منظمة الصحة العالمية تحذر من الزيادة السريعة في استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية    ناسا تكشف عن صور جديدة للمذنب 3I/Atlas القادم من خارج النظام الشمسي    بونو وحكيمي يجسدان المجد المغربي    المنتخب المغربي يواجه نظيره البرازيلي في أقوى قمة دور الربع وعينه على انتزاع تذكرة العبور إلى النصف    غوغل تطلق أداة جديدة للبحث العلمي    وزارة الاقتصاد والمالية تصدر ميزانية المواطن لسنة 2026    تدشين غرفة التجارة المغربية بإيطاليا في روما    الإنصاف أخيرا لأشرف حكيمي..    الأمن الوطني ينفي شائعة تعرض طفل للعنف داخل مدرسة بالمغرب ويؤكد تداول الفيديو وقع خارج البلاد    بورصة البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الانخفاض    مناورات مشتركة بين قوات المارينز الأميركية ونظيرتها المغربية تختتم في الحسيمة    المنتخب النسوي للفوتسال يجري آخر حصة تدريبية قبل لقاء الأرجنتين    المغرب والولايات المتحدة يعززان التعاون العسكري بتمرين ميداني بالحسيمة    توقيف 4 أشخاص يشتبه ارتباطهم بشبكة اجرامية تنشط في تنظيم الهجرة غير المشروعة والاتجار في البشر    أمريكا تقدم "خطة السلام" في أوكرانيا    المغرب ‬يعزز ‬ريادته ‬البنكية ‬في ‬إفريقيا ‬ويتقدم ‬التصنيف ‬القاري 3 ‬بنوك ‬مغربية ‬ضمن ‬أفضل ‬20 ‬بنكًا ‬    منشور جديد يوجّه النيابات العامة إلى تفعيل مستجدات المسطرة الجنائية وتقييد فتح أبحاث الجرائم المالية    نقابات التعليم ترفض الإقصاء وتلوّح بالعودة للاحتجاج في حال عدم وفاء الوزارة بالتزاماتها    الملك يبارك اليوم الوطني لسلطنة عمان    منتخبات ‬وفرق ‬وطنية ‬تواصل ‬التألق ‬وتخطيط ‬متواصل ‬يجعل ‬من ‬كرة ‬القدم ‬رافعة ‬تنموية ‬كبيرة    مونديال 2026.. جزيرة كوراساو الضيف المفاجأة    النموذج ‬المغربي ‬في ‬السياسة ‬الخارجية ‬يرتكز ‬على ‬بناء ‬الثقة ‬عوض ‬التوجس ‬التعاون ‬بدل ‬العزلة    وسط ‬تفاؤل ‬المغاربة... ‬مخزون ‬السدود ‬الوطني ‬يرتفع جهود ‬كبيرة ‬لتدارك ‬التآخر ‬الحاصل ‬في ‬إنجاز ‬المشاريع ‬المائية ‬الكبرى    لجنة "الحقيقة والمساءلة" في وفاة "الراعي الصغير" تدعو للاحتجاج    "إطلاق أربع رصاصات تحذيرية".. إحباط عملية تهريب كبرى بغابة الرميلات    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    تقرير: نصف عبء خدمة الدين الطاقي في إفريقيا تتحمله أربع دول بينها المغرب        أوكسفام: "ثروات الأثرياء" في ارتفاع    مسيرة احتجاجية للكونفدرالية الديمقراطية للشغل بالمحمدية ضد إدارة فندق أفانتي    وسيط المملكة: شكايات المغاربة انتقلت من تظلمات بسيطة إلى تفاعلات اجتماعية    غرفة الصيد الأطلسية الشمالية تبحث تنظيم العلاقة التعاقدية بين المجهزين والبحارة    ممرضو التخدير يراسلون الوسيط ويطالبون بإطار واضح للمهام والمسؤوليات داخل المستعجلات        كيوسك الخميس | العدالة المجالية قضية مركزية في مسار حماية حقوق الإنسان    منظمة الصحة تحتاج إلى مليار دولار    كأس ديفيس: المنتخب الايطالي يتأهل لنصف النهاية على حساب نظيره النمساوي    لفتيت: الدولة تقف على مسافة واحدة من الجميع والمنظومة الجديدة تحصّن الانتخابات    توقعات أحوال الطقس لليوم الخميس    كيف تناول الإعلام الفرنسي تتويج أشرف حكيمي بالكرة الذهبية الإفريقية 2025؟    معمار النص... نص المعمار    لوحة لغوستاف كليمت تصبح ثاني أغلى عمل فني يباع في مزاد على الإطلاق    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يعلن عن تشكيلة لجنة التحكيم    "صوت هند رجب" يفتتح مهرجان الدوحة السينمائي2025    مهرجان الناظور للسينما والذاكرة المشتركة يخلد اسم نور الدين الصايل    جمعية منار العنق للفنون تنظم مهرجان العالم العربي للفيلم التربوي القصير في دورته العاشرة    الأكاديمية الفرنسية تمنح جائزة أفضل سيرة أدبية لعام 2025 إلى الباحث المغربي مهدي أغويركات لكتابه عن ابن خلدون    رياض السلطان يستضيف جاك فينييه-زونز في لقاء فكري حول ذاكرة المثقف    القصر الكبير تاريخ مجيد وواقع بئيس    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    ارتفاع معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال والمراهقين بواقع الضعف خلال العقدين الماضيين    أطباء يوصون بتقليل "شد الجلد" بعد الجراحة    باحث ياباني يطور تقنية تحول الصور الذهنية إلى نصوص بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي    دراسة أمريكية: الشيخوخة قد توفر للجسم حماية غير متوقعة ضد السرطان    الإنعاش الميداني يجمع أطباء عسكريين‬    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نقد نظرية المؤامرة في ربيع الثورات العربية
نشر في لكم يوم 26 - 02 - 2013

كثيرة هي القراءات والتحليلات التي قدمها مفكرون وسياسيون وخبراء ونخب مثقفة والتي حاولت فهم ظاهرة ما بات يعرف إعلاميا بالربيع العربي، وبعد أكثر من سنتين من انطلاق شرارة أحداثه من تونس مع فرار بن علي وسقوط نظامه الاستبدادي وانتقال الشرارة إلى مصر وتونس وليبيا وسوريا...مازالت ثورات الربيع العربي تثير الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام، من قبيل هل كان بإمكان حراك الشارع العربي أن ينجح في بعض بلدان الربيع العربي وإسقاط أنظمتها لولا التدخل الأجنبي؟ وهل العامل الخارجي هو الذي حسم أمر إسقاط أنظمة الاستبداد في بعض البلاد العربية؟ وهل يمكن الافتراض بأن الثورات العربية كانت بفعل مخطط أجنبي؟ أم كانت نتيجة طبيعية لاستبداد أنظمة الحكم ومصادرتها للحريات وتجبرها واستحواذها على مدخرات الأمة وخيراتها؟
وقد كان للانحياز العلني للإعلام الغربي مع الحراك الشعبي والدعوات العلنية التي ظهرت من البيت الأبيض وغيره من صناع القرار الغربي لرموز الأنظمة الدكتاتورية إلى التخلي عن الحكم، كما حدث مع بن علي ومبارك وأيضا حملات الدعم التي قامت بها في البداية خصوصا قنوات إعلامية عربية معروفة بولائها للسياسات الغربية في المنطقة بل وحتى الصهيونية دورا كبيرا في هذا الالتباس والغموض . وإذا كان من الصعب الجواب على هذه الأسئلة في بداية الأحداث، نظرا لتسارعها وتتابعها، إلا انه كلما استقرت الأمور واتجهت إلى صورة أكثر وضوحا، كلما سهل فهم وتحليل المشهد في كل أبعاده الإستراتيجية.
في البداية حدث استقطاب وانقسام حاد بين المحللين ومراكز الدراسات كل واحد حاول تقديم قراءته للأحداث حسب موقعه السياسي والأيديولوجي والمصالح التي يمثلها. فهناك من رأى أن الربيع العربي كان عفويا، وثورة حقيقية ضد الأوضاع الكارثية في العالم العربي، وكانت هذه وجهة نظر قناة الجزيرة وما تمثله من مصالح عرابيها وممونيها وأصحاب الحل والعقد فيها، وبعض الإعلام العربي الآخر في بعض مراحل الأحداث. الذي لم يؤيد هذا المنحى وشكك فيه، أتى بأسئلة وتحليل وجيه يقوم على أن انتفاضات الربيع العربي ليست عفوية إلى الحد الذي يصوره الإعلام المرتبط بالدوائر الأمريكية والغربية عموما، وقد تزعم هذا الرأي عدد من المفكرين كمحمد حسنين هيكل والفيلسوف التونسي مازري حداد مؤلف كتاب "الوجه المخفي للثورة التونسية، الأصولية والغرب: تحالف محفوف بالمخاطر الكبرى"، حيث يستعرض في هذا الكتاب وثائق يقول أنها تثبت أن الأجهزة السرية الأميركية ابتدأت منذ عام 2008 بتدريب الشباب العربي أو بعضهم على كيفية تفجير الثورات عن طريق الفيسبوك وبقية الأجهزة المعلوماتية الحديثة. إضافة إلى البروباغندا الهائلة التي مارستها قناة الجزيرة. يضاف إلى ذلك انه من المؤكد أن أوباما هو الذي ضغط على قادة الجيش لكي يتخلوا عن بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر، وكان له ما أراد وبالتالي فهذا الربيع العربي تم التخطيط له بشكل مسبق ووقع الجميع في الفخ دون أن يدروا. بل إن تسمية الربيع العربي نفسها ليست عربية وإنما كان أول من استخدمها الإعلام الفرنسي والغربي عموما. ويرى مازري حداد أن هذا الربيع سوف يتحول إلى خريف بل وشتاء أصولي قارس. فالمستفيد الوحيد منه الذي سيقطف ثمرته هو الحركات الإسلاموية على حد تعبيره. وأخيرا يرى أن الغرب سيندم كثيرا على فعلته تلك، إذ قبل التحالف مع الإخوان المسلمين. هذا باختصار شديد ملخص الأطروحة الذي يذكرنا بنظرية المؤامرة التي يتبناها محمد حسنين هيكل أيضا. لكن السؤال الذي يمكن أن نطرحه على مازري حداد وهيكل هو التالي: هل يمكن للمؤامرة أن تنجح لولا أن هناك عوامل مساعدة على نجاحها؟
وهناك من ذهب إلى أن الربيع العربي كان عملية استباقية للغرب للإطاحة بالخطر الإسلامي المتنامي، سيما جماعة الإخوان المسلمين وتحجيم دورهم وقوتهم. فحسب هذا التحليل ليس هناك أفضل وسيلة لتوريط الإسلاميين مثل إشراكهم في الحكم ومن ثم التضييق عليهم وخلق الظروف غير المؤاتية لتأدية دورهم ودفعهم للفشل ومن ثم توريطهم مع قواعدهم الشعبية، فهذا آخر ما توصلت إليه بعض الدوائر الخاصة بعدما أدركوا أن أكبر خطأ استراتيجي مواجهة التيار الإسلامي بالقوة، ويبدو ذلك جليا في مصر وتونس وليبيا وحتى المغرب. فالربيع العربي عند هؤلاء مؤامرة( ناتجة جزئيا على الأقل عن تفاهم بين أمريكا والإخوان المسلمين. وقد ساهم طيب رجب أردوغان زعيم الإخوان المسلمين الأتراك الذي أصبح عرابا للأنظمة الإخوانية) يقول الدكتور السوري هاشم صالح في كتابه 'الانتفاضات العربية في ضوء فلسفة التاريخ'، قبل أن يتابع توضيح مضمون هذا الاتفاق (يقتضي هذا الإتفاق بأن يقوم الإخوان المسلمون بتحييد الجناح الأكثر تطرفا في الحركة الإسلامية ك'القاعدة' وسواها مقابل أن تسهل أمريكا رحيل الأنظمة كمبارك وبن علي وتسلمهم مفاتيح الحكم .(إن الأمر يتعلق بصفقة حسب هذا التحليل.
لا شك أن تفسير ظاهرة الربيع العربي بهذه التفسيرات التي ترتمي في أحضان المؤامرة، يؤدي إلى قتل روح المبادرة والأمل لدى الشعوب العربية ويزيدها شعوراً بالإحباط واليأس من كل شيء حولها، ويصور تلك الشعوب بأنها دمى محنطة يسيرها كل من يريد بحسب ما يريد، وقد سمعنا كلاماً كثيراً مشابهاً من العديد من المثقفين والمتنورين يصب في خانة نظرية المؤامرة. بالطبع فإننا يجب أن نفرق بين الدوافع الحقيقية لقيام الربيع العربي وبين ما آلت إليه الأمور بعدها بعد دخول القوى الخارجية وركوبها موجة الانتفاضات الشعبية واختراقها وهندسة نتائجها فيما بعد، مستغلة عفوية هذه الانتفاضات وافتقادها للقيادة والمشروع الفكري والسياسي، ولا يعني هذا أن نختزل الأمر كله بمؤامرة خارجية فالحقيقة والواقع اعقد من هكذا تصور وتحليل.
إن خيار الشعوب وتضحياتها هو خيارٌ موجود وأصيل، ونتيجة طبيعية لظروف هذه الشعوب. وأي تجاوز له هو تسطيح لقيمة هذه الشعوب، وقدرتها على الفعل. ولحسن الحظ أن الشعوب لا تقتنع بهذه النظرة التي تقول ان إنجازها الإيجابي الذي حققته بعد عقود من الظلام ليس إلا تطبيقا لإرادة غربية، وإلا لتحطمت معنوياتها و لعجزت أن تتقدم إلى أي خطوة أخرى. لقد مثل الربيع العربي بحق قنبلة انفجرت بعد أكثر من نصف قرن من الاحتقان المتواصل والتهميش وامتهان الكرامة الإنسانية و ممارسات بشعة تقوم بها أنظمة استبدادية شمولية أليغارشية لم يشهد التاريخ لها مثيلاً،قهرت الشعوب وأحاطت بها جدار غليظ من الجوع والحرمان والظلم والقهر والاضطهاد الذي لو تم تسليطه على الحديد لذاب مع شدة بأسه ،أما غياب المشروع المجتمعي والحضاري أوما يسمى بالنظرية الثورية وغياب القيادة عن هذه الثورات فذاك حديث و نقاش آخر، وهو تحدي مطروح على النخب المثقفة ومسؤوليتها التاريخية لصياغة مشروع الأمة . رغم أننا نقر أن حديث المؤامرة في بعض أحواله لا يعتبر حديثاً كاذباً، لكن الإيمان به والتحرك على ضوئه، يُضعف ويشتت أفكار الأفراد والشعوب عن نفسها. نعم، نحتاج إلى الحذر من المخططات الصهيوأمريكية، ومن الاستعمار في نسخته الحديثة المتجسدة في الرعاية الغربية وسياسة العولمة والسوق الحر والشركات المتعددة الجنسيات. و لكن لنتذكر أن الشعوب لن تنجح في الوقوف ضد أطماع مستبد الداخل أو مستعمر الخارج بلا إيمان بقدرتها على الفعل.
ويمكن القول أن حتى الذين تحدثوا عن المؤامرة لم يستطيعوا إنكار العوامل الموضوعية التي أدت إلى انطلاق شرارة أحداث ما يسمى الربيع العربي . وبالتالي رغم توكيدهم على نظرية المؤامرة إلا أنهم يعترفون بمشروعية الانتفاضات الثورية العربية. فحكم الاستبداد المخابراتي للحزب الواحد أو حتى للعائلة الواحدة على الصعيد السياسي الذي ميز الأنظمة العربية، والفساد والرشوة والمحسوبية على المستوى الاقتصادي، والبطالة الكثيفة الهائلة التي تصيب الشباب العربي من جهة ثالثة، كل ذلك يشكل عوامل موضوعية لانفجار الربيع العربي. وبالتالي فالأرضية كانت مهيأة تماما لذلك الانفجار. وأميركا رغم جبروتها لا تستطيع أن تخلق الأشياء من عدم. وهذا يعني أنه بمؤامرة أو دون مؤامرة كان الوضع ينتظر شرارة فقط لكي ينفجر. وهذا ما حصل عندما ضغطت الأجهزة الأميركية على الزر واندلعت شرارة الثورات. "فمهندسي" الربيع العربي- بهذا المعنى- لما أدركوا أن نضج الشعوب قريب وان الإصلاح الحقيقي مسألة حتمية وان الظروف الإقليمية والدولية نضجت إلى حد كبير بعد وصول دعم الغرب للأنظمة الاستبدادية والكيان الاسرائيلي إلى طريق مسدود، اضطروا إلى تفقيس البيض قبل الأوان حتى يولد الفرخ ميتا أو على الأقل وأد ثمار الثورة والإصلاح المنشود، وبالتالي تفادي إصلاح حقيقي في المنطقة ،إصلاح يعي الغرب تمام الوعي انه لو حصل فانه سيهدد مصالحه الإستراتيجية. على هذا النحو تصبح نظرية المؤامرة مفهومة وتتخذ أطروحة جدية ومعقولية. فالمؤامرة ضمن هذا التفسير لم تعد مؤامرة تقريبا وإنما أصبحت عبارة عن استغلال ذكي لوضع جاهز للاستغلال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.