سان جرمان يتوج بالسوبر الأوروبي    هذا ما قضت به ابتدائية برشيد في حق المتهم في قضية الطفلة غيثة    خلاف بين حبيبين وراء واقعة رشق سيارة بالحجارة بتارودانت    منحة سنوية بقيمة 5000 درهم لأساتذة المناطق النائية    الحريق الغابوي بجماعة دردارة بشفشاون.. التحكم في ثلاث من أصل أربع بؤر كبيرة والطائرات تواصل عملها لإخماد البؤرة المتبقية    موريتانيا "تفاجئ" بوركينافاسو بالشان    يوسف بلعمري: العناصر الوطنية واعية بالمسؤولية الملقاة على عاتقها أمام زامبيا    سلوك اللاعبين في مباراة كينيا يُكلف الجامعة غرامة من "الكاف    صحيفة إسبانية: حكيمي يكسب "المعركة الأولى" نحو التتويج بالكرة الذهبية    المداخيل الجمركية بالمغرب تتجاوز 54,79 مليار درهم وتواصل صعودها    حرب تجارية تشتعل بين الصين والاتحاد الأوروبي    الزاوية القادرية البودشيشية: منير القادري يواجه شائعات التنازل عن المشيخة ويؤكد الثبات على القيادة    المغرب يحقق أول زراعة كلية بين متبرع ومتلقٍ بفصائل دم مختلفة    مع اقتراب انتهاء عقد أمانديس تدهور خدمات الماء والكهرباء يثير القلق في طنجة والحسيمة وتطوان    وفاة مبدع «نجمة أغسطس» و«اللجنة».. صنع االله إبراهيم    "آخر اختيار" يتوج بجائزة أفضل فيلم روائي بالهند    نادي سينما الريف يطلق أوراشًا لكتابة السيناريو للشباب    الطماطم المغربية تغزو السوق الدنماركية وتسجل نموا قياسيا في الصادرات    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر    واشنطن: الاعتقال بسبب الرأي مستمرفي المغرب.. والزفزافي معتقل تعسفيا.. و67% من القوة العاملة في القطاع غير المهيكل    "مناجم"... رقم المعاملات يبلغ 4،42 مليارات درهم عند متم يونيو 2025    المادة 17 من قانون المسطرة المدنية بين النظام العام والأمن القضائي    المغرب: إشعاع ثقافي متصاعد وتحديات تمثيل صورته في السينما الأجنبية    على بعد مسافة…من حلم    الناشط أسيدون يلازم العناية المركزة    المغرب يسجل 49.2° بالعيون وفوارق حرارة قياسية تصل إلى +17° خلال "الصمايم"    رواج ينعش استعمال "كتابة النساء" في الصين        الدكتور بوحاجب: غياب مراقبة الجودة أحيانا يفتح المجال أمام التلاعب بصحة الناس..!!    ذكرى استرجاع وادي الذهب.. المشاريع الملكية تحوّل الصحراء المغربية إلى قطب اقتصادي وتنموي متكامل    نائب يميني متطرف يستفز المغرب برفع العلم الإسباني على صخرة محتلة قبالة الحسيمة    أول تعليق للقوات المسلحة الملكية بخصوص واقعة فيديو "تعنيف مهاجر" قرب سبتة    وزراء خارجية 24 دولة يطالبون بتحرك عاجل لمواجهة "المجاعة" في غزة            تفشي بكتيريا مرتبطة بالجبن في فرنسا يودي بحياة شخصين ويصيب 21 آخرين    هل ‬دخلنا ‬المرحلة ‬ما ‬قبل ‬الأخيرة ‬لتطبيق ‬مقترح ‬الحكم ‬الذاتي ‬؟ ‬    إطلاق الصاروخ الأوروبي أريان 6 إلى الفضاء    راشفورد ينتقد يونايتد: "يفتقر إلى الخطط"    دول أوروبية تتوعد النظام الإيراني بإعادة تفعيل آلية العقوبات    فرنسا.. توقيف مراقب جوي بعد قوله "فلسطين حرة" لطاقم طائرة إسرائيلية    تراجع الدولار مع ترقب خفض أسعار الفائدة الأمريكية في شتنبر    الذكرى ال 46 لاسترجاع إقليم وادي الذهب.. ملحمة بطولية في مسيرة استكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية    تسكت تتألق في أمسية "رابافريكا"    بوتين يشيد بالقوات الكورية الشمالية    اعتقال شخص بعد إطلاق نار داخل مطار سيدني        دورة سينسيناتي لكرة المضرب: ألكاراس يتأهل لثمن النهاية    غزة: صندوق الثروة السيادية النرويجي يسحب استثماراته من 11 شركة إسرائيلية    عوامل تزيد التعب لدى المتعافين من السرطان    دراسة: استعمال الشاشات لوقت طويل قد يزيد خطر الإصابة بأمراض القلب لدى الأطفال والمراهقين    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المرواني: إسقاط الاستبداد والفسادهو طريقنا نحو الوحدة والتحرير
نشر في لكم يوم 22 - 01 - 2012

سنوات عديدة على دعوى "الانتقال الديمقراطي"، التي رفعها المخزن دون تحصيل تحول ديمقراطي حقيقي
في وقت ودعت فيه جماعة العدل والإحسان مركب حركة 20 فبراير الشبابية، التي خصصت يوم الأحد من كل أسبوع للتنديد بالفساد والاستبداد في المغرب والحلم بثورة شبيهة بالثورتين التونسية والمصرية، واختارت فيه حركة التوحيد والإصلاح، الحليف الإستراتيجي للعدالة والتنمية، قائد الحكومة الجديدة، يظل حزبا "الأمة" و"البديل الحضاري" وفيين لخيار دفع النظام السياسي في المغرب إلى ما يسميانه "مستحقات الانتقال الديمقراطي".
بيان مبررات اختيار المقاطعة الانتخابية للعملية السياسية في المغرب، وضرورة توفير شروط التغيير من زوايا أخرى، كانت دواعي رئيسة لإجراء حوار شامل مع رئيس حزب الأمة الإسلامي في المغرب، محمد المرواني.
ركز حوار "إسلام أون لاين" مع المرواني على ثلاثة مجالات، أولها قراءته للثورات العربية، وثانيها تأثيرها على قضايا الأمة، فيما خصص المحور الثالث لقراءته للوضع المحلي في المغرب وآليات تحقيق الانتقال الديمقراطي الحقيقي، مشيرا إلى غياب رؤية متكاملة للطيف الإسلامي المغربي في إدارة معركة محاربة الفساد والاستبداد، وفي الحوار اجتهادات سياسية من فاعل إسلامي لم يمنعه وضعه الصحي والمضايقات التي ألمت به، من الجهر بمواقفه الواضحة والصريحة من بنية النظام في المغرب وآليات تطويره.
وعلى مستوى الحالة المغربية، يميز المرواني بين زاويتين للتغيير من داخل النسق ومن خارجه أو ما يسميه بالسياق، مرجحا مقاربة "التغيير من خلال السياق كشكل إستراتيجي ورئيسي لاعتبار أن دخول الشارع في المعادلة التدافعية يجعل دفع الاستبداد والفساد مقدما اليوم على مجرد مزاحمتهما، وهو ما يفرض مقاطعة لعبة الاستبداد والفساد أولا، وتزخيم النضال الشعبي السلمي المدني وتطوير وتنويع أشكاله وصيغه ثانيا".
ويرى المرواني أن: "المشاركة السياسية هي الأصل، أما المشاركة الاستفتائية والانتخابية، فهي مسألة اجتهادية وتقديرية، وهي مرهونة بمقتضى الترجيح بين المصالح والمفاسد"، وفيما يلي نص الحوار:
قراءة الثورات العربية
- يعيش العالم العربي اليوم تحركات وانتفاضات اجتماعية. كفاعل سياسي إسلامي، كيف تقرأ التأثير الذاتي والخارجي في إنتاج هذه الانتفاضات؟
- العوامل الذاتية أو الداخلية هي الأساس في هذه الانتفاضات، أما العوامل الخارجية فهي عوامل مساعدة أو معرقلة ومشوشة، بحسب الحالة.
فتاريخ الاستبداد والفساد داخل أمتنا لم ينتج تنمية ولا نهضة ولا ديمقراطية ولا حقوقا ولا حريات، ولذلك مع أول وهلة أتيحت فيها الفرصة لشعوب الأمة للانتفاض والتحرك، كان ما كان. البداية كانت من تونس والنهاية لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى.
فالشروط الموضوعية للثورة كانت ناضجة، ولم يكن الأمر يحتاج إلا لمن يطلق الشرارة الأولى. أما العوامل الخارجية المساعدة فتمثلت في الزخم الشعبي، الذي يحدثه كل انتصار تحققه إحدى شعوب الأمة بالنسبة لباقي شعوب الأمة الأخرى.
أما العوامل المعرقلة والمشوشة فتمثلت في المحاولات الالتفافية على تلك الثورات من قبل بعض دول الغرب، التي فقدت الأمل في استمرار الأنظمة الاستبدادية العميلة التي كانت تساندها وتحمي مصالحها.
- هل يمكن أن نقول إن الحركة الإسلامية تخلفت عن صناعة هذه الانتفاضات، مما كذب التوجس الغربي من "البعبع الإسلامي" ولم يبق أمام الحركات الإسلامية إلا مجاراة المتغيرات السريعة؟
- لا يمكن التعميم هنا، ففي مواقع معينة كانت الحركة الإسلامية من القوى المساهمة في إطلاق تلك الانتفاضات، وفي مواقع ثانية التحقت بالثورة بعد أن اطمأنت وحاولت تدارك ما فاتها، وفي ساحات أخرى تخلفت فعلا وشككت في جدواها.
أما فيما يخص حزب الأمة في الحالة المغربية، فقد كنا من المساهمين في حركة 20 فبراير ومن الداعمين لها، بل نظمنا في 18 فبراير 2011 وقفة احتجاجية (أي يومين قبل انطلاق الحراك المغربي ) للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي ورفع المنع الظالم، الذي تعرض له حزب الأمة. وأصدرنا بيانا على إثرها كان من أبرز ما جاء فيه دعوة الشعب المغربي إلى المشاركة المكثفة في مسيرة 20 فبراير 2011.
- يتخوف البعض من أن يكون دعم الدول الغربية، خاصة أمريكا وفرنسا وبريطانيا، للانتفاضات العربية، بمثابة وصاية بقيت الحركات الإسلامية حائرة أمامها، بين تطلع للانعتاق وبين الخوف من السقوط في استعمار جديد؟
- الغرب فوجئ بالانتفاضات التي أطلقتها شعوب الأمة. وعلاقة فرنسا بالنموذج التونسي تقدم نموذجا حيا في هذا الإطار، يفند أطروحة وقوف الغرب وراء تلك الانتفاضات.
لقد حاولت وزيرة الخارجية الفرنسية المقالة تقديم الدعم والمشورة لنظام بن علي البائد في مواجهة الحراك التونسي، وكانت فضيحة سياسية ودبلوماسية حاول الرئيس الفرنسي تصحيحها فيما بعد، فكان ما كان من مواقف فرنسية في مصر وليبيا .... والأمر نفسه ينطبق على أمريكا والقوى الغربية الأخرى، التي تعمل جاهدة للمحافظة على نفوذها السياسي والدبلوماسي وعلى مصالحها الاقتصادية والأمنية والعسكرية.
في قضايا الأمة
- ما تأثير مثل هذه الثورات على قضايا الأمة، التي اعتبرت قبلها قضايا مصيرية مثل القضية الفلسطينية أو العراقية أو في وضع الأقليات الإسلامية عبر العالم؟
- أقدر أنه سيكون للثورات العربية تأثير إيجابي على قضايا الأمة بحول الله. ففي الماضي القريب، ناقش مفكرون في الأمة ثنائية التحرير والوحدة، بين قائل بأن الوحدة هي طريق التحرير، وبين قائل بأن التحرير هو طريق الوحدة. وأقول اليوم إن إسقاط الاستبداد والفساد للدولة القطرية التجزيئية داخل أمتنا هو طريقنا نحو الوحدة والتحرير وتحسن وضعية الأقليات الإسلامية عبر العالم.
- هناك اختلافات جوهرية بين مكونات الطيف الإسلامي حول آليات التغيير الراهن بين مندفع ومتردد، أي موقع يراه المرواني للتيار الإسلامي من المتغيرات الراهنة؟
- هناك مقاربتان في الرؤية التغييرية: إما التغيير من داخل النسق أو التغيير من خلال السياق (أي من خارج النسق). وأقدر أن الترجيح بين الأمرين يحتاج إلى أمرين: فقه الواقع، وفقه الواجب فيه، على حد تعبير ابن القيم الجوزية رحمه الله.
فالتغيير من داخل النسق يكون مجديا وفعالا في إحدى حالتين: أن يكون النسق له قابلية للتغيير، أي متضمنا في بنيته لقواعد التغيير، أو أن تكون القوى التغييرية من داخل النسق قادرة على تفكيك البنية الاستبدادية والإفسادية الداخلية للنسق لإحلال نسق تغييري محله.
أما التغيير من خلال السياق، فيكون مثمرا في إحدى حالتين أيضا: إما استعصاء البنية النسقية على التغيير، أو نضج الشروط الموضوعية للتغيير، وهنا تتم الاستعانة بالسياق لتفكيك النسق الاستبدادي والإفسادي.
بالنظر للمرحلة الراهنة، وضمن الحالة المغربية، أرجح مقاربة التغيير من خلال السياق كشكل رئيسي، وذلك لاعتبار أساسي هو أن دخول الشارع في المعادلة التدافعية يجعل دفع الاستبداد والفساد مقدما اليوم على مجرد مزاحمتهما، وهو ما يفرض مقاطعة لعبة الاستبداد والفساد أولا، وتزخيم النضال الشعبي السلمي المدني وتطوير وتنويع أشكاله وصيغه ثانيا، وفي المقابل لا تمنع هذه المقاربة من إمكانية الإفادة من عناصر الضعف الموجودة في بنية النسق لخدمة أهداف التغيير.
وعليه، فنحن اليوم في حزب الأمة، وضمن الشروط العامة مغربيا وعلى مستوى الأمة، مع مقاربة تركيبية تجمع بين مقاربة التغيير من خلال السياق كخيار إستراتيجي رئيسي مع الإفادة من ثغرات النسق، وذلك لتحقيق الأهداف المنشودة في الإصلاح والتصحيح والتغيير.
مقاربة الوضع المغربي
- هناك جدل إسلامي بين ثنائية: "من يحكم؟ وبما يحكم؟"، كيف يقارب المرواني الوضع المغربي وفق هذه الثنائية؟
- في الفكر السياسي الإسلامي لم يفصل الفقهاء والمتكلمون بين من يحكم وبما يحكم؟ إذ اعتبروا - في الراجح من أقوالهم - أن الشرعية السياسية:
*لا تنعقد إلا بشرعية التنصيب، وفيه جانبان: الأول، أن تقوم على الاختيار عن رضى وطواعية بلا جبر أو إكراه (وهو ما يطلق عليه في الخطاب السياسي المعاصر بانبثاق الحكومة عن صناديق الاقتراع، بما هي تجسيد للإرادة الشعبية)، والثاني، أن تمارس السلطة، لا أن تكون في خدمتها (وهو ما يصطلح عليه بكون الحكومة تحكم نفسها).
* لا تكتمل إلا بشرعية السياسات، أي سياسات تجلب المصالح أو تكثرها وتدرأ المفاسد أو تقللها.
وفي الحالة المغربية، وحيث إننا أمام نظام ملكي وراثي، لا يخضع فيه الملك للقاعدة الانتخابية، وحيث إن الملكية التنفيذية هي النظام السياسي والدستوري المغربي السائد إلى حدود اللحظة، لا تحقق مبدأ الاختيار ولا تجعل من الحكومة ممارسة للسلطة، بل مجرد خادمة لها، لأن رئيس المجلس الوزاري هو الملك، وهو المجلس، الذي يحدد التوجهات الإستراتيجية للدولة وغيرها من قضايا جوهرية كما ينص الفصل 49 من دستور 1 يوليو 2011، فإن السؤال الذي يترتب على كل هذا هو: كيف يمكن الجمع بين الملكية كشكل في النظام السياسي والاختيار كمضمون له، حيث الديمقراطية إحدى تجلياته في العصر؟
وبالتالي هناك حاجة إلى نظام دستوري وسياسي يوفر شرط شرعية تنصيب السلطة التنفيذية، باعتبارها سلطة معبرة عن الإرادة الشعبية من خلال انبثاقها بكامل مكوناتها من صناديق الاقتراع وقادرة على ممارسة السلطة لا مجرد خادمة لها.
- دافعتم، وأنتم معتقلون في ما يسمى ب"خلية بلعيرج" عن أطروحة مفادها أن "التغيير الديمقراطي ممكن.. ولكن"، ما هي عوائق تنفيذ هذا التحول؟
- تكمن عوائق تنفيذ هذا التحول في أربعة عناصر: أولها، استمرار التلكؤ في دفع مستحقات الدستور الديمقراطي، والعنصر الثاني، هو استمرار تسييد المقاربة الأمنية.
أما العنصر الثالث، فيتمثل في وجود فضاء حزبي مستعد للتعاون، ضمن صيغ متنوعة، مع الاستبداد والفساد، حيث أبانت التجارب السابقة أن كل من دخلوا ليغيروا، ضمن النسق السياسي والدستوري المخزني، هم من تغير للأسف الشديد.
أما العنصر الأخير، فهو حالة التنمية البشرية التي تعتبر نتاجا طبيعيا لواقع الاستبداد والفساد.
- ولكن ألا يعتبر رفض "حزب الأمة" التصويت على الدستور المعدل تراجعا عن المدافعة الديمقراطية من الداخل نفسها التي أسس عليها أدبياته؟
- المشاركة السياسية هي الأصل، أما المشاركة الاستفتائية والانتخابية، فهي مسألة اجتهادية وتقديرية، وهي مرهونة بمقتضى الترجيح بين المصالح والمفاسد.
وبالتالي، فقد نشارك في شروط حينما تترجح مصالح المشاركة، وقد نقاطع الاستفتاء والانتخابات إذا ترجح لدينا مفاسد تلك المشاركة على مصالحها وفق تقدير ما بحوزتنا من عناصر ومعطيات في الواقع لنقوم بالترجيح.
وبناء عليه، فليس لدينا أي تراجع في المقاربة، ومنهجنا التدافعي لم يتغير، وإذا كانت شهادة الواقع لا ترد، ففي الواقع اليوم ثلاثة ملامح أساسية:
أولها، وجود حركية سياسية مستمرة على امتداد أمتنا تروم وتتوخى إسقاط الاستبداد والفساد، وقد نجحت، إلى حدود اللحظة، في إسقاط ثلاثة أنظمة استبدادية في كل من تونس ومصر وليبيا.
وهذه الحركية ونتائجها تجعلنا نتطلع إلى أن ننجح، كمغاربة، في إنجاز التغيير ووضع بلادنا على سكة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية وغيرها من قيم أصيلة، فنحن لسنا بدعا من الأمم، فالمغاربة يستحقون أفضل بكثير مما هو معروض عليهم اليوم.
ثانيها، لقد مرت سنوات عديدة على دعوى "الانتقال الديمقراطي"، التي رفعها المخزن السياسي ببلادنا، دون تحصيل تحول ديمقراطي حقيقي، وإن كنا لسنا "عدميين" بعد حصول انفراجات، ولكنها ظلت انفراجات هشة، ولذلك لا يمكن القول إن لدينا في المغرب مكتسبات سياسية وحقوقية وديمقراطية نهائية، بل هي على الدوام معرضة للانتهاك.
واليوم تتاح أمامنا فرصة تاريخية غير مسبوقة من أجل الانتقال إلى الديمقراطية، وليس الانتقال الديمقراطي، وقطع دابر الاستبداد والفساد فكيف نضيعها ونفوتها ونهدرها؟ وهذا في نظرنا لا يجوز، لأنه لم يعد ممكنا منح مزيد من الفرص للمخزن السياسي وفريق عمله لإطالة عمر الاستبداد والفساد.
وثالث الملامح أن السلطة السياسية المخزنية المتنفذة في بلادنا تتعامل مع الحركية السياسية والاجتماعية (حركة 20 فبراير والقوى الداعمة لها) بمنطق استراتيجية الاحتواء والتهدئة: فهي توهم المجتمع ومكوناته بالاستجابة من جهة، وتقدم على بعض الإجراءات الشكلية. ومن جهة أخرى، تستمر في التصرف كما لو أن شروط المعادلة السياسية والاجتماعية لم تتغير، فتفرغ إجراءاتها الشكلية تلك من محتواها.
وعليه، فالذي يريد دفع مستحقات الانتقال إلى الديمقراطية يأتي البيوت من أبوابها، وصدق الله تعالى حيث يقول: (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة)، فكونهم لا يريدون الخروج، فقد كره الله انبعاثهم وثبطهم، فبقوا حيث هم، وهذه هي مشكلتنا في المغرب. فما يروج له على مستوى الخطاب شيء، وما يجري على الأرض شيء آخر.
نحن قاطعنا الاستفتاء على الدستور لأن المراجعة الدستورية لفاتح يوليو 2011 لم تلب انتظاراتنا في انبثاق دستور ديمقراطي. وقاطعنا الاستفتاء على الدستور لأنه لا يمكننا أن نساهم في إضفاء الشرعية على دستور يمنح الاستبداد والفساد عمرا جديدا. وقاطعنا الاستفتاء على الدستور وفاء لأرواح الشهداء وللضحايا وللمعتقلين المظلومين القابعين وراء القضبان. وقاطعنا الاستفتاء على المراجعة الدستورية لأننا لا نريد منح مزيد من الفرص للمخزن وفريق عمله للهروب من دفع مستحقات الانتقال إلى الديمقراطية.
- كيف ترى التضارب الإسلامي في التعامل مع احتجاجات 20 فبراير في المغرب، وما آفاق تلك الحركة بعد انسحاب جماعة العدل والإحسان منها؟
- كنا نتمنى أن تكون مقاربة مكونات الحركة الإسلامية في بلادنا لهذه الحركية السياسية والاجتماعية موحدة، بحيث نبلور في ضوئها استراتيجية عمل موحدة، وإن لم تكن فمتكاملة، نتوزع خلالها الأدوار فيما بيننا، فإن لم تكن فمشتركة نتبادل فيها الرأي والمشورة على حد القول المأثور:"اضرب الرأي بالرأي يتولد منه الصواب".
لكن لا شيء من ذلك حصل، فقد اختار كل مكون من مكونات الحركة الإسلامية مقاربة خاصة انطلاقا من تقديراته. وفيما يخصنا، في جمعية الحركة من أجل الأمة وفي حزب الأمة، فقد اخترنا اختيارا استراتيجيا بالمساهمة في حركة 20 فبراير وبدعمها وتجويد أدائها بما يخدم المصالح العليا لبلدنا وشعبنا، وذلك على قاعدة الموجهات التالية: صيانة الهوية الكفاحية والنضالية لها، وصيانة توجهها السلمي المدني الحضاري، وصيانة استقلاليتها عن المخزن وفريق عمله وعن قوى الاستبداد والفساد المختلفة وعن الأجنبي، وصيانة تناقضها الرئيسي مع المخزن وفريق عمله.
ونحن نعتقد أن إحدى الإمكانيات المتاحة اليوم للضغط على القوى المتنفذة في بلادنا هي حركة 20 فبراير، ولذلك نحن مستمرون في دعمها والعمل من داخلها، وإذا طور الشعب المغربي هذه الحركة إلى مستوى أرقى على المستويين السياسي والنضالي، فلن نتخلف وسنكون حاضرين فيها بحول الله.
- أي مستقبل للفاعل الإسلامي في المغرب مع وصول حزب إسلامي لقيادة الحكومة الجديدة، ألم يفكر حزب الأمة في مراجعة خيار مقاطعة العملية السياسية؟
- قلت قبل قليل إن المشاركة السياسية هي الأصل، أما المشاركة الاستفتائية والانتخابية والمؤسساتية فهي مسألة اجتهادية تخضع للترجيح بين المصالح والمفاسد. وعليه، وفي ظل الشروط السياسية والدستورية المغربية الحالية، فإن الخيار السياسي الراجح يتمثل في مقاطعة لعبة المخزن الانتخابية والمؤسساتية مع العمل على تزخيم النضال الشعبي بغية تسريع الانتقال إلى الديمقراطية، وحينها ستنتفي موانع المشاركة الانتخابية والمؤسساتية، هذا هو تكليفنا كما نراه اليوم، وهو ما يحقق المناط هنا بنظرنا والله أعلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.