"كان" الشباب: المنتخب المغربي يتأهل إلى نصف النهائي بانتصاره على سيراليون ويحجز مقعدا له في مونديال الشيلي    المغرب يتوقع ارتفاع صادراته لمصر إلى 5 مليارات درهم بحلول 2027    الحكومة تقر بغلاء أسعار العقار بالمغرب وتؤكد أن برنامج دعم السكن حقق أهدافه    مؤسسة وسيط المملكة تحتضن اجتماعات المجلس الإداري للمعهد الدولي للأمبودسمان    رسميا: أنشليوتي يقود منتخب البرازيل    بلجيكا تدين مغربيا متورطا في عمليات كبرى لتهريب الكوكايين ب 12 سنة سجنا    مندوبية السجون: الزفزافي استفاد من ثلاث رخص استثنائية لزيارة أقاربه المرضى    "حماس" تسلم الرهينة الإسرائيلي الأمريكي عيدان ألكسندر للصليب الأحمر في غزة    بوروندي تجدد دعمها الراسخ لمغربية الصحراء وسيادة المملكة على كامل أراضيها    الخزينة العامة للمملكة تكشف المداخيل الجمركية    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    أكادير.. الانطلاق الرسمي للدورة ال21 من تمرين "الأسد الإفريقي"    15 فيلما مطولا تتنافس في الدورة 25 لمهرجان خريبكة الدولي للسينما الإفريقية    سلطات دار أقوباع تمنع تجار الفخار من احتلال الملك العمومي    حزب الاستقلال يعقد الدورة العادية للمجلس الاقليمي بالعرائش    حكيمي أفضل لاعب إفريقي في فرنسا    الحكومة تعتزم إحداث "وكالة وطنية للأطفال المحتاجين إلى الحماية"    فرنسا تتوعد برد حازم على الجزائر بعد طرد مزيد من المسؤولين    طائرة طبية تنقل مولوداً مصاباً بكتلة في العنق.. وفرق طبية تتدخل بسرعة    مصرع شاب في حادثة سير مميتة بإقليم الدريوش    بابا ليو الرابع عشر يطالب بإنهاء العنف في غزة وإيجاد تسوية سلمية في أوكرانيا    الفنان سعيد الشرادي يحيي حفلا فنيا بمدينة مراكش    الطائر والمحار والسمكة.. عرض مسرحي صامت أبهر الصغار والكبار بالرباط برسائله العميقة وحِكَمه الصينية    أحزاب المعارضة بالبرلمان تقترب من إسقاط حكومة أخنوش وهذا مضمون الملتمس    الداخلية ترخص ل"الجمعية" بعقد مؤتمرها الوطني في بوزنيقة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    مبيعات الإسمنت تجاوزت 4.52 مليون طن عند نهاية أبريل الماضي    انعقاد عاجل للمجلس الوزاري يُغيّب أخنوش عن جلسة المساءلة في البرلمان    القضاء يمنع مصطفى لخصم من مغادرة التراب الوطني بعد متابعته بتهمة تبديد المال العام    نداء العيون-الساقية الحمراء: الدعوة لتأسيس نهضة فكرية وتنموية في إفريقيا    أمريكا والصين تتفقان على خفض الرسوم الجمركية وتهدئة التوتر التجاري    شركة الدار البيضاء للخدمات تنفي توقف المجازر في عيد الأضحى    حريق مهول يلتهم قيسارية عريقة في بني ملال وخسائر مادية جسيمة دون إصابات    نور الدين الحراق ل"رسالة 24″: القرار الجبائي الجديد في الهرهورة يهدد القطاع بالإفلاس    ترامب يشيد بالحصول على طائرة رئاسية فاخرة من قطر    حزب العمال الكردستاني يعلن حل نفسه وإنهاء الصراع المسلح مع تركيا    أشرف حكيمي يتوج بجائزة "فيفيان فوي" كأفضل لاعب أفريقي في "الليغ 1"    مبابي يحطم رقم زامورانو القياسي    الرجاء يحتفي بأطفال مدينة الداخلة    ماذا نعرف عن أسباب وأعراض متلازمة مخرج الصدر؟    النفط يرتفع أكثر من 3% متأثرا بالتفاهم التجاري بين أمريكا والصين    هذه هي حقيقة توقف مجازر الدار البيضاء في عيد الأضحى    الجيش الملكي يتأهل لعصبة الأبطال الإفريقية    ندوة علمية بالحسيمة تسلط الضوء على التراث الثقافي بإبقوين ورهانات التنمية السياحية    "ريمالد" تنشر لعثماني عن الحكومة    الآلاف يتظاهرون في باريس للتنديد بتصاعد الإسلاموفوبيا في البلاد    بطولة فرنسا.. ديمبيليه يفوز بجائزة أفضل لاعب في الدوري    المغرب والصين: تعاون استراتيجي يثمر في التصنيع والطاقة الخضراء    اختتام فعاليات الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفيلم بالحسيمة(فيديو)    الصحراء المغربية تلهم مصممي "أسبوع القفطان 2025" في نسخته الفضية    البيضاء تحدد مواعيد استثنائية للمجازر الكبرى بالتزامن مع عيد الأضحى    إنذار صحي في الأندلس بسبب بوحمرون.. وحالات واردة من المغرب تثير القلق    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



“حديث العتمة”.. فظاعات التفاصيل في تجربة اعتقال سبع رفيقات
نشر في لكم يوم 21 - 05 - 2019

تطرح رواية “فاطنة البيه” سؤالا مركزيا كيف يكون مصير من يحلم بوطن ورغبته القصوى أن يتخلص من بقايا التبعية وذيول الاستعمار أن يكون مصيره السجن والمنفى؟.
فاطنة البيه.. تكتب بصوت لم ينكسر بأعماقها… ولم تنهزم حبائلها وظلت تبتسم في وجه السجان والجلاد معا…
فاطنة بعبارة صغيرة هي “امرأة تسكن فوهة البركان، امرأة لا تنحني، لا تقول نعم، فاطنة ليست بنتا، إنها رجل حديدي…” كما تصف نفسها.
فاطنة اغتصبت أنوثتها.. هويتها … وهي ذاك الجسد الرقيق المرهف الذي يحمل في نوازعها دفاعا لا يستكين عن الدفاع عن فعل الحرية مهما كان الثمن… وهذا ما تخطه عن تجربتها في” حديث العتمة “.
حصارات العتمة
تصيح فاطنة بكل قوتها ” أنا امرأة ولست رجلا “.. ذاك هو التحدي داخل ردهات العتمة… لكن كيف يمكن أن تثبت أن الربيع القادم والمؤجل يحفل بكل أنواع الزهور والخصوبة في حصار ذكوري مضروب بعناية وإحكام.
تحمل الشخصيات معاناتها وواقعيتها معها.. والوصف واقعي بالنعت والمنعوت.. فالشخصيات بمرجعيات ثورية : وداد ، مارية، وغيرها. وفاطنة تود الخروج عن العتمة إلى نور النص كتابة وتخليدا لفعل مشين حتى لا يتكرر.
تحضر الذاكرة بقوة في الرواية.. بالتفاصيل الدقيقة والمؤلمة.. عن عالم من العتمات والظلام يجرد من انسانية الكائن البشري.. والكتابة هنا احتفاء واحتفال بهذا الكائن المجرد من كل شيء .. من انسانيته وهو فقط مجرد رقم.. لا عنوان ولا هوية له.. وهو عالم مظلم يهوي في الجب السحيق للألم ونحر الذوات.. فاطنة تحمل كل هذا وأكثر.. ومعها حصارات العتمة.
بين زمن الكتابة وزمن الاعتقال.. هناك مسافة تتمدد بجسد يطوي الأحزان برحلة عشرين عاما.. ذاك سؤال الذاكرة و وهي تسترجع التفاصيل ولعبة الحكي.. في عمليات الإسترجاع والبوح بما حفلت به النفس والذات من مرارات ومن عنف ومن اغتراب ومن أيام فرح ومرح ومن حلم جيل أجهضت كل أحلامه وما تبقى منها وطمس تفاصيلها جملة وتضليلا.
سبع رفيقات وحكاية
سبع رفيقات يحكين هوان الجلاد وفاطنة ساردة تتقن جمع التفاصيل وترويها بشكل انسيابي… . لطيفة، والنكية وخديجة ووداد ومارية… تقول لطيفة: “قضينا أربعة أشهر بهذا المعتقل السري، كنا سبع فتيات من بين أزيد من مائة معتقل، كنا ننام في الممر، بينما ينام الذكور داخل القاعات. وللتمويه على وجود إناث داخل المعتقل، كان ينادى علينا بأسماء الذكور، فكنت أدعى سعيد أو الطويل أو الدكالي” ص123 ، يكبر صوت الحزن بذات فاطنة صارخة: “جردوني من اسمي و أسموني رشيد” قالت وداد: .”مع ملاحظة أن الحراس عينة من البشر، تنعدم لديهم أدنى المشاعر الإنسانية، قال أحدهم مرة لصاحبه، أرأيت هؤلاء الفتيات، يردن أن يدخلن عالم السياسة، وأن يقمن بأعمال الرجال، اختر معي أسماء رجال لهن. وهكذا اختاروا لكل واحدة منا اسم رجل” ص115.. وحده القهر يعوي بين النفوس.. ووحدها ذكورية تمارس ساديتها بغنج.. ومعتقلات تختلف حيطانها وعنابرها بين الضيق وضيق الضيق.. ووحده القهر يعوي في النفوس يترك مخالبه بين الرفس والصفع والماء القذر لكل من حاولت أن تصدح بممانعتها.
عمر الرفيقات لا يكاد يتجاوز اثنان وعشرون عاما.. في عمر الزهور.. جميلات يحملن رائحة الأرض وعطر الربيع ويعشقن سعي الأطفال الى المدارس وعودة العمال من المعامل والفلاحين من الحقول ومشروعا يحبل بالثورة وبالحرية.. نساء يحملن في أحشائهن ذاكرة مفعمة بصوت الجماعة والكرامة الانسانية ومعها سادرة تأبى النسيان….. ذاك هو حديث العتمة.
فظاعات التفاصيل
من أقبية إلى مجاري مهترئة.. إلى سجون تحكي زمن الاعتقال..عن صورة الجلاد الذي لا يتغير إلا قليلا ليصنع من نفسه جلادا قويا بأقعنة مختلفة.. وعن الأجساد الضعيفة المنهكة.. اللواتي حولن الصمت إلى درجات عالية من القهقهات ومن برد الزنازن دفئا يسري في شرايين الرفيقات وهن يصدحن “على العهد صامدات “.. و”على درب الرفيقات مكافحات”. ووحده الحديد كما وخز الجلاد يصدئ ووحدها القطبان تبصر على ترجيديا المأساة.. والقمل الموغل في الجسد يسافر.. والفئران والصراصير تصبح صديقة تقتات على ما تبقى من الأجساد المنهكة.. ووحده الألم يغلف فظاعة التفاصيل..ولاشيء ينشر فرحة إلا بقرب الزيارات يعكرها عبوس حارسات يعشن تجربة الاعتقال ويعتقدن أنهن في مصايف الحرية وربيعها.
بطلات العتمة
لم تكن فاطنة البيه وهي تكتب تمجد نفسها كبطلة أسطورية خالدة.. بل قاسمت فعل البطولة مع معتقلات أخريات تذوقن من لهيب تجربة الاعتقال.. عن رفيقات دربها بين مخافر الشرطة.. كانت شاهدة عما عاشوه من أهوال..وكان نص العتبة حافلا ومعبرا وشهادة صادقة عما عاشوه من أهوال يندى لها الجبين.
حديث العتمة هو عتمة مرفقة بالصمت وعن مشاهد من تفاصيل الذل بدقة متناهية.. عن يوميات القهر والاذلال..عن أمية حارسات ينفذن الأوامر دون نقاش يذكر….تتخطى فاطنة المشاهد اليومية لتغوص في عمق المشاهد البائسة بعمق ونفس سوسيولوجي مرفق بتحليل عميق… من تكون هي وسط هذه العتمة؟؟.
تحكي فاطنة عن معتقلة تلد طلفة اسمها ” إلهام ” وقدر الطفلة أن تتذوق مرارة العنابر.. وعن اغتصاب مزدوج لطفولة وجدت نفسها بين مصيدة السجان… تحكي فاطنة زحمة العنابر.. وقيظها.. عن طقوس الأفراح الصغيرة والمؤجلة.. وعن الأحزان المكلومة في النفوس والخواطر.. وعن استغلال جهدهن وطاقتهن.. كل ذلك في تسلسل دراماتيكي وعن غربة قاتلة بين عنابر الاذلال.
لأنها ترفض القهر وصور المسكنة تحكي فاطنة عن واقع النساء ضمن ردهات السجن.. بين السرد المفصل أسلوبا وبلغة شاعرية تحكي عن الضرب والرفس وصور الاضطهاد على امرأة حامل.. عن سيدة يأتيها المخاض على حين غرة في المرحاض.. تقدم صورا من المعاناة ومن ظلم لا ينتهي.. كان كل حلمها أن تخطه حديثا على شكل سيرة شخصية وجماعية عن حلم جيل بكامله تحمل الكثير من أحزانها ومن ظلم الجائرين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.