الوقت انتهى... مجلس الأمن يصوت غدا على قرار يتبنى الحكم الذاتي كحل نهائي لنزاع الصحراء المغربية    الوكالة الوطنية للموانئ تخطط لاستثمارات بقيمة 3.3 مليار درهم بين 2026 و2028 لتعزيز البنيات التحتية والرقمنة    جديد الكاتب والباحث رشيد عفيف: "كما يتنفس الكلِم".. سيرة أحمد شراك كما لم تُروَ من قبل    البطولة.. الديربي البيضاوي بين الوداد والرجاء ينتهي بلا غالب ولا مغلوب    لا غالب ولا مغلوب في مباراة "ديربي الدار البيضاء" بين الوداد والرجاء    وزيرة خارجية إيسواتيني تجدد من العيون تأكيد دعمها لمخطط الحكم الذاتي وتشيد بالدينامية التنموية بالأقاليم الجنوبية    رسميا.. رفع سن ولوج مهنة التدريس إلى 35 سنة بدل 30 سنة    المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني يتفقد جاهزية الترتيبات الأمنية لمباراة الديربي البيضاوي    الحسين الشعبي يوقع "لوزيعة" بمعرض الكتاب بالرباط    الحكومة تعلن تأجيل تسديد قروض "فرصة" لمدة سنة لفائدة حاملي المشاريع    تعليق الرحلات البحرية بين طريفة وطنجة بسبب سوء الأحوال الجوية    تشكيلتا الوداد والرجاء للقاء "الديربي"    الدرك يفتح تحقيقا في وفاة شخص بعد تناوله مادة حارقة نواحي اقليم الحسيمة    عرض فني بالدارالبيضاء بمناسبة المؤتمر العالمي للفلامنكو    مؤشرات لفقدان التوازن داخل التحالف الثلاثي: رئيس البام يطلق اتهامات «طحن الورق» في خبز المغاربة    بعد غارات إسرائيلية ليلية دامية .. حزن وخشية من عودة الحرب في غزة    اللعبة انتهت: العالم يصطف خلف المغرب والجزائر تخسر آخر أوراقها في الأمم المتحدة    جلول صمصم : انطلاق المشاورات في الأقاليم ال 75 لاعداد جيل جديد من برامج التنمية الترابية    إنقاذ قارب للهجرة السرية على متنه 22 مغربياً أبحروا من سواحل الحسيمة    ملامح الحزن ومأزق الوجود في ديوان «أكثر من شجرة أقل من غابة» للشاعر علي أزحاف    المعارضة الاتحادية بمجلس النواب تدقق في القضايا الكبرى في مشروع قانون المالية    بتنسيق مغربي إسباني.. تفكيك شبكتين دوليتين وحجز 20 طناً من الحشيش داخل شحنات فلفل    "منخفض جوي أطلسي" يجلب أمطارا وزخات متفرقة نحو الشمال المغربي    ملاعب الرباط تستعد: "الأمير مولاي الحسن" و"البريد" يحتضنان معارك الملحق الإفريقي للتأهل لمونديال 2026    حركة "جيل زد"... فرصة لإعادة المعنى للسياسة! (1)    تعيين محمد الطوزي عميدا لكلية العلوم الاجتماعية بالجامعة الدولية للرباط    التوقيع على ملحق اتفاقية استثمارية بين المملكة المغربية ومجموعة "رونو المغرب"    دعوات للنيابة العامة من أجل التحقيق في تصريحات التويزي حول "طحن الورق"    المديرية العامة للأمن الوطني تعقد شراكة مع شركات التامين الفرنسية    جلسات ماراطونية لمحكامة جيل زيد بكل من طنجة والعرائش والقصر الكبير    السياحة المغربية تلامس أفق 18 مليون سائح... و124 مليار درهم من العملة الصعبة حصاد مرتقب    لامين يامال يشتري قصر بيكيه وشاكيرا    جرائم ‬بيئية ‬ترتكبها ‬معاصر ‬الزيتون ‬تهدد ‬الموارد ‬المائية ‬بالمغرب    "أكاديمية المملكة" تصدر موسوعة "مناظرة العلوم الإنسانية والاجتماعية" في 4 مجلدات    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    مهرجان الدوحة السينمائي يعلن عن لجنة تحكيم المسابقة الدولية للأفلام الطويلة    "سباق التناوب الرمزي المسيرة الخضراء" يصل محطة طرفاية-العيون    غوارديولا يتطلع إلى عودة مرموش لكامل لياقته    إعصار "ميليسا" العنيف يضرب جامايكا ويسبب خسائر في الأرواح    الساكنة الحقيقية لمخيمات تندوف... عندما تنكشف أكاذيب النظام الجزائري    صقور الصّهيونية    قيمة شركة "إنفيديا" تقترب من مستوى 5 تريليونات دولار القياسي    مقتل جندي إسرائيلي في قطاع غزة    شباب المحمدية يبسط سيطرته على صدارة القسم الثاني    بنسعيد يترأس حفل تنصيب لجنة تحكيم الجائزة الكبرى للصحافة    شيخوخة اللسان!    إجراءات الحكومة تساعد على الحفاظ على استقرار أسعار السمك في مستويات معقولة    سقوط عشرات القتلى في قطاع غزة    مندوبية السجون تعلن الإغلاق النهائي لسجن عين برجة    النمل يمارس التباعد الاجتماعي عند التعرض للأمراض والأوبئة    دراسة حديثة تحذر من مغبة القيادة في حالة الشعور بالإرهاق    مواد سامة وخطيرة تهدد سلامة مستعملي السجائر الإلكترونية    اكتشاف خطر جديد في السجائر الإلكترونية يهدد صحة الرئة    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    المجلس العلمي الأعلى يضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الملف الأمازيغي على ضوء التحولات الجارية
نشر في لكم يوم 15 - 08 - 2012


محاولة في القراءة
في البدء؛
لقد دخل الملف الأمازيغي في مرحلة جدّ دقيقة وحسّاسة جديرة بأن تحظى بالعناية الفائقة واليقظة المتبصّرة من قِبل كافة النشطاء الأمازيغ والمتتبعين لكل شأن من شؤونها، وذلك بفعل جملة من المعطيات والاعتبارات التي استجد بها واقع منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط مما انعكس على مسار هذا الملف. وقد ساعد على بروز هذه المعطيات الجديدة انهيار جدار الصمت والخوف والجمود في مجتمعاتنا مقابل ذلك بقي ببعض الأفراد وبعض الهيئات في حالة شرود أمام الوثيرة المتسارعة للأحداث وتحطيم جزء كبير من الأصنام والأوتان التي بات التبرّك بها يقترب من باب الواجبات الوطنية أو كاد، والتي قد تسقط الانتماء إلى الوطن عن كل من أشهر عقوقه وكُفره بها. إن المرحلة تفرض لزاماً على الفاعلين الأمازيغيين على وجه الخصوص، في كل في كل موقع، البحث عن السّبل المثلى التي ستمكّن من التدبير العقلاني والتوجيه الحكيم للملف الأمازيغي نحو الرّسو في شاطئ الآمان، سيّما وأن التحولات الجارية تدخل في صميم لحظة تاريخية فاصلة لم يسبق لها مثيل بغية وضع اللّبنات الأساسية للمشروع الأمازيغي الذي لم يكن يوماً مشروع لغة ولا مشروع فن كما قد يتصوره البعض، وإنما مشروعاً حضاريا وتاريخيا من شأنه قيادة مسيرة تغيير ملامح شمال أفريقيا نحو الأفضل بناء على مدخل الثقافة والهوية وكل ما يمكن إدراجه ضمن خانة الرساميل الرمزية.
وعلى الرغم من قوة التحولات المستمرة لا زال الكثيرون في اجتهاد متواصل قصد فرملة عجلة الثورة الثقافية التي تعيشها منطقة شمال أفريقيا والتي تروم مصالحته مع ذاته والشروع في بناء كيانه الاجتماعي والثقافي والسياسي وتثبيت الأسس القاعدية لشخصيته المتفردة عبر التاريخ مهما تكن الاكراهات التي تفرضها بعض النزعات النكوصية ذات التوجه المحافظ. ولابد، في اعتقادي الشخصي، من استحضار مجموعة من المعطيات الهامة وإيلائها المكانة اللازمة في التحليلات السياسية والثقافية للفاعلين الأمازيغ حتى يتمكّن الشباب الأمازيغي في المغرب وغيره من إدراك بعض العناصر الأساسية في الملف الأمازيغي آناً ومستقبلاً وكل المؤثرات التي سيكون مفعولها، ولا شك، مهمّا في توجيهه ورسم معالم مستقبل أجياله. ومن هذه المعطيات نذكر ما يلي:
1. انفتاح وتواصل غير مسبوق بين الأمازيغيين؛
إنّ من بين ما ميّز هذا الجانب تكاثف المجهودات والإرادات من أجل تجاوز العوائق النفسية التي تم تأسيسها وتكبيل العلاقات البينية للأمازيغ سواء على المستوى الداخلي أو على المستوى الخارجي، ومحاولة رهنها ببعض الملفات التي لا يد للأمازيغ فيها ولا مصلحة لهم من وراءها. كما أن بداية الظهور التنظيمي لأمازيغ تونس لهو بداية مرحلة جديدة في تغيير بعض التصورات والأحكام تجاه حقيقة وواقع التركيبة الاثنية والثقافية لهذا البلد فضلا عن تاريخه العميق.
أما الشجاعة والبسالة المنقطعة النّظير التي عبّر عنها أمازيغ ليبيا في مسلسل الإطاحة بأحد أعمدة المشروع الاستبدادي الشمولي بشمال أفريقيا المتمثل في معمر أبو منيار الكَدّافي وتفكيك شبكاته العنصرية الداخلية والخارجية لجديرة بالاهتمام والمتابعة بالتحليلات الكافية وبداية عودة ليبيا تدريجيا إلى مرحلة، وإن لم تكن كسابقتها في عهد الكَدافي، فإنها من الصعب أن تكون على مقاس الحرية والديموقراطية المنشودة، وهي مرحلة على كل حال قضت على الديكتاتور وبعض أعوانه ولم تقض بعد على الايديولوجية المحتضنة للديكتاتورية، سيّما وأن تغيير الدهنيات والعقليات الإقصائية والدوغمائية في ليبيا اليوم يتطلب مراساً ومخاضاً غير يسير ولكنه غير مستحيل لأن تجارب الكثير من الشعوب التي عاشت مثل هذه التحولات لم تخلُ من مثل هذه الأشياء.
أما بالنسبة للطوارق فإن ضخّ دماء جديدة في شرايين العلاقات معهم وتقويتها أكثر من ذي قبل من قبل باقي الأمازيغ سواء في منطقة شمال أفريقيا أو في الخارج ومحاولة الاجتهاد في تكسير نمطية الصورة التي رسّختها الإيديولوجيات الشمولية الأحادية بالمنطقة من شأنه اكتشاف جزء من الذات والتصالح معه، وقد ساهم في هذا المسار مختلف التطورات الميدانية المتسارعة فير المحسومة بعد.
وهناك كذلك اكتساب مخاطبين جدد على صعيد المجال المصري للتعبير عن قضايا أمازيغ منطقة سيوا وغيرها من المناطق المصرية الأخرى التي يتواجد بها الأمازيغ. في حين ظلت العلاقات البينية، رغم قوتها ومتانتها، بين الأمازيغ وبين اخوانهم في الجزائر تعيش بعض الاستقرار الناتج عن انشغالهم، على ما يبدو، بوضع الصيغ الملائمة للتخلص من الاستبداد من جهة والتأمل في تجارب الآخرين المفضية إلى سقوط الديكتتورية من جهة أخرى. وهو انشغال ليس بالهّين سيّما وأن استحضار مسار الجزائر إبان العقدين المنصرمين يوحي بالكثير من التوقعات والمفاجئات التي لم يساهم الزمن إلا من شدة وطأتها من دون شك. وقد لعبت وسائل الاتصال الحديثة (المواقع الالكترونية والمدونات والشبكات الاجتماعية) دوراً أساسيا لا يمكن إلا التشبّث بها والتي عوضّت حرمان وهجران الشباب الأمازيغي للمقرات الحزبية والمنتديات الفكرية التي تحتضنها الهيئات والتنظيمات الأمازيغية التي لم يسلم بعضها من التعسفّات المستمرّة للسلطات الحاكمة بالمنطقة وتوخي منطق المحافظة الاجتماعية والسياسية من قبل جزء مهم من النخبة الثقافية والسياسية الأمازيغية إلى الآن. ويظل هذا النوع من الاعلام هو المتنفس الأكثر تداولاً لدى إيمازيغن سيّما الجيل الجديد من الشباب لما يتميز به هذا الجنس الإعلامي من خصوصية ملموسة (هامش التعبير والحرية، ممكنات التواصل والسرعة في الآداء ثم الامتلاك الذاتي).
وراتباطاً بنفس المحور، لا يمكن تجاوز قوة حضور الأمازيغ في أوساط الجالية في أوربا الغربية وأمريكا وغيرها ليس فقط المغاربة لكن أمازيغ مختلف البلدان ونسج علاقات جديدة مبنية على الوعي بالمصير المشترك وتقاسم الاكراهات التي تطرحها التحديات التي يواجهونها، ومساهمتها في التأثير على القرارات السياسية المتخذة في مجال الأمازيغية في بلدانهم الأصلية.
2. عودة ترتيب العلاقة مع السلاح.
إن امتلاك السلاح من جديد من قبل الأمازيغ، أو جزء منهم، خصوصاً في ليبيا والطوارق سيكون له مفعول إيجابي على نفسية باقي أمازيغ شمال إفريقيا، كما سينعكس بشكل مباشر على تسريع وثيرة تقعيد المؤسسات التنظيمية التي تُعنى بالدفاع عن حقوق الأمازيغيين خصوصاً في المجال السياسي ومحاولة تفعيلها. كما سيشكل بداية التفكير في نسج علاقات تعكس قوة واقع ومستقبل المنطقة بين النخب السياسية والنخب العسكرية من جديد بغية وضع محاور المشروع السياسي الأمازيغي على طاولة النقاش رغم تنامي مكايد الخصوم. وما من شكّ أن ترتيب هذه العلاقة سيساهم لا محالة في تراجع موقف النّخب الحاكمة في بقية دول شمال أفريقيا من قيام تنظيمات سياسية أمازيغية والتحول بالملف الأمازيغي من المطالبة والاستجداء إلى المشاركة والفعل والتقرير في مصير المجتمع جنباً إلى جنب. وأن فكرة رفض التمثيلية السياسية للأمازيغ في بلدانهم من طرف البعض يصعب تبريرها أمام وقوف بعض التيارات الإيديولوجية سدّا منيعاً أمام مأسستها وإنصافها، وكون هذه التيارات بسلوكياتها السياسية وجمودها الإيديولوجي الرافض للأمازيغية والتحايل على القوانين والأطر المؤسساتية تعبّر، وبكل وضوح، عن أسسها الإثنية والدينية التي يتخذها المشرّع المغربي ذريعة لمصادرة حقوق الأمازيغ في التمثيل السياسي داخل مؤسسات الدولة. هذا بالإضافة إلى نكران بعض التجارب الناجحة في بعض الدول التي تشبه المغرب في ما يتعلق بالتدبير السياسي لأسئلة الهوية. وتقى التمثيلية السياسية للحساسية الأمازيغية في المشهد السياسي قائمة ولا مفرّ منها طال الزمن أو قصر، لأن المغرب لم يكن يوماً أكثر فهماً لأسئلة الهوية تنظيراً وتطبيقاً من غيره من البلدان التي طُرحت فيها منذ عقود. وربما التحايل السياسي القانوني لمنعها وتأخيرها قد يساهم في تراكم مشاكل يستعصي حلها في المستقبل، ولنا في الكثير من البلدان أكثر من عبرة في هذا الباب.
3. احتضار المشروع المضاد أو الخصم
إن استمرار مسلسل انهيار الأعمدة القطرية للمشروع الاقصائي لكثير من الاثنيات والقوميات في بلدانها والذي ابتدأ على الأقل منذ تفكيك نظام صدام حسين في بلاد الرافدين والانهيار المدهش بسرعة البرق لنظام/ اللانظام معمر الكَدافي وبالطريقة التي انتهى إليها كما شهدها العالم، فضلاً عن استمرار التآكل الداخلي والاستنزاف الذاتي لسوريا الأسد. وبات من شبه المؤكد عدم تصور عودة هذه التوجهات الإيديولوجية اللاديموقراطية المبنية على الأحادية الفكرية والثقافية والمعادية لفضيلة التعدد وقيم العيش المشترك الى رحاب السلطة والتحكّم في زمام الأمور وتوجيه مصير باقي المكونات الاثنية والدينية والثقافية وغيرها في المجالات الوطنية التي أداروها بقبضة من حديد منذ ما يقارب نصف قرن من الزمن. كما أن تفكّك العلاقة بين هذه الأنظمة المنهارة وبين بعض عناصر النخبة الثقافية والسياسية بالمغرب هو مؤشر لا يقل أهمية، وهو ما جعلها أي هذه النخبة تعيش حالة احتضار حقيقي يجب الوعي بها خاصة على المستوى النفسي نتيجة لوقع الصدمة التي تلقتها تباعاً مصادر قوتهم المادية والرمزية. لكن مقابل كل ما وقع، ماذا عن الوقع العكسي للصدمة عينها على البنية النفسية وعلى الوعي الجماعي برهانات المستقبل بكل ما يتطلبه الوعي بهذه المعطيات من طرف الأمازيغيين والديموقراطيين على حد سواء؟
كما أن تخلّي جزء مهم من النخبة السياسية والثقافية والحقوقية عن بعض مرتكزات المشروع القومي والتي لم تعد تقبل بالمساواة وثقافة حقوق الإنسان كما تمت صياغتها في المشرق ولم تعد لهم القابلية اللازمة لاستهلاك مضامين مشروع المتطرفين سواء في نزعته القومية أو نزعته الدينية، وتحول الكثير منهم نحو الاهتمام بالذات وبالشخصية الوطنية، بل بدأنا نرى اليوم بعض خصوم الأمس يُقبلون على التعبير عن طموحهم نحو لعب أدواراً معينة في الملف الأمازيغي مستقبلا بعد وعيهم العميق بفشل مشروعهم ووصوله الى نقطة اللاّعودة. لكن ماذا هيأ الأمازيغ مرة أخرى لكل هذه التحديات والمعطيات التي لم يتم استحضارها بعد واستثمارها بشكل يوازي عمق هذه التحولات التي قلّما يجود بها الزمن؟ سؤال يبو لي أنه معلق إلى حين. إن المشاريع الفكرية المبنية على فكرة الأحادية القسرية ومحاولة ابتلاع الآخرين تبدو اليوم في صورة جثة هامدة بعضها ما يزال في غرفة الانعاش وبعضها الآخر في غرفة غسل الأموات كما جسّدته جثة القدافي لحظات قبل أن يصبح مدفوناً بدون عنوان كما هو حال المظلومين في عهده وهم في مقابر جماعية ما يزال بعضها مجهول العنوان إلى اليوم.
4. بناء علاقات قوية مع أصدقاء الأمازيغ في مناطق هيمنة المشاريع الإقصائية
إن تبادل التلويح بعناق العَلَمَين الأمازيغي والكردي في المغرب وسوريا وسط التظاهرات الشعبية في المجالين معاً ليعدُّ مؤشراً رمزيا قويا، ما من شكّ أنه يصعب أن يمرّ هذا الحادث من دون تحليل المضامين والدلالات الرمزية التي يوحي بها ذلك المشهد. كيف لا، وأن التاريخ يطلعنا على كثير من النماذج التي تتماهى فيها الهوية التي يتطلع إليها الفرد أو الجماعة مع هوية ألّد "الأعداء" استنجاداً ببعضهم البعض لمواجهة الطغيان والظلم الذي قد يتعرضون إليه . حدث ذلك كما قلت مع "الأعداء"، فما المانع من أن يحدث مع غيرهم. المهم من كل هذا هو موقعة الأمازيغ من خريطة العلاقات الخارجية والجيوستراتيجية على ضوء ما يجري ومحاولة عرض هذا الملف أمام أنظار عوالم أخرى مثل العالم التركي وغيره عبر الوساطة الكردية في سوريا وتركيا. ولا ينبغي الاكتفاء بهذا المعطى، بل لابد من استثمار العديد من المؤشرات التي تدخل في هذا لصالح تثبيت الديموقراطية القائمة على الاعتراف الفعلي بالتعدد والتنوع وإيجاد السبل المثلى لتدبيره تدبيراً معقلنا يقطع مع استنبات عقليات الدمار والإقصاء.
5. المطالب الأمازيغية من صميم مطالب حركة 20 فبراير المجتمعية
لم يعد ملف المطالب الأمازيغية مقتصراً على الحركة الأمازيغية بتنظيماتها المتعددة والمتنوعة في الداخل وفي الخارج، بل أصبح في ملكية الحركة المجتمعية التي وُلدت مع التطورات التي شهدتها منطقة شمال إقريقيا والشرق الأوسط والتي تشبه كثيراً ما أطلق عليه في بعض الأدبيات الفكرية ب"الكتلة المجتمعية التاريخية"، باعتبارها فعلاً إطاراً جماعيا أتاح ممكنات النقاش الجماعي بين كل الملل والنحل وأعاد تركيب أجزاء المشهد السياسي والثقافي تمهيداً للفرز من جديد وتوضيح الصورة بشكل يجعل المشارك والمتتبع والمعارض يفهم قواعد اللعبة في حدودها الدنيا رغم المؤشرات غير السارة يستبطنها المشهد السياسي ببلادنا. وأن تملّك هذه الكتلة للملف المطلبي الأمازيغي نابع بالضرورة من تملّك إرادة الدفاع عن المطالب الديموقراطية والمشروعة للشعب المغربي بدون عقلية التجزيء، خصوصاً وأن الحركة الحقوقية والديموقراطية ببلادنا وبعض النخب الفكرية والثقافية كما أسلفت انفتحت كثيرا على المطلب الأمازيغي. ومن هذا المنطلق لابد للحركة الأمازيغية أن تستحضر قوة وجسامة العبء الذي قاسمته معها حركة العشرين من فبراير والمتمثل في رسمية اللغة الأمازيغية، مما يعني ضرورة تقدير هذا المعطى والنجاح في تحديد الخصوم الحقيقيين والحلفاء الموضوعيين آناً ومستقبلاً.
6. الرهان التنظيمي أو السؤال الضامن للاستمرارية
ويظل هذا المعطى هو الأقوى في نظري من حيث فعّاليته في حسم بعض من المواقف والضّامن الأساسي لاستمرارية رعاية المشروع السياسي الأمازيغي أمام من تستوطنهم إيديولوجية الوصاية على الآخرين والحديث باسمهم والتخطيط لمستقبلهم في غيابهم. ولا نستغرب خلال كل لحظة يثار فيها الشأن التنظيمي ولملمة القوى وحشد الطاقات من تسارع بعض الجهات، بنية القصد أو غيرها، إلى تحوير النقاش وتوجيهه إلى وجهات لا طائل من وراءها سوى تعطيل مشروع الأجرأة والتنفيذ بالنسبة للأمازيغية وفرملته ما أمكن والتحكم بالتالي في الوتيرة الزمنية في محاولة لإخضاعه لمنطقهم في ترتيب القضايا والأولويات. ولست في حاجة للخوض في استدلالات مطولة لإثبات صحة هذا الرأي خصوصاً إذا استحضرنا الطريقة الفجّة والمقرفة التي تُتعامل بها الأمازيغية في مؤسسة من المفروض منها أنها تمثّل صوت الشعب أكثر من مرتين في أقل من شهر.
وهي مناسبة ليكون فيها أمازيغ ليبيا على وعي تام بأهمية التنظيم/ التنظيمات السياسية والإسراع في تكوين أنوية خاصة بهذا الموضوع الملح، لأن ما يعيشونه اليوم شبيه، في تقديري، بما عاشه أمازيغ المغرب إبان لحظة تشكيل خلايا الحركة الوطنية خلال عقد التثلاثينيات والأربعينيات من القرن المنصرم. لا ينبغي الانشغال بمطلب الدسترة دون أو أقل من الانشغال بآليات حماية الدسترة وضمان ديمومة كافة الحقوق المرتبطة بها. فاللحظة مواتية لتجاوز فارق الخمسين سنة الذي عاشه أمازيغ المغرب خصوصاً وأن الحساسية الإسلامية والحساسية القومية بدأت تهيكل قواعدها وأتباعها في تنظيمات سياسية والعمل على تثبيتها في مؤسسات الدولة.
ختاماً؛ أرى ضرورة انشغال الفاعلين الأمازيغيين ببقية المعطيات والروابط والمؤشرات بالتحليل والتفكيك وإعادة تركيب الصورة من جديد والتي قد تُيسّر سبل هيكلة وتنظيم المشروع الأمازيغي بما يّمكّن من تعبئة أكثر صموداً واستعداداً لمواجهة الرهانات والتحديات التي تنتظر الأمازيغية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.