مزاحمتهما، وهو ما يفرض مقاطعة لعبة الاستبداد والفساد أولا، وتزخيم النضال الشعبي السلمي المدني وتطوير وتنويع أشكاله وصيغه ثانيا".
ويرى المرواني أن: "المشاركة السياسية هي الأصل، أما المشاركة الاستفتائية والانتخابية، فهي مسألة اجتهادية وتقديرية، وهي مرهونة بمقتضى الترجيح بين المصالح والمفاسد"، وفيما يلي نص الحوار:
قراءة الثورات العربية
- يعيش العالم العربي اليوم تحركات وانتفاضات اجتماعية. كفاعل سياسي إسلامي، كيف تقرأ التأثير الذاتي والخارجي في إنتاج هذه الانتفاضات؟
- العوامل الذاتية أو الداخلية هي الأساس في هذه الانتفاضات، أما العوامل الخارجية فهي عوامل مساعدة أو معرقلة ومشوشة، بحسب الحالة.
فتاريخ الاستبداد والفساد داخل أمتنا لم ينتج تنمية ولا نهضة ولا ديمقراطية ولا حقوقا ولا حريات، ولذلك مع أول وهلة أتيحت فيها الفرصة لشعوب الأمة للانتفاض والتحرك، كان ما كان. البداية كانت من تونس والنهاية لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى.
فالشروط الموضوعية للثورة كانت ناضجة، ولم يكن الأمر يحتاج إلا لمن يطلق الشرارة الأولى. أما العوامل الخارجية المساعدة فتمثلت في الزخم الشعبي، الذي يحدثه كل انتصار تحققه إحدى شعوب الأمة بالنسبة لباقي شعوب الأمة الأخرى.
أما العوامل المعرقلة والمشوشة فتمثلت في المحاولات الالتفافية على تلك الثورات من قبل بعض دول الغرب، التي فقدت الأمل في استمرار الأنظمة الاستبدادية العميلة التي كانت تساندها وتحمي مصالحها.
- هل يمكن أن نقول إن الحركة الإسلامية تخلفت عن صناعة هذه الانتفاضات، مما كذب التوجس الغربي من "البعبع الإسلامي" ولم يبق أمام الحركات الإسلامية إلا مجاراة المتغيرات السريعة؟
- لا يمكن التعميم هنا، ففي مواقع معينة كانت الحركة الإسلامية من القوى المساهمة في إطلاق تلك الانتفاضات، وفي مواقع ثانية التحقت بالثورة بعد أن اطمأنت وحاولت تدارك ما فاتها، وفي ساحات أخرى تخلفت فعلا وشككت في جدواها.
أما فيما يخص حزب الأمة في الحالة المغربية، فقد كنا من المساهمين في حركة 20 فبراير ومن الداعمين لها، بل نظمنا في 18 فبراير 2011 وقفة احتجاجية (أي يومين قبل انطلاق الحراك المغربي ) للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي ورفع المنع الظالم، الذي تعرض له حزب الأمة. وأصدرنا بيانا على إثرها كان من أبرز ما جاء فيه دعوة الشعب المغربي إلى المشاركة المكثفة في مسيرة 20 فبراير 2011.
- يتخوف البعض من أن يكون دعم الدول الغربية، خاصة أمريكا وفرنسا وبريطانيا، للانتفاضات العربية، بمثابة وصاية بقيت الحركات الإسلامية حائرة أمامها، بين تطلع للانعتاق وبين الخوف من السقوط في استعمار جديد؟
- الغرب فوجئ بالانتفاضات التي أطلقتها شعوب الأمة. وعلاقة فرنسا بالنموذج التونسي تقدم نموذجا حيا في هذا الإطار، يفند أطروحة وقوف الغرب وراء تلك الانتفاضات.
لقد حاولت وزيرة الخارجية الفرنسية المقالة تقديم الدعم والمشورة لنظام بن علي البائد في مواجهة الحراك التونسي، وكانت فضيحة سياسية ودبلوماسية حاول الرئيس الفرنسي تصحيحها فيما بعد، فكان ما كان من مواقف فرنسية في مصر وليبيا .... والأمر نفسه ينطبق على أمريكا والقوى الغربية الأخرى، التي تعمل جاهدة للمحافظة على نفوذها السياسي والدبلوماسي وعلى مصالحها الاقتصادية والأمنية والعسكرية.
في قضايا الأمة
- ما تأثير مثل هذه الثورات على قضايا الأمة، التي اعتبرت قبلها قضايا مصيرية مثل القضية الفلسطينية أو العراقية أو في وضع الأقليات الإسلامية عبر العالم؟
- أقدر أنه سيكون للثورات العربية تأثير إيجابي على قضايا الأمة بحول الله. ففي الماضي القريب، ناقش مفكرون في الأمة ثنائية التحرير والوحدة، بين قائل بأن الوحدة هي طريق التحرير، وبين قائل بأن التحرير هو طريق الوحدة. وأقول اليوم إن إسقاط الاستبداد والفساد للدولة القطرية التجزيئية داخل أمتنا هو طريقنا نحو الوحدة والتحرير وتحسن وضعية الأقليات الإسلامية عبر العالم.
- هناك اختلافات جوهرية بين مكونات الطيف الإسلامي حول آليات التغيير الراهن بين مندفع ومتردد، أي موقع يراه المرواني للتيار الإسلامي من المتغيرات الراهنة؟
- هناك مقاربتان في الرؤية التغييرية: إما التغيير من داخل النسق أو التغيير من خلال السياق (أي من خارج النسق). وأقدر أن الترجيح بين الأمرين يحتاج إلى أمرين: فقه الواقع، وفقه الواجب فيه، على حد تعبير ابن القيم الجوزية رحمه الله.
فالتغيير من داخل النسق يكون مجديا وفعالا في إحدى حالتين: أن يكون النسق له قابلية للتغيير، أي متضمنا في بنيته لقواعد التغيير، أو أن تكون القوى التغييرية من داخل النسق قادرة على تفكيك البنية الاستبدادية والإفسادية الداخلية للنسق لإحلال نسق تغييري محله.
أما التغيير من خلال السياق، فيكون مثمرا في إحدى حالتين أيضا: إما استعصاء البنية النسقية على التغيير، أو نضج الشروط الموضوعية للتغيير، وهنا تتم الاستعانة بالسياق لتفكيك النسق الاستبدادي والإفسادي.
بالنظر للمرحلة الراهنة، وضمن الحالة المغربية، أرجح مقاربة التغيير من خلال السياق كشكل رئيسي، وذلك لاعتبار أساسي هو أن دخول الشارع في المعادلة التدافعية يجعل دفع الاستبداد والفساد مقدما اليوم على مجرد مزاحمتهما، وهو ما يفرض مقاطعة لعبة الاستبداد والفساد أولا، وتزخيم النضال الشعبي السلمي المدني وتطوير وتنويع أشكاله وصيغه ثانيا، وفي المقابل لا تمنع هذه المقاربة من إمكانية الإفادة من عناصر الضعف الموجودة في بنية النسق لخدمة أهداف التغيير.
وعليه، فنحن اليوم في حزب الأمة، وضمن الشروط العامة مغربيا وعلى مستوى الأمة، مع مقاربة تركيبية تجمع بين مقاربة التغيير من خلال السياق كخيار إستراتيجي رئيسي مع الإفادة من ثغرات النسق، وذلك لتحقيق الأهداف المنشودة في الإصلاح والتصحيح والتغيير.
مقاربة الوضع المغربي
- هناك جدل إسلامي بين ثنائية: "من يحكم؟ وبما يحكم؟"، كيف يقارب المرواني الوضع المغربي وفق هذه الثنائية؟
- في الفكر السياسي الإسلامي لم يفصل الفقهاء والمتكلمون بين من يحكم وبما يحكم؟ إذ اعتبروا - في الراجح من أقوالهم - أن الشرعية السياسية:
*لا تنعقد إلا بشرعية التنصيب، وفيه جانبان: الأول، أن تقوم على الاختيار عن رضى وطواعية بلا جبر أو إكراه (وهو ما يطلق عليه في الخطاب السياسي المعاصر بانبثاق الحكومة عن صناديق الاقتراع، بما هي تجسيد للإرادة الشعبية)، والثاني، أن تمارس السلطة، لا أن تكون في خدمتها (وهو ما يصطلح عليه بكون الحكومة تحكم نفسها).
* لا تكتمل إلا بشرعية السياسات، أي سياسات تجلب المصالح أو تكثرها وتدرأ المفاسد أو تقللها.
وفي الحالة المغربية، وحيث إننا أمام نظام ملكي وراثي، لا يخضع فيه الملك للقاعدة الانتخابية، وحيث إن الملكية التنفيذية هي النظام السياسي والدستوري المغربي السائد إلى حدود اللحظة، لا تحقق مبدأ الاختيار ولا تجعل من الحكومة ممارسة للسلطة، بل مجرد خادمة لها، لأن رئيس المجلس الوزاري هو الملك، وهو المجلس، الذي يحدد التوجهات الإستراتيجية للدولة وغيرها من قضايا جوهرية كما ينص الفصل 49 من دستور 1 يوليو 2011، فإن السؤال الذي يترتب على كل هذا هو: كيف يمكن الجمع بين الملكية كشكل في النظام السياسي والاختيار كمضمون له، حيث الديمقراطية إحدى تجلياته في العصر؟
وبالتالي هناك حاجة إلى نظام دستوري وسياسي يوفر شرط شرعية تنصيب السلطة التنفيذية، باعتبارها سلطة معبرة عن الإرادة الشعبية من خلال انبثاقها بكامل مكوناتها من صناديق الاقتراع وقادرة على ممارسة السلطة لا مجرد خادمة لها.
- دافعتم، وأنتم معتقلون في ما يسمى ب"خلية بلعيرج" عن أطروحة مفادها أن "التغيير الديمقراطي ممكن.. ولكن"، ما هي عوائق تنفيذ هذا التحول؟
- تكمن عوائق تنفيذ هذا التحول في أربعة عناصر: أولها، استمرار التلكؤ في دفع مستحقات الدستور الديمقراطي، والعنصر الثاني، هو استمرار تسييد المقاربة الأمنية.
أما العنصر الثالث، فيتمثل في وجود فضاء حزبي مستعد للتعاون، ضمن صيغ متنوعة، مع الاستبداد والفساد، حيث أبانت التجارب السابقة أن كل من دخلوا ليغيروا، ضمن النسق السياسي والدستوري المخزني، هم من تغير للأسف الشديد.
أما العنصر الأخير، فهو حالة التنمية البشرية التي تعتبر نتاجا طبيعيا لواقع الاستبداد والفساد.
- ولكن ألا يعتبر رفض "حزب الأمة" التصويت على الدستور المعدل تراجعا عن المدافعة الديمقراطية من الداخل نفسها التي أسس عليها أدبياته؟
- المشاركة السياسية هي الأصل، أما المشاركة الاستفتائية والانتخابية، فهي مسألة اجتهادية وتقديرية، وهي مرهونة بمقتضى الترجيح بين المصالح والمفاسد.
وبالتالي، فقد نشارك في شروط حينما تترجح مصالح المشاركة، وقد نقاطع الاستفتاء والانتخابات إذا ترجح لدينا مفاسد تلك المشاركة على مصالحها وفق تقدير ما بحوزتنا من عناصر ومعطيات في الواقع لنقوم بالترجيح.
وبناء عليه، فليس لدينا أي تراجع في المقاربة، ومنهجنا التدافعي لم يتغير، وإذا كانت شهادة الواقع لا ترد، ففي الواقع اليوم ثلاثة ملامح أساسية:
أولها، وجود حركية سياسية مستمرة على امتداد أمتنا تروم وتتوخى إسقاط الاستبداد والفساد، وقد نجحت، إلى حدود اللحظة، في إسقاط ثلاثة أنظمة استبدادية في كل من تونس ومصر وليبيا.
وهذه الحركية ونتائجها تجعلنا نتطلع إلى أن ننجح، كمغاربة، في إنجاز التغيير ووضع بلادنا على سكة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية وغيرها من قيم أصيلة، فنحن لسنا بدعا من الأمم، فالمغاربة يستحقون أفضل بكثير مما هو معروض عليهم اليوم.
ثانيها، لقد مرت سنوات عديدة على دعوى "الانتقال الديمقراطي"، التي رفعها المخزن السياسي ببلادنا، دون تحصيل تحول ديمقراطي حقيقي، وإن كنا لسنا "عدميين" بعد حصول انفراجات، ولكنها ظلت انفراجات هشة، ولذلك لا يمكن القول إن لدينا في المغرب مكتسبات سياسية وحقوقية وديمقراطية نهائية، بل هي على الدوام معرضة للانتهاك.
واليوم تتاح أمامنا فرصة تاريخية غير مسبوقة من أجل الانتقال إلى الديمقراطية، وليس الانتقال الديمقراطي، وقطع دابر الاستبداد والفساد فكيف نضيعها ونفوتها ونهدرها؟ وهذا في نظرنا لا يجوز، لأنه لم يعد ممكنا منح مزيد من الفرص للمخزن السياسي وفريق عمله لإطالة عمر الاستبداد والفساد.
وثالث الملامح أن السلطة السياسية المخزنية المتنفذة في بلادنا تتعامل مع الحركية السياسية والاجتماعية (حركة 20 فبراير والقوى الداعمة لها) بمنطق استراتيجية الاحتواء والتهدئة: فهي توهم المجتمع ومكوناته بالاستجابة من جهة، وتقدم على بعض الإجراءات الشكلية. ومن جهة أخرى، تستمر في التصرف كما لو أن شروط المعادلة السياسية والاجتماعية لم تتغير، فتفرغ إجراءاتها الشكلية تلك من محتواها.
وعليه، فالذي يريد دفع مستحقات الانتقال إلى الديمقراطية يأتي البيوت من أبوابها، وصدق الله تعالى حيث يقول: (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة)، فكونهم لا يريدون الخروج، فقد كره الله انبعاثهم وثبطهم، فبقوا حيث هم، وهذه هي مشكلتنا في المغرب. فما يروج له على مستوى الخطاب شيء، وما يجري على الأرض شيء آخر.
نحن قاطعنا الاستفتاء على الدستور لأن المراجعة الدستورية لفاتح يوليو 2011 لم تلب انتظاراتنا في انبثاق دستور ديمقراطي. وقاطعنا الاستفتاء على الدستور لأنه لا يمكننا أن نساهم في إضفاء الشرعية على دستور يمنح الاستبداد والفساد عمرا جديدا. وقاطعنا الاستفتاء على الدستور وفاء لأرواح الشهداء وللضحايا وللمعتقلين المظلومين القابعين وراء القضبان. وقاطعنا الاستفتاء على المراجعة الدستورية لأننا لا نريد منح مزيد من الفرص للمخزن وفريق عمله للهروب من دفع مستحقات الانتقال إلى الديمقراطية.
- كيف ترى التضارب الإسلامي في التعامل مع احتجاجات 20 فبراير في المغرب، وما آفاق تلك الحركة بعد انسحاب جماعة العدل والإحسان منها؟
- كنا نتمنى أن تكون مقاربة مكونات الحركة الإسلامية في بلادنا لهذه الحركية السياسية والاجتماعية موحدة، بحيث نبلور في ضوئها استراتيجية عمل موحدة، وإن لم تكن فمتكاملة، نتوزع خلالها الأدوار فيما بيننا، فإن لم تكن فمشتركة نتبادل فيها الرأي والمشورة على حد القول المأثور:"اضرب الرأي بالرأي يتولد منه الصواب".
لكن لا شيء من ذلك حصل، فقد اختار كل مكون من مكونات الحركة الإسلامية مقاربة خاصة انطلاقا من تقديراته. وفيما يخصنا، في جمعية الحركة من أجل الأمة وفي حزب الأمة، فقد اخترنا اختيارا استراتيجيا بالمساهمة في حركة 20 فبراير وبدعمها وتجويد أدائها بما يخدم المصالح العليا لبلدنا وشعبنا، وذلك على قاعدة الموجهات التالية: صيانة الهوية الكفاحية والنضالية لها، وصيانة توجهها السلمي المدني الحضاري، وصيانة استقلاليتها عن المخزن وفريق عمله وعن قوى الاستبداد والفساد المختلفة وعن الأجنبي، وصيانة تناقضها الرئيسي مع المخزن وفريق عمله.
ونحن نعتقد أن إحدى الإمكانيات المتاحة اليوم للضغط على القوى المتنفذة في بلادنا هي حركة 20 فبراير، ولذلك نحن مستمرون في دعمها والعمل من داخلها، وإذا طور الشعب المغربي هذه الحركة إلى مستوى أرقى على المستويين السياسي والنضالي، فلن نتخلف وسنكون حاضرين فيها بحول الله.
- أي مستقبل للفاعل الإسلامي في المغرب مع وصول حزب إسلامي لقيادة الحكومة الجديدة، ألم يفكر حزب الأمة في مراجعة خيار مقاطعة العملية السياسية؟
- قلت قبل قليل إن المشاركة السياسية هي الأصل، أما المشاركة الاستفتائية والانتخابية والمؤسساتية فهي مسألة اجتهادية تخضع للترجيح بين المصالح والمفاسد. وعليه، وفي ظل الشروط السياسية والدستورية المغربية الحالية، فإن الخيار السياسي الراجح يتمثل في مقاطعة لعبة المخزن الانتخابية والمؤسساتية مع العمل على تزخيم النضال الشعبي بغية تسريع الانتقال إلى الديمقراطية، وحينها ستنتفي موانع المشاركة الانتخابية والمؤسساتية، هذا هو تكليفنا كما نراه اليوم، وهو ما يحقق المناط هنا بنظرنا والله أعلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.