قال فتح الله أرسلان نائب الأمين العام، الناطق الرسمي باسم جماعة العدل والإحسان، إن المغرب دخل في أزمة سياسية حقيقية جراء الانكشاف المتنامي للطابع التسلطي للنظام المغربي، معتبرا أن من تجلياته الأخيرة استغلال الجائحة لبسط هيمنة الداخلية والأجهزة الأمنية، وانطلاق الترتيب لعملية انتخابية مهجورة شعبيا وفارغة سياسيا بسقطة القاسم الانتخابي الشهيرة. ودعا أرسلان، في حوار مع موقع "لكم"، نخبة المغرب إلى صنع نموذج جديد لمغرب آخر ممكن، تضمن فيه حقوق الجميع، ونؤسس لميثاق صلب من الاختلاف والتعايش، ونؤسس لإرادة عمل جادة نشيد بها ما نفخر به أمام الأمم. تضييق شامل على الحقوق والحريات وبخصوص تقييم جماعة العدل والإحسان للوضع الحالي في المغرب خاصة على المستويين الحقوقي والسياسي، قال أرسلان، ماذا تنتظر أن يكون عليه الوضع في ظل بنية سياسية استبدادية فاسدة، تلغي الإرادة الشعبية، ولا تعتبر عمل المؤسسات، وتحتكر الثروة من قلة متنفذة، وترتكز على الريع، وتغيب فيها قيم المحاسبة والشفافية واستقلال القضاء، مشيرا إلى أن كل هذا لا يمكن إلا أن ينتج وضعا في غاية السوء، تتزايد فيه درجة الاحتقان والتوتر يوما بعد يوم، وفي عناد ومكابرة من المسؤولين هي أشبه بالغيبة والشرود عن الواقع، وضع يضع البلد على سكة المجهول ويبعده عن الاستقرار اللازم لكل تقدم وتنمية. أما على المستوى الحقوقي، فقد أكد الناطق الرسمي لأكبر حركة إسلامية معارضة في المغرب، أن النظام بات واضحا أنه يمضي في مسار التضييق الشامل على الحقوق والحريات، وبشكل فج ومكشوف، مبرزا أنه تجاوز مصادرة حرية الرأي والتعبير (ما يقع مع منجب والريسوني والراضي وبوعشرين وعدد من المدونين ومعتقلي الريف وجرادة وطرد الطلبة…) إلى منع الاحتجاج والتظاهر (ما وقع مع الأساتذة والممرضين وحتى المحتجين في يوم الأرض الفلسطيني…) إلى التضييق على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية (قرار الإغلاق الليلي في رمضان دون إتباعه بتدابير الدعم المادي لأصحاب المحلات والمقاهي. سخط شعبي وجوابا عن سؤال حول كيف تنظر الجماعة للاحتجاجات التي تشهدها مجموعة من المدن، ومجموعة أخرى من الفئات المهنية والقطاعية، قال أرسلان لموقع "لكم"، الاحتجاجات تمتد وتتمدّد إلى العديد من المدن وتشمل الكثير من الفئات المهنية، فهي متكاثرة مجاليا وقطاعيا، معتبرا إياها تعبير صريح عن أن الوضع السياسي -الذي يتحكم في المجالين الاجتماعي والاقتصادي- مصاب بالعطب والخلل، وأن التسويق الإعلامي الرسمي والبروباغندا إذا كان من شأنهما الخداع لبعض الوقت فإنه سرعان ما ينكشف الواقع على حقيقته المرة. خاصة حين تنتهج السلطة خيارا مركزيا يقضي بتعامل الأجهزة الأمنية مع الاحتجاجات بالعنف والقمع والمنع. وأكد الناطق الرسمي للتنظيم المعارض، على أن الذي ينبغي الوقوف عنده مطولا في هذا الصدد، أن تلك الاحتجاجات الاجتماعية، على تنوعها وتعدد فاعليها، ترسل إشارات ودلالات سياسية واضحة مفادها أن التدبير السياسي يفضي إلى الكثير من المشكلات والأزمات المجتمعية ولا يحظى بالقبول والرضى الشعبي العام. الجماعة والقمع وردا على ما يتردد كون الجماعة في حالة "الانتظارية"، أوضح القيادي الإسلامي، أن مثل هذا الكلام يتكرر كل فترة وحين، مؤكدا أنه لو كان صحيحا لتركوا العدل والإحسان لانتظاريتها السلبية وترقبها الجامد، ولما اتهموها عند كل حراك وفعل مجتمعي، ولما امتدت إليها يد الحصار والقمع والمنع والسجن والإعفاء والتشميع والتجسّس. وأكد المتحدث، على أن العدل والإحسان في الميدان، تقوم بدورها الذي انتدبت نفسها له؛ تربية وتعليما وتثقيفا وتأطيرا ونضالا، منحازة لمجتمعنا الأصيل ولاختياراتنا الدعوية والسياسية، مبرزا أننا لسنا في حاجة إلى تأكيد ما نحن عليه وما نعيشه، فالواقع أكبر من أي كلام، والخبر ما ترى لا ما تسمع. العمل المشترك وعلى مستوى تحالفات الجماعة، وعملها المشترك مع باقي القوى المعارضة، اعتبر أرسلان أن العمل المشترك خيار أصيل في منهاج الجماعة، تقول به قناعة مبدئية وحكمة سياسية، وتجتهد وسعها لتطوير تجسيداته وأشكاله العملية، وقد كانت لها، وتكون بعون الله تعالى، مبادرات في هذا الصدد، موضحا أن ضابطها الموقف السياسي المنحاز لمطلب الشعب المغربي في الحرية والكرامة والعدالة والرافض لواقع التسلط والاستبداد والفساد لا اشتراك الخلفية الإيديولوجية كيفما كان لونها. وأبرز القيادي، أن هذا الخيار يفرض نفسه أكثر فأكثر مع الوقت ومع تعدد وتنوع التجارب، قد يأخذ صبغة حقوقية تارة واجتماعية تارة أخرى، في أفق أن يتشكل في مشروع سياسي شامل لا مناص عنه لبناء مغرب قوي ومستقر. تجربة العدالة والتنمية أوضح فتح الله أرسلان، على أن تجربة حزب العدالة والتنمية في التدبير الحكومي، والتي وصلت سنتها العاشرة، أكدت على ما كنا نقوله ونحذر منه؛ من كون الحاكم الفعلي في المغرب لا ينبثق عن صناديق الاقتراح ولا يخضع للإرادة الشعبية، وأن الحكومة والبرلمان مؤسسات شكلية وهامش على متن الحكم. وفي ذات السياق، أبرز المتحدث على أن مقولة الإصلاح من الداخل التي تم تسويقها للإيهام أن تغييرا ما ممكن، أكد الواقع أنها مستعصية ومتعذرة في ظل شروط الإذعان وغياب فعلي للسلطة الحقيقية، وأكدت أن التنازل عن المبادئ والتخلي عن استقلال القرار السياسي يمكن أن يمضي بالحركات والتيارات والأحزاب إلى الانسلاخ عن ذاتها والتنكر لسيرتها الأولى. وقال أرسلان، ان التجربة أكدت أيضا أن تعاطي الدولة مع حراك 2011 لم يكن برغبة حقيقية في الإصلاح والتغيير، وأن تدابير السلطة حينها، من تعديل للدستور وإجراء انتخابات مبكرة وتشكيل حكومة ومؤسسات جديدة، كان المراد منها الالتفاف على مطالب الشارع ليس إلا، لتستعيد السلطوية بعد زمن قصير حقيقتها الاستبدادية ولتطل علينا بوجهها المخزني المكشوف. رسائل أرسلان ولم يفت المسؤول بالجماعة، مخاطبة نخبة المغرب؛ "هيا بنا نصنع نموذجا جديدا لمغرب آخر ممكن، تضمن فيه حقوق الجميع، ونؤسس لميثاق صلب من الاختلاف والتعايش، ونؤسس لإرادة عمل جادة نشيد بها ما نفخر به أمام الأمم". أما بخصوص فئات الشعب؛ فقال أرسلان، "لا يمنعنّ بحث كل منا عن تحسين ظروف عيشه الصعبة من التكاثف الجماعي للبحث عن حل جدري لمشكلاتنا الاجتماعية والسياسية، وألا ينسينا همنا الفردي والجماعي في دنيا التدافع والاختبار مصيرنا الأخروي هناك بين يدي الرحيم الغفار". الجماعة ما بعد وفاة المرشد أما بخصوص ما الذي تغير داخل جماعة العدل والإحسان بعد مرور سنوات على وفاة المرشد، قال الناطق الرسمي لموقع "لكم"، من حيث الهوية والمرجعية، والقناعات الكبرى والاختيارات الكلية والغايات الرئيسة، العدل والإحسان هي نفسها كما تركها الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله، لم تُغيّر ولم تَتغير، مضيفا أنه لا يظنها مَزِيّة يُحمَد فاعلها أن يغير من طبيعته وهويته وذاتيته التي أنشأها على هدى من النظر الفاحص والتأمل الهادئ والشورى البانية والبناء المؤسسي وطلب السداد من الكريم الوهاب، بل إن الثبات والرسوخ والأصالة قيم محمودة في دنيا الفكر وعالم السياسة وميدان التدافع الحضاري. وأضاف، إلى جانب هذه الأصول والركائز والكليات التي تشد كل حركة إلى ركن متين، يأتي كما عند كل حركة راشدة وإنسان عاقل، مساحة التطوير والتعديل والتصويب والاستدراك والتجاوز، وهي الأشياء التي تشمل الوسائل والبنيات والأهداف المرحلية، وهو ما نقوم به بشكل دوري ودائم، عبر مؤسساتنا المعنية وتقاريرنا الولائية والسنوية والمرحلية ومشاريع التطوير التي لا تنتهي.